المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان

يمكن الاطلاع على تعاطي المجلس مع ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان باعتباره المؤسسة التي كلفت رسميا بمعالجته ووضعت رهن إشارتها الإمكانيات المادية للقيام بعملها، من خلال الرجوع إلى أهم مراحل طي المجلس مع ملف الاختفاء القسري، كأهم ملف في الموضوع، ومن خلال تقييم بعض الفاعلين الحقوقيين لعمله في هذا المستوى.

تطرق المجلس الاستشاري لأول مرة وبصورة عرضية إلى موضوع المختفين في اجتماعه التاسع بتاريخ 12-13-14 و19 يوليوز 1994 المخصص لبلورة القرار الملكي القاضي بالعفو الشامل وكان ذلك بشكل مقتضب إذ لم تتضمن مذكرة الاجتماع سوى الإشادة بقرار الحكومة القاضي بتصفية ملف المختفين، بتاريخ 6-04-1995 قرر المجلس اتخاذ التدابير التطبيقية لتصفية الملف الذي ظل يعتبره ملف مختفين فاقترح تشكيل لجنة مشتركة بين وزارة الداخلية، العدل، حقوق الإنسان وأعضاء من المجلس لدراسة الموضوع، لم يعرض العمل الذي قامت به اللجنة المصغرة إلا يوم انعقاد الاجتماع الثالث للمجلس الاستشاري بتاريخ 02-04-1999، وفي نفس الوقت على أنظار لجنة المتابعة، ليتأكد فيما بعد أن مناقشات المجلس لم تنصب على مناقشة تقرير اللجنة مع ما يتوفر لدى المجلس من تقارير ومعطيات قدمتها المنظمات الحقوقية وعائلات الضحايا والمختفين المفرج عنهم، بل على العكس من ذلك أصدر المجلس في نفس اليوم مذكرته الشهيرة التي جاء فيها:

*أن الموضوع يندرج ضمن “ما سمي بالمختفين”
*إن حالات الاختفاء التي تسري عليها المعايير الدولية محصورة في 112.
في نفس السياق أي ملف الاختفاء القسري، جاء على لسان محمد مصطفى الريسوني (1) ما يفيد أن ملف الاختفاء القسري بالمغرب يحمل بين طياته صعوبات جمة يعود البعض منها إلى طبيعة الملف من أساسه، باعتباره يعود إلى فترات حالكة من تاريخ مغرب ما بعد 1956، وبالضبط إلى نزاعات قامت بين نفس الأشخاص الذين قاوموا الاستعمار، والبعض الآخر إلى تنوع هذا الاختفاء واختلاف طرقه ومصادره، إذ أن اختطافات بالجملة واعتقالات مشبوهة قد تمت خلال هذه الفترة ويصعب تحديد فاعليها أو القائمين بها أو الذين أمروا بها.

وأن لوائح المختفين تضم كثيرا من الأشخاص الذين ذهبوا ضحية الحزازات السياسية في ذلك التاريخ، كما يضم الملف لوائح متعددة من مختلف المنظمات والجمعيات المهتمة بحقوق الإنسان متشابهة وتضم أسماء مختلفة لشخص واحد، ولوائح أشخاص ماتوا وهم يحاربون لفائدة جبهة البوليساريو في حرب “الصحراء المغربية” كما يضم في جوانب كثيرة أسماء أشخاص اختفوا لأسباب لا علاقة لها بموضوع الاختفاء القسري، بل هي أسباب شخصية أو دواعي ناتجة عن الهجرة السرية أو غير ذلك من الأسباب ! يوضح محمد مصطفى الريسوني أنه كان على المجلس الاستشاري وهو يدقق في هذه الحالات أن يجعلها جميعا في لوائح متعددة ثم يبدأ عملية الفرز،

وقد اعتمد المجلس الاستشاري في فحص هذه اللوائح على المقتضيات الواردة في الإعلان العالمي ل حقوق الإنسان (1948) وعلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية (1975) وبالخصوص على الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (1992). وقد كان على المجلس أن يكون لجنا سواء على مستوى الخلية الدائمة بالمجلس المنبثقة عن اجتماعه السادس، أو على مستوى جمعه العام الذي خلص إلى تكوين لجنة عشارية مؤلفة من عشرة أعضاء انتدبت للعمل لمدة تزيد عن التسعة أشهر ليتم الإعلان عن لائحة أولية بأسماء المختفين، قدم المجلس الاستشاري تقارير إلى “الملك” في شكل آراء استشارية انبثقت عن اجتماعه الثاني عشر الممتد من 20 أبريل 1998 إلى 28 دسمبر 1998، ثم إلى 13 أكتوبر 1998 وكذا في اجتماعه الثالث عشر الممتد من 2 أبريل 1999 إلى 2 يوليوز 1999 وكل هذه الآراء تضمنت حصرا للوائح المختفين وطرق دراستها، واقتراح الهيئة التحكيمية وكيفية تكوينها وطريقة عملها.

لوحظ على المجلس أنه رهن سياسته في دوائر مغلقة من بين تجلياتها:
*الاكتفاء بمفهوم “مختفين” وليس “بمختفين قسريا” وحصره المسبق للحالات في عدد 112 بينما ستتلقى هيئة التحكيم فيما بعد أزيد من 6000 حالة عرفت المئات منها وضع الاختفاء القسري.
*اعتبار الحالات المحدودة ، تعود إلى تاريخ بعيد، بينما ستؤكد الملفات المعروضة أن عددا وافرا يعود إلى سنوات قريبة.
*الغموض المطلق فيما يخص تحديد عناصر ومفهوم الاختفاء القسري وحالاته.
المطالبة بالعفو على الضحايا والمسؤولين والمساواة بينهما والحال أن أية جهة سواء لا من الضحايا والحركة الحقوقية قد فكرت في ذلك، بل بالعكس كان الاتجاه العام الحقوقي يتجه إلى إقرار مسؤولية الدولة وضرورة اعتذارها.
__________________
(1) -عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وعضو هيئة التحكيم.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت