تفعيل نظام المساءلة القانونية في السعودية – مقال قانوني

مشهد دراماتيكي في منزل الملياردير ورجل العمل الخيري الشهير “زيد” وهو ينزل مهرولاً من درج منزله في إحدى أشهر ضواحي مدينته؛ عيونه غائرة من أثر السهر والإجهاد النفسي ويده ترتجف وهي تحمل كمية كبيرة من الأوراق تساقطت بعضها منه وهو يهرول وصوت أنفاسه يظهر عظم الأمر الذي يمر به!، وعند نهاية الدرج في الدور الأرضي وجد أمامه “عبيد” ابنه البكر وهو يقف بكل ثقة قائلاً بتهكم، إلى أين تذهب يا أبا عبيد، رد زيد بلا تردد، هيا يا عبيد يجب أن نغادر البلاد فوراً!، فقال عبيد: لن أغادر، أود أن أخبرك بأنني شاهد على فسادك، وخاضع حالياً لقانون حماية الشهود؛ لقد انتهت اللعبة ابتاه. وسقط زيد أرضاً من وقع الصدمة وتساقطت الأوراق التي كان يود حرقها من حوله.

كل ما سبق هو مشهد تمثيلي، لا يمت للحقيقة بصلة، ولكن إمكانية تحقيقه في هذه الأيام التي يُنحر فيها الفساد بلا رحمة، عالية جداً. لا يمكن التكهن بأعداد وأحجام قضايا غسيل الأموال والتجارة في الممنوعات والتهريب، إضافة إلى الفساد المالي والإداري والذي يعتمد على رشاوي مسؤولين للحصول على تسهيلات وتوقيعات تؤدي إلى تضخم أرباح التاجر. كل هذه الأمور تحدث في جميع أنحاء العالم بنسب متفاوتة، وقد تكون متزايدة ومستفحلة في أضعف وأقوى دول واقتصاديات العالم الأول. ولكن ما يحدث في المملكة من حرب على الفساد، ربما تكون خطوة غير مسبوقة في جميع أنحاء العالم، من حيث السرعة والمرونة، لذلك تعتبر نموذج يحتذى به لإعادة التوازن الاقتصادي، حيث كان الفساد في الماضي القريب يأكل الأخضر واليابس من الفائض وغير الفائض، فلا يبقي مليارديرات الفساد حتى كسرة خبز لصغار التجار والمواطنين الأخرين.

المثير للجدل دوماً في قضايا بلاغات الموظفين الرسميين وغيرهم ضد إغراءات تجار لهم بتقاضي رشاوي لمخالفة النظام، هو موضوع -المكافأة- التي تكون بمثابة تقدير على إيثار هذا الموظف ووطنيته ووفاءه للوطن. وهذا يقودنا إلى ضرورة وضوح هذه المكافآت كنسبة من مبلغ الرشوة أو المبلغ الذي تدور حوله التصرفات الفاسدة. حيث أتوقع في حال وضوحها أن تجد كل موظف يبادر -فوراً- إلى الجهات الأمنية للإبلاغ عن محاولات الرشاوي أو الاختلاس من المال العام بطرقه المختلفه.

الأساس في موضوع الحرب على الفساد، هو القاعدة الأخلاقية، ومجرد نبذ الفاسد في مجتمع الأعمال واعتبار اقتراحه للتصرف الفاسد – جريمة- سيثنيه ذلك عن الجرأة في هذه التوجهات. على سبيل المثال موظفوا القطاع الخاص عندما يسكتون عن استخدام مديرهم لهم في الرشوة والتلاعب فإنهم شركاء معه في الجريمة. بل انه كمسؤول او مالك منشأة يحتاج لصوت الحق الذي يوقفه عن الباطل ولن يكون هذا الصوت الا من – بطانته- وهم موظفوه. لأن اهله وأصدقائه بطبيعة الحال لن يعرفوا عن أسرار شركته شيئاً.

لن يستدام اقتصاد ينهشه الفساد، هذه معلومة وليست رأي، علينا أن نعمل جاهدين جميعاً لإيقاف الفساد قبل وقوعه سواء بالنصح وتهيئة البدائل السليمة في حال كنت تعمل كمسؤول تنفيذي بالشركة. ولكن لا تتردد بالابلاغ اذا تفاقم الأمر ووقعت تحت يدك أدلة دامغة على فساد الفاسدين.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت