تقرير “حقوق الإنسان”.. رؤية تستحق الاهتمام

محمد المختار الفال

يسجل التقرير شعور الغالبية بأن الملك يدعم المحافظة على حقوق الأفراد وتمكينهم من الحصول عليها في الوقت المناسب، ولهذا أصدر التوجيهات بالفصل في الدعاوى المقامة من الأفراد ضد الإدارات الحكومية في الجلسة الثانية من المحاكمات
الشكوى من أداء الأجهزة الحكومية، في الكثير من القطاعات، ليست أمرا جديدا فقد بات الحديث عنها متداولا، لكن اللافت أن وتيرتها تزداد وترتفع الأصوات الناقدة مع زيادة مطالب الناس وتطلعهم إلى تحسين الخدمات والدعوة إلى صيانة الحقوق والحريات العامة وحق التعبير عنها. ويأتي التقرير الثالث للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان معبرا عن هذا الواقع وملخصا له في عنوان يتهم هذه الأجهزة بالعجز عن النهوض بمسؤولياتها “طموح قيادة وضعف أداء أجهزة”.

وقبل تسليط الضوء على بعض ما جاء في التقرير لا بد من تحية مستحقة لهذه الجمعية التي تعمل من أجل خدمة هذا الكيان الكبير من خلال التعرف على أحوال أهله ورصد واقعهم وما يطرأ عليهم من تغييرات تمس حقوقهم. ويحمد للجمعية أنها بادرت، منذ تقريرها الأول، إلى الالتزام بمبدأ الصراحة والمكاشفة والشفافية التي تقتضيها مهمتها دون أن تقع في محظور التجني أو المبالغة ولهذا احترمها الجميع، مواطنين وأجهزة حكومية.

وهذا المنهج “المعتدل” الواقعي الذي لا يغفل عن الحسنات ولا يجامل في السيئات هو الذي اتسمت به لغة التقرير الثالث وطريقة تناوله لأوضاع حقوق الإنسان، فقد سجل الملامح الإيجابية والتحسن الذي حدث في مجال محاربة الفساد ودعم حفظ حقوق الأفراد في مواجهة الأجهزة الحكومية والاهتمام بتحسين بيئة التقاضي ودعم مؤسسات حقوق الإنسان ومساعدتها على أداء دورها ومساندة الأجهزة الرقابية وتصحيح أوضاع المرأة وتمكينها من حقوقها وفتح المجال أمامها لتكون عضوا فاعلا في مشاريع التنمية.
مع التأكيد على أن الهدف هو “رصد واقع حقوق الإنسان في البلاد والتعرف على ما طرأ عليها من تغييرات إيجابية أوسلبية أثناء الفترة التي يغطيها”. وحتى تظل مصداقية التقرير مقدرة ومحترمة من الجميع فقد أعاد واضعوه إلى الأذهان التزامهم بالمنهج الذي سبق اتباعه في التقارير السابقة المعتمدة في مادتها على: الشكاوى والتظلمات التي ترد إلى الجمعية والزيارات التفقدية والمقابلات وما ينشر في وسائل الإعلام ومتابعة ما يصدر من أنظمة وتعليمات وتطبيقاتها. وعنوان التقرير يلخص ويعكس الواقع الحقيقي لحالة حقوق الإنسان خلال الفترة التي يغطيها، فرغم طموح القيادة وحرصها على تقرير ثقافة حقوق الإنسان إلا أن المشكلة الحقيقية تبقى في عجز وضعف الكثير من الأجهزة الحكومية أو عدم رغبتها في الاستجابة لهذا التوجه.

ويسجل التقرير شعور الغالبية بأن الملك يدعم المحافظة على حقوق الأفراد وتمكينهم من الحصول عليها في الوقت المناسب، ولهذا أصدر التوجيهات بالفصل في الدعاوى المقامة من الأفراد ضد الإدارات الحكومية في الجلسة الثانية من المحاكمات في حال تغيب ممثلي تلك الجهات دفعا لما كان سائدا من المماطلة. ويأتي في هذا السياق “مشروع تطوير القضاء” لتحقيق وتعميق مفهوم ومبدأ العدالة وإشاعتها في الحياة العامة. ويشير التقرير – بوضوح تام – إلى ضعف تأثير مجلس الشورى في تحسين أداء الأجهزة التنفيذية بسبب نقص دوره الرقابي الناتج عن طبيعة الصلاحيات الممنوحة وآلية تشكيله. ويرى أن هذا الدور المحدود هو ما يفسر عدم اهتمام الأجهزة الحكومية بملاحظاته. وينتقد التقرير ضعف الشفافية في مناقشة مشاريع الأنظمة الجديدة أو التعديلات على القائمة منها الأمر الذي أفقد المواطنين حق إبداء الرأي في الأظمة والقوانين التي تمس حياتهم بصورة مباشرة. وكان واضع التقرير صريحا في رصد أحوال دور الرعاية الاجتماعية وظروفها حيث تبين أن غالبيتها في مبان قديمة لم تعد صالحة للسكن إلى جانب قلة المؤهلين العاملين في هذه الدور. كما انتقد استمرار بعض المستشفيات الخاصة في رفض استقبال الحالات الطارئة رغم صدور الأوامر الملزمة بذلك ورصد قلة الأسرة المتوافرة في المستشفيات العامة الأمر الذي انعكس سلبا على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين. وسجل الأحوال السيئة للمراكز الصحية حيث ما يزال معظمها في مبان قديمة لا تسمح بتقديم الرعاية المطلوبة.

وأبدى التقرير ملاحظاته على السجون التي زارها وسجل عدم رضا النزلاء عن إجراءات التحقيق وظروف زيارة أهلهم وذويهم وانتقد تعامل بعض العاملين ورصد تكدس أعداد السجناء في بعض السجون مما أدى إلى ظهور بعض الأمراض الناجمة عن الزيادة الاستيعابية.

وتناول التقرير واقع حرية التعبير وسجل محاولات للحد منها من خلال توقيف أشخاص لنشرهم آراء في قضايا عامة، كما لاحظ التباين الكبير في مستوى الشفافية بين الصحف مما يتضمن توجيه الاتهام إلى بعض رؤساء تحريرالصحف لمبالغتهم في ممارسة الرقابة الداخلية.
ومن توصياته تحديد خط الفقر والتوسع في منح الإعانات وإنشاء مجلس أعلى لمراقبة تنفيذ المشروعات ومتابعتها والعمل على تمتع الناس بحقوقهم دون تمييز وتعزيز الصلاحيات الرقابية لمجلس الشورى.
التقرير شهادة “عملية” على أن الإصلاح قضية الجميع كل يساهم فيه من موقعه وموقفه وأن إحدى مشكلاتنا الأساسية التي تستحق العناية معالجة ضعف الإنجاز التنفيذي وانعكاس هذا الضعف على صورة مجتمعنا في الداخل والخارج.