‎‎ البيع لغة : معناه أخذ الشيء وإعطاؤه، مأخوذ من الباع أي اليد. ‏

‎‎ واصطلاحاً: هو مبادلة مال بمال تمليكاً وتملكاً حالاً أو آجلاً بعين أو منفعة أو غيرها. ‏

‎‎ هو العملية التجارية التي يتم فيها تبادل المال حالاً أو آجلاً بعين أو منفعة أو غيرها. ‏

حكمه: ‏
‏ وهو جائز بالكتاب والسنة والإجماع.‏

‎‎ فمن الكتاب:‏

‎‎ قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا } [البقرة: 275].‏

‎‎ ومن السنة:‏

‎‎ قال صلى الله عليه وسلم: (إنما البيع عن تراض ) رواه البيهقي، وصححه ابن حبان. ‏

‎‎ وقال: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء ) رواه الترمذي وقال حديث حسن. ‏

‎‎ وأما الإجماع:‏

‎‎ فقد أجمع المسلمون على مشروعية البيع.‏

شروط البيع

يشترط لصحة البيع سبعة شروط :

1. ‏تراضي من العاقدين، فلا يصح من مكره بغير حق.‏

‎2. أن يكون متولي العقد وهو البائع أو المشتري جائز التصرف، بأن يكون حراً بالغاً رشيداً، فلا يصح بيع الرقيق ولا غير البالغ إلا بإذن وليه.‏

‎3. كون المبيع مالاً. والمال هو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة، فالمحرمات لا تسمى مالاً، فلا يجوز بيعها، وكذا مالا نفع فيه لا يسمى مالاً.‏

‎4. كون المبيع ملكاً للبائع أو وكيلاً فيه، فلا يبيع مالا يملك.‏

‎5. القدرة على تسليم السلعة، فلا يصح بيع السمكة في البحر مع عدم القدرة على تسليمها.‏

‎6. معرفة الثمن والمثمن ومقداره برؤية أو صفة، فلا يصح بيع المجهول.‏

‎7. أن يكون منجزاً غير معلق بشرط مستقبلي.‏

الشروط في البيع
‏ والشروط في البيع قسمان:‏

‎‎ شروط صحيحة، وشروط فاسدة.‏

‎‎1. الشروط الصحيحة:‏
‏ مثل: أن يشترط ما يتعلق بمصلحة العقد أو أحد المتعاقدين، كاشتراط صفة معينة ونحو ذلك، ومن ذلك شرط ما هو من مقتضى العقد، كتسليم المبيع، ومنه شرط نفع معين مثل نقل البضاعة لمكان معين.‏

‎‎2. ‏الشروط الفاسدة: ‏
‏ ومنها:‏
‏أ- شرط محرم في أصله، كشرط الإعانة على محرم.‏

‎‎ ب- شرط منافٍ لمقتضى العقد كأن لا يسلم المبيع له.‏

‎‎ ج- إذا شرط فيه عقداً آخر كالجمع بين بيع وإجارة، إلا إذا كان الجمع بينهما بدون اشتراط.‏

الخيار

‎‎ والمراد به أن أحد الطرفين يخير بين إتمام الصفقة أو فسخها وهو أنواع أهمها:‏

‎‎1. خيار المجلس: فما دام المتعاقدان في المجلس فالخيار ثابت لهما.‏

‎‎2. خيار الشرط: بأن يشرط أحدهما أن له الخيار مدة معينة معلومة.‏

‎‎3. خيار الغبن، وهو أن يخدعه البائع في البيع، فيبيعه ما يساوي عشرة بمائة، فله خيار الغبن، وتحديد الغبن يرجع فيه إلى عرف الناس.‏

‎4. خيار التدليس: وهو أن يظهر السلعة على غير حقيقتها متعمداً.‏

‎5. خيار العيب: وهو أن يجد في السلعة عيباً ينقص القيمة، فله الخيار.‏

الربا

تعريف الربا: ‏

‎‎ الربا لغة: الفضل والزيادة والنماء. ‏

‎‎ واصطلاحاً: زيادة مال بلا عوض في مبادلة مال بمال.‏

حكم الربا: ‏
‏ الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع، وقد ورد فيه وعيد شديد في الكتاب والسنة.‏

‎‎ فمن ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوالله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } [البقرة: 279]‏

‎‎ وقوله صلى الله عليه وسلم: (الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض الرجل المسلم ) رواه الحاكم وصححه.‏

‎‎ وعن جابر قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ) رواه مسلم.‏‏

تحريم الربا في جميع الشرائع السماوية: ‏

‎‎ وتحريم الربا قديم في الأديان السماوية السابقة: في شريعة موسى عليه السلام، وشريعة عيسى عليه السلام، كما نصت عليه الأناجيل والعهد القديم، واتفقت كلمة الكنيسة عليه. قال تعالى: {وأخذهم الربا وقد نهوا عنه } [النساء: 161].‏

‎‎ كما اعترف بخطورته الاقتصاديون الغربيون، مثل آدم سميث في القرن الثامن عشر، وكينز البريطاني في القرن العشرين، وشاخت الألماني.‏

الحكمة من تحريم الربا: ‏
‏ لتحريم الربا حكم عديدة، منها: ‏

‎‎ 1. أن فيه ظلماً واضحاً، لا سيما الربا في الديون وربا القرض، لأن فيه أخذ مال من غير عوض، لأن من يبيع درهما بدرهمين إلى أجل يحصل له زيادة درهم من غير عوض ولا جهد ولا عمل، ولا تعرض لربح وخسارة، وإنما يعيش على كد وسعي الآخرين،

فهو يشارك العامل في معمله، والتاجر في مسكنه، والزارع في زرعه والصانع في مصنعه، من غير أن يقوم هو بأي عمل، وإنما تأتيه أرباحه وهو آمن في بيته، بينما غيره يكدح ويتوقع الخسارة في عمله وماله، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحكمة، حيث سمى المرابي ظالماً محارباً لله ورسوله.

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } [سورة البقرة: 279]

‎2. أنه يربي الإنسان على الكسل والخمول والابتعاد عن الاشتغال بالمكاسب المباحة النافعة، وعدم السعي في الأرض بالتجارة أو الزراعة والصناعة، لأن الإنسان إذا رأى أنه إذا أودع نقوده في مصرف من المصارف (بنك ) وحصل على فائدة ثابتة مضمونة، فإنه يخلد إلى الكسل والراحة، وبهذا تتعطل المواهب، وتخسر الأمة أيادي كان بوسعها واستطاعتها أن تسعد نفسها وتسعد غيرها، بدلا من إسعاد نفسها على حساب مضرة الآخرين.‏

‎3. أنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس وعدم التعاون والتراحم والمواساة والإحسان فيما بينهم، وتكدس الأموال بأيدي نفر قليل من المرابين، وهذا بلا ريب يورث العداوة والبغضاء فيما بين طبقات المجتمع، وبه تنفصم عرى الرابطة الإسلامية القائمة على التعاطف والتراحم والمحبة، وقيام الصلة فيما بينهم على أساس مادي بحت.‏

‎‎ وفي هذا يقول الشيخ محمد عبده رحمه الله:‏
‏ (وإننا لنرى البلاد التي أحلت قوانينها الربا، قد عفت فيها رسوم الدين وقل فيها التعاطف والتراحم، وحلت القسوة محل الرحمة، حتى إن الفقير ليموت جوعاً ولا يجد من يجود عليه بما يسد رمقه، فمنيت من جراء ذلك بمصائب أعظمها ما يسمونه (المسألة الاجتماعية )، وهي تألب العمال على أصحاب الأموال واعتصابهم المرة بعد المرة لترك العمل وتعطيل المعامل والمصانع، لأن أصحابها لا يقدرون عملهم قدره،

بل يعطونهم أقل مما يستحقونه، ولهذا قام كثير من فلاسفتهم وعلمائهم يكتبون الرسائل والأسفار في تلافي شر هذه المسألة وقد صرح كثير منهم بأنه لا علاج لهذا إلا رجوع الناس إلى ما دعاهم إليه الدين.

وقد ألف (تولستوي ) الفيلسوف الروسي كتابا سماه: (ما العمل؟ ) وفيه أمور يضطرب لفظاعتها القارئ. وقال في آخره: (إن أوربا نجحت في تحرير الناس من الرق، ولكنها غفلت عن نير الدينار على أعناق الناس ) إلى أن قال: (وهذه بلادنا قد ضعف فيها التعاطف، ورفع التراحم وقل الإسعاد والتعاون، منذ أن فشا فيها الربا ).‏

‎‎ كما أن الربا يؤدي إلى انقسام الأمة إلى طبقتين، طبقة الأغنياء المتخمين وطبقة الفقراء المعدمين والمغلوبين على أمرهم، مما يؤدي إلى التناحر بينهم وتألب بعضهم على بعض كما هو مشاهد معلوم.‏

‎‎ ومن هنا لا تكاد تجد آية من آيات التحذير من الربا وتقبيحه إلا وبجانبها آية أو آيات تحض على البذل والصدقة والإنفاق في السراء والضراء على ذوي القربى والمساكين وابن السبيل، وعدم استغلال حاجة الفقراء والمعسرين، حتى لا يكون المال دولة بين الأغنياء، وحتى لا يستغل القوي الضعيف، ولا يستعبد الغني الفقير.‏

‎‎ وبالجملة فإن لتحريم الربا حكما عظيمة، وفي إباحته والتعامل به ضرراً جسيماً وفساداً كبيراً، أخلاقياً واقتصادياً واجتماعياً، سنوضحها إن شاء الله تعالى بشئ من البسط، لمسيس الحاجة إلى ذلك .‏

مضار الربا الخلقية: ‏
‏ لا شك أن الخلق هو جوهر الإنسانية وملاك أمرها، والهدف السامي لرسالة السماء في لبها.‏

‎‎ قال الشاعر:‏
‏ وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

‎‎ فكل شئ يضر الأمة في صميم هذا الجوهر جدير بالرفض، ولا يصلح أن تأخذ به أي أمة تنشد الكرامة لنفسها والسمو في أخلاقها والعزة والإباء لأبنائها.‏

‎‎ وإذا نظرنا إلى هيكل الربا وجدناه يتنافى مع الأخلاق الإسلامية، ويهدم الخصائص التي جعلها الله من مقومات المجتمع الإسلامي، فهو ينزع الشفقة والرحمة من قلب الإنسان نحو أخيه الإنسان، فالمرابي إنسان متربص ينتظر ضائقة الآخرين حتى يشبع نهمه ويملأ جوفه، تبدو عليه القسوة وعدم الرحمة وعبادة المال،

الأمر الذي يظهر المرابي وكأنه خلع ثوب إنسانيته وعوامل أخوته وروح تعاونه، وما إليها من الصفات الشريفة التي يتحلى بها المؤمن، وقد وضح القرآن الكريم، أن من صفات المؤمن الإيثار لا الأنانية وليس الإيثار مع الغنى المالي، بل الإيثار مع الفاقة والحاجة فيقول: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون َ} [الحشر: 9].‏

‎‎ ومن يستعرض آيات الربا يجدها إما لاحقة بآيات الإنفاق أو سابقة لها، أو أن فيها ما يشير إلى الإنفاق أو إلى معنى من معانيه، وقد قرن الله بين الصدق وبين الربا لما بينهما من تضاد، ذلك أن الربا شح وقذارة وبخل وأنانية، والصدقة طهارة وسماحة وإيثار،

فشتان ما بينهما، ولأن الربا لا يمكن أن يوجد فيما إذا سارع الناس إلى فعل الخيرات، وكذلك الصدقات والإحسان لا توجد في المجتمع الربوي، لأن المرابي يستغل حاجة الناس، ويأكل أموالهم بالباطل، ومن يحرص على زيادة ماله بالحرام لا يعقل أن يتصدق به، لأنه لو كان من أهل الإحسان والصدقات لما تعامل بالربا.‏

‎‎ ولهذا فإن الربا لا يجد له مجالاً إلا في محيط قلّ فيه التعاون والتكافل.‏

‎‎ والشريعة الإسلامية تفرض أن يكون مجتمعها مجتمعاً مثالياً متعاوناً متكافلاً، تسود فيه المحبة والأخلاق الكريمة والفطر السليمة، ويقوم بناؤه على أسس أخلاقية من شأنها إيجاد مجتمع متعاون متوازن متكافل، فالمسلم أخو المسلم،

ولا يتم إيمان العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، ففُرضت الزكاة في أموال الأغنياء لتُعطى للفقراء، وأوجبت نفقات الأقارب وصدقات أخرى إذا دعت الضرورة للوفاء بمطالب المجتمع، وحضت على الإنفاق، ودعت إلى البر والإحسان، ولذا فإن الإسلام يحض على القرض الحسن، وهو الذي لا ربا فيه، ويجعل قرض مرتين كصدقـة مرة.‏

‎‎ عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة ) رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني وصححه ابن حبان.‏

‎‎ وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ).رواه مسلم.‏

‎‎ فالتكافل دعامة كبرى في كيان المجتمع الإسلامي، وأصل لازم من أصوله، والربا (لاشك ) يهدمه، فلذا حرمه الله حفظاً لعوامل الأخوة، وإبقاء على الشفقة والتراحم والمواساة، ولذا فإننا نرى أن البلاد التي أحلت قوانينها الربا ضعف فيها التعاطف والتراحم وقل التعاون حتى فشا فيها الربا، وهذا بالنسبة لأفراد المجتمع الواحد الذي تحكمه حكومة ودولة واحدة،

وقس على ذلك العلاقات الدولية فيما بينها، فإنه من المستحيل إذا عاملت أمة أمة مجاورة لها بالأثرة والقسوة، واستغلت مصائبها وشدائدها لتنال بذلك منفعة مادية، فإنه لا يمكن أن يبقى لها في نفس جارتها شئ من العطف والحب والإخلاص.

ولذا فإننا سننقل الأثر السئ الذي تركه امتناع أمريكا من إقراض حليفتها انجلترا بدون الربا، ذلك أن انجلترا طلبت من أمريكا بعد الحرب العالمية الأخيرة أن تعقد معها قرضاً كبيراً بدون الربا، ولكن أمريكا رفضت أن تعطيها إلا بربا، فكان مما قاله اللورد “كينز” في خطاب له في دار مجلس اللوردات بعد رجوعه من أمريكا ممثلاً للشعب الإنجليزي فيها: “لا أستطيع أن أنسى أبد الدهر ذلك الحزن الشديد والألم المرير الذي لحق بنا من معاملة أمريكا لنا في هذه الاتفاقية فإنها أبت أن تقرضنا شيئاً إلا بالربا “.‏

‎‎ وكان مما قاله تشرشل وهو ممن لا يخفي حبه لأمريكا وميله إليها: “إني لأتوجس خلال هذا السلوك العجيب المبني على الأثرة وحب المال الذي عاملتنا به أمريكا ضروباً من الأخطار، والحق أن هذه الاتفاقية قد تركت أثراً سيئاً جداً فيما بيننا وبين أمريكا من العلاقة ” فهذا هو الأثر الفطري للربا وما يقتضيه من رد فعل النفس، وإن النفس لتتقزز منه، والفطرة تستقبحه.

فهؤلاء زعماء بريطانيا لما لقيت بلادهم من أصدقائهم هذه المعاملة الربوية صاحوا ونادوا بأن الربا شيء تحزن له النفوس وتنخلع له القلوب، ويسيء إلى ما بين الدول من الروابط والعلائق فضلاً عما بين الأفراد.‏

المضار الاقتصادية : ‏

‎‎ مما لا ريب فيه أن الإسلام يريد اقتصاداً عادلا،ً حتى لا يطغى قوي على ضعيف ولا غني على فقير، وحتى لا يكون المال دولة بين الأغنياء فحسب، لذا فإن الإسلام يرى أن كل كسب يحصل عليه الإنسان لابد أن يكون عن طريق مشروع، فأحل البيع وحرم الربا، لأن المال وحده في نظر الإسلام لا يلد المال، وإنما ينتج المال بالعمل وبالبيع والشراء والتعرض للربح والخسارة مما ينفع الأمة ويعود عليها بالصالح العام.‏

‎‎ وأما الكسب الناتج من الربا فهو ليس نتيجة لقيمة سلعة وكلفة أو لقاء عمل وجهد، لأن المرابين لا يقومون بأي مجهود أو عمل تجاري أو مساهمة في مصانع، وإنما يأخذون فوائد اقتطعوها من مال المقترضين وبالتالي من الثروة العامة وهم قابعون في أماكنهم.

ومؤدى هذا أن توجد طائفة من الناس لا هم لها في أي عمل، وإنما يمتصون كالطفيليات مجهود غيرهم ويكونون في حالة بطالة وخمول، لأنه من السهل على من عنده عشرة آلاف جنيه مثلاً أن يقرضها بفائدة سبعة في كل مائة سنوياً، فيجئ إليه وهو في عقر داره سبعمائة جنيه كل عام ربحاً ثابتاً مضموناً من غير جهد ولا نفع للآخرين،

فبذلك يركن إلى الراحة ويميل إلى الدعة اتكالاً على فوائده الربوية، وبهذا الخمول وبهذا الكسل تتعطل طاقات وأفكار ومواهب، وهذا بالطبع يؤدي إلى شل حركة التجارات مما يؤدي إلى بوار السلع وكساد التجارة، وينجم عنه بالتالي نقص في دخل الأفراد، وبذلك يضطرب الاقتصاد، وتقف عجلة نمو التجارة فيعم الفقر، ويزداد الغني غنى والفقير فقراً فترتفع طبقة على حساب طبقات أخرى .‏

‎‎ ومعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعات واستثمار الأموال في المشاريع العامة النافعة، لأنه بذلك تخرج الأموال من الأيدي وتدور دورتها، وبتداول الأموال يستفيد مجموع الأمة فيتحقق الرخاء، والمرابي قاعد عن الكسب وعن توظيف ماله فيما ينفع الأمة، لأنه مضمون له ذلك السحت الذي يستنزفه من كد الفقراء.

كما يكمن الضرر على الاقتصاد ككل في النهج الذي تنهجه المصارف في الإقراض بالربا من ميلها إلى التوسع في ذلك في أوقات الرخاء، والإحجام عن الإقراض أو التقليل منه أوقات الركود، وإرغام المقترضين على السداد، وهذه السياسة من أهم العوامل التي تهز الكيان الاقتصادي وتسبب له الاضطراب.

وقد دلت الإحصاءات والوقائع التجريبية على أن المقترضين بالفائدة يطول بهم الأمد للتخلص من القروض وفوائدها ويغلب في الواقع عجزهم عن سدادها، مما يضطرهم في النهاية إلى حجز أو بيع أملاكهم التي اقترضوا المال من أجلها ليصرف في مصالح الإنتاج علاوة على ما تعمله الفائدة في رفع تكاليف الإنتاج، وبالتالي إلى رفع مستوى الأسعار، ذلك أن المنتج الذي يأخذ القروض الربوية يدخل ضمن التكاليف عامل الفائدة فتزداد تبعاً لذلك تكاليف الإنتاج، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.‏

‎‎ وقد ثبت أن الأزمات التي تعتري الاقتصاد العالمي تنشأ غالباً من ديون الربا التي تتراكم على الشركات، وأدركت الدول الحديثة ذلك فلجأت إلى تحديد النسبة الربوية، ولكن هذا الإجراء لم يقض على مخاطر الربا.‏

المضار الاجتماعية:‏
‏ مما لا يختلف فيه اثنان أن الربا آفة اجتماعية، فهو يزرع الأحقاد والحزازات في النفوس بين أفراد المجتمع، كما يسبب الكثير من الجرائم والأمراض النفسية، لأن المجتمع الذي يتعامل أفراده فيما بينهم بالأثرة ولا يساعد بعضهم بعضاً إلا مقابل فائدة محدودة ويكون عوز أحدهم وضيقه فرصة ومغنماً للغني للتمول والانتفاع على حسابه، تنقطع بينهم أواصر المودة والإخاء والتعاون، وتنشأ بينهم الضغائن والحزازات وتضطرم نار العداوة.

ومجتمع هذا شأنه لا يمكن أن يقوم على قواعد ثابتة، بل لابد أن تبقى أجزاؤه مفككة ومشتتة، وإن الكوارث الاجتماعية التي تحيق بالمتعاملين بالربا من آكلين ومؤكلين يعرفها كل من له أدنى اطلاع على الأوضاع الاقتصادية، فكم خرب الربا من بيوت عامرة، وكم قضى على دول كانت قبل التعامل بالربا سيدة نفسها .‏

‎‎ كما أن إباحة الربا تؤدي إلى اختلال التوازن في توزيع الثروة وحصرها في أيدي فئة قليلة فتتسع الهوة بين طبقات الشعب، مما يؤدي إلى إثارة أسباب الفتن والمنازعات والصراع بين الطبقات، لأنه ليس آلم على النفس من أن ترى مالها يؤخذ بدون حق، ولا يمكن لمحتاج أن ينظر إلى المرابي نظرة تنم عن الحب والرضا،

ولقد ظهر أثر ذلك في الأمم التي فشا فيها الربا، إذ قام الفقراء يعادون الأغنياء وقام العمال على أرباب الأموال وثارت الشعوب على المدنية المادية الخالصة، ونتج من ذلك نظريات الاشتراكية المتطرفة والمبادئ الهدامة والسعي للقضاء على الملكية الخاصة، وما الشيوعية الحاقدة إلا وليدة الرأسمالية الجائرة.

وأما ما يصاب به المرابي في نفسه من الوساوس والأوهام والاضطراب النفسي فهو أمر لا يعرفه إلا من راقب هؤلاء العابدين للمال، فمنهم من يشغله المال عن طيبات حياته، ومنهم من يركب الأهوال والمخاطر حتى يكون من الهالكين، ولقد قرر بعض الأطباء أن الأمراض التي تصيب القلب والتي من مظاهرها ضغط الدم المستمر، أو الذبحة الصدرية، أو الجلطة الدموية، أو النزيف بالمخ، سببها هو الاضطراب الاقتصادي.

ولقد قرر عميد الطب الباطني في عصره الدكتور عبدالعزيز إسماعيل في كتابه: “الإسلام والطب الحديث ” أن الربا هو السبب في كثرة أمراض القلب .‏

أنواع الربا:‏
‏ الربا نوعان:‏
‏ ربا الفضل، وربا النسيئة.‏

أولاً: ربا الفضل: ‏
‏ وهو الزيادة في أحد البدلين المتفقين جنساً مما كان ثمناً أو مطعوماً (مكيلاً أو موزونا ). ‏

‎‎ وربا الفضل محرم بالكتاب والسنة والإجماع، وممن حكى الإجماع: ابن هبيرة والنووي والصديقي الشافعي وابن حجر الهيتمي والقرطبي.‏

‎‎ مثاله: بيع كيلو من الذهب بكيلوين حاضراً.‏

ثانياً: ربا النسيئة:‏
‏ وهو التأخير في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، وهي الكيل والوزن وليس أحدهما نقداً أو بيع الذهب بالنقود مؤجلة أو مقسطة .‏

‎‎ مثاله: بيع كيلو ذهب حاضر بكيلو ذهب آجل.‏

العلة في الأموال الربوية:‏
‏ عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح ، مثلا بمثل ، يداً بيد. فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الأخذ والمعطى سواء ) متفق عليه.‏

‎1. أما الذهب والفضة فالعلة فيهما الثمنية على القول الراجح، وبناء عليه فالعملات الورقية الموجودة الآن تأخذ حكم الذهب والفضة ويحرم فيها الزيادة الربوية.‏

‎2. وأما البر والشعير ونحوها فالعلة فيها الكيل أو الوزن مع الطعم والادخار على القول الراجح، فكل مـا جرت العـادة بأنه يكال بالكيل مع كونه من المطعومات ويمكن إدّخاره ـ كما سبق ـ وكالملح والتمر … وما جرى مجراها، فهذا يجري فيه الربا.‏

‎‎ والمراد بالكيل هنا: هو الصاع والمد ونحوه، وليس المراد به الكيلو المعروف الآن، فهذا يدخل في قسم الموازين.‏

قاعدة الربا : ‏
‏ المبيعات لا تخلو:‏
‏ إما أن تكون من الأموال الربوية، وإما أن لا تكون من الأموال الربوية.‏

‎‎ أولاً: فإن كانت من غير الأموال الربوية فيجوز فيها التفاضل والتأجيل والجزاف والخرص، كالخضروات والفواكهة.‏

‎‎ ثانياً: وإن كانت من الأموال الربوية فلا تخلو: إما أن تتحد في العلة أو تختلف.‏

‎1. فإن اختلفت في العلة جاز التفاضل والتأجيل، مثل بيع البر بالذهب.‏

‎2. وإن اتحدت في العلة فلا تخلو: إما أن تتحد في الجنس، أو تختلف.‏

‎ أ- فإن اتحدت في ***** حرم التفاضل والنَساء، مثل: بيع الذهب بالذهب، أو بيع البر بالبر.‏

‎ ب- وإن اختلفت في ***** جاز التفاضل وحرمت النسيئة فيهما، ما لم يكن أحدهما نقداً فيصح لأنه صار بذلك عقد سلم.‏

‎‎ مثاله: بيع البر بالشعير فيجوز التفاضل دون النَساء. ‏