استرداد المجرمين

استرداد المجرمين extradition أو تسليمهم هو عملية قانونية اتفاقية، تتم بين دولتين، تطلب إحداهما من الأخرى تسليمها شخصاً يقيم على أرضها، لتحاكمه، أي الدولة الطالبة، عن جريمة من اختصاص محاكمها، ويعاقب عليها قانونها، أو لتنفذ فيه حكماً صادراً عن هذه المحاكم. واسترداد المجرمين هو نوع من أنواع التعاون بين الدول لمكافحة الإجرام، بإلقاء القبض على المجرمين الفارين، ومحاكمتهم، وتنفيذ العقوبة بهم.

تاريخ استرداد المجرمين

استرداد المجرمين معروف منذ القديم. وكانت أحكامه تنحصر بالمعاهدات التي تعقد بين ملوك الدول ورؤسائها وأمرائها، فيتعهد هؤلاء بموجبها تسليم الخصوم السياسيين المعادين لنظام الحكم، أو تسليم الأشخاص الذين يرتكبون جرائم ماسة بالسلطة الحاكمة.
واستمر الأمر على هذه الحال إلى أن بدأت الدول تشعر، في القرن الثامن عشر، باستفحال خطر المجرمين العاديين، وسهولة فرارهم من دولة إلى أخرى، وبضرورة التعاون على إلقاء القبض عليهم أينما كانوا، وتسليمهم إلى الدولة صاحبة الحق في محاكمتهم.

وفي مستهل القرن التاسع عشر، بدأت دول العالم بإدخال تنظيم الاسترداد في تشريعاتها الداخلية، بغية وضع أساس ثابت لهذا التنظيم، يمكن أن تنطلق الدولة منه عند إجراء عملية الاسترداد أو التسليم، وإن كان هذا الأمر لم يلغ لجوء الدول إلى الاتفاقيات الثنائية أو الإقليمية لتسهيل إجراءات الاسترداد وضمان تحقيقه بأفضل السبل وأقصرها.

وظلّ تنظيم استرداد المجرمين غير معروف في تشريعات الدول العربية إلى وقت قريب. فقانونا الجزاء وأصول المحاكمات الجزائية العثمانيان خليا من أي أحكام تتعلق بالاسترداد. وكذلك الأمر فيما يتصل بالتشريعات العربية المحلية الأخرى. وكانت السلطة العثمانية، ومن بعدها سلطات الانتداب تمارس عملية الاسترداد، استناداً إلى اعتبارات سياسية قبل الاعتبارات الحقوقية.

وقد بدأت أكثر الدول العربية بتنظيم الاسترداد وإدخال أحكامه في تشريعاتها المحلية بعد الحرب العالمية الثانية. وأهم خطوة قامت بها هذه الدول، عقد اتفاقية تسليم المجرمين والإعلانات والإنابات وتنفيذ الأحكام في إطار جامعة الدول العربية، بتاريخ 14/9/1952. وظلت هذه الاتفاقية مطبقة إلى أن عقدت اتفاقية الرياض للتعاون القضائي بين دول الجامعة العربية في 4/4/1983.
وبدأت سورية بتنظيم استرداد المجرمين أول مرة بالمرسوم الاشتراعي ذي الرقم 80 المؤرخ في 30/6/1947. وعندما صدر قانون العقوبات في عام 1949، ألغى هذا المرسوم، وتضمن في المواد 30 – 36 شروط استرداد المجرمين وآثاره. ثم تلاه القانون ذو الرقم 53 المؤرخ في 5/4/1955، فتضمن أصول تسليم المجرمين العاديين والملاحقين قضائياً بجرائم عادية، وخول سلطة النظر في طلبات الاسترداد إلى لجنة قضائية سماها «لجنة استرداد المجرمين».

وتجدر الإشارة إلى أن سورية لم تكتف بتقنين أحكام الاسترداد في تشريعها المحلي، بل لجأت في ذلك إلى الاتفاقيات العربية والدولية. علماً بأن أول اتفاقية من هذا القبيل كانت مع تركية في 30/5/1926، وجاء بعد مدة الاتفاق القضائي مع لبنان في 25/2/1951، واتفاقية تسليم المجرمين والإعلانات والإنابات وتنفيذ الأحكام مع دول الجامعة العربية في 14/9/1952، والاتفاق القضائي مع الأردن في 23/12/1953، واتفاقيات قضائية أخرى مع ألمانية الديمقراطية (1970)، وبلغارية (1976)، ورومانية (1978)، والإمارات العربية المتحدة (1979)، وتونس (1980)، والجزائر (1981)، واليونان (1981)، وتركية (1981)، وتشيكوسلوفاكية (1984)، والاتحاد السوفييتي (1984)، وبولونية (1985)، وقبرص (1985)، وهنغارية (1986). هذا فضلاً عن «اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي» التي عقدت بين دول الجامعة العربية، فألغت اتفاقية تسليم المجرمين التي عقدت بين هذه الدول من قبل.

وتجدر الإشارة إلى أن استرداد المجرمين صار في الوقت الحاضر عرفاً دولياً سائداً. ففي حال غياب التشريع الداخلي أو الاتفاقيات الدولية في دولة من الدول، فإن بإمكان هذه الدولة أن تطلب الاسترداد، أو أن تقوم بالتسليم، استناداً إلى الأعراف الدولية.

شروط استرداد المجرمين

تتفق أكثر التشريعات العربية والأجنبية، والاتفاقيات الدولية، على أن الاسترداد لا يمكن أن يتم إلا إذا تحققت فيه شروط معينة هي:
ـ أن يكون التجريم مزدوجاً: ومعنى هذا الشرط أن يكون الفعل موضوع الاسترداد مجرّماً في قانون الدولتين: طالبة الاسترداد، والمطلوب منها التسليم. وأساس هذا الشرط في الدولة طالبة الاسترداد، هو أنه لا يمكن تصور وجود دعوى جزائية، وحكم جزائي بعقوبة، من أجل فعل لا يعد جريمة. أما أساسه في الدولة المطلوب إليها التسليم، فهو أن الممارسة العملية لإجراءات التسليم، تفرض على هذه الدولة دعوة الشخص المطلوب استرداده لاستجوابه قضائياً، وتوقيفه إن اقتضى الأمر ذلك، إلى حين إتمام إجراءات الاسترداد. وهذه الإجراءات لا يجوز أن تتخذ من أجل فعل لا يعد جريمة.
ـ أن تكون الجريمة على قدر معين من الأهمية: وهذا الشرط تفرضه اعتبارات عملية، تتعلق بإجراءات الاسترداد الطويلة والمعقدة والباهظة التكاليف. فالاسترداد لا يمكن اللجوء إليه إلا من أجل الجرائم المهمة والخطيرة، لكي لا تشغل أجهزة الدولة في جرائم قليلة الأهمية، كالمخالفات والجنح البسيطة.

والمعيار المتبع في أكثر التشريعات العربية والأجنبية لتحديد أهمية الجريمة أو خطورتها، هو نوع العقوبة ومقدارها. ونوع العقوبة المطلوب عادة هو العقوبة السالبة للحرية، وحدّها الأدنى يُراوح ـ بحسب الدول ـ بين سنة وسنتين إذا كان المطلوب استرداده متهماً، وبين شهرين وسنة إذا كان المطلوب استرداده محكوماً عليه.

ـ ألا تكون الجريمة مما يحظر التسليم فيها قانوناً أو عرفاً: وتحظر أكثر الدول تسليم الجاني من أجل بعض الجرائم، وهذه الجرائم هي الجرائم السياسية، والجرائم العسكرية، والجرائم التي تخالف عقوباتها النظام الاجتماعي. ففيما يتصل بالجرائم السياسية: يعدّ مبدأ عدم جواز تسليم المجرمين السياسيين مبدأ عالمياً، فرضه العرف الدولي، وتبنته جميع التشريعات في العالم، صراحة أو ضمناً. وقد أجمعت الدول العربية في اتفاقية الرياض لسنة 1983 (المادة 41/ الفقرة أ) على عدم جواز التسليم «إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم تُعدّ بمقتضى القواعد القانونية النافذة لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التسليم جريمة لها صبغة سياسية». وقد استثنت هذه الاتفاقية من الجرائم ذات الصبغة السياسية ـ وإن كانت بهدف سياسي ـ الجرائم التالية: التعدي على ملوك ورؤساء الدول العربية أو زوجاتهم أو أصولهم أو فروعهم، والتعدي على أولياء العهد أو نواب الرؤساء لدى الأطراف المتعاقدة، والقتل العمد والسرقة المصحوبة بإكراه الأفراد أو السلطات أو وسائل النقل والمواصلات.

وفيما يتعلق بالجرائم العسكرية: يقضي العرف الدولي أيضاً بعدم جواز التسليم من أجل جريمة عسكرية. وهذا العرف قديم، قد أقره مجمع القانون الدولي المنعقد في أكسفورد عام1880. وإذا كانت بعض التشريعات في العالم لا تنص على هذا الشرط، فإن أغلب الاتفاقيات الإقليمية والثنائية تحتوي عليه، ومنها اتفاقية الرياض المذكورة آنفاً (المادة 41/ الفقرة ب).

وتجدر الإشارة إلى أن الجرائم العسكرية التي لا يجوز التسليم من أجلها هي «الجرائم العسكرية الصرفة»، أي «جرائم الإخلال بواجبات عسكرية»، كجرائم الفرار، وعدم إطاعة الآمر، واغتصاب قيادة عسكرية، والعصيان العسكري… ويخرج عن نطاق هذه الجرائم، جميع الجرائم العادية التي يرتكبها العسكريون، كالقتل والجرح والتزوير والسرقة والاحتيال.
وفيما يتصل بالجرائم التي تخالف عقوباتها النظام الاجتماعي: فقد نصت على هذا الشرط بعض قوانين الدول العربية كالقانون السوري. ومن العقوبات التي يعدّها المجتمع الدولي مخالفة للنظام الاجتماعي عقوبة الحرق والوسم والتشويه الجسدي، والإعدام في الدول التي ألغت هذه العقوبة.

وعلى أية حال، يحق للدولة المطلوب إليها التسليم، أن توافق على التسليم، وتضمِّن مرسوم التسليم شرطاً يتعلق بعدم تنفيذ بعض العقوبات التي تراها مخالفة لنظامها الاجتماعي، كعقوبة الإعدام، أو عقوبة التجريد المدني، أو أي عقوبة أخرى تمس كرامة المحكوم عليه أو تحط من إنسانيته.

ـ أن يكون الاختصاص القضائي منعقداً للدولة طالبة الاسترداد: وهذا الشرط نتيجة منطقية لطبيعة مؤسسة الاسترداد. فطلب الاسترداد يعني قبل كل شيء، أن الدولة الطالبة هي صاحبة الحق قبل غيرها من الدول الأخرى، بملاحقة الشخص المطلوب استرداده، ومحاكمته، وإنزال العقاب المستحق به. أما إذا كان قضاء هذه الدولة غير مختص في الأصل بالنظر في الجريمة المرتكبة، فإن طلب الاسترداد يفقد مسوّغه ومعناه.

ـ ألا يكون الاختصاص القضائي منعقداً للدولة المطلوب إليها التسليم: فللدولة المطلوب إليها التسليم أن ترفض طلب الاسترداد إذا كانت محاكمها مختصة بالنظر في الجريمة موضوع التسليم اختصاصاً إقليمياً أو عينياً أو شخصياً. وهذا الشرط يفرضه مبدأ السيادة. فما دامت الدولة المطلوب إليها التسليم مختصة أيضاً بمحاكمة الشخص المطلوب، فلا يوجد ما يسوّغ تنازلها عن اختصاصها، إلا إذا قبلت بذلك، وقامت بالتسليم بمحض إرادتها.

ورفض التسليم لا يعني ترك الشخص المطلوب استرداده من دون محاكمة، بل يجب على الدولة الرافضة أن تحاكمه أمام محاكمها في حدود اختصاصها. ولكي يكتمل التعاون الدولي في هذه الحالة، فإن على الدولة طالبة الاسترداد أن تزود الدولة التي قررت محاكمة الشخص المطلوب أمام محاكمها، بما لديها من وثائق ومستندات ومعلومات وأشياء تثبت جريمته. وعلى الدولة التي حاكمته أن تعلم بالمقابل الدولة طالبة الاسترداد بنتيجة المحاكمة عند انتهائها.
وفي جميع الأحوال فإن للدولة التي طلبت الاسترداد في المرة الأولى ورفض طلبها، أن تتقدم بطلب استرداد آخر، بعد انتهاء محاكمة الشخص المطلوب، لتتولى هي تنفيذ الحكم الصادر بحقه.

وتتجه أكثر دول العالم إلى تبني مبدأ عدم تسليم رعاياها أو مواطنيها، وقيامها هي بمحاكمتهم وفرض العقوبة المستحقة عليهم، وتنفيذها بهم، وذلك حماية لهم من أي تعد أو تعسف أو إخلال بحقوقهم. وقد تبنت اتفاقية الرياض هذا المبدأ وأجازت في المادة (39) للدولة أن تمتنع عن تسليم مواطنيها، على أن تحدد الجنسية بتاريخ وقوع الجريمة المطلوب من أجلها التسليم. وعلى هذه الدولة أن تلاحق المطلوب إذا ما تلقت من أي دولة موقعة على الاتفاقية طلباً بالملاحقة مصحوباً بالملفات والوثائق والأشياء والمعلومات التي تكون في حيازتها، شريطة أن تكون الجريمة معاقباً عليها في قانون كل من الدولتين بعقوبة سالبة للحرية مدتها سنة، أو بعقوبة أشد.

ولكنّ لمبدأ عدم تسليم المواطنين معارضيه. فمنذ عام 1880، دعا مجمع القانون الدولي المنعقد في أكسفورد دول العالم إلى قبول مبدأ تسليم الرعايا، مستنداً إلى أن محاكمة الجاني في مكان ارتكاب الجريمة، أو في الدولة التي وقع الاعتداء على أمنها، أجدى لحسن سير العدالة ولمكافحة الجريمة والمجرمين. وقد أقر هذا الاتجاه الفقه الحديث، وأكثر المؤتمرات الدولية، ومعاهد القانون الدولي والجزائي. ولكن مع ذلك ظل الأخذ به محدوداً. ومن الدول التي تقبل اليوم بتسليم مواطنيها إنكلترة والولايات المتحدة الأمريكية وإيطالية. وتشترط الأولى والثانية ألا يتم التسليم إلا لدولة تقبل المعاملة بالمثل، وتشترط الثالثة ألا يتم التسليم إلا تطبيقاً لأحكام اتفاقية دولية.

ـ ألا تكون الدعوى العامة أو العقوبة قد سقطت بأحد أسباب السقوط كالتقادم أو العفو العام أو العفو الخاص: وهذا الشرط تفرضه المبادئ العامة للقانون الجزائي. فسقوط الدعوى العامة بأحد أسباب السقوط، لا يترك محلاً، استناداً لهذه المبادئ، لإجراء عملية الاسترداد.

ـ ألا يكون قد قضي بالجريمة قضاء مبرماً في الدولة المطلوب إليها التسليم: وهذا الشرط تتمسك به الدول استناداً إلى مبدأ السيادة. فتسليم شخص إلى دولة أخرى لمحاكمته بعد أن تكون محاكم الدولة المطلوب إليها التسليم قد حاكمته وحكمت عليه بصورة نهائية، فيه مساس بهيبتها وقدرة قضائها على تحقيق العدالة الجنائية. فما دامت الغاية من الاسترداد هي محاكمة الشخص محاكمة عادلة، وتبرئته إن كان بريئاً، ومعاقبته إن كان مذنباً، فقد تحققت هذه الغاية في الدولة التي لجأ إليها هذا الشخص. لكن يبقى أمام الدولة طالبة الاسترداد، أن تعدل طلبها، وتطلب الاسترداد لتنفيذ الحكم الصادر بحق المحكوم عليه في سجونها.

إجراءات الاسترداد والتسليم

تختلف إجراءات الاسترداد عن إجراءات التسليم.
إجراءات الاسترداد: تبدأ إجراءات الاسترداد في أكثر الدول العربية بعد أن تأخذ النيابة العامة علماً بوقوع الجريمة، وبفرار مرتكبها إلى دولة أجنبية معينة. فالنيابة العامة ترفع في هذه الحالة كتاباً إلى وزير العدل، الذي يرفعه إلى «لجنة تسليم المجرمين» (بمقتضى التشريع السوري)، وهي الجهة المختصة بتقديم طلب الاسترداد، وبالنظر في طلبات الاسترداد التي تصل إلى سورية من دولة أجنبية. وتتألف «لجنة تسليم المجرمين» في سورية من معاون وزير العدل رئيساً وهو قاض، ومن قاضيين يعينان بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل، ويسمى مع عضويّ اللجنة عضو ملازم لإكمال النصاب. وتتمتع لجنة تسليم المجرمين بجميع الاختصاصات التي يملكها قاضي التحقيق، ولها أن تنيب من تشاء من القضاة لممارسة اختصاصاتها كلها أو بعضها. ويعود إليها أمر بت طلبات الاسترداد سلباً أو إيجاباً بقرارات معللة غير خاضعة للطعن.

ومتى قررت الجهة المختصة في أي دولة عربية تقديم طلب الاسترداد، فإن عليها أن تعد طلبها كتابة، وترسله إلى الجهة المختصة في الدولة المطلوب إليها التسليم، مصحوباً بالوثائق التالية: بيان مفصل عن هوية الشخص المطلوب استرداده، وأوصافه وجنسيته وصورته إن أمكن، وأمر القبض على الشخص المطلوب تسليمه، أو أصل حكم الإدانة الصادر طبقاً للأوضاع المقررة في قانون الدولة الطالبة، أو صورة رسمية عنه مصدق عليها من الجهة المختصة لدى الدولة الطالبة، أو أي وثيقة أخرى لها القوة نفسها صادرة عن الجهات المختصة، ومذكرة تتضمن تاريخ ومكان ارتكاب الأفعال المطلوب التسليم من أجلها ووصفها، والمقتضيات الشرعية أو القانونية المطبقة عليها، مع نسخة معتمدة من هذه المقتضيات، وبيان من سلطة التحقيق بالأدلة القائمة ضد الشخص المطلوب تسليمه (اتفاقية الرياض، المادة 42).

ويجوز في أحوال الاستعجال أن تطلب الدولة طالبة الاسترداد القبض على الشخص المطلوب وتوقيفه مؤقتاً، وذلك إلى حين وصول طلب الاسترداد والمستندات اللازمة. ويبلغ هذا الطلب مباشرة بطريق البريد أو البرق أو بأي وسيلة أخرى يمكن إثباتها كتابة. وفي جميع الأحوال يجب أن يتضمن هذا الطلب الإشارة إلى وجود الوثائق والمستندات اللازمة، مع الإفصاح عن نية إرسال طلب الاسترداد، وبيان الجريمة المطلوب عنها التسليم والعقوبة المقررة لها أو المحكوم بها، وزمان ارتكاب الجريمة ومكانها، وأوصاف الشخص المطلوب تسليمه على وجه الدقة ما أمكن، ريثما يصل الطلب مستوفياً شرائطه القانونية. وتُعلم الجهة الطالبة، من دون تأخير، بما اتخذ من إجراءات بشأن طلبها (اتفاقية الرياض).
واختصاراً للزمن، فقد جاء في الاتفاق القضائي السوري ـ اللبناني أن طلبات الاسترداد تقدم من النائب العام في الدولة طالبة الاسترداد إلى النائب العام في الدولة المطلوب منها التسليم. ويفصل النائب العام في الطلب الوارد إليه بقرار معلّل الأسباب. أما الاتفاق القضائي السوري ـ الأردني فيوجب أن تقدم طلبات الاسترداد من وزير العدل إلى وزير العدل مباشرة. وكانت اتفاقية الجامعة العربية تقضي بتقديم طلبات التسليم بالطرق الدبلوماسية. ولكن اتفاقية الرياض اتجهت إلى تبسيط الإجراءات، فقبلت أن يقدم طلب الاسترداد من الجهة المختصة لدى الدولة طالبة الاسترداد إلى الجهة المختصة لدى الدولة المطلوب إليها التسليم مباشرة.

والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية لها دور مهم في استرداد المجرمين الفارين. فعندما يفر المجرم إلى خارج البلاد في أي دولة منتسبة إلى «الأنتربول» ـ ومنها الدول العربية ـ يطلب المرجع القضائي المختص بطلب الاسترداد مباشرة، أو عن طريق قيادة قوى الأمن الداخلي، إلى المكتب الوطني للشرطة الجنائية الدولية في بلده، أن يبلغ المنظمة في مركزها بباريس بالأمر، فتقوم هذه على الفور بإذاعة بحث على الصعيد الدولي عن المجرم الفار. وإذا كان الطلب متفقاً مع دستور «الأنتربول»، يصدر الأمين العام للمنظمة مذكرة فردية ذات شارة حمراء، تعمم على جميع المكاتب الوطنية للشرطة الجنائية الدولية في بلدان العالم. ويطلب فيها التحري عن المجرم الفار، وإلقاء القبض عليه، وتوقيفه احتياطياً. كما تنشر المنظمة في كل شهر جدولاً يحتوي على المذكرات الخاصة بالأشخاص المطلوبين، وفي الحالات الاستثنائية الطارئة، تستعمل شبكة البث السلكي أو اللاسلكي أو البريد الإلكتروني التي تربط قيادة المنظمة بالمكاتب الوطنية في دول العالم، لإذاعة البحث عن هؤلاء الأشخاص.

إجراءات التسليم:

يتنازع دول العالم فيما يتصل بإجراءات التسليم نظامان: النظام الإداري والنظام القضائي.

ففي النظام الإداري: يكون التسليم عملاً من أعمال السلطة التنفيذية. فطلب الاسترداد يتلقاه وزير العدل، الذي يحيله على كل من وزير الخارجية ووزير الداخلية لاستطلاع رأيهما، ثم يرفع أخيراً إلى رئيس الدولة أو إلى رئيس الوزراء، المرجع الأخير في قبول التسليم أو رفضه. والدول التي تأخذ بهذا النظام قليلة جداً. فإذا كانت محاسنه هي السرعة والبساطة، فإن من عيوبه الخطيرة عدم توفير الضمانات الكافية للشخص المطلوب استرداده للدفاع عن حقوقه.

أما النظام القضائي: فأصوله في الدول الأنكلوسكسونية. وفيه يكون التسليم عملاً من أعمال القضاء. فالشخص المطلوب استرداده يدعى للمثول أمام القاضي المختص، الذي يجري له محاكمة علنية، يترافع فيها الخصوم، ويستمع إلى أقوال الشهود. وللمطلوب استرداده الحق في توكيل محام عنه، والدفاع عن قضيته بمختلف الوسائل القانونية. وبعد اكتمال الإجراءات، يقرر القاضي قبول طلب الاسترداد أو رفضه. وقراره هذا قابل للطعن بطريق الاستئناف. وعندما يصبح القرار القضائي مبرماً، تلتزم السلطة التنفيذية بالقبول به وتنفيذه.
ومن محاسن هذا النظام أنه يضمن للفرد حقوقه في الدفاع عن نفسه، ومن عيوبه أنه بطيء، ويخشى أن يؤثر القرار القضائي في القضاة الذين سيحاكمونه في الدولة طالبة الاسترداد، وأن يتخذ هذا القرار قرينة على ثبوت التهمة المعزوة إلى الشخص المطلوب استرداده.