ظاهرة تهميش الرضا في التحكيم المؤسساتي

أصبح التحكيم التجاري الجهة القضائية العادية المختصة بالنظر لتداعيات العولمة على العلاقات التجارية الدولية. في ظل هذا التطور، كثيرة هي المبادئ القانونية التي ساهم الوضع الجديد للتحكيم الدولي في قلبها أحيانا “رأسا على عقب “حيث أن المشرع الفرنسي مثلا جعل شرط التحكيم صحيحا كأصل عام في العلاقات المهنية بعد أن ظل عقودا من الزمان يعتبره فاصلا، إلا إذا نص القانون على خلاف دلك من خلال المادة 2061 من القانون المدني الفرنسي، كما أن القضاء الفرنسي أصبح يفضل تطبيق المرسوم الخاص بالتحكيم الدولي لسنة 1981 في مجال الاعتراف وتنفيذ قرارات التحكيم عن معاهدة نيويورك، في الوقت الذي ينص فيه الدستور كما هو الحال في العديد من الدول على أسبقية المعاهدة عن القانون الداخلي[1].

بالإضافة إلى ما أصبح يتردد اليوم على المسامع من حديث عن التحكيم الإلزامي في المنازعات الاقتصادية الدولية، وبخاصة تلك التي تدور بين الدول المستضيفة للاستثمار ورعايا الدول الأخرى ، في الوقت الذي أصبح فيه هذا النوع من التحكيم شبه منعدم في العلاقات الداخلية[2].

هذا النوع الأخير من التحكيم هو الذي سنتولى بيانه نظرا للجدل الذي خلقه من جراء ظاهرة تهميش الرضا (أ)على أن نتحدث ومن خلال النقطة الثانية، للحديث عن أثار هدا التهميش والجهود المبذولة لإعادة الاعتبار للرضا في التحكيم التجاري الدولي (ب) .
بروز ظاهرة تهميش الرضا في التحكيم التجاري الدولي
لقد مس تهميش الرضا كل انواع التحكيم التجاري دون استتناء، نظرا لاختلاف الإيديولوجيات والقناعات وحتى التكوين القانوني والمصالح لكل المتعاملين في هذا المجال، لكنها أخذت بعدا متميزا أمام مراكز واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى والذي يعمل تحت راية البنك الدولي بناء على معاهدات واشنطن لسنة 1965، ورغم الإطراء الذي يلقاه هذا المركز من خلال كتابات المهتمين بالتجارة الدولية وسبل حل نزاعاتها، إلا أن هذه الظاهرة يمكن ملاحظتها على مستوى اتفاق التحكيم في إطار ما عرف بالتحكيم بدون اتفاق {1} كما يمكن ملاحظتها بالقياس على ما توحي به نصوص الاتفاقية {2} .

التحكيم بدون اتفاق
انتشرت في الآونة الأخيرة استعمال هذه العبارة والتي شاعت بشكل كبير في إطار تحكيم مركز واشنطن، ويقصد بها تلك الحالة التي يرفع فيها المستثمر النزاع لمركز التحكيم، ليس بناء على اتفاق خاص وصريح، وإنما بصورة أحادية باعتبار أن المركز له سلطة التأكد بناء على فحص سطحي للأمور من وجود اتفاق للتحكيم مما يجوز معه تشكيل الهيئة التحكيمية التي يؤول إليها البث في اختصاصها،[3] لأن اتفاقية البنك الدولي على غرار العديد من أدوات التحكيم التجاري الدولي تعترف للمحكم باختصاص الاختصاص[4]، حيث أن هؤلاء كثيرا ماصرحوا باختصاصهم على أساس وجود تراضي ضمني بين الدولة التي أعلنت قوانينها الوطنية أو بمقتضى اتفاقية ثنائية أومتعددة الأطراف إرادتها المفتوحة في اللجوء إلى مركز واشنطن، وإرادة المستثمر الخاصة من التحريك الفعلي للمركز بعد نشوب النزاع، ولم تتوقف الظاهرة عند حدود منازعات الاستثمار ومركز واشنطن بل تعدتها لتنال من قداسة الرضا في التحكيم التجاري الدولي عموما، كما هو الحال في قضية هضبة الأهرامات المصرية .

[1] المستشار الدكتور عوض محمد الاتفاقيات الدولية وشروط تصنيفها في القانون الداخلي ، وعلاقة الدستور بها ” الندوة الدولية حول الاتفاقيات الدولية والقانون الداخلي من خلال الاجتهادات القضائية لسنة 2001 المنظمة من قبل وزارة حقوق الإنسان المغربي ” ص 37 وما يليها .

[2] ظاهرة تهميش الرضا في التحكيم الدولي في التجارة الدولية عموما وفي مجال الاستثمار بوجه خاص، المجلة اليمنية التحكيم عدد 54 عدد 2004 ص 4 وما يليها.
[3] ظاهرة تهميش الرضا المقال السابق الإشارة إليه ص 5 ومايليها.
[4] المادة 17 من قانون مركز تسوية منازعات الاستثمار بين دولة ورعايا الدول الأخرى.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت