جريمة الدعارة في القانون اللبناني

جرائم الدعارة في القــــــانون اللبناني – محاماة نت

إعداد: نادر عبد العزيز شافي
دكتوراه دولة في الحقوق
محام بالإستئناف

تعتبر جرائم الدعارة من الجرائم الماسّة بالآداب والأخلاق العامة لما تهدف اليه من حضّ على الفجور. وهي تشكّل في الوقت نفسه اعتداءً على الحرية العامة، واعتداءً على قداسة جسم الإنسان، وهي اعتداء على الشرف والأخلاق ومن الأفعال المنافية للحشمة، وتقلّل من فرص الزواج، وتمسّ بالإستقرار العائلي في المجتمع، وقد تفرض طفولة وأمومة غير شرعية، لذلك فهي جريمة ماسّة بأمن المجتمع، خصوصاً عندما تُرتكب بتسهيل وتغطية من الآباء أو الأشقاء أو الأزواج أو الأقارب، ممن يجدر بهم أن يكونوا قدوة لغيرهم في احترام المبادئ الدينية والأخلاقية والإجتماعية. ويشار في هذا السياق الى انتشار ظاهرة الزواج الصوري بأجنبيات حيث يسهل الزوج الدعارة السرية لزوجته مع آخرين لقاء الحصول على مبالغ مالية.

نموذج
تشهد العديد من الدول في العالم وجود شبكات منظّمة لتعاطي الدعارة وتسهيلها وترويجها بقصد تجميع الثروات الطائلة بوسائل غير أخلاقية، فتنشر الفتيات في الطرقات وفي الساحات العامة لإغواء المارة. وقد عُرِضت على القضاء اللبناني العديد من قضايا الدعارة المماثلة، لا سيما تلك الواقعة قرب المرابع الليلية والأوتيلات وبداخلها، أو تلك التي تُرتكب في مراكز التدليك الفيزيائي التي تنتشر إعلاناتها في الصحف.

ومن نماذج الدعارة، الحادثة الآتية: كان شخص ماراً بسيارته قرب أحد الأوتيلات فشاهد إحداهن على جانب الطريق، توقف واتفق معها على مجامعتها لقاء خمسين ألف ليرة لبنانية، فصعدت معه حيث اصطحبته الى شاليه خاص بها، وبوصولهما، وبعدما بدأت بنزع ثيابها رفض ممارسة الجنس معها بحجة أنها اشترطت سعراً أعلى مما اتفقا عليه، ولما خرج من الشاليه فوجئ بزوجها ومعه شخصان آخران قاموا بالاعتداء عليه بالضرب لأنه لم يمارس الجنس مع المرأة ولم يدفع لها المبلغ المتفق عليه معها. وبعد التحقيقات والاستقصاءات، تبين أن تلك الزوجة تنصب الكمائن للرجال على الطرقات، ويقوم زوجها بمراقبتها فيتبعها إثر انتقالها مع أحدهم الى الشاليه، فإذا تراجع الزبون عن رغبته بالممارسة معها يلزمه الزوج بدفع مبلغ من المال. وهذا يشكّل جريمة الدعارة وجريمة اعتماد الزوج في كسب معيشته على دعارة زوجته بعد أن سهّل لها ممارسة هذه الدعارة، والجريمتان نصت عليهما المادتان 523 و527 من قانون العقوبات اللبناني.

تعريف جريمة الدعارة
لم يعرّف القانون اللبناني جريمة الدعارة تعريفاً واضحاً وصريحاً على الرغم من تجريمها والمعاقبة عليها بمقتضى المواد من 523 حتى 530 من قانون العقوبات. إلا أنه يمكن من خلال هذه المواد تعريف الدعارة بأنها إقامة علاقات جنسية سرية غير شرعية لقاء الحصول على مبالغ مالية؛ أي أن يكون الهدف من تلك الممارسة الجنسية السرية هو الكسب المادي.
ويعاقب القانون اللبناني على تعاطي الدعارة، وعلى تسهيلها، وعلى الحضّ عليها، وعلى الإكراه عليها باستعمال الخداع أو العنف أو التهديد أو النفوذ أو غير ذلك من وسائل الإكراه، وعلى اعتمادها وسيلة لكسب المعيشة…

فالمادة 523 من قانون العقوبات تعاقب كل من تعاطى الدعارة السرية أو سهّلها بالحبس من شهر الى سنة وبالغرامة من 50 ألفاً الى خمسماية ألف ليرة. وتعاقب المادة 524 من القانون ذاته بالحبس سنة على الأقل وبغرامة لا تنقص عن مئتي ألف ليرة من أقدم إرضاءً لأهواء الغير على إغواء أو اجتذاب أو إبعاد إمرأة أو فتاة دون الحادية والعشرين من عمرها ولو برضاها، أو إمرأة أو فتاة في الحادية والعشرين من العمر باستعمال الخداع أو العنف أو التهديد أو صرف النفوذ أو غير ذلك من وسائل الإكراه. وتعاقب المادة 525 عقوبات بالحبس من شهرين الى سنتين وبالغرامة من 50 ألفاً الى 500 ألف ليرة من أقدم باستعماله الوسائل المذكورة في المادة السابقة على استبقاء شخص رغماً عنه ولو بسبب دين له عليه في بيت الفجور أو أكرهه على تعاطي الدعارة.
ونصت المادة 526 من قانون العقوبات على أنه من اعتاد أن يسهّل بقصد الكسب إغواء العامة على ارتكاب الفجور مع الغير، ومن استعمل إحدى الوسائل المشار اليها في الفقرتين 2 و3 من المادة 209 لاستجلاب الناس الى الفجور يعاقب بالحبس من شهر الى سنة وبالغرامة من عشرين ألفاً الى مئتي ألف ليرة. كما نصت المادة 527 من القانون ذاته على أنه كل امرئ لا يتعاطى مهنة بالفعل فاعتمد في كسب معيشته أو بعضها على دعارة الغير، عوقب بالحبس من ستة أشهر الى سنتين وبغرامة من عشرين ألفاً الى مئتي ألف ليرة.

عناصر جريمة الدعارة
تقوم جريمة الدعارة على ثلاثة عناصر هي: الفعل المادي المتمثّل بالجماع السري، أن يكون الهدف من الدعارة هو الكسب المادي، والقصد الجرمي.

• الفعل المادي المتمثّل بالجماع السري:
يُقصد بالجماع السري الاتصال الجنسي بين رجل وامرأة، إتصالاً سرياً وغير مشروع.
ويستوجب الجماع المتمثّل بالاتصال الجنسي أن يكون طرفاه رجل وامرأة. فلا تتصور جريمة الدعارة إذا كان الطرفين من جنس واحد، كما لو كانا رجلين أو إمرأتين، حيث يكون الفعل من الأفعال الجرمية المخالفة للأخلاق والآداب العامة التي تعاقب على المجامعة خلافاًَ للطبيعة بالحبس حتى سنة واحدة سنداً للمادة 534 عقوبات.

وإذا كان الإتصال الجنسي والجماع بين الرجل والمرأة مشروعاً فلا يتحقق الركن المادي لجريمة الدعارة، كما هو الحال في ظل نظام الزواج الذي يعترف للزوج بالحق في الإتصال بزوجته، ويفرض على المرأة الإلتزام بقبوله. شرط أن لا يكون ذلك الزواج صورياً بقصد تغطية وتسهيل دعارة الزوجة مع الزبائن بعلم ومعرفة ذلك الزوج.

وتوجب شرعية الإتصال الجنسي والجماع في ظل الزواج أن يكون هذا الزواج شرعياً وفقاً للقوانين المرعية الإجراء. أما إذا كان الزواج باطلاً أو فاسداً فهو لا ينفي الصفة الشرعية عن تلك الصلة بين طرفيه، حتى وإن كان الطرفان يجهلان سبب البطلان أو الفساد من دون أن يتوافر لدى أحدهما القصد الجرمي؛ إذ لا يمكن توصيف علاقة الرجل بالمرأة هنا بعلاقة زنى ولا بتعاطي الدعارة لانتفاء الركن المعنوي المتمثّل بالقصد الجرمي وفق ما سيأتي تفصيله لاحقاً.

• أن يكون الهدف من فعل الدعارة هو الكسب المادي:
نصت المادة 526 من قانون العقوبات على أنه من اعتاد أن يسهّل بقصد الكسب إغواء العامة على ارتكاب الفجور مع الغير، ومن استعمل إحدى الوسائل المشار اليها في الفقرتين 2 و3 من المادة 209 لاستجلاب الناس الى الفجور، يعاقب بالحبس من شهر الى سنة وبالغرامة من عشرين ألفاً الى مئتي ألف ليرة. كما نصت المادة 527 على أنه كل امرئ لا يتعاطى مهنة بالفعل فاعتمد في كسب معيشته أو بعضها على دعارة الغير، عوقب بالحبس من ستة اشهر الى سنتين وبغرامة من عشرين ألفاً الى مئتي ألف ليرة.
وبالتالي، يجب أن تكون الدعارة بقصد الكسب المادي، أي أن يكون الهدف من الجماع والممارسة الجنسية هو الحصول على لقاء مادي يعتمده الجاني سبيلاً في مهنته لكسب معيشته.

وقد اعتبر القضاء اللبناني أن عمل المرأة التي تدير شبكة دعارة عبر تأمين الفتيات للزبائن بهدف الممارسة الجنسية لقاء مبالغ نقدية، وتعمد الى تعاطي الدعارة وتسهيلها لأخريات في منزلها أو منازل الزبائن أو في أماكن أخرى لقاء المال، يشكّل جنحة الدعارة المنصوص عليها في المادة 523 من قانون العقوبات وأن فعلها لجهة تسهيل الدعارة يشكّل الجنحة المنصوص عليها في المادة 527 من قانون العقوبات.

• القصد الجرمي في جريمة الدعارة:
تعتبر جريمة الدعارة من الجرائم العمدية التي تتطلّب وجود القصد الجرمي، وهو يتمثّل بانصراف الإرادة الى ارتكاب الفعل والعلم بارتكاب الجماع السري والصلة الجنسية بهدف الكسب المادي.
ويقوم القصد الجرمي على عنصري العلم والإرادة. ويعتبر الفعل الجرمي في جريمة الدعارة بأنه فعل إرادي بطبيعته، لأنه يصدر عن رغبة ويستهدف إشباع شهوة لقاء مقابل مالي؛ أي يقتضي أن تتوافر في جريمة الدعارة القصد الخاص المتمثّل في الهدف من ارتكاب تلك الجريمة، وهو الحصول على المال. أما إذا لم يتوافر هذا القصد الجرمي الخاص، فلا تتوافر كافة عناصر جريمة الدعارة، ولكن قد نكون أمام جريمة أخرى، كجريمة الزنى أو جريمة ارتكاب فعل منافٍ للحشمة إذا توافرت عناصرها الجرمية والقانونية.
عقوبات جرائم الدعارة
تعتبر جريمة الدعارة في القانون اللبناني جنحة يعاقب عليها بالعقوبات الآتية:
– الحبس من شهر الى سنة وبالغرامة من 50 ألفاً الى خمسماية ألف ليرة على كل من يتعاطى الدعارة السرية أو يسهّلها (المادة 523 عقوبات).
– الحبس سنة على الأقل وبغرامة لا تنقص عن مئتي ألف ليرة من أقدم إرضاءً لأهواء الغير على إغواء أو اجتذاب أو إبعاد إمرأة أو فتاة دون الحادية والعشرين من عمرها ولو برضاها، أو إمرأة أو فتاة في الحادية والعشرين من العمر باستعمال الخداع أو العنف أو التهديد أو صرف النفوذ أو غير ذلك من وسائل الإكراه (المادة 524 عقوبات).
– الحبس من شهرين الى سنتين وبالغرامة من 50 ألفاً الى 500 ألف ليرة من أقدم باستعماله الوسائل المذكورة في المادة السابقة على استبقاء شخص رغماً عنه ولو بسبب دين له عليه في بيت الفجور أو أكرهه على تعاطي الدعارة (المادة 525 عقوبات).
– الحبس من شهر الى سنة وبالغرامة من عشرين ألفاً الى مئتي ألف ليرة لكل من اعتاد أن يسهّل بقصد الكسب إغواء العامة على ارتكاب الفجور مع الغير، ومن استعمل إحدى الوسائل العلنية لاستجلاب الناس الى الفجور (المادة 526 عقوبات).
– الحبس من ستة أشهر الى سنتين وبغرامة من عشرين ألفاً الى مئتي ألف ليرة لكل امرئ لا يتعاطى مهنة بالفعل فاعتمد في كسب معيشته أو بعضها على دعارة الغير (المادة 527 عقوبات).
– تدابير الإصلاح بحق مرتكبي الجنحة من القاصرين ما خلا الوضع في معهد تأديبي إذا كانت المدعى عليها قاصرة لم تتم الثامنة عشرة من عمرها اعتادت تعاطي الدعارة (المادة 535 عقوبات).
ومن تلك التدابير الإصلاحية: وضع الحدث في معهد الإصلاح، أو إخضاعه للمراقبة من قبل المندوب الإجتماعي، أو تسليمه الى والديه أو أحدهما أو الى وصيه الشرعي أو الى أسرته، وغيرها من التدابير الإصلاحية المنصوص عليها في قانون حماية الأحداث المخالفين للقانون والمعرّضين للخطر الرقم 422/2002 تاريخ 6/6/2002.

تشديد العقوبة في جرائم الدعارة
تشدّد العقوبة إذا كان المجرمون الذين سهّلوا ارتكاب جريمة الدعارة من الأصول الشرعيين أو غير الشرعيين أو أحد الأصهار، أو كل شخص يمارس على المرأة سلطة شرعية أو فعلية أو أحد خدم أولئك الأشخاص، أو إذا كان المجرم موظفاً أو رجل دين أو كان يدير مكتب إستخدام أو عاملاً فيه فارتكب الفعل مسيئاً إستعمال السلطة أو التسهيلات التي يستمدّها من وظيفته (المادة 529 معطوفة على المادة 506 من قانون العقوبات).
ويمكن الحكم بالإخراج من البلاد، وبالحرية المراقبة عند الحكم في إحدى الجنح المنصوص عليها في جرائم الدعارة، ويقضي ايضاً بإقفال المحل (المادة 530 عقوبات).
ومن نماذج الأحكام في هذا الإطار فرض تدبير «الحرية المراقبة» بحق المدعى عليها ووجوب أن تقوم كل شهرين بمراجعة مكتب حماية الآداب التابع لقسم المباحث الجنائية العامة للوقوف على حالها وللتثبت من صلاحها وعدم معاودتها ممارسة الدعارة، وتسطير مذكرة الى رئيس المكتب المذكور لإيداع المحكمة تقريراً كل شهرين عن سيرة المدعى عليها يتضمن تحقيقاً واستقصاءً عن مدى التزامها عدم معاودة طريق الدعارة السرية.
الشروع في ارتكاب جريمة الدعارة أو محاولة ارتكابها
الشروع في الجريمة أو المحاولة الجرمية، وفقاً للمادة 200 من قانون العقوبات اللبناني، هي كل محاولة لارتكاب جناية بدأت بأفعال ترمي مباشرة الى اقترافها، إذا لم يحل دون إتمامها سوى ظروف خارجة عن إرادة الفاعل. ونصت المادة 202 عقوبات على أنه لا يعاقب على المحاولة في الجنحة وعلى الجنحة الخائبة إلا في الحالات التي ينص عليها القانون صراحة. وقد نصت المادة 528 من قانون العقوبات على أنه يعاقب على المحاولة المنصوص عليها في المواد من 523 الى 525.
وتطبيقاً لذلك يعتبر شروعاً أو محاولة في ارتكاب جنحة الدعارة كل فعل من أفعال الدعارة المنصوص عليها في المواد من 523 الى 525 عقوبات. وتفترض المحاولة الجرمية أو الشروع الجرمي، أنه قد أعقب البدء في التنفيذ عدم إتمام جريمة الدعارة لظروف خارجة عن إرادة الفاعل، كاكتشاف الأمر من رجال الشرطة أو من الجيران أو من الغير، مما حال دون الجماع والممارسة الجنسية السرية أو دون دفع المقابل المادي عنها.
• المراجع:
1- جنايات جبل لبنان، قرار رقم 566/2004، تاريخ 28/10/2004.
2- القاضي المنفرد الجزائي في المتن، تاريخ 26/1/2004، مجلة العدل.
3- جنايات جبل لبنان، قرار رقم 71/2001، تاريخ 22/1/2001.
4- جنايات جبل لبنان، قرار رقم 278/2002، تاريخ 29/4/2002.
5- القاضي المنفرد الجزائي في المتن، تاريخ 26/1/2004، مجلة العدل.
إبلاغ إساءة