المستشار محمد عبدالحميد مسعود رئيس مجلس الدولة المصري:
توحيد القوانين والتشريعات هو الخطوة الأولى لتحقيق الوحدة العربية

أكد المستشار الدكتور محمد عبدالحميد مسعود رئيس مجلس الدولة المصري أن مبادرة مملكة البحرين ممثلة في هيئة التشريع والإفتاء القانوني لمد جسور التعاون والتنسيق مع مجلس الدولة المصري تصب في صالح الطرفين، وقال إن مذكرة التفاهم التي وقعها أمس مع رئيس هيئة التشريع والإفتاء القانوني المستشار عبدالله بن حسن البوعينين سوف تمد جسور التعاون بين البلدين في جانب القضاء الإداري والإفتاء والتشريع بما يخدم شعبي البلدين الشقيقين.

وفي حوار خاص مع «أخبار الخليج» أكد رئيس مجلس الدولة المصري أن الخطوات التنفيذية لمذكرة التفاهم سوف تبدأ على الفور، لتحويل جميع البنود إلى جسور حقيقية للتعاون والتواصل، ستترجم من خلال تبادل المعلومات والتشريعات والدورات التدريبية وتبادل الرؤى، مشيرًا إلى أن مجلس الدولة المصري أهدى بالفعل رئيس هيئة الإفتاء والتشريع خلال هذه الزيارة عددا من المراجع القانونية التي تضم أحدث الأحكام والمبادئ القانونية، وأنه سيتبادل معها في القريب العاجل جميع الأحكام والتشريعات والفتاوى القانونية.

كيف تنظرون إلى مذكرة التفاهم التي وقعتموها مع المستشار عبدالله بن حسن البوعينين رئيس هيئة التشريع والإفتاء القانوني؟ وكيف يمكن أن تعمق التعاون بين المجلس والهيئة؟
مذكرة التفاهم التي وقعناها مع هيئة التشريع والإفتاء القانوني البحرينية هي الأولى من نوعها التي نقوم بتوقيعها، وهذا مصدر سعادة لمجلس الدولة، ولي أنا بشكل شخصي؛ وذلك لسببين مهمين: أولهما أنني من أكبر المؤمنين بالوحدة العربية، وأنا أؤمن بأن الوحدة العربية يمكن أن تتحقق بشكل عملي على أرض الواقع من خلال توحيد القوانين والتشريعات، فالوحدة لا تكون من خلال السياسة فقط، ولا شك أن سعينا لإعلان الاتحاد العربي للقضاء الإداري هو خطوة على هذا الطريق الطويل لتوحيد التشريعات العربية، كما أن توقيع مذكرة التفاهم هذه قد تكون خطوة أخرى.

والسبب الثاني هو ما سمعته عن الطفرة الكبيرة التي حققتها مملكة البحرين في نظامها القضائي، وفي تطوير منظومتها التشريعية، وهذا شيء يدعو إلى الفخر، وعلى الرغم من أن هذه هي زيارتي الأولى للبحرين فإنه قد تكونت لدي صورة واضحة لهذه النهضة البحرينية في مجال القضاء والتشريع من خلال عدة مصادر، أهمها ما يصل إليَّ من شهادات القضاة والمستشارين المصريين العاملين هنا، ولذلك فأنا أسعى إلى الوقوف على هذا التطور المشرف من خلال هذه الزيارة التي سأتشرف فيها بلقاء المستشار سالم بن محمد الكواري رئيس المجلس الأعلى للقضاء، والدكتور علي بن فضل البوعينين النائب العام، وسوف ألتقي وأتحدث كثيرا مع المستشار عبدالله بن حسن البوعينين رئيس هيئة التشريع والإفتاء القانوني، بعد توقيع مذكرة التفاهم التي ستمد جسورا قوية للتعاون بين بلدينا.

كيف تتوقعون أن يتم تبادل الاستفادة بين مصر والبحرين من خلال مذكرة التفاهم هذه؟
لا شك أن مبادرة مملكة البحرين ممثلة في هيئة التشريع والإفتاء القانوني لمد جسور التعاون والتنسيق مع مجلس الدولة المصري تصب في صالح الطرفين، فالمذكرة تتضمن عديدا من سبل تدعيم التعاون بين مجلس الدولة المصري وهيئة الإفتاء والتشريع، من خلال الزيارات المتبادلة وإتاحة فرص التدريب والمحاضرات والندوات وتبادل الأحكام والتشريعات والاستفادة من شبكة المعلومات لدى الجانبين، والاستفادة من قائمة المراجع الضخمة التي تتوافر في مكتبة مجلس الدولة المصري والتي أطلقنا عليها اسم المستشار «عبدالرزاق السنهوري»، وهي مكتبة ضخمة للغاية تضم آلاف العناوين في مختلف أفرع القوانين والتشريعات.

ويستطرد قائلا: إنها خطوة جيدة بكل المقاييس، تعكس مدى الرغبة الصادقة لدى الجانبين في التقارب القانوني والتشريعي والتقارب الفكري بشكل عام، ولا شك أن تحقيق التقارب يحتاج إلى جهد وإلى سنوات.

وفي الحقيقة لدينا خبرات طويلة في مجلس الدولة المصري، ونحن نسعد بنقل هذه الخبرات إلى أشقائنا في مملكة البحرين ممثلين في هيئة التشريع والإفتاء القانوني، فهذا الأمر يعتبر واجبا علينا في الوقت نفسه إدراكًا لدوره الريادي في مجال القضاء الإداري والإفتاء القانوني في الوطن العربي، الذي أسهم مجلس الدولة المصري في وضع الأسس المتعلقة بمبادئ قضائية، وذلك من خلال خبرات مستشاريه الذين باتوا محط طلب دائما من مختلف الدول العربية للاستفادة من خبراته الواسعة.

ومجلس الدولة يسعده أن يمد جسور التعاون البناء مع الهيئات القضائية العربية النظيرة في دول العالم العربي الشقيقة، حيث تأتي في الصدارة والمقدمة بالنسبة إلى هذه الهيئات هيئة التشريع والإفتاء القانوني بمملكة البحرين الشقيقة.

ونحن في الوقت نفسه يشرفنا ويسعدنا أن نستفيد من خبرات أشقائنا في مملكة البحرين، وفي كل بلد عربي، فتبادل المعرفة فضيلة إنسانية بكل المقاييس.
مد جسور التعاون
كيف ومتى ستتحول جميع البنود الطموحة في مذكرة التفاهم إلى تعاون حقيقي على أرض الواقع؟
نحن عازمون على تحويل كل بنود مذكرة التفاهم إلى واقع عملي، وفور الانتهاء سنبدأ الخطوات التنفيذية لتفعيل هذه المذكرة، وسيقوم بالجزء العملي في هذا الصدد المستشار محمد مجبل مدير إدارة التشريع والجريدة الرسمية بالهيئة مع الأمين العام للمجلس.

ولقد حرصنا ونحن في طريقنا إلى مملكة البحريين على أن نحمل مجموعة من أحدث الكتب والمجلدات الصادرة عن مجلس الدولة، ومن بينها جزءان كبيران لأحد الأحكام الصادرة من القضاء الإداري المصري الصادرة خلال عامي 2014 و2015، وقد حرص المستشار يحيى الدكروري النائب الأول لرئيس مجلس الدولة على أن يكون أول إهداء من هذين المجلدين إلى الأشقاء في هيئة التشريع والإفتاء القانوني بمملكة البحرين.

كذلك حرصنا على أن نجلب معنا في هذه الزيارة جزءين كبيرين لأحدث أحكام المحكمة الإدارية العليا في مصر (دائرة توحيد المبادئ)، وبموجب المذكرة سنقوم بمد الإخوة في الهيئة الموقرة بكل الأبحاث والمراجع القانونية التي تصدر في مصر، وسنتواصل معهم لإمدادنا بكل الأحكام التي تصدر في البحرين لتعميم الفائدة بيننا وبينهم.

وفور الانتهاء من مراسم التوقيع سنبدأ أيضا الإعداد لجداول الزيارات واللقاءات والمحاضرات والدورات التدريبية للجانبين.
تاريخ مشرف
مسيرة مجلس الدولة المصري كبيرة.. كيف يمكن نقل هذه التجربة إلى الدول العربية؟
هي مسيرة ممتدة على مدى 70 عاما منذ إنشاء مجلس الدولة برئاسة المستشار محمد كامل مرسي باشا في عام 1946، واليوم لنا وجود في محافظات مصر كافة، وهناك محافظة بها أكثر من دائرة للقضاء الإداري أو مجلس الدولة، مثل القاهرة التي يوجد فيها 19 دائرة، منها 11 محكمة عليا و4 محاكم إدارية، وقد تم وضع حجر الأساس لمقرين جديدين لمجلس الدولة في القاهرة الجديدة وفي مدينة أكتوبر.

والمواطن العادي في مصر يعرف أخبار مجلس الدولة من أحكامه، التي جعلته محل ثقة 90 مليون مصري، لأن المواطن يستطيع أن يقاضي أي صاحب قرار، من أصغر مسؤول إلى رئيس الدولة نفسه.

ونظرًا إلى زيادة عدد القضايا فقد أصبح لدينا 3 آلاف قاضٍ في مجلس الدولة، ونحمد الله أن مجلس الدولة أصبحت له مكانة كبيرة على المستوى الدولي تضاهي مكانة مجلس الدولة الفرنسي، وهو الأول في العالم.
مهام مجلس الدولة
ويقول المستشار الدكتور محمد عبدالحميد مسعود: بصورة عامة فإن مجلس الدولة المصري مكون من ثلاثة أقسام:
– القسم القضائي، ويضم المحاكم وهيئة مفوضي الدولة.
– قسم التشريع، وهو المختص بمراجعة صياغة أي تشريع تعتزم الدولة إصداره، ويراجع اتفاق هذه التشريعات مع الدستور.
– قسم الفتوى، وهو يُعنى بإصدار الفتاوى للهيئات والوزارات ونحن لدينا 17 إدارة فتوى موزعة على كل الوزارات والهيئات، وكل مجموعة إدارات تشكل لجنة للفتوى، وكل أعضاء اللجان ورؤساء إدارات الفتوى هم أعضاء في الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع.

ولمجلس الدولة المصري ثلاث وظائف تكمل بعضها البعض، فقسم التشريع يراجع النصوص، وبعد صدور القانون وتطبيقه يقوم قسم الفتوى بتفسيره إذا تطلب الأمر، وإذا لم يرتض أحد الأطراف هذا القانون يلجأ إلى المحاكم الإدارية.

والجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع تضم 40 مستشارا بدرجة نائب رئيس مجلس الدولة، وهي أكبر تشكيل قضائي في مصر.

وكما ذكرت فإننا دائما نفتح أبوابنا لكل الأشقاء، سواء للزيارة أو للمناقشة أو للاطلاع، كما نستقبل وفودا من كل الدول الشقيقة للتدريب في مركز الدراسات القضائية بمجلس الدولة، وهو لا يكتفي بتدريب المصريين والعرب على الجوانب القانونية والقضائية فقط، بل يدربهم على كل ما يفيدهم في عملهم، ومنها السلوكيات وكيفية التعامل مع فئات المجتمع كافة، حتى يكون عضو مجلس الدولة محل احترام الجميع، وفي السنوات الأخيرة ارتأينا الاهتمام أكثر بالمحاضرات في اللغة العربية، لأنها مهمة لصياغة الأحكام التي يصدرها القضاة.

وأعود وأؤكد أن جميع هذه المجالات مفتوحة لكل الأشقاء من العالم العربي والدول الشقيقة.. وأخص بالذكر الإخوة من مملكة البحرين الشقيقة الذين سنرحب بهم ونضعهم في قلوبنا وسنعطيهم كل ما نستطيع، وسيسعدنا تفوقهم على الجميع.

ذكرتم أن توحيد التشريعات خطوة مهمة على طريق الوحدة العربية، هل توحيد القوانين الجنائية والمدنية أسهل أم توحيد قوانين القضاء الإداري؟
القوانين الجنائية والمدنية استقرت على مستوى العالم، لكن القضاء الإداري مبدع ويتغير بحسب تغير الظروف، وأحيانا تصدر المحاكم العليا مبادئ قانونية ثم تصدر بعدها أحكام توضح أن هناك حاجة إلى الربط بين المبادئ.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت