تطبيق قواعد التنازع الأنسب موضوعيا لحكم النزاع

بموجب هذا الاتجاه فإن على المحكم الدولي أن يبحث عن القانون الذي يحكم موضوع النزاع من خلال إعماله لقواعد تنازع القوانين في قانون الدولة التي سيجري فيها تنفيذ القرار الذي يصدره في المنازعة التي طرحت على التحكيم، وهذا الاتجاه يعكس القلق الذي يساور المحكم الدولي ويضعه في اعتباره دائما ألا وهو مصير القرار الذي سوف يصدره في الدولة التي يطلب إليها تنفيذه.

خذ مثلا المادة الخامسة فقرة 1/ب من اتفاقية نيويورك (سنة 1958) بشأن الاعتراف وتنفيذ قرارات المحكمين الأجنبية، إذ تنص على رفض الاعتراف بقرار التحكيم أو تنفيذه إذا كان مخالفا للنظام العام في هذه الدولة على الأقل بمفهومه الدولي، وتحسبا لذلك يستحسن تطبيق المحكم للقانون الذي تعينه قواعد التنازع في القانون الدولي الخاص بدولة التنفيذ.

ويثير هذا الاتجاه صعوبات عملية يتعين على المحكم حلها ابتداءا، وهي في الأساس ضرورة تحديد الدولة التي سينفذ حكم التحكيم على إقليمها. والسؤال هو كيف يتسنى للمحكم أن يعرف على وجه الدقة أين سينفذ قرار التحكيم؟ وما هو الحل إذا كان يتعين تنفيذ قرار التحكيم في أكثر من دولة؟ ويبدو أن هذا الاتجاه يخلط بين مسألة تنازع القوانين حول القضايا التي يتعرض لها المحكم في معرفة القانون الواجب التطبيق عند عدم اتفاق أطراف النزاع على تحديده وبين المسائل التي قد تثار فيما بعد أمام القاضي لكي يصدر قراره بتنفيذ حكم التحكيم أو رفضه[1].

عند غياب الإرادة الصريحة لطرفي النزاع وعدم معرفة إرادتهما الضمنية، حول القانون الواجب التطبيق أو قواعد القانون الدولي الخاص فإن المحكم الدولي لا يتقيد بإتباع قواعد التنازع في قانون وطني معين، أو تطبيق ذلك القانون على موضوع النزاع، ونتيجة لذلك فإنه يقع على كاهله البحث عن أي قانون يكون الأنسب موضوعيا لحكم النزاع، ويكاد يصبح هذا المعيار، أي القانون الأنسب موضوعيا من المبادئ التي رسخت في لوائح هيئات التحكيم أو في قرارات التحكيم التجاري الدولي، وبالتالي فإن المحكم الدولي له الحرية في البحث عن القانون الأنسب بالتطبيق الجمعي للمبادئ المشتركة لقواعد التنازع في القوانين التي يرتبط بها النزاع[1].

وتأكيدا لحرية المحكم، فقد ظهر اتجاه آخر مفاده أن المحكم يختار القانون الأكثر ملاءمة لموضوع النزاع آخذا بعين الاعتبار القواعد المتعارف عليها في التعامل التجاري الدولي[2]. وهذا الاتجاه يمثل النتيجة المنطقية والأسلوب العملي في مجال التجارة الدولية. ويرى أنصار هذا الاتجاه أنه لا بأس من أن يستخدم المحكم الدولي حريته في البحث عن القانون الأنسب بإعمال التطبيق الجمعي للمبادئ المشتركة لقواعد التنازع في القوانين التي يرتبط بها النزاع غير أن هذه الحرية لها ضوابط يتحدد بموجبها القانون الأكثر اتصالا بالنزاع مثل قانون العقد، فالأصل أن تجد القانون الواجب التطبيق على العقد مع القانون الواجب التطبيق على النزاع[3]، وكذلك قانون مكان التحكيم حيث يلتزم المحكم دائما بالقواعد الإجرائية الآمرة في قانون محل التحكيم حتى عند اختيار الأفراد لقانون آخر. ويتعين على المحكم أن يسترشد في تحديد قاعدة التنازع بضوابط موضوعية مستمدة من ظروف التعاقد، ودراسة مختلف عناصر العقد على نحو يضمن ارتباطا حقيقيا بين موضوع النزاع وبين القانون الذي ترشحه قاعدة التنازع لحكم العلاقة، وهذا الأمر يتوقف بالدرجة الأولى على ثقافة المحكم وخبرته القانونية، ويتعين على المحكم الاستعانة بالخبراء لتحديد القانون الواجب التطبيق أو تكليف الأطراف بإثباته ضمانا لصحة تحديده[4].

[1] – د. أبو زيد رضوان، المرجع السابق، ص 159.

[1] – د. أشرف عبد العليم الرفاعي، القانون الواجب التطبيق على موضوع التحكيم والنظام العام في العلاقات الخاصة الدولية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، عام 2003، ص 32-33.
[2] – د. أبو زيد رضوان، المرجع السابق، ص 165، وأيضا د. محمد فوزي سامي، التحكيم التجاري الدولي، مرجع سابق، ص 194
[3] – د. هدى محمد مجدي عبد الرحمن، دور المحكم في خصومة التحكيم وحدود سلطاته، رسالة دكتوراه، دار النهضة العربية، القاهرة، 1997، ص 273.
[4] – المرجع السابق، ص 276.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت