الأخـــذ بــقــواعـــد التـــنـــازع للــبــلــد

الأخذ بقواعد التنازع للبلد الذي تم اختيار قانونه ليطبق على النزاع

إن تحديد الأطراف للقانون سوف يحترم في جميع الأحوال، ولكن إضافة إلى ذلك وبالنسبة للأمور التي لا تدخل في نطاق القانون المذكور، يتم الرجوع فيها إلى قواعد القانون الدولي الخاص لهذا البلد. والقانون الذي يطبق على التحكيم يطبق أيضا على المسائل الخاصة بتنازع القوانين ويجب على المحكمين تطبيق القانون الدولي الخاص للبلد الذي يخضع التحكيم لقانونه، فالأطراف عندما يعينون القانون الواجب التطبيق على التحكيم فإنهم في نفس الوقت يعينون قواعد القانون الدولي الخاص الواجبة التطبيق على نزاعهم[1].

غير أن هذا الاتجاه لم يسلم من النقد فبالإضافة إلى أنه يحمل إرادة الطرفين في النزاع فهو يحمل تفسيرا أكثر مما يجب، ذلك لأن الطرفين عندما يختاران قانون بلد معين لتطبيقه في التحكيم على النزاع لا يعني ذلك إنصراف إرادتهم أيضا إلى تطبيق قواعد تنازع القوانين لذلك البلد، يضاف إلى ذلك أن الأطراف قد لا يختارون قانونا معينا إنما ينصب اختيارهم على تطبيق قواعد من قوانين مختلفة أو تلك القواعد مع قواعد أخرى خاصة بالتعالم التجاري[2].

تطبيق قواعد تنازع القوانين للبلد الذي يجري فيه التحكيم
هناك اتجاه يقول أنه انطلاقا من الطبيعة القضائية لنظام التحكيم التجاري الدولي، فإنه في حالة غياب اختيار الأطراف في المنازعة اختيارا صريحا أو ضمنيا، للقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع فليس أمام المحكم إلا أن يعمل قواعد تنازع القوانين في قانون الدولة التي يجري على إقليمها التحكيم لكي يحدد القانون الذي يحكم موضوع المنازعة بمعنى آخر أن قانون الدولة التي يجري التحكيم على إقليمها يكون هو بمثابة قانون القاضي بالنسبة للمحكم الدولي، ليس فقط بالنسبة لإجراءات سير المنازعة، بل وأيضا بالنسبة لقواعد تنازع القوانين التي يتحدد على هديها القانون الذي يحكم موضوع النزاع. بالنسبة لهذا الاتجاه فإن اختيار بلد أو آخر لإجراء التحكيم فيه، وإن كان لا يستوجب بالضرورة، ومن الناحية الموضوعية المجردة عن فكرة الاختيار الضمني، إخضاع النزاع للقواعد الموضوعية في هذا القانون، إلا أنه يستوجب إعمال قواعد الإسناد فيه، فكما أن القاضي يلتزم بإعمال قواعد الإسناد في قانونه، فإن إعمال المحكم عليه قواعد الإسناد المقررة في قانون البلد الذي يجري فيه التحكيم باعتبار هذا القانون هو قانونه.[3]

ولكن هذا الاتجاه منتقد كون قانون الدولة المقر باعتباره القانون الواجب التطبيق استنادا إلى أن تطبيق القاضي لقواعد الإسناد في قانونه مناطه أن القاضي يستمد ولايته من هذا القانون، وهو ملزم بإعمال قواعده، بما في ذلك قواعد الإسناد فيه. أما المحكم فإنه لا يستمد ولايته من قانون دولة المقر إنما من إرادة طرفي النزاع المدرجة في اتفاق التحكيم، وبالتالي فلا يوجد ما يبرر إلزامه بإعمال قواعد إسناد قانون دولة المقر. ما لم تكن هي إرادة الطرفين[4].
كما أن هذا الاتجاه يخضع تحديد القانون الذي يحكم موضوع النزاع من قبل المحكم الدولي لنوع من المصادفة، وقد يتعلق بالاختيار الشخصي للمحكم أو حتى بالمزاج السياحي لهذا المحكم فضلا على أن هذا الاختيار قد لا يكون له أدنى صلة بالنزاع المطروح على التحكيم[5]. كذلك فإن النزاع في التحكيم الدولي ليس كالنزاع الداخلي بالرغم من أن القانون الخاص بالإجراءات يطبق على إجراءات التحكيم الدولي، إلا أن الأمر يختلف بالنسبة لموضوع النزاع حيث نكون أمام علاقة قانونية دولية لها صلة بالاقتصاد أو التجارة الدولية، ولهذا فإن التحكيم هو تحكيم دولي، وعليه فالمحكم يجب أن لا يرغم على تطبيق قواعد القانون الدولي الخاص للبلد الذي يجري فيه التحكيم[6].

[1] – المرجع السابق، ص 189-190، كذلك في نفس الاتجاه أنظر:
GOLDMAN. B, les conflits des lois dans l’arbitrage international de droit privé, Recueil des cours, de l’académie de droit international, 1963, II, page 362.
[2] – د. محمد فوزي سامي، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 190.
[3] – د. نادية محمد المعوض، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 158.
[4] د. نادية محمد المعوض، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 158-159.
[5] – د. جمال محمود الكردي، القانون الواجب التطبيق في دعوى التحكيم، مرجع سابق، ص 93.
[6] – د. محمد فوزي سامي، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 192.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت