القصد الجرمي في جريمة افشاء سر المهنة :

افشاء الاسرار المهنية جريمة عمدية يتخذ قصدها الجرمي صورة القصد العام(1) وعليه يقوم القصد الجرمي على عنصرين هما العلم والارادة ، فالعنصر الاول يقضي بضرورة علم الجاني بان للواقعة صفة السرية وان لهذا السر طابعاً فقهياً ، وان يعلم الجاني كذلك ان هذا السر لم يصل الى علمه الا عن طريق مهنته او صناعته او وظيفته ، وان من افضى به لا يرضى بافشائه (2) ، ويعد هذا القصد منتفيا اذا كان المتهم يجهل ان للواقعة صفة السـر فافشاها (3)، ويعد كذلك اعتقاده بان المجني عليه راضٍ بافشاء سره او يعتقد انه ليست للسر صلة بمهنته(4) مع العلم بان الجهل والغلط الذي ينفي القصد الجرمي في الحالات المتقدمة ما هو الا تطبيق للقواعد العامة . اما العنصر الثاني فيتعين اتجاه ارادة الجاني الى فعل الافشاء والى النتيجة التي تترتب عليه ، وهي العلم بالواقعة التي لها صفة السرية ، بمعنى اخر ان تتجه ارادة الى الفعل الذي يمكن به للغير من ان يعلم بالواقعة ، وان تتجه كذلك الى توفير هذا العلم لديه ، وينتفي القصد الجرمي في حالة عدم اتجاه ارادة المتهم الى اطلاع الغير على السر(5) . نستنتج من خلال ما تقدم ، وبعد استقراء نصوص قانون العقوبات المقارن(6) المتعلقة بهذا الخصوص انها تكتفي لقيام هذه الجريمة ان يتحقق القصد الجرمي العام – وهذا ما نؤيده – ولعل السبب في ذلك يعود الى ان افشاء سر المهنة يعد من الافعال الممقوتة والشائنة التي لا يحتاج في تأييدها الى التجريم قصد خاص اي نية الاضرار ، كما ان النبأ او الخبر لا يعد سراً إلا إذا كان من شان افشائه الاضرار بصاحبه مادياً او ادبياً ، كما ان العلة في تجريم افشاء سر المهنة هو المحافظة على المصلحة العامة ، وليس المصلحة الخاصة او الشخصية لصاحب السر(7) . ويتضح كذلك أن لا أهمية للبواعث التي يدعيها صاحب المهنة في افشاء السر(8) ، فمتى توافر القصد الجرمي بعنصرية العلم والارادة تحقق الركن المعنوي للجريمة ، اياً كان الباعث على الافشاء ، فالباعث مهما كان نبيلاً لا يحول دون قيام الجريمة ، فافشاء السر لا يباح ولو كان القصد منه درء مسؤولية ادبية او مدنية(9) ، كما تقع جريمة افشاء سر المهنة اذا كان الباعث على الافضاء بالسر التباهي والتفاخر بمعرفة بواطن الامور(10) ، غير ان هناك حالة يؤثر الباعث في عدم معاقبة من يرتكب جريمة افشاء سر المهنة ، وهي ان كان القصد من الافشاء الكشف عن جريمة قبل وقوعها ، كما تشير المادة (437) من قانون العقوبات العراقي بانه لا عقاب اذا كان القصد من الافشاء هو الاخبار عن جناية او جنحة اومنع ارتكابها .

___________________

1- ينظر : د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات / القسم الخاص ، جرائم الاعتداء
على الأشخاص ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1978م ص748 ، مضيفاً الى ان الفقه هجر الراي الذي كان يتطلب في هذه الجريمة قصداً خاصاً قوامه نية الاضرار بمن افشى سره ، على اعتبار ان علة التجريم ليست الحماية من ضرر ، انما السير السليم المنتظم لبعض المهن وهو لا يرتبط بنية الاضرار .

2- ينظر : د. فوزية عبد الستار ، شرح قانون العقوبات / القسم الخاص ، دار النهضة العربية ، القاهرة، 1988م ، ص631 . وينظر كذلك : د. اسامة قايد ، المسؤولية الجنائية للطبيب عن افشاء سر المهنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1987 م ، ص52 .

3- ينظر : احمد كامل سلامة، الحماية الجنائية لأسرار المهنة ، دراسة مقارنة ، رسالة دكتوراه،
مقدمة إلى كلية الحقوق في جامعة القاهرة، 1980، ص405، وينظر كذلك : نشأت محمد عبد الرحمن اخرس ، مسؤولية المحامي الجزائية في النظام الاردني / رسالة ماجستير مقدمة الى الجامعة الاردنية ، 1989م ، ص 209 .

4-ينظر: د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات / القسم الخاص ، مصدر سابق ، ص749 .

5- فعلى سبيل المثال اذا نطق طبيب بمرض شخصه لأحد مرضاه وفي اثناء تدوينه له ، وسمعه خادم وكان يمر في ذلك الوقت دون ان يشعر ذلك الطبيب بوجوده ، فانه لا يتحقق قيام القصد الجرمي ، وذلك لعدم توجه ارادة المتهم (الطبيب) الى اطلاع الغير (الخادم) على السر . ينظر: د. فوزية عبد الستار ، شرح قانون العقوبات / القسم الخاص ، دار النهضة العربية ،
القاهرة،1988م ، ص634 .

6- ينظر: المادة (437) من قانون العقوبات العراقي ، والمادة (310) من قانون العقوبات المصري ، والمادة (355) من قانون العقوبات الاردني والمادة (258) من قانون العقوبات اليمني ، والمادة (301) من قانون العقوبات الجزائري .

7- ينظر: د. رؤوف عبيد ، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال في القانون المصري، ط
(3) مطبعة نهضة مصر، القاهرة ، 1958م ، ص256 .

8- ينظر: د. محمد معروف عبد الله ، الباعث في قانون العقوبات المقارن ، مصدر سابق ، ص132 .

9- ينظر: د. محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات / القسم الخاص ، ط(7) بدون
مكان نشر، 1975م ، ص337 .

10- ينظر: د. علي السماك ، الموسوعة الجنائية في القضاء الجنائي العراقي ، ج(1) ، ط(2) ، مطبعة الجاحظ ، بغداد ، 1990م ، ص263 .

اثر الرضا على جريمة افشاء الاسرار المهنية :

يتسم السر بالخصوصية المتصلة بشخص ما سواء أكان عاماً ام خاصاً ، ومن هنا يخول صاحب السر صلاحية افشائه عند من ائتمنه عليه صراحةً او ضمناً، وقد اختلف الفقه حول مدى جواز الرضاء بافشاء السر من عدمه ، وعند الاعتداد بالرضاء بوصفه سبباً مبيحاً ينتج أثره في افشاء السر ولابد من وجود شروط معينة لجواز نشره من قبل الأمين عليه ، لذا سنتناول هذه المواضيع فيما يأتي بشيء من التفصيل .

أ – الخلاف الفقهي حول اثر الرضاء في افشاء السر : لقد ثار خلاف فقهي كبير بين شراح القانون العرب والاجانب حول اثر الرضاء في جريمة افشاء السر ، يتمثل هذا الخلاف في اتجاهات ثلاثة هي :

الاتجاه الأول : يذهب الى ان جريمة افشاء السر المهني ذات ضرر اجتماعي عام ، لذا فان تجريم الافشاء لم يقرر حماية لمصلحة المجني عليه خاصة، فيكون له ان ينزل برضائه عنها ، وانما قرر المشرع حماية مصلحة المجتمع في السير السليم المنتظم لمهن اجتماعية ، وعليه فهو يعد من المسائل المتعلقة بالنظام العام ،اي لا يجوز التنازل عنها والاتفاق على ما يخالفها(1)،ويعزز انصار هذا الاتجاه (2) رأيهم في ان صاحب السر قد لا يدرك ماهية السر ولا يعرف مكنوناته ، اذ كثيراً ما يجهل المريض نوع المرض الذي يعانيه ، او قد يخفيه الطبيب حتى لا تسوء حالته النفسية ، وقد تبنت محكمة النقض الفرنسية هذا الاتجاه في شأن الأطباء والمحامين ، فقررت ان ( الالتزام بالكتمان المقرر من اجل حماية الثقة الضرورية لممارسة بعض المهن او اداء بعض الوظائف مفروض وواجب عام ومطلق وليس لأحد صفة احلالهم منه )(3). مما يترتب عليه عقوبة صاحب المهنة على افشاء السر ، واذا ادى الشهادة في شأنه لدى القضاء ، فان شهادته تعد باطلة ، وحتى الحكم الذي يعتمد عليها بوصفه دليلاً وحيداً يعد قاصر التسبيب ، واذا امتنع صاحب المهنة عن اداء شهادته فانه لايمكن ان توقع عليه عقوبة الامتناع عن الشهادة (4) . ولكن يبدو ان الاتجاه المتقدم غير صحيح ، فصاحب السر له ان يفشيه ، اذ يعد نوعاً من التصرف في حقه ، ومن ثم فلا جريمة على فعله اذا تصرف في حقه عن طريق غيره بان رضي له بابلاغ السر الى شخص ما او اذاعته بوسيلة ما استناداً الى المبدأ العام للاباحة الذي يقرر (انه يحق للمجني عليه ان يتصرف في حقه ، يكون رضاؤه بان يمس الغير به سبب اباحة لهذا المساس)(5) ، فضلاً عن ان صاحب السر قد تكون له مصلحة في ان يبلغ المودع لديه هذا السر شخصياً او الى هيئة معينة ، كما لو كانت لصاحب السر مصلحة في ان يؤدي المؤتمن عليه الشهادة امام القضاء ، او ان يدون في شأنه تقرير يقدمه الى هيئة معينة ، فاذا كان صاحب المهنة يخشى العقاب ، فان ذلك ما من شك يؤثر على مصلحة صاحب السر علاوة على الاضرار بالمجتمع وهوامر غير منطقي ، خصوصاً ان مصلحة صاحب السر ذات اعتبار في تجريم الافشاء كما ينكر ان علة التجريم هي حماية مصلحة اجتماعية (6) .

الاتجاه الثاني : ويذهب الى ان الالتزام بكتمان سر المهنة مصدره العقد بين صاحب السر وصاحب المهنة ، بصرف النظر عما اذا كان عقد وكالة او عقد عمل او غيرهما وليس هذا فحسب بل يرى انصار هذا الاتجاه ان نفس ايداع السر لدى الامين عليه يصح ان يوصف بانه وديعة مصونة ومقدسة (7) .

لذا يرى بعضهم (8) انه اذا طلب المريض من طبيبه الكشف عن مرضه ، فان للطبيب سلطة تقديرية في الافشاء او عدمه ، وفقاً لما يمليه عليه ضميره ، بمعنى اخر انه مجرد التزام ادبي لا قانوني ، على اعتبار ان المريض في هذه الحالة يعد قاصراً من الناحية القانونية وعليه فالسر وفقاً لهذا الاتجاه يملكه كل من العميل (صاحب السر) وصاحب المهنة ، سواء أكان طبيباً ام محامياً…..الخ، غير ان هذا الاتجاه في تقديرنا المتواضع مرفوض ، استناداً الى ما تناولته النصوص العقابية المتعلقة بهذا الشأن ، وان اساس الالتزام هو نص القانون لا العقد ، علاوة على الجانب الاخلاقي والادبي وعلينا الاشارة مرة اخرى الى ما تقدم من الانتقادات التي اشرنا اليها بصدد بحث الاتجاه الأول ، وابرزها ان قاعدة التجريم لافشاء سر المهنة هي قاعدة تنظيمية مقرره لحساب المصلحة العام .

الاتجاه الثالث : ومفاده ان الرضاء الصادر من صاحب السر يؤدي الى اباحة اعلانه والكشف عنه ، فاذا كان لصاحب السر ان يعلن عنه لوحده ، فلا مانع من ان ينيب عنه غيره بذلك ، وهذا ما يؤديه الفقه (9) ونعتقد ان الجدير بالاتباع ،استناداً الى ان هناك عقداً صريحاً او ضمنياً بين صاحب السر وبين الملتزم بعدم الكشف عنه ، وعليه فان رضاء صاحب السر ضروري لكي يكون الافشاء مشروعاً ، ولم يشترط القانون في هذه الحالة ان يصدر الرضاء بصورة معينة غير انه في بعض الحالات يشترط ان يكون الرضاء كتابةً (الموافقة الكتابية من العميل)، كما هو الحال في شأن الحسابات المصرفية ، اذ لاشك ان الالتزام بسرية الحسابات قررت لحماية حق العميل في كتمان حساباته وانواعها وطبيعتها ، فاذا قبل صاحب الحماية التنازل عنها ، فان له كل الحرية في ذلك ، اذ يلاحظ في هذا الخصوص انه يشترط ان تكون الموافقة كتابةً (10) على اساس ان الالتزام بحفظ الاسرار يؤكد الحق في الخصوصية وروابط الثقة ، ويترتب على الاخلال به دون رضاء صاحبه مسؤولية جنائية فضلاً عن المسؤولية المدنية الا ان التشريعات فيما بينها اتجهت في معالجة هذا الالتزام اتجاهين مختلفين ، فبعضها (11) يعد التزام المصرف تطبيقاً من تطبيقات الالتزام بحفظ اسرار المهنة (سر المهنة المصرفي)، اما بعضها الآخر(12) فقد جعل من الكتمان المصرفي نظاماً مستقلاً ولا يقتصر على مجرد حماية الحق في الخصوصية وتدعيم روابط الثقة بين الافراد فحسب بل يستهدف عن ذلك حماية الائتمان وهو ما يسمى بنظام السر المصرفي (13) وتجدر الاشارة الى انه اذا تعدد اصحاب السر تعين ان يصدر منهم جميعاً ، ومن ثم لا عبرة برضاء صدر عن احدهم او عن بعضهم (14) اما اذا مات صاحب السر فهل ينتقل الحق في الرضاء الى الورثة ام لا ؟ ، اذ يرى بعضهم (15) ان الحق في الرضاء لا ينتقل الى الورثة ، اما بعضهم الآخر (16) وهو الأولى بالترجيح فيرى ان الحق في الرضاء ينتقل الى الورثة ، اذ قد تكون هناك مصلحة للورثة في ابلاغه واباحة سر لمورثهم الى شخص او هيئة ، كما يتعين اذا كان صاحب السر قاصراً او مريضاً ان يصدر الرضاء من ولي نفسه دون ماله (17) . ومن خلال استقراء النصوص العقابية يتبين ان بعضها (18) ينص صراحة على عدم العقاب لمن يفشي سراً من اسرار المهنة بناءاً على اذن صاحب السر ، اما بعضها الاخر (19) فلم يورد النص على ذلك صراحةً على اعتبار ان ذلك امر يترك الكشف عنه للمحكمة في كل واقعة على حدة .

ب – الشروط الواجب توافرها بالرضاء الصادر عن صاحب السر :

في الحقيقة يجب ان تتوافر شروط الرضاء لكي تنتح اثرها في اباحة افشاء السر المهني ، ولا تخرج هذه الشروط عما اوردناها من ضرورة توافر الشروط الواجب مراعاتها لكي يعتد القانون بالرضاء بشكل عام في باقي الجرائم سواء في جريمة انتهاك حرمة المسكن ام بجريمة افشاء سر المهنة وسوف نعرض بشكل موجز هذه الشروط لكي لا نكون امام تكرار في جزيئات البحث ، ومن جهة اخرى بيان ما اذا كانت لهذه الشروط ثمة خصوصية معينة في مجال افشاء الاسرار المهنية . ولكي يكون رضاء صاحب السر منتجاً لاثارة لابد من اجتماع الشروط الآتية :

1 – يجب ان يصدر الرضاء عن ارادة حرة وادراك ، وبصورة موجزة ان تكون الارادة خالية مما يعيبها ، اذ لا يعتد بالرضاء الصادر من مجنون او صغير ، بل يشترط رضاء الوصي في حالة عدم بلوغ الصغير (20) وكذلك لا يكون صادراً عن شخص مكره (21) .

2 – ان يكون الرضاء صادراً من شخص متبصر ، اي على بينة من سره (22) ويستوي ان يكون الرضاء صحيحاً او اعتقد الامين عليه بصحته (23) .

3 – صدور الرضاء صراحةً او ضمناً . ويستوي في نظر القانون ان يكون شفاهة او كتابة. الا في حالات محددة على سبيل الحصر ومثالها (الاسرار المصرفية) التي تشترط ان يكون الرضاء كتابة ، اما الرضاء الضمني فيستبان من مجموعة الظروف المحيطة بواقع الافشاء .

4 – صدور الرضاء من صاحب السر نفسه ، الا ان هذا الشرط لا يسري على الاسرار المالية للمتوفى ، اذ لا يستطيع المصرف الاعتراض بالسر على من يمارسون حقوق العميل المتوفى كالاوصياء على القصر والورثة فمن حقهم ان يطلبوا من المصرف الذي كان يتعامل مع المتوفى كشفاً بحسابه ومن ثم هم اصحاب الحق في منح الاذن الكتابي بالاطلاع، ويكون هذا الاذن الصادر منهم في حدود ما يملكه مانح الاذن اي بقدر ما ورثه او تلقاه بطريق الايصاء (24) .

5 – ان يكون الرضاء سابقاً على الافشاء او معاصراً له (25) اما الرضاء اللاحق فلا اثر له كما سبق القول الا في نطاق الاجراءات الجنائية ضد مرتكب الجريمة من قبل الادعاء العام، بمعنى اخرلا يجوز للادعاء العام تحريك الدعوة الجزائية ضد مقترف جريمة افشاء سر المهنة الا اذا رضي بذلك المجني عليه ، حال تقدمه بشكوى ضد الجاني ، وعلة ذلك تكمن في ان هذه الجريمة تمس بالدرجة الاولى حقوقاً فردية ، وما مساسها بالحقوق الاجتماعية الا مساس غير مباشراً ، ومن جهة اخرى قد لا يرغب المجني عليه في تحريك الدعوى لما في ذلك من اعادة لفضح او نشر اسراره مرة اخرى ، والتي لا يطمح في عدم كشفها (26).

________________________

1- ومن انصار هذا الاتجاه الفقيه (جارو) الذي يرفض اعتبار الرضاء بافشاء السر سبباً للاباحة ، ويدعم رأيه
مقرراً انه لا محل للتسليم بذلك الا اذا قبلنا بقاعدتين الاولى انه لا وجود للسر الا بالنسبة الى ما يكون
المجني عليه قد اودعه لدى المتهم حتى يكون رضائه بالافشاء بمثابة نزول عن حق نشاء بهذا العقد ، اما
الثانية فهي ان نقرر ان القصد الجنائي في هذه الجريمة يفترض من بين عناصره (نية الاضرار) فيكون
في الافشاء بناءاً على الرضاء ما يستفاد منه تخلف هذه النية ، وهذا برأي الفقيه (جارو) غير ممكن على
اعتبار ان الرضاء سبباً للاباحة يستند الى ان المصلحة التي ا ستهدف المشرع حمايتها بتجريم الافشاء لا
ينالها مساس اذا توافر رضاء المجني عليه بالافشاء ، وهذا ما يختلف حسب تعبيره عن قصد المشرع من
تجريم المصلحة محل الحماية وهي السير السليم المنتظم لمهن اجتماعية ومراعاة للنظام العام .
ينظر: د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات / القسم العام ، ط(4) ، دار النهضة العربية ،القاهرة ، 1977م ، ص 754 هامش رقم (2) .

2- ينظر: عدنان خلف، جريمة إفشاء سر المهنة في القانون العراقي، رسالة ماجستير مقدمة إلى
كلية القانون في جامعة بغداد، 1998م ، ص 120 .

3- وقد اشارت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الى ان (التزام المحامي بالسر المهني مطلق دون النظام
العام ولا يستطيع شخص ما ان يعفيه منه) ينطر احمد كامل سلامة، الحماية الجنائية لأسرار المهنة ، دراسة مقارنة ، رسالة دكتوراه، مقدمة إلى كلية الحقوق في جامعة القاهرة، 1980 ، ص 565 .

4- ينظر: نشأت محمد عبد الرحمن اخرس ، مسؤولية المحامي الجزائية في النظام الاردني / رسالة ماجستير مقدمة الى الجامعة الاردنية ، 1989م ، ص 219 وما بعدها مشيراً الى حكم المادة (60/4) من قانون نقابة المحامين الاردنيين والتي تمنع المحامي من ان يؤدي الشهادة ضد موكله بخصوص الدعوى التي وكل بها ، وتمنعه ان يفشي سراً أؤتمن عليه او عرفه عن طريق مهنته المتعلقة باسرار الموكلين لدى القضاء ، ومما تجدر الاشارة اليه ان هذا المنع يكون في مختلف الظروف ولو بعد انتهاء وكالته ، وعبارة (مختلف الظروف)تشمل صاحب السر، فوفقاً لهذه المادة يمتنع على المحامي ان يؤدي الشهادة ضد موكله او يفشي السر حتى برغم رضاء صاحب السر .

5- ينظر: د.محمود نجيب حسني ، القسم الخاص ، مصدر سابق ، ص 755 .

6- ينظر:المصدر السابق مشيراً الى تبني محكمة النقض المصرية لذلك في انه (لا عقاب بمقتضى المادة310
من قانون العقوبات على افشاء السر اذا كان لم يحصل الا بناءاً على طلب مستودع السر) ينظر: قرارها
في 9 ديسمبر1940 مجموعة القواعد القانونية ج(5) رقم (162) ص295، نقلاً عن المصدر نفسه ،
ص756 هامش رقم (1) .

7- ينظر: د. رؤوف عبيد ، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال في القانون المصري، ط (3) مطبعة نهضة مصر، القاهرة ، 1958م، ص 260 .

8- ينظر: عدنان خلف، جريمة إفشاء سر المهنة في القانون العراقي، رسالة ماجستير مقدمة إلى
كلية القانون في جامعة بغداد، 1998م ، ص 121 .

9- ينظر: د. محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات / القسم الخاص ، ط(7) بدون
مكان نشر، 1975م ، ص 408 ، وينظر كذلك : د. جندي عبدالملك ، الموسوعة الجنائية ، ج(2) ، بدون مكان وسنة نشر ، ص 57 . ود.محمود نجيب حسني . القسم الخاص ، مصدر سابق ، ص 756 ، احمد كامل سلامة ، مصدر سابق ، ص 572 والعديد من الفقهاء .

10- لذلك تشترط بعض المصارف ان يطلب من العميل في تصريحه اذناً كتابياً يتضمن ما يأتي :

أ – ما اذا كان الاذن عاماً لجميع انواع الحسابات والودائع والامانات الخاصة بالعميل ام محدداً لحساب
معين او وديعة معينة .

ب – تحديد الشخص او الجهة او الهيئة المصرح لها من العميل بالاطلاع تحديداً دقيقاً ، كما اذا كان يجيز العمل لزوجته دون اولاده او جانب من هؤلاء ، اذ ان هذا التحديد ضروري حتى يحمي المصرف نفسه ضد الخلاف حول نطاق الاذن سواء من حيث نوعه ام اشخاصه ، لا سيما وافشاء السر المصرفي يعد جريمة تعاقب عليها معظم التشريعات ان لم يكن جميعها . وللمزيد تفصيلاً ينظر : د. احمد محمد بدوي، جريمة إفشاء الأسرار والحماية الجنائية للكتمان المصرفي، سعد سمك للنشر، مصر، 1999م ، ص 100 وما بعدها .

11- القانون العراقي والاردني ، والعديد من التشريعات العربية .

12- ومن هذه التشريعات ، قانون البنوك السويسري لسنة 1934م ، وقانون البنوك الايطالي لسنة 1936م
وقانون السر المصرفي اللبناني لسنة 1956م ، وقانون سرية الحسابات بالبنوك المصري رقم 205 لسنة
1990 وقانون الخصوصية المالية الامريكية لسنة 1978م .

13- ينظر: د.احمد محمد بدوي ، مصدر سابق ، ص 145 وما بعدها .

14- ينظر: د.محمود نجيب حسني ، القسم الخاص ، مصدر سابق ، ص 757 مشيراً الى مثال الطبيب الذي
يعالج زوجين من مرض تناسلي ، فلا يجوز له ان يفشي سرهما الا برضائهما معاً .

15- ينظر: د.محمود محمود مصطفى ، القسم الخاص ، مصدر سابق، ص433 رقم (381) .

16- ينظر: د.كمال خريسات ، مصدر سابق ، ص 305 وكذلك احمد محمد بدوي ، مصدر سابق ، ص 104.

17- ينظر: د.محمود نجيب حسني ، القسم الخاص ، مصدر سابق ، ص757 .

18- ينظر: المادة (437) من قانون العقوبات العراقي ، والمادة (310) من قانون العقوبات المصري .

19- ينظر: المادة (355/1) من قانون العقوبات الاردني . غير انه كان من الاجدر بالمشرع الاردني ان ينص
صراحةً على دور الرضاء في هذه الجريمة كما فعل في جرائم اخرى . ينظر: المادة (1/292) من القانون
نفسه المتعلقة بالاغتصاب .

20- ينظر: د.محمود نجيب حسني ، القسم الخاص ، مصدر سابق ، ص757 . وكذلك د.رؤوف عبيد ، جرائم
الاعتداء على الاشخاص والاموال في القانون المصري ، مصدر سابق ، ص 261 .

21- ينظر: د.فوزية عبد الستار ، شرح قانون العقوبات / القسم الخاص ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،
1988م ، ص637 .

22- ينظر: د.احمد كامل سلامة ، مصدر سابق ، ص 499 . فعلى سبيل المثال يجب على الطبيب الجراح ان
يطلع من رضي باستئصال احد اعضاء جسمه الى آخر عن طبيعة استئصال ذلك العضو ، وان يشرح له
جميع المخاطر التي قد يتعرض لها في الحال او المستقبل ، وان يكشف له حالة المريض الصحية ، الذي
سيتنازل له عن عضو من جسمه ، واحتمالات نجاح عملية زرع ذلك العضو .

23- وقد قضت محكمة النقض المصرية انه (اذا طلب المريض بواسطة زوجه شهادة بمرضه من الطبيب
المعالج ، فليس في اعطاء هذه الشهادة ثمة افشاء معاقب عليه فيكفي لاخلاء مسؤولية الطبيب ان يعتقد من
ظروف الحال وملابساته صحة ما ادعت هذه الزوجة من انها تطلب هذه الشهادة بناءاً على طلب زوجها
لعرضها على احد الاطباء الاجانب خصوصاً وانها كانت تحضر معه الى عيادته وتعلم بحقيقة مرضه) .
ينظر: قرارها في 9/ديسمبر،1940م .

24- ينظر: د.احمد محمد بدوي ، مصدر سابق ، ص 104 .

25- ينظر: د.فوزية عبد الستار ، القسم الخاص ، مصدر سابق ، ص 638 وكذلك د.محمود نجيب حسني ،
القسم الخاص ، مصدر سابق ، ص757 .

26- ينظر:عبد الجبار عريم ، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية ، ج(1) ، مطبعة المعارف ، بغداد ،
1950م ، ص152 . وكذلك عبد الامير العكيلي ، أصول المحاكمات الجزائية ، ج(1) ، ط(1) ، مطبعة
المعارف ، بغداد ،1975م، ص179 .

المؤلف : علي احمد عبد الزعبي
الكتاب أو المصدر : حق الخصوصية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .