حالات وشروط الاعفاء من العقاب في جرائم الانترنت – مقال قانوني .

يضع قانون العقوبات الأحكام والعقوبات المتعلقة بارتكاب الجرائم المختلفة، متضمنا عددا من الحالات التي يعفى فيها مرتكب الجريمة من العقاب، وفقا لقواعد وحالات خاصة حددها، ويفترض الحديث عن موانع العقاب بأن هناك جريمة وقعت وأن المشرع مع ذلك رفع العقاب عن فاعلها أو الشريك لعله خاصة يرى معها أن رفع العقاب أولى من إنزاله.

مسألة الإعفاء من العقاب من المسائل المهمة التي وضعها المٌشرع في الاعتبار في جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 إذ رفع المشرع العقاب عن الجاني إذا أبلغ السلطات المختصة بأمر الجريمة سواء قبل كشفها أو بعده، وقد دعاه إلى ذلك علة غير خافية وهي صعوبة كشف جرائم تقنية المعلومات وجمع أدلتها فيكافئ الجاني بالإعفاء من العقاب إذا أفصح عن شركائه في الجريمة حتى تتمكن السلطات من كشف الجريمة وضبط أدلتها.

الإعفاء ونص المادة 41

في التقرير التالي، نلقى الضوء على إشكالية الإعفاء من العقاب في جرائم تقنية المعلومات، في محاولة للحد من تلك الجريمة وصدها إذ جرى نص المادة 41 من هذا القانون على أن: “يعفى من العقوبات، المقررة للجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون كل من بادر من الجناة أو الشركاء إلى إبلاغ السلطات القضائية أو السلطات العامة بما يعلمه عنها قبل البدء في تنفيذ الجريمة وقبل كشفها” – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض أحمد الجنزورى.

فى البداية – يجب أن نعلم أنه يجوز للمحكمة الاعفاء من العقوبة أو التخفيف منها إذا حصل البلاغ بعد كشف الجريمة وقبل التصرف فى التحقيق فيها، إذا مكن الجاني أو الشريك – فى أثناء التحقيق – السلطات المختصة من القبض على مرتكبي الجريمة الأخرين، أو على ضبط الأموال موضوع الجريمة، أو أعان أثناء البحث والتحقيق على كشف الحقيقة فيها، أو على القبض على مرتكبي جريمة أخرى مماثله لهذا النوع والخطورة، ولا يخل حكم هذه المادة، بوجوب الحكم برد المال المتحصل من الجرائم المنصوص عليها بالقانون.

الفرق بين “الإخبار” و “الاعتراف”

وأول ما يلاحظ في هذا الشأن، أنه أن حصل البلاغ قبل كشف السلطات للجريمة فإنه يسمي اصطلاحا “إخبار”، وإن حصل بعد علم السلطات سمي “اعتراف”، حيث أن نص المادة 41 المشار إليه جاء “فيه نظر”، إذ قرر الاعفاء من العقاب إن حصل الابلاغ قبل البدء في تنفيذ الجريمة أي حينما تكون الجريمة في مرحلة الإعداد والتحضير لتنفيذها حال أن هذا التحضير والاعداد غير معاقب عليه أصلا في قانون جرائم تقنية المعلومات بمعنى أن المشرع قرر الإعفاء من العقاب عن افعال غير مجرمة، وهذا أمر يجب تداركه إذ الإعفاء يفترض جريمة وقعت وعقاب استحق – وفقا لـ”الجنزورى”.

ومن استقراء خطة المشرع في قانون تقنية المعلومات نلحظ أنه في المادة 40 جرم فحسب مرحلة الشروع في الجنح وتفترض البدء في تنفيذ الجريمة، ولا يعد شارعا في الجريمة طبقا للمادة 45 عقوبات مجرد العزم على ارتكاب الجريمة أو الأعمال التحضيرية لذلك أو المحاولة، ويلاحظ ثانيا: أن الاعفاء يقتصر أثره على العقوبة وحدها أما رد المال المتحصل من الجريمة فيقض به رغم البلاغ.

ويلاحظ ثالثا: أن شرط الاعفاء تعلق البلاغ بأحد الجرائم المنصوص عليها في مواد القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن جرائم تقنية المعلومات، فإن حصل البلاغ عن جريمة أخرى فلا إعفاء من عقوبتها، وأن ارتبطت جريمة أخرى بجريمة تقنية معلومات ارتباط لا يقبل التجزئة وحصل البلاغ فإنه طبقا لقضاء النقض لا ينصرف أثر البلاغ في الاعفاء عن الجريمة الأخرى بل ينتج الاعفاء أثره فحسب عن جريمة تقنية المعلومات.

وضع الإعفاء فى حالة تعدد الجناة

ويلاحظ رابعا: أنه أن إذا تعدد الجناة فلا يستفيد من الإعفاء إلا من أبلغ دون سواه وأن أبلغ الجميع فلا يستفيد من الإعفاء إلا من بادر من الجناة قبل غيره بالبلاغ، والقول بغير ذلك يؤدي إلى نتيجة “فيها نظر” وهي امتناع عقاب كل من ابلغ بالجريمة إذ يسعه البلاغ فيفلت من عقوبتها بعد أن كشف غيره الجريمة أو أرشد عن بقية المتهمين فيها أو ضبط ادلتها فيكون بلاغه عديم القيمة، ويلاحظ خامسا: إن الإعفاء يكون وجوبيا إن حصل البلاغ قبل كشف السلطات للجريمة ويضحى جوازيا للمحكمة إن حصل البلاغ بعد كشف السلطات للجريمة مادام سهل ضبط بقية الجناة أو جمع أدلة الجريمة أو الوصول إلى المال موضوع الجريمة – هكذا يقول “الجنزورى”.

شروط الإعفاء

ويشترط في البلاغ المعفي أن يتم في مرحلة التحقيق الابتدائي وقبل تصرف جهة التحقيق في الدعوي بإحالتها للمحكمة فإن حصلت الاحالة وابلغ المتهم المحكمة ببقية الجناة فلا يستفيد من الإعفاء، ولكن مادام حصل الابلاغ قبل التصرف في التحقيق انتج اثرة في الاعفاء وكان للمتهم المبلغ التمسك بالإعفاء في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ولو لأول مره أمام محكمة النقض.

ويشترط كذلك أن يتم البلاغ لجهات التحقيق أو السلطة العامة، ولكن يستفيد من الإعفاء مطلق المتهم الذى أبلغ بغض النظر عما إذا كان فاعلا أصليا أو مجرد شريك، ويشترط لتحقيق أثر البلاغ في حالة حصوله بعد كشف السلطات للجريمة أن يؤدي البلاغ إلى أحد الامور الاتية:

أ-تمكين الجاني السلطات المختصة من القبض على مرتكبي الجريمة الآخرين.

ب- تمكين السلطات من ضبط الأموال موضوع الجريمة.

ج-إعانة السلطات أثناء البحث والتحقيق على كشف الحقيقة فيها.

د-تمكين السلطات من القبض على مرتكبي جريمة أخرى مماثلة لهذا النوع والخطورة.

ويكفي تحقق أي أمر من هذه الأمور دون لزوم اجتماعهم، ولقد نص المشرع بجانب الإعفاء الجوازي للمحكمة أن تم الإبلاغ بعد كشف السلطات للجريمة أنه يجوز للمحكمة بدلا من إعفاء الجاني تخفيف العقوبة ولكنه لم يبين حدود هذا التخفيف أو طبيعته وهل هو عذر قانوني أم ظرف قضائي مخفف وهذا أيضا سوء صياغة من المشرع.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .