تفاصيل قانونية حول نظرية الأمة مصدر السلطات

الأمة مصدر السلطات د. ليث كمال نصراوين

الراي- نصت مواد في العديد من دساتير الدول على أن الأمة مصدر السلطات وأن الأمة تمارس سلطاتها على الوجه المبين في الدستور. إن مفهوم الأمة التي تمارس السلطة ينصرف إلى مجموع الأفراد والجماعات التي يتشكل منها المجتمع والذين يشكلون وحدة واحدة لها كيانها المستقل الذي لا يقبل التجزئة أوالتنازل عنه أو التصرف به.

إن نظريتي السيادة للامة والامة مصدر السلطات هما نظريتان غربيتان نشأتا في أوروبا نتيجة للصراع الدامي الذي اجتاحها في القرون الوسطى واستمر عدة قرون. فقد كانت نظرية الحق الإلهي هي السائدة في تلك الحقبة والتي كانت تقوم على أن للملك حقا الهيا على الشعب باعتبار أن بيده التشريع والسلطان والقضاء ، وأن الشعب هو رعية للملك لا حق له في السلطة فهو بمقام العبد الذي لا رأي له ولا ارادة. تلك النظرية قد أساء الملوك استعمالها واستبدوا بالشعوب ايما استبداد، مما تسبب في ثورات دموية قادتها الشعوب وأخرى فكرية نتج عنها نظريات متعددة للقضاء على نظرية الحق الالهي. فكان من أهم تلك النظريات نظريتا السيادة للامة والامة مصدر السلطات واللتان اعتبرتا الشعب يملك السيادة ويسير إرادته بنفسه ويملك الحق في اختيار الحاكم ليحكم باسمه ويمنحه السلطة ليمارسها بالنيابة عنه.

إن نظرية السيادة للامة هي نظرية خاطئة باعتبار أن من يملك السيادة هو الخالق عز وجل وليس أحدا من خلقه. أما الأمة فقد منحها الشارع سلطاناً معيناً يتمثل في حق تنصيب الحاكم واختياره. فاعتبار الأمة سيدة نفسها يخالف التعاليم السماوية كون الإنسان عبد الله لا يسير ارادته ولا ينفذ ما يريد، وإنما تسير ارادته بأوامر الله ونواهيه ولكنه هو المنفذ. لذلك فالسيادة ليست للامة وإنما هي للشرع. أما التنفيذ فهو حق للامة ولذلك كان السلطان للامة. ولما كانت الامة لا تستطيع مباشرة السلطان بنفسها لتعذر ذلك عمليا ، كان لا بد لها ان تنيب عنها من يباشره، أي أن تعطي التنفيذ لغيرها نيابة عنها وحسب إرادتها. فجاء الشرع وبين كيفية مباشرة الأمة لسلطانها من خلال نظام البيعة ونظام الخلافة. فكان السلطان للامة تختار برضاها من يباشرها عنها، ولكن حسب أحكام الشرع أي ليس بحسب ارادتها بل حسب شرع الله، ومن هنا كانت السيادة للشرع وكان السلطان للامة. فسلطات التشريع والتنفيذ والقضاء هي مقررة أصلا للأمة ، لكنها تمارس من قبل جهات غير الأمة بتفويض منها وانابة عنها. فتكون الأمة هي مصدر السلطات ولكن ليس المباشر لها والقائم بها.

على الرغم من ذلك تبقى الدول العربية تأخذ بنظرية سيادة الأمة أو القانون في دساتيرها ، تلك النظرية التي تنسب إلى جان جاك روسو في مؤلفه الشهير العقد الاجتماعي. فقد نص الدستور العراقي الجديد الصادر عام 2005 في المادة (5) على أن السيادة للقانون وأن الشعب مصدر السلطات وشرعيتها. كما نصت المادة (6) من الدستور الكويتي الصادر عام 1962 على أن السيادة للأمة وهي مصدر السلطات جميعاً. من هنا فإنه يسجل للدستور الأردني تبنيه نظرية الأمة مصدر السلطات دون نظرية سيادة الأمة مما يجعله في مقدمة الدساتير العربية مراعاة لأحكام الشرع.