الأحكام الحقوقية ومسئولية التنفيذ!
محمد عبد العزيز المحمود
لما كانت الغاية من الالتجاء إلى القضاء هو استصدار أحكام قضائية يحصل بها المتقاضي على حقه؛ إلا أن مناط ذلك كله هو في تنفيذ ما قد يحصل عليه من قرارات شرعية متضمنة للأحكام الصادرة من الجهات القضائية، وإلا فما الفائدة من حيازة المواطن أو المقيم قراراً لم تقم الجهات الإدارية بتنفيذه؟؟.

فغاية الحكم وهدفه هو التنفيذ؛ فالحكم القضائي هو الإخبار عن الحكم الشرعي على سبيل الإلزام به، فالتنفيذ والإلزام غاية للأحكام إذ في الحقيقة أن كلاً من إجراءات الدعوى والحكم وما يتعلق بذلك من إجراءات الاستدلال والتحقيق والمحاكمة، جميعها لا فائدة منه ولا تعتبر إذا لم تقترن بالتنفيذ، فالتنفيذ هو المحور الأخير والأهم الذي يعطي العملية القضائية أهميتها وغايتها؛ إذ لا فائدة ترجى من القضاء بلا تنفيذ أحكامه.

ولما كان تنفيذ الأحكام القضائية أمراً يصعب على الشخص العادي النهوض به فقد كفلت الدولة عبر مؤسساتها الإدارية تنفيذ تلك الأحكام الشرعية بعد اكتسابها الصفة القطيعة.

وسنقتصر الحديث في مقالنا هذا اليوم عن تنفيذ الأحكام الحقوقية والتي تعج بقضاياها محاكمنا اليوم نظراً لما نعيشه من تطور رهيب شمل جميع أرجاء الحياة، ولما تعيشه بلادنا من انفتاح اقتصادي على العام أجمع.

وقبل ذلك لا بد أن نبين مفهوم الحكم الحقوقي وهو ذلك الحكم الصادر من الجهات الإدارية صاحبة الصلاحية في إصدار الأحكام، سواء كان هذا حكماً شرعياً، أو قراراً من ديوان المظالم، أو من وزارة التجارة، أو من مكتب الفصل في المنازعات العمالية الصادر من مكاتب العمل، أو قرار مخالفة صادراً من الأمانات.

ولهذا الحكم طرفان؛ أحدهما: طالب التنفيذ أو المحكوم له، وهو من يطلب الحماية التنفيذية والثاني: المطلوب منه التنفيذ أو المحكوم عليه، وهو من صدر ضده حكماً يلزمه بأداء حق غيره.

وتختص إدارة الحقوق المدنية التابعة للأمن العام في المملكة العربية السعودية بتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الصادرة من المحاكم واللجان شبه القضائية في الحقوق الخاصة باستثناء الأحكام الصادرة بتنفيذ العقوبات الجزائية، فهي من اختصاص أقسام الإحضار والتنفيذ في مراكز الشرط.

ويشمل اختصاص إدارة الحقوق المدنية الأحكام والقرارات القضائية الصادرة في التعاملات المدنية والتجارية والتركات، وكذلك الأحكام الصادرة في قضايا النكاح، والطلاق، والنسب، والنفقة وأجرة الرضاعة وأجرة الحاضنة ورؤية الطفل الصغير وتسليمه لحاضنه، وكذلك أجرة المساكن والبيوت، وأيضاً الأحكام والقرارات الصادرة في الحقوق العمالية، أو الصادرة بالديات وأرش الجنايات وقيمة التلفيات.

ولا بد أن يكون الحكم أو القرار صالحاً للتنفيذ، إما بقناعة المحكوم عليه أو فوات مدة الاعتراض عليه، أو تأييد ذلك الحكم من مرجع مصدره؛ إما من محكمة التمييز فيما يصدر من المحاكم العامة، أو من دوائر التدقيق فيما يصدر من ديوان المظالم، أو من اللجنة العليا لتسوية الخلافات العمالية فيما يصدر من اللجان العمالية، أو من اللجنة الجمركية الاستئنافية فيما يصدر من الجمارك وهكذا، كذلك لا بد أن يكون الحق المحكوم به حال الأداء أو الاستحقاق، وأن يطلب المحكوم له تنفيذ الحكم، وذلك فيما لم ينص الحكم على التنفيذ المعجل بكفالة أم بدونها، أما إذا نص على التنفيذ المعجل فينفذ فوراً.

وفي الواقع العملي ومع كثرة المطالبات المالية بين أفراد المجتمع بعضهم مع بعض، فإنه يجب على صاحب الحق أولاً إثبات حقه أمام المحكمة، بأن يجلس مع خصمه أمام القاضي في المحكمة لإثبات حقه، وبعد صدور الصك الشرعي بذلك واكتسابه للصفة القطعية فإنه يجب على الجهات الإدارية تنفيذه، فيتقدم طالب الحق إلى إدارة الحقوق المدنية بعريضة يطلب فيها تنفيذ ما حُكم له به، مرفقاً بها صورة من الحكم الشرعي المطلوب تنفيذه، بعد أن يعين طالب التنفيذ محل إقامته، وعمله، وطريقة الاتصال به أو بوكيله الشرعي حال غيابه مع إثبات رقم وتاريخ صك الوكالة والجهة التي أصدرتها، كما يجب أن يعيّن محل المحكوم عليه وعنوانه كاملاً، إذ إن إدارات الحقوق المدنية لها اختصاص مكاني لا يجوز الخروج عنه.

وفي حال امتناع المحكوم عليه من تنفيذ الحكم الصادر ضده لغير عذر الإعسار ولم يكن التنفيذ على أمواله؛ فإنه يجوز للمحكوم له أن يطلب توقيف المحكوم عليه، وذلك بموجب عريضة يتقدم بها إلى الحاكم الإداري المختص، حيث نصت المادة الثلاثون بعد المائتين من نظام المرافعات الشرعية على أنه: (إذا أمتنع المحكوم عليه من تنفيذ الحكم الصادر ضده لغير عذر الإعسار ولم يمكن التنفيذ على أمواله جاز للمحكوم له طلب توقيف المحكوم عليه بموجب عريضة يرفعها إلى الحاكم الإداري المختص، وعلى الحاكم أن يأمر بوقف الممتنع لمدة لا تزيد على عشرة أيام، وإذا أصر المحكوم عليه على الامتناع عن التنفيذ بعد تلك المدة فيحال إلى المحكمة التي يقيم المحكوم عليه في نطاق اختصاصها للنظر في استمرار توقيفه أو إطلاق سراحه على ضوء النصوص الشرعية).

وسيقوم الحاكم الإداري بدوره بالأمر على إدارة الحقوق المدنية بتوقيف الممتنع وسجنه مدة لا تزيد عن عشرة أيام، وإذا أصر المحكوم عليه على الامتناع عن التنفيذ بعد تلك المدة فيحال إلى المحكمة التي يقيم المحكوم عليه في نطاق اختصاصها للنظر في استمرار توقيفه أو إطلاق سراحه على ضوء النصوص الشرعية أما إن كان الامتناع عن تنفيذ الحكم بحجة الإعسار فيحال المحكوم عليه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم للتحقق من إعساره أو عدمه.

حيث نصت المادة الحادية والثلاثون بعد المائتين من النظام نفسه على أنه: (متى كان الامتناع عن تنفيذ الحكم بحجة الإعسار فيحال المحكوم عليه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم للتحقق من إعساره أو عدمه).

أما إذا أدى المحكوم عليه بالتوقيف ما حكم به أو أحضر كفيلاً غارماً فإنه يطلق سراحه، وفي كل الأحوال فمتى ظهر له مال فإطلاق سراحه لا يمنع من تنفيذ الحكم بطريق الحجز على أمواله بالطرق الاعتيادية.

فالنظر في مدى تحقق الإعسار من عدمه هو من اختصاص المحاكم الشرعية، مهما كان مصدر ثبوت الحق، فلا مجال للتلاعب بدعوى الإعسار، لأن القاضي سيتخذ من الطرق ما هو كفيل بمنع إدعاء صفة الإعسار وهذا فيما يتعلق بمطالبة الأفراد بعضهم البعض، أما من يتعامل باستحصال حقوق الدولة فإنه يُتبع في ذلك الإجراءات المنصوص عليها في نظام جباية أموال الدولة الصادر بالإرادة الملكية رقم (41/3/2) والتي نصت المادة الرابعة عشرة منه على أن “كل من تأخر عن أداء الدين الذي عليه للخزينة من الضرائب والرسوم المقررة وبدلات الالتزام وغيرها في المدة المنصوص بها – وهي شهر من تاريخ الاستحقاق – ينذر بوجوب تأديته خلال عشرين يوماً من تاريخ الإنذار، وإذا انقضت هذه المدة ولم يؤد الدين تحجز أمواله المنقولة وغير المنقولة الجائز حجرها شرعاً، وتباع ويستوفي من أثمانها بالطرق المنصوص عليها في هذا النظام”.

@ باحث قانوني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت