الحكم المحلي في مصر

تاريخ الحكم المحلي

إن التطور التاريخي لمؤسسات الحكم في مصر خلق نزعة قوية لتفضيل المركزية. وقد اتخذت البيروقراطية المصرية شكلها الحالي في سنواتها التكوينية الأولى في إطار خطة الرئيس جمال عبد الناصر للتنمية القائمة على التخطيط المركزي. وعلى الرغم من أن الرئيس مبارك بادر في السنوات الأخيرة إلى بذل جهد لتبسيط الإدارة العامة وتحويلها إلى إدارات محلية، فان النظام السياسي المصري ما يزال نظام شديد المركزية.

التقسيمات الإدارية

أصدر الرئيس حسني مبارك في 17 نيسان/إبريل 2008 قرارا جمهوريا بإجراء تعديلات في نطاق الحدود الإدارية لبعض المحافظات وتقسيم العاصمة القاهرة إلى 3 مناطق إدارية يرأس كل منها نائب محافظ. كما قضى القرار بإنشاء محافظتين جديدتين هما محافظة حلوان ومحافظة السادس من أكتوبر. وهكذا أصبح عدد محافظات مصر 28 محافظة تتبع وزارة الداخلية ويرأس كل منها محافظ ومجلس تنفيذي يعينه رئيس الجمهورية. وعلى المستوى الذي يلي المحافظة توجد 126 منطقة إدارية. وتوجد مجالس شعبية منتخبة على مستوى المحافظة والمنطقة، ولكن صلاحيات هذه الهيئات محدودة جدا مقارنة بالمجالس التنفيذية. وعلى الصعيد المخلي، يوجد في مصر 4496 بلدية قروية و 199 بلدية مدينية. ويدير البلديات مجلس تنفيذي تعينه الحكومة المركزية بينما تتمتع المجالس المنتخبة بسلطة محدودة نسبيا. ويترتب على التقسيمات الإدارية الجديدة تبعية نقل مؤسسات حكومية من محافظة إلى أخرى تبعا للتقسيم الجديد. وتمت هذه التعديلات في إطار التوجه نحو تعزيز اللامركزية، كما أنها تنسجم مع قانون المحليات الجديد الذي سيطرح على البرلمان في دورته القادمة من أجل إقراره. ويعزز مشروع القانون صلاحيات المجالس المحلية التي انتخبت في 8 نيسان/إبريل 2008. وأكدت الحكومة أن الهدف من التعديلات الإدارية هو إعادة التوازن إلى التقسيم السكاني والمقومات الاقتصادية للمحافظات المعنية مما سيدفع عملية التنمية البشرية والاقتصادية في هذه المحافظات من خلال إعادة تخصيص الموارد وتوزيعها على الأقاليم المختلفة.

إصلاح ميزانية الحكم المحلي

بصفتها مشترك جديد في قاعدة صندوق النقد الدولي الخاصة لنشر البيانات ـ اعتبارا من كانون الثاني/يناير 2005 ـ وهي القاعدة المعيارية التي تعكس أفضل الممارسات العالمية في مجال الاقتصاد والإحصاءات المالية، يتوقع من مصر أن تفصل ميزانية الحكومة المركزية عن ميزانيات السلطات المحلية.

تتمتع الهيئات الحكومية المحلية في مصر بمقدار قليل نسبيا من الاستقلال المالي والضريبي. فجميع ميزانيات المحافظات والمناطق والبلديات جزء من الميزانية المركزية المعتمدة من قبل مجلس الشعب. وتبلغ الأموال المحولة من الحكومة المركزية 90 بالمئة من عائدات الإدارات المحلية. وهذه الإدارات المحلية تجمع أموالها عن طريق فرض رسوم على العقارات في المناطق الحضرية وعلى الأراضي الزراعية وعلى تسجيل السيارات وعلى إصدار الرخص. وتخصص معظم الأموال الإقليمية والمحلية لتغطية النفقات الجارية كالرواتب وفوائد الديون. وان عدم توفر رأس المال لدى الإدارات المحلية يضعف قدرتها على الشروع في تنفيذ مشروعات تنموية. ومن المصادر القليلة لرأس المال المحلي نشير إلى مصدرين هما “حساب الصناديق الخاصة” القومي، وميزانيات المجالس البلدية الشعبية.

لإصلاح: اللامركزية الضريبية

نفذت الحكومة المصرية عددا من البرامج بالتنسيق مع الجهات المانحة الدولية بهدف زيادة القدرة المؤسسية للإدارات المحلية وتحسين كفاءتها الإدارية. وعمل مسؤولون حكوميون بمساعدة وكالة المساعدات الخارجية الأميركية على تطوير برنامج لتعزيز عملية نقل الصلاحيات إلى الإدارات المحلية ولزيادة مشاركة هذه الإدارات في مجال التنمية الريفية.

الإنتخابات المحلية

جرت آخر انتخابات محلية مصرية في 8 نيسان/إبريل 2008. وبلغ عدد الذين يحق لهم التصويت 35 مليونا وعدد المرشحين 70 ألفا من بينهم 55 ألف مرشح ينتمون إلى “الحزب الوطني” (الحاكم). أما عدد مقاعد المجالس المحلية فبلغ 52 ألف مقعدا. وبلغ عدد اللجان العامة 318 لجنة وعدد اللجان الفرعية 41 ألف لجنة. وشاركت في الانتخابات، إلى جانب الحزب الوطني، أحزاب “التجمع” و “الوفد” و “الجيل” و “الناصري”. لكن “جماعة الإخوان المسلمين” وهي أكبر فصيل سياسي منافس للحزب الوطني أعلنت قبل ساعات من فتح باب الاقتراع انسحابها من الانتخابات وذلك ردا على رفض الحكومة أكثر من 3800 حكم قضائي لإدراج أسماء مرشحين في كشوف الانتخابات. وسبق للحكومة أن رفضت قبول ترشيح 4000 مرشحا زكتهم “جماعة الإخوان المسلمين” على الرغم من تقديمهم كل الأوراق القانونية المطلوبة للترشيح. وأعلن “الحزب الوطني” مع بدء عملية الاقتراع فوزه بـ 83% من مقاعد المجالس المحلية بالتزكية. واقتصر التنافس على 17% من إجمالي المقاعد المحلية. وأظهرت النتائج فوز الحزب الوطني الحاكم بأكثر من 95% من مقاعد المجالس المحلية. ولم تعلن وزارة الداخلية أرقام رسمية لنسبة المشاركة في الاقتراع، لكن منظمات حقوقية مصرية قدّرت هذه النسبة بما بين 5% و 7% من إجمالي الناخبين المسجلين، وأيد الأمين العام لحزب التجمع هذا التقدير. وتكتسب الانتخابات المحلية هذه المرة أهمية كبيرة بعد التعديلات الدستورية ألتي ألزمت من يرغب في الترشح لرئاسة الجمهورية بالحصول على دعم 150 من أعضاء المجالس المحلية في 10 محافظات.

وغاب الإشراف القضائي على هذه الانتخابات. وأكد “مركز دراسات العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان” في مصر والذي قام بمراقبة العملية الانتخابية في القاهرة والإسكندرية أنه “لم تكن هناك انتخابات بالمرة”. وأصدر “المركز القومي لحقوق الإنسان” تقريرا في شأن بعض التجاوزات التي حدثت أثناء سير العملية الانتخابية من بينها منع مراقبين دخول الدوائر الانتخابية وطرد أكثر من 80% من مراقبي الانتخابات التابعين للمنظمات الحقوقية.

وكانت جرت انتخابات بلدية في نيسان/إبريل 2002. وكان 70% تقريبا من مرشحي الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم هم المرشحون الوحيدون في مناطقهم. وسجل الحزب الوطني الديمقراطي أسماء 106ر48 مرشحين عنه من مجموع 080ر60 مرشحا سجلوا أسماءهم بمن فيهم مرشحو أحزاب المعارضة والمستقلون. وفاز الحزب الوطني الديمقراطي بـ 97% من المقاعد البلدية، كما فاز مرشحوه في 52%من المناطق بالتزكية. وكان إقبال الناخبين على التصويت ضعيفا جدا بسبب ترشح عدد قليل عن أحزاب المعارضة والمستقلين، بالإضافة إلى النتائج المحسومة سلفا في العديد من المناطق التي لم تترشح فيها لوائح معارضة. وادعت وزارة الداخلية أن الإقبال على الانتخابات كان كبيرا، لكنها لم تعط أي أرقام. وكانت ولاية هذه المجالس قد إنتهت في 15 نيسان/إبريل 2006. لكن مجلس الشورى المصري أقرّ في 12 شباط/فبراير 2006 تأجيل انتخابات المجالس المحلية لمدة عامين اعتبارا من 16 نيسان/إبريل 2006. وبرر رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف التأجيل بحجة العمل على إصدار قانون جديد للإدارة المحلية وقال إن توسيع لامركزية الإدارة سيكون إحدى ركائز التعديلات الدستورية والتشريعية في المرحلة المقبلة.واعترضت جماعة الإخوان المسلمين على القرار معتبرة أنه يهدف إلى وقف تقدمها وإضعاف نفوذها السياسي في مصر.