حكم العربون في العرف الجزائري

إن المعاملات بين الجزائريين طغى عليها التعاقد بالعربون لاسيما التجارية منها، لما فيه من حفظ للحقوق، وتسهيل للمعاملات، و كسب للثقة، هذا العربون الذي أدخل للثقافة الشعبية الجزائرية من قبل المستعمر الفرنسي.

لقد نظم القانون المدني الفرنسي العربون بنص المادة 1590 التي تنص على أنه إذا اقترن الوعد بالبيع بدفع عربون كان لكل من المتعاقدين حق العدول عن العقد، فإذا عدل من دفع العربون خسره، و إذا عدل من قبضه وجب رد ضعفه، و بذلك يكون القانون الفرنسي قد أخذ بدلالة العدول، وقد رأى الفقه، و القضاء(1) أن هذا الحكم و لو ورد في شأن الوعد بالبيع إلا أنه يجوز تعميمه على سائر العقود التي يصاحب عقدها دفع عربون، و هذا ما يفسر شيوع التعامل بالعربون في عقد البيع بالذات بين الجزائريين.

كما أن أحكام المادة 1590 من القانون المدني الفرنسي بقت هي المنظمة للعربون(2) بعد الاستقلال، و إلى غاية صدور الأمر رقم 75/58 المؤرخ في 25/09/1975 المتضمن القانون المدني و ذلك بموجب الأمر رقم 31/12/1962 الذي مدد العمل بالقوانين الفرنسية إلا ما تعارض منها مع السيادة الوطنية.

و بصدور القانون المدني قرر المشرع الجزائري عدم تنظيم العربون و لا نعلم السبب الذي دفعه إلى ذلك هل كان سهوا أم فعل ذلك متعمدا ؟ حسب رأيي فإن عدم النص عليه يمكن إرجاعه إلى عدم الإجماع على حكمه في الشريعة الإسلامية ففضل المشرع عدم تنظيم هذه المسألة لأنه كان يعلم بأن العرف الموروث عن القانون الفرنسي ينظمها.

لكن العرف(1)الساري به العمل في الجزائر خلال الفترة الممتدة من تاريخ صدور القانون المدني إلى غاية تعديله في 20جوان2005 ساير القانون الفرنسي فيما يخص دلالة العربون فجعلها دلالة عدول أما فيما يخص الأحكام الأخرى فقد أدخل عليها بعض التعديل بأن جعل ثمن عدول من قبض العربون هو إرجاعه لمبلغ العربون دون مثله أي دون أن يدفع شيئا مقابل عدوله في حقيقة الأمر، في حين إذا عدل من دفعه خسره، فعزز موقف البائع في مواجهة المشتري.

و تجدر الإشارة إلى أن المدة في العرف الجزائري الممنوحة للمتعاقدين ليعربا عن عدولهما كانت جد قصيرة لا تتعدى في اغلبها اليوم أو اليومين، باعتبار أن المعاملات اليومية التي كان يستعمل فيها العربون تستدعي السرعة .