تراجع الزوج عن طلاق زوجته ما بين الشريعة و المادة 49 من قانون الأسرة

الزواج هو تلك الرابطة المقدسة التي تجمع الرجل بالمرأة على شرع الله و سنة رسول الله – صلى الله عليه و سلم – ليكون كلاهما سكنا للآخر و لتستقر حياتهما الزوجية و تستمر على المودة و التعاون و حسن المعاشرة و حتى يكوَنان معا أسرة قوامها المحبة و الرحمة ، غير أنه قد تمر عليهما سحابة تحجب تلك المحبة و المودة فتتحول حياتهما الى مشاحنات و منازعات و تزايد في الكلام قد توصلهما الى طريق مسدود فتنتهي علاقتهما بالطلاق الذي قد يكون بقرار من الزوج وحده و قد يكون برضى الطرفين أو بطلب من الزوجة فيسمى حينذاك تطليق.

غير أنني أركز ها هنا عن الطلاق الذي يقرره الزوج بإرادته المنفردة أو بتراض منه مع قرينته ذلك أنه تبقى هذه الأخيرة بعصمة زوجها ما لم تنقض عدتها الشرعية التي حددها الله تعالى بثلاثة قروء أي بثلاثة أشهر استبراء لرحمها فيمكن بالتالي للزوج أن يراجع زوجته خلال فترة عدتها – على فرض أنها الطلقة الأولى أو الثانية الصادرة منه و على فرض أنها غير حامل منه – غير أن الإشكال قد يقع عندما ترفع دعوى الطلاق أمام المحكمة ثم يقرر بعدها الزوج التراجع عن ذلك ليرجع زوجته الى عصمته و ليستأنفا معا حياتهما الزوجية، طبعا الأمر لا إشكال فيه إذا وقع التراجع خلال فترة العدة لكن قد يقرر الزوج تراجعه عن ذلك بعدما تنتهي الثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ قيده لدعواه و القاضي الفاصل فيها يصطدم بالمادة 49من قانون الأسرة التي تنص على أنه

” لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد عدة محاولات صلح يجريها القاضي دون أن تتجاوز مدته ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ رفع الدعوى” فنجد القاضي يتقيد بحرفية النص و ليس بروحه فرغم أن الزوج أبدى تراجعه عن طلاقه زوجته بعد انقضاء الثلاثة أشهر التي أوجب فيها المشرع إجراء محاولات الصلح ما بينهما إلا أنه أي القاضي يفرغ إرادة هذا الزوج في حكم قضائي ليقرر استئناف الحياة الزوجية ما بين الطرفين فليزم الزوجة- التي أصبحت مطلقة شرعا – بالرجوع الى زوجها- الذي أصبح شرعا طليقها- اعتمادا فقط على أن عقدة النكاح بيد الزوج إن شاء أمسك و إن شاء طلق و تأسيسا على المادة 49من قانون الأسرة المشار اليها أعلاه، هذا مرده، خلو قانون الأسرة الى كثير من التفصيلات في قضايا شؤون الأسرة غير أنه ما دامت الشريعة الاسلامية هي المصدر الثاني بعد التشريع بالنسبة لهذه القضايا فإنه يتوجب على القاضي إحصاء مدة العدة فإذا وقع تراجع الزوج عن طلاقه زوجته خلالها فإنه يقضي باستئناف الحياة الزوجية بينهما أما إذا وقع التراجع بعد انقضاء فترة العدة أي بمرور ثلاثة أشهر من تاريخ قيد الدعوى فإنه يتوجب على القاضي الحكم بالطلاق ما بينهما و في ذلك توفيق أولا ما بين الشريعة و القانون و ثانيا، ما بين دعوة المشرع الى عقد جلسات الصلح خلال الثلاثة أشهر التالية لتاريخ قيد الدعوى و بين وجوب اثبات الطلاق بموجب حكم أي ترسيمه.