الرقابة القضائية على القرارات الإدارية من أهم مبادئ القانون الإداري على الإطلاق، بل انها تشكل مرتكزاً مهماً من مرتكزات حقوق المواطنة، ودعامة أساسية في تشكيل ملامح المجتمع المدني وأبرز سمات الدولة القانونية الحديثة.

والقضاء الإداري في بسطه لرقابته على قرارات الادارة يشترط حتى يكون القرار الإداري بمنأى عن الطعن ان يكون له سبب يبنى عليه، والسبب في القرار الاداري هو مجموعة وقائع تشكل حافزا للإدارة لاصدار قرار يؤثر في المراكز القانونية للغير،

وبالتالي لابد أن يكون السبب صحيحا من حيث الوقائع والنظام بأن يكون مشروعا ويفرض القضاء الاداري رقابته على اسباب القرارات الادارية عموما حيث يتم التحقق ابتداءً من وجود الوقائع فعدمها يحتم الغاء القرار الاداري لعدم مشروعيته، حيث انه يشترط ابتداء لصحة القرار الاداري ان تكون هنالك وقائع قد استند عليها فمن صدر قرار بفصله عن العمل مثلا بناء على صدور حكم جنائي عليه في جريمة اخلاقية وثبت ان الحكم قد تم الاعتراض عليه وتمت تبرئته يكون القرار معيبا مما يستلزم الغاءه.

والأصل ان للإدارة سلطة التقدير في اختيار الوقائع التي تبنى عليها اسبابها ما لم يقيدها المنظم بضرورة حصول وقائع معينة لاصدار قرار ما، وقد استقر الاتجاه في الفقه الإداري عموما على بسط رقابة القضاء على صحة الوقائع التي يستند عليها القرار الإداري، وهذا هو نفس الاتجاه الذي سار عليه القضاء الاداري في المملكة،

حيث اشترط (على سبيل المثال) في حالة انهاء خدمة الموظف بسبب عدم صلاحيته للبقاء في وظيفته العامة، ان يستند هذا القرار لأسباب قدرتها الادارة التي تنفرد بهذا التقدير ترتيباً على وقائع ثابتة كعدم الرضا عن عمله او عدم انتاجه او رداءة صحيفة خدمته او عدم قدرته على الاستمرار في القيام بأعباء وظيفته او اخلاله بواجباتها واستهتاره بها أو بالسلوك السوي المتطلب من القائم عليها او استهانته بكرامتها أو بمقتضياتها او بأصول النزاهة او الشرف وحسن السمعة وما الى ذلك وهي أسباب ترجع كلها الى ذات الموظف فمتى رأى ان المصلحة العامة تقتضي اقصاءه عن وظيفته وكان لهذه الأسباب اصل ثابت في الأوراق يشهد به ملف خدمته وترويه حياته الوظيفية فإن هذا الانهاء من الخدمة يكون قائما على سببه المبرر نظاما متى استند الى وقائع صحيحة مستمدة من اصول لها وجود ثابت في الأوراق وكانت تلك الوقائع تنتج هذه النتيجة ماديا ونظاميا، وبناء عليه يكون القرار صحيحا بريئا من العيب الموجب لإلغائه.

كما أن القضاء الإداري في المملكة العربية السعودية قد فرض رقابته على الوصف القانوني للحالة التي يبنى عليها القرار الإداري، حيث يذهب الى انه “من سلامة القرار الإداري أن يكون سببه موجودا وثابتا قبل الموظف بحيث انه قد ارتكب الفعل المنسوب إليه وأن يكون هذا الفعل خاضعا للوصف بأنه خطأ وظيفي وأنه وإن كان تخلف المتظلم عن الحضور للعمل في ذلك اليوم ثابتا مادياً إلا أنه لا يعتبر خطأ وظيفيا لأن الثابت أنه كان متمتعا بإجازة اضطرارية ومن ضمنها ذلك اليوم محل القرار فيكون القرار محل الطعن معيبا ويتعين القضاء بإلغائه.

ونلاحظ انه رغم ان القضاء الإداري ودوره الرقابي على القرارات الإدارية قد عرف منذ فترة ليست بقصيرة في بلادنا وذلك منذ انشاء ديوان المظالم كقضاء اداري متخصص، الا ان بعض الجهات الإدارية قد تستنكر مقاضاتها، وتستهجن ذلك من اشخاص القانون الخاص! (ربما لعدم استيعاب دور القضاء الاداري) رغم أن الكثير من هذه الدعاوى تدور حول عدم صحة القرار الاداري من حيث الوقائع والنظام.

ونلاحظ أنه احيانا يكون القرار الإداري صحيحا الا ان الجهة الادارية لم توفق أو لم تهتم بمن يمثلها امام القضاء الإداري سواء كانوا موظفين عاديين أو (مندوبين) مما ينتج عنه الكثير من الاشكاليات وتعطيل العدالة وربما ضياع حقوق هذه الجهات.

وحيث ان القضاء الإداري من اصعب فروع القضاء والمرافعة امامه تحتاج الى الشخص المختص فمن الأهمية بمكان تفعيل دور الادارات القانونية بالجهات الادارية بتعيين الكفاءات من المستشارين المتخصصين في الشريعة والأنظمة، وأن لا يكون دورها روتينيا بل تنشط دوما بالبرامج العملية والبعثات الأكاديمية المتخصصة، انطلاقا من اهمية القضاء الإداري في تحقيق العدالة في الدولة المدنية الحديثة.