جرائم الاتجار بالأشخاص
منصور الزغيبي
إن جريمة الاتجار بالأشخاص قديمة قِدم الإنسان نفسه، لكن ظهرت هذه الأيام بأشكال مختلفة وحديثة، وهي تعتبر من أخطر الظواهر الإجرامية الراهنة، لأنها تمس بل تغتال كرامة الإنسان، وتجعله سلعة بين عصابات الإجرام.

وهي من الأنشطة الإجرامية الكبرى، التي تأتي تبعاً بعد جرائم المخدرات والأسلحة دولياً، وهي كذلك من ضمن الجرائم العابرة للحدود الوطنية، وعملها قائم على استهداف الفئة الأضعف من النساء والأطفال الذين لم يجاوزوا الـ18 من أعمارهم، واستخدامهم في أعمال مهينة وسيئة، كالدعارة أو نزع الأعضاء أو الاستعباد وغيرها.

وجريمة الاتجار بالأشخاص بالمفهوم القانوني: هي استخدام شخص أو إلحاقه أو نقله أو إيواؤه أو استقباله، لأجل إساءة الاستغلال، وفقاً للفقرة الأولى من المادة الأولى من نظام مكافحة الاتجار بالأشخاص الصادر برقم (م/40) وتاريخ 21 رجب 1430هـ.

إن القانون السعودي يحظر الاتجار بأي شخص بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك إكراهه أو تهديده أو الاحتيال عليه أو خداعه أو خطفه، أو استغلال الوظيفة أو النفوذ، أو إساءة استعمال سلطة ما عليه، أو استغلال ضعفه أو إعطاء مبالغ مالية أو مزايا أو تلقيها، لنيل موافقة شخص له سيطرة على آخر، لأجل الاعتداء الجنسي أو العمل أو الخدمة قسراً أو التسول، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد، أو نزع الأعضاء أو إجراء تجارب طبية عليه، وفقاً للمادة الثانية من النظام.

ونجد أن قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص السعودي قدّر العقوبة لمن يرتكب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص بالسجن مدة لا تزيد على 15 عاماً، أو بغرامة مالية لا تزيد على مليون ريال، أو بهما معاً، وفقاً للمادة الثالثة.

وتشدد العقوبات المنصوص عليها في هذا النظام في الحالات التالية: إذا ارتكبت الجريمة جماعة إجرامية منظمة، أو إذا ارتُكبت ضد امرأة أو أحد من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو إذا ارتكبت ضد طفل، حتى ولو لم يكن الجاني عالماً بكون المجني عليه طفلاً، أو إذا استعمل مرتكبها سلاحاً أو هدد باستعماله، أو إذا كان مرتكبها زوجاً للمجني عليه أو أحد أصوله أو فروعه أو وليه، أو كانت له سلطة عليه، أو إذا كان مرتكبها موظفاً من موظفي إنفاذ الأنظمة، أو إذا كان مرتكبها أكثر من شخص، أو إذا كانت الجريمة عبر الحدود الوطنية، أو إذا ترتب عليها إلحاق أذى بليغ بالمجني عليه، أو إصابته بعاهة دائمة، وفقاً للمادة الرابعة.

كذلك لا يعتد برضا المجني عليه في أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، وفقاً للمادة الخامسة.

وكل من علم بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، أو علم بالشروع فيها، ولو كان مسؤولاً عن السر المهني، أو حصل على معلومات أو إرشادات تتعلق بها بصفة مباشرة أو غير مباشرة، ولم يبلغ فوراً الجهات المختصة بذلك، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عامين، أو بغرامة لا تزيد على 100 ألف ريال، أو بهما معاً، وفقاً للمادة السابعة.

ويُعفى من العقوبات المقررة في هذا النظام من يبلغ الجهات المعنية قبل تنفيذ الجريمة، أما إذا بلغ بعد وقوعها جاز إعفاؤه من العقوبة قبل البدء في التحقيق، وأما إذا حصل البلاغ أثناء التحقيق جاز تخفيف العقوبة، وفقاً للمادة الـ12.

إن القانون نصّ على حقوق الضحايا، ورسم مسار الإجراءات التي يجب اتخاذها في مرحلة التحقيق أو المحاكمة في شأنهم في جريمة الاتجار بالأشخاص، وهي كالتالي: إعلام المجني عليه بحقوقه النظامية بلغة يفهمها، وإتاحة الفرصة له لبيان وضعه بما يتضمن كونه ضحية اتجار بالأشخاص، وكذلك وضعه النظامي والجسدي والنفسي والاجتماعي، وكذلك عرضه على الطبيب المختص إذا تبين أنه بحاجة إلى رعاية طبية أو نفسية، أو إذا طلب ذلك، وإيداعه أحد مراكز التأهيل الطبية أو النفسية أو الاجتماعية إذا تبين أن حاله الطبية أو النفسية أو العمرية تستدعي ذلك، وإيداعه أحد المراكز المتخصصة إذا كان في حاجة إلى مأوى، وتوفير الحماية الأمنية له إذا استلزم الأمر ذلك، وإذا كان المجني عليه أجنبياً وكانت هناك ضرورة لبقائه في المملكة، أو العمل أثناء السير في إجراءات التحقيق أو المحاكمة، فللادعاء العام أو المحكمة المختصة تقدير ذلك، وفقاً للمادة الـ15.

وتختص هيئة التحقيق والادعاء العام بالتحقيق والادعاء في الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، وتختص كذلك بتفتيش أماكن إيواء المجني عليهم في تلك الجرائم، للتأكد من تنفيذ الأحكام القضائية في هذا الشأن، وفقاً للمادة الـ16.

وأخيراً، فإن من المتحتم على الجهات المختصة المسارعة إلى توفير مراكز الإيواء لضحايا الاتجار في شتى مناطق المملكة، على أن تُراعي ما نصت عليه الاتفاقات الدولية ذات العلاقة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت