«جرائم الكراهية»
منصور الزغيبي
من أخطر الأدوات التي تفكك الروح الوطنية الواحدة، وتدمر الإنسان وتجعله وحشاً شرساً تنعكس شروره على المجتمع والوطن، هي تنشئته على الكراهية، حتى تسيطر على قلبه؛ لذلك أصبحت دائرة الكراهية هي الأوسع والأكثر سيطرة وتحكماً في طبيعة العلاقات عند البعض، فنجد كراهيةً حاضرةً وطاغيةً في النظرات، والحديث والانطباعات المرسومة عن الآخرين، بشكل جائر وخالٍ من أبسط معاني الإنصاف وحفظ اللسان عن توزيع الاتهامات، وتبدو الكراهية أكثر ظهوراً بالوقت الراهن عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

من ضمن التعريفات لجرائم الكراهية: «أي حادثة والتي قد تكون أو لا تكون مخالفة إجرامية، ويكون الدافع من وراء القيام بها هو الكبرياء أو الكراهية».

ومن أبرز الأمثلة التي يُستشهد بها على جرائم الكراهية: «التعرض لعرق شخص «ما»، أو الإساءة لدين أو ممارسة العنف والإيذاء، وتدمير الممتلكات، التهديدات، وبعث بريد يحوي رسائل كراهية وأذى، وممارسة الإذلال والتقليل من شأن الآخرين».

نحتاج إلى أن ننتج مفهوماً جديداً للتسامح والتعايش والتآلف، يمنح حصانة ذاتية واجتماعية عاليتين ضد كل محاولات الأشرار وتغريرهم لضعاف النفوس، وأن الحقوق تبقى محفوظة وباقية في ظل عدم تجاوز حدود الآخرين، وحياتهم الطبيعية.

الكراهية ضعف، وهي نقيض الحب الذي هو روح القوة والعظمة النفسية، والسمو للإنسان وجوهر الأخلاق والدين. إن الإنسان السوي الناضج المتوازن نفسياً؛ نجد روحه مشبعة بالتسامح وإحسان الظن نحو الآخرين، وهو الأكثر اطمئناناً وتصالحاً مع ذاته.

إن القوانين المحلية عالجت جرائم الكراهية بأي شكل كان في مواطن مختلفة منها، في صدر هذه الأنظمة «نظام الحكم» الصادر برقم أ/90 تاريخ 27-8-1412، الذي أكد على أن تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة والانقسام «بحسب ما نصت المادة (12) من الباب الثالث» مقومات المجتمع السعودي» في النظام.

وكذلك نص النظام في موطن آخر على «أن تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة، وبأنظمة الدولة، وتسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها، ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو الانقسام، أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة، أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه، وتبين الأنظمة كيفية ذلك» من الباب الخامس «الحقوق والواجبات» المادة (39).

ونظام «المطبوعات والنشر» الصادر برقم 211 تاريخ 1-9-1421هـ، أشار إلى «ألا تؤدي إلى إثارة النعرات وبث الفرقة بين المواطنين» من الفقرة الثالثة من المادة (التاسعة).

وغيرها من النصوص القانونية العامة في بقية الأنظمة الأخرى التي لا يسع المقام هنا لحصرها، والمؤمل أن يسن قانون يجمع المتفرق ويستدرك النقص، وتقدر العقوبات بشكل دقيق وصريح، يواكب مستجدات العصر، وتطور الوسائل المستخدمة في الترويج لمفاهيم الكراهية والعنصرية والإقصاء.

من أكبر أنواع الخلل تربية الأجيال القادمة على الكراهية والازدراء للآخرين، سواءً أكان هذا الازدراء موجهاً إلى بني قومه أو لغيرهم، فذلك يعد تشوّهاً نفسياً يحتاج معالجة صارمة ومركزة ومفعلة على أرض الواقع؛ لأن دوافعها معروفة بداية من الكراهية، والحس الانتقامي، والإقصاء والعنصرية والتهميش والازدراء، والأحقاد، وغير ذلك من أمراض القلوب، التي هي سبب رئيس في واقعنا ووضعنا وتأخرنا الحضاري والفكري.

والصراعات التي يعيشها العالم العربي اليوم من قرون طويلة هي نتاج الكراهية الذي جعلنا فريسة سهلة لغيرنا في استغلال مقدراتنا وكرامتنا.

البعض يبرر لعملية الكراهية بأنها نتيجة لردود الفعل من بعض المواقف والأحداث غير العادلة والمنصفة، وهذا ممكن أن يعالج من خلال المحاسبة القانونية والملاحقة القضائية، من أجل أخذ حق الآخرين، لاسيما الحقوق المعنوية التي لا تعوض بأي شكل كان.

خلاصة القول، هناك نفوس موتورة تعمل على الإساءة إلى المواطن والوطن، وإثارة النزاعات التاريخية الميتة وإحيائها من جديد، ورمي الكلمات الجارحة على الآخرين، ونشر القصص والنكت وغير ذلك من أفعال الكراهية، بهدف التقليل من مكانتهم وتوسعة دائرة الكراهية نحوهم، وهز الثقة بين أفراد المجتمع، ومحاولة الإساءة للنسيج الاجتماعي. إن المحاسبة القانونية هي حل رادع لمن سيطرت الكراهية عليهم، ولاسيما في ظل ظروف أشد ما نحتاج فيها إلى التلاحم والتعاون والتكامل على خير يخدم الإنسان والوطن، ويفشل كل ما يخطط له الأشرار من الأعمال التخريبية، من أعوام طويلة لتحقيق مآربهم.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت