الشروط الواجب توفرها في الحكم وفق القانون السوري والقانون الدولي

يجب أن يصدر الحكم بعد مداولة يشترك فيها جميع المحكمين : فالمداولة تحقق الوصول إلى أفضل النتائج وتسهم إلى حد كبير في ردم كل الثغرات ، فهي في الواقع السبيل إلى تنمية الفكر وترقيته ، وتوسيع آفاقه . والمداولة السابقة على إصدار الحكم إجراء جوهري يمثل مبدأ من المبادئ الأساسية في العمل القضائي . وليس هناك متطلبات شكلية للمداولة فهي تستمد كلياً من اتفاق الأطراف ومن قواعد التحكيم . على أن تحترم قواعد النظام العام الدولي (والتي تفرض مبدأ المداولة) وتستند كذلك إلى أحكام قوانين الإجراءات التي اختارها الطرفان ، ويفترض أن تجري المداولة بين مجموعة المحكمين الذين نظروا النزاع .
ويبطل عمل المحكم أو المحكمين إذا أشركوا في المداولة غيرهم كالخبراء . وتنص على وجوب المداولة المادة 41/1 من قانون التحكيم السوري الجديد رقم /4/ لعام 2008 والتي جاء فيها :
(1 – يصدر حكم التحكيم بعد المداولة مكتوباً بالإجماع أو بأكثرية الآراء ويجب أن يوقع عليه المحكمون وعلى المحكم المخالف عند توقيع الحكم أن يدوّن رأيه على صحيفة الحكم وإذا رفض التوقيع فيجب أن تذكر أسباب ذلك في الحكم) .
والمقصود بالمداولة : تبادل الرأي بين المحكمين إذا كانت هيئة التحكيم تتألف من عدة أشخاص وعادة يكون عددهم وتراً ولقد جاءت المادة 12 من قانون التحكيم السوري الجديد واضحة ضمن هذا الإطار حيث نصت على التالي :
(1 – تشكل هيئة التحكيم باتفاق طرفي التحكيم من محكم واحد أو أكثر فإذا لم يتفقا كان عدد المحكمين ثلاثة .
2 – إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً وإلا كان التحكيم باطلاً) .
ويجب أن تكون المداولة سرية : وذلك بهدف ضمان استقلال المحكم فيما يبديه من رأي ، وعدم تأثره برأي من اختاره محكماً ، وللمحافظة على الحكم بالأغلبية ، أو ينص على ذكر اسم المحكم الممتنع عن التوقيع على الحكم وأسباب امتناعه كما نصت عليه المادة 41/1 من قانون التحكيم السوري المنوه عنه والمادة 131/1 من القانون النموذجي للجنة الأمم المتحدة (UNCITRAL) .
وهنا لابد من الإشارة إلى أنه في مجال التحكيم الدولي قد لا تتحقق المداولة بين جميع المحكمين المجتمعين فقد يتولى الرئيس إعداد مشروع قرار التحكيم وترسل نسخة منه إلى كل محكم في البلد الذي يوجد فيه ويقوم كل منهم بإبداء رأيه بالمراسلة إلى أن يصل الأمر إلى الاتفاق على صيغة القرار من قبل أغلبية المحكمين أو بالإجماع .
وكذلك تنص بعض القواعد التحكيمية الدولية على قيام المحكمين في التحكيم المؤسسي بإعداد مسودة أو مشروع قرار يعرض على جهة معينة في المؤسسة التحكيمية وبعد موافقتها عليها يصدر القرار من المحكمين ، وهذا ما نصت عليه المادة 21 من قواعد غرفة التجارة الدولية بقولها « على المحكم قبل توقيع حكم جزئي أو نهائي ، أن يعرض المشروع على محكمة التحكيم وللمحكمة أن تقضي بإدخال تعديلات على الشكل ولها أيضاً مع احترامها لحرية القرار للمحكم أن تسترعي انتباهه إلى نقاط تتعلق بموضوع النزاع . ولا يصدر القرار إلا بعد المصادقة على الشكل من قبل المحكمة .
رئيس الهيئة يصدر الحكم منفرداً

في حال اختلاف الآراء

من السمات الأساسية لقانون التحكيم السوري الجديد إعطاء رئيس هيئة التحكيم الحق في إصدار الحكم وفق قناعته في حال اختلاف الآراء وفي هذه الحالة لا يجبر المحكم الثالث على لزوم الانضمام إلى رأي أحد المحكمين بدون اقتناع لمجرد توفير أغلبية صورية حيث نصت الفقرة /2/ من المادة 41 على أنه:
إذا لم تكن هناك أكثرية في الآراء فإن رئيس هيئة التحكيم يصدر الحكم منفرداً وفق رأيه ويكتفي في هذه الحالة بتوقيعه منفرداً على الحكم وعلى كل من المحكمين الآخرين المخالفين في الرأي ولبعضهما بعضاً أن يدون رأيه كتابة على صحيفة الحكم الذي يصدره رئيس هيئة التحكيم وإذا رفض أحدهما أو كلاهما التوقيع يجب أن تذكر أسباب ذلك في الحكم .
وللتأكيد على صوابية توجه المشرع السوري في ذلك نقول إن قاعدة الأكثرية خطيرة لأنه في حال عدم توفر الأكثرية فإن التحكيم سيواجه مشكلة التعطيل إذ قد تتشعب آراء المحكمين الثلاثة إلى ثلاثة آراء مختلفة وبالتالي فلا يتم حسم النزاع .
وإن ما ذهب إليه المشرع السوري يلتقي مع بعض التشريعات الدولية فقد نصت المادة 19 من قواعد الغرفة التجارية الدولية على أنه :
« إذا عين ثلاثة محكمين ، صدر الحكم بالأغلبية ، فإذا لم تتوفر أصدر رئيس المحكمة الحكم بمفرده » .
وهذا الأمر نجده أيضاً في نصوص الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري التي نصت في الفقرة الخامسة من المادة 31 على أنه :
« في حال تشتت الآراء يصدر القرار برأي الرئيس وتوقيعه على أن يثبت في القرار تشتت الآراء ».
كما نصت الفقرة السادسة من المادة المذكورة على أنه :
« يدوّن العضو المخالف رأيه على ورقة مستقلة ويرفق مع القرار »(1) .