حسين الصدر يكتب عن المحكمة الاتحادية العراقية والمحاصصة السياسية

حسين الصدر

-1-

لا نذيع سراً اذا قلنا :

ان اختزال المناصب الكبرى في البلاد من قبل الكتل السياسية النافذة، وإبعاد الاخرين من ذوي الكفاءة والمهارة والخبرة والنزاهة والوطنية عنها هو من اسوء المفارقات المرة التي شهدها (العراق الجديد)، ذلك أنّ المحاصصات السياسية جعلت السلطويين في وادٍ والجماهير العراقية التي تئن تحت وطأة الحرمان وسوء الخدمات والبطالة في وادٍ آخر .

-2-

والمؤسف انَّ الجهات السياسية العراقية أصمّتْ سمْعَها ولم تُصغ على الاطلاق لكل النداءات التي أطلقها الحكماء – وفي طليعتهم المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف – للمبادرة الى تصحيح تلك الأخطاء المريرة والالتزام العملي بالضوابط الموضوعية المقررة في هذا الباب .

-3-

وتراكمت عبر الأعوام الممتدة من 2003 حتى عام 2019 الممارسات الفجّة التي اجترحتها الكيانات السياسية النافذة التي أصرّت على الهيمنة الكاملة ، والاستئثار الرهيب بكل الامتيازات والمكاسب الاستثنائية على حساب سائر المواطنين العراقيين .

-4-

وكان من نتائج هذا التراكم وصولنا الى مرحلةِ الهياج الشعبي التي لم تغب أهوالها وفجائعها عن الانظار ..!!

ان الأعداد الضخمة من الشهداء والجرحى والمصابين في الاحتجاجات العارمة التي ابتدأت في 1/10/2019 والتهبت مجدداً في 25/10/2019 سيظل مرعبا بكل المعاني ..!!

وليس صحيحا على الاطلاق غض النظر عن استخدام القوة المفرطة والقسوة البالغة في حق المتظاهرين السلميين، الذين كفل لهم الدستور حــق التعبير عن الرأي عبر المظاهرات والاعتصامات السلمية .

كما انه لا يسوغ للمتظاهرين على الاطلاق الاعتداء على القوات الامنية او على المؤسسات الحكومية او المباني والممتكلات العامة والخاصة .

وبالرغم من اتخاذ ما سمّى بِحُزَم الاصلاح من جانب الحكومة الا أنَّ الجماهير الغاضبة لم تعد تثق بمجرد الوعود والعهود ..

ولقد كنّا نحذّر من اتساع الهوة والفجوة بين السلطويين والجماهير العراقية، حتى وصلنا الى مرحلة انعدام الثقة بين الطرفين وهو أسوأ ما يمكن ان تصل اليه الأحوال ..

انّ القاء القبض على رأس كبير من حيتان الفساد وايقافه في قفص الاتهام مقدمةً للقبض على الاخرين، سيسهم كثيرا في حلحلة الوضع المتأزم وإلاّ فان قرارات مجلس النواب لن تلغي القوانين المشرعة مِنْ قِبَلِهِ والقانونُ لا يُلغى الا بقانون – كما هو معلوم – .

-5-

واخيراً :

أصدرت المحكمة الاتحـــــادية العــــليا قرارها الخطير والحاسم واعلنت :

انّ قيام القوائم والكتل السياسية بالمطالبة بمناصب وكلاء الوزارات ورئاسة الهيئات والدرجات الخاصة في أجهزة الدولة وفق استحقاقها، لا سند له من الدستور، لانّ هذه العناوين ماهي الاّ عناوين وظيفية حدد الدستور في المادة ( 61 / خامساً ) منه الجهات التي تتولى ترشيح من تراهم لاشغالها وفق الاختصاص والكفاءة وهذه الجهات ورد ذكرها حصراً في المادة ( 61 / خامساً) من الدستور …

وليس من بينها (القوائم والكتل السياسية)

وسيقطع هذا القرار دابرَ السلبيات المريرة التي خلفتها تلك الممارسات المحمومة للكتل والقوائم .

-6-

ان الـــنار الملتهبة لن تُطـــفئ الاّ بأمثـــال هذا القرار .

فقد رأينا كيف صعّد تقرير لجنة التحقيق الخاصة من منسوب الهيــــاج والتوتر حين ابتعد عن المهنية وحين أســـدل الستار على الحقائق .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت