تنازع اختصاص المحاكم
د. أسامة بن سعيد القحطاني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

نعيش هذه الأيام ثورة إصلاحية بسن التشريعات النظامية التي يحتاج إليها البلد. ومن أهم تلك الإصلاحات التي نحتاج إليها اليوم فيما يتصل بالقضاء وسرعة الفصل في القضايا هي أن يكون لدينا جهة مختصة للفصل في القضايا المتعلقة بتنازع الاختصاص القضائي، سواء في تنازع الاختصاصيين،تنازع المحاكم، أو حتى في تفسير الأنظمة ومدى توافقها أو تعارضها مع لوائح الأنظمة التي تضعها الوزارات والجهات الحكومية.

على الرغم من أن هناك حاليا جهات تباشر هذه المهمة إلا أنها في نظري تحتاج إلى تطوير. هناك ما يسمى بالمحاكم الدستورية في كثير من دول العالم، خاصة الدول التي تنهج منهج القانون اللاتيني.

وهي موجودة أيضا في الدول التي تأخذ بمنهج القانون الإنجلوساكسوني ولكن تحت مسمى آخر وهي المحكمة الأعلىThe Supreme Court، ففي أمريكا هناك ما يسمىThe Supreme Court of the United States التي تأسست في عام 1789، وكان من أهم اختصاصاتها؛ الفصل في تنازع قوانين الولايات مع القانون الفيدرالي وما شابه ذلك. أما في بريطانيا؛ وهي رائدة القانون الإنجلوساكسوني، فلم يتم تأسيس المحكمة الأعلى (ربما هذه أنسب ترجمة لها حيث توجد محكمة عليا أخرى ولها اختصاصات مختلفة أقل رتبة) إلا في عام 2005 مع صدور قانون تحديث الدستور The Constitutional Reform Act 2005 وبدأت عملها في تشرين الأول (أكتوبر) 2009، وهي بالمناسبة؛ إحدى صور تحول القانون الإنجليزي إلى الدسترة والتقنين ــ إن صح التعبير.

وربما مثال بريطانيا أنسب مثال لنا؛ حيث لا تتمتع المحكمة الأعلى هناك بصلاحية نقض أو إلغاء القوانين، وإنما فقط تعلن عدم توافق القانون مع غيره مثلا declaration of incompatibility، وبالتالي يقوم البرلمان بدراسة الموضوع ومعالجته.

أعود لوضعنا نحن؛ حيث هناك ما يسمى بـ “لجنة الفصل في تنازع الاختصاص”، وهي لجنة تابعة للمجلس الأعلى للقضاء، نص عليها نظام القضاء في المادة 27، وأخرى مثلها تابعة لمجلس القضاء الإداري، وهي تفصل في تنازع الاختصاص بين كل من القضاء العام والقضاء الإداري واللجان شبه القضائية، إلا أنها في الوقت نفسه تابعة لجهة هي من بين تلك الجهات التي تتنازع الاختصاص أحيانا، والأولى أن تكون تلك اللجنة في رتبة محكمة مستقلة ومرتبطة بالملك شخصيا، مع توسيع صلاحياتها وتطويرها لتنظر في قضايا أشمل وتكون محكمة متكاملة بكامل طاقتها وشروط الحوكمة المنصوص عليها في نظام القضاء والأنظمة ذات العلاقة. كما أن نظام القضاء لم يحدد آلية الترافع أمامها بشكل مفصل، من حيث النواحي الإجرائية وحتى القضائية وهكذا، كما يجب أن ينص نظامها على شروط عضوية قضاتها وأن يكونوا ذوي خبرة معينة تتوافق مع طبيعة هذه المهمة الخاصة.