العقد الإداري الذي تبرمه الإدارة بنفسها

إذا كان الأصل أن تقوم الإدارة بالتعبير عن إرادتها بنفسها و إبرام عقودها بمناسبة ممارسة وظيفتها الإدارية فانه من المقرر أيضا انه ليس كل ما تبرمه الإدارة من تعاقدات تعد عقودا إدارية وبالتالي تخضع لقواعد القانون الإداري ورقابة القضاء الإداري إنما يجب أن تتوافر مقومات العقد الإداري على مثل هذا التعاقد الشخصي ومما لا شك فيه أن مثل هذه المقومات كان الفضل لكل من مجلس الدولة الفرنسي والمصري في وضع ملامحها ولهذا نتناول ذلك في مطلبين كون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام والثاني أن تتصرف الإدارة باعتبارها سلطة عامة 0

المطلب الأول :- كون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام

عرفت المحكمة الإدارية العليا المصرية العقد الإداري بأنه ” العقد الذي يبرمه القانون العام وذلك بتضمين العقد شرطا أو شروطا غير مألوفة من عقود القانون الخاص ” ([1])

الشرط الأول إذن هو أن يكون أحد أطراف العقد أحد أشخاص القانون العام سواء تعلق الأمر بالدولة أم بأحد الأشخاص المعنوية المرفقية أو المحلية والفرض هنا محل البحث أن الإدارة تتعاقد بنفسها ولكن أهمية هذا الشرط تثور بشكل اكثر وضوحا وكما سوف نرى في الحالة التي لا تظهر الإدارة أو أحد أشخاص القانون العام بنفسها كطرف في العقد فهل يعد العقد في مثل هذه الحالة عقدا إداريا حتى ولو افترضنا أن أحد أطراف العقد يعمل لحساب الإدارة لقد ثار مثل هذا التساؤل بمناسبة الأحكام التي صدرت من محكمة التنازع الفرنسية و مجلس الدولة الفرنسي بل و مجلس الدولة المصري حيث اعتبرت بعض العقود عقودا إدارية بالرغم من أن أطرافها أشخاصا من أشخاص القانون الخاص وقد اعتبر بعض الفقهاء أن مثل هذا الاتجاه يعد استثناء من القاعدة العامة من شرط وجود الإدارة كطرف من طرفي العقد 0

أيا ما كان الأمر فان الفرض هنا أن الإدارة تتعاقد بنفسها ولا تثور هذه الإشكالية ولهذا يجب البحث عن الشرط الثاني لقيام مقومات العقد الإداري 0

المطلب الثاني :- تصرف الإدارة بوصفها سلطة عامه

لكي يكون العقد إداريا لا يكفي أن يكون أحد طرفيه من أشخاص القانون العام أو كما سنرى يعمل باسم ولحساب شخص عام و إنما يجب كذلك أن تتصرف الإدارة عند تعاقدها بوصفها سلطة عامة وذلك بان يتصف العقد

ببعض الصفات في شروطه أو في موضوعه يتصل بفكرتي السلطة العامة والمرافق العامة وهما المحوران الرئيسيان للقانون الإداري فأما أن تتضمن شروط العقد استخدام امتيازات السلطة العامة المتمثلة في وجود شروط فادحة أو غير مألوفة في القانون الخاص و أما أن يكون موضوعه هو تنفيذ مهمة مرفق عام ([2])

مما لا شك في أن هذا الشرط يحتوي على معيارين هما معيار الشروط الغير مألوفة أو الشروط الاستثنائية ومعيار تعلق العقد بتنفيذ مهمة مرفق عام و أيا من المعيارين – بالإضافة للشرط الأول – يكفي لتوافر الصفة الإدارية لعقود الإدارة فأما أن يكون العقد يتعلق بتنفيذ مهمة مرفق عام و أما أن يتضمن شروطا استثنائية غير موجودة في عقود القانون الخاص عادة ([3])

الخلاصة إذن انه يلزم أن تتوافر مقومات العقد الإداري فبالإضافة إلى انه يجب أن يكون أحد أطراف العقد شخصا معنويا عاما يجب أيضا أن يكون العقد صادرا من الإدارة باعتبارها سلطة عامة سواء بتضمين العقد شروط غير مألوفة في مجال عقود القانون الخاص أو لتعلق العقد بتنفيذ مرفق عام وعلى ذلك فان العقد الذي تبرمه الإدارة العامة بنفسها باعتبارها سلطة عامة يعد عقدا إداريا بتوافر المقومات المشار إليها ولكن تدق التفرقة وكما سوف نرى في الحالة التي

لا تقوم الإدارة بإبرام العقد بنفسها أما لقيام من ينوب عنها قانونا و أما لان

الشخص الذي يبرم العقد يعمل لحساب الإدارة بالمفهوم الذي سوف نعرض له بعد قليل .

[1] – الأستاذ الدكتور / ماجد راغب الحلو – العقود الإدارية والتحكيم – ط 2004 دار الجامعة الجديدة للنشر – ص – 10 وما بعدها

[2] – الأستاذ الدكتور / ماجد راغب الحلو – المرجع السابق – ص 18

[3] – ) الأستاذ الدكتور / ماجد راغب الحلو – المرجع السابق – ص- 19