الخطا الطبي فى القانون الجنائي

يعتبر الخطأ الطبي من أهم الموضوعات في مجال مسؤلية الطبيب الجنائية لأنه يكون الركن المعنوي في اغلب الجرائم الطبية ولذا لابد من تعريفه وتتبع تطوره وتحديد صوره المختلفة وذلك على النحو التالي :-

تعريف الخطأ بوجة عام :
اقترح الفقهاء تعاريف متعددة للخطأ ونختار منها تعريفين اثنين اولهما عرفه الأستاذ استارك على انه ( انحراف فى السلوك لا يقع من إنسان يقظ وجد فى نفس الظروف التى احاطت بالمسؤل ) ، والآخر عرفه الأستاذ سافاتيه ( هو الإخلال بواجب كان من امكان من اخل به أن يدركه ويراعيه )
وبناء على ذلك يكون الخطأ الطبى هو :
(( تقصير في مسلك الطبيب لا يقع من طبيب يقظ وجد فى نفس الظروف الخارجية التى احاطت بالطبيب المسؤل ))

تطور الخطأ الطبى : –
لقد واجه قرار مبدأ مسئولية الأطباء كثيرا من الاعتراضات والصعاب بحجة أن إخضاع الطبيب الحاصل على الدبلوم لأية رقابة في ممارسة مهنته يقلل من شان شهادته العلمية بل ويعدم قيمتها كما انه يضر بسمعته المهنية ويعطل مزاولتها ويمنع بالضرورة تقدمها ، فالطبيب لا يسأل عن أخطائه إلا أمام ضميره وامام الرأي العام كما إن إقرار المسؤلية الطبية يجعل الأطباء يحجمون عن القيام بعملهم وهناك شعور لدى الأطباء بان مهنة الطب يجب حمايتها من التعسف الذي يصاحب دعاوى التعويض التي ترفع على الأطباء، ولقد أثرت الاعتراضات السابقة على أحكام القضاء حيث بقيت مسئولية الأطباء في بادي الأمر أضيق نطاقا من مسئولية غيرهم فلم يتعرض القضاء لأخطائهم الفنية ثم تقدم القضاء خطوة أخرى وقام بمحاسبة الأطباء عن الخطأ الجسيم دون اليسيراوالطفيف وظل الخطأ الجسيم أساسا للمسؤلية الطبية في نظر الفقه والقضاء إلى أن ظهرت تفرقة أخرى بين الخطأ المادى والخطأ الفني واخيراً قرر الفقه والقضاء بان مسؤلية الأطباء الجنائية تخضع للقواعد العامةم63ع.م166مدنى…

ونعالج فيما يلي التفرقة بين الخطأ المادى والخطأ الفني اوالمهنى
ثم نتطرق لمفهوم الخطأ وفقا للقواعد العامة المقررة فى قانون العقوبات الليبي
واخيرا نتعرض للجوانب المختلفة للخطأ الطبى.

أولا : الخطأ المادى والخطأ الفني (( المهني ))

هذه التفرقة تعتبر من صنع القضاء الفرنسي ومفادها أن هناك نوعين من القواعد وهما :
1 –النوع الأول يحكم أصول المهن الفنية ويحدد واجبات أصحابها كالأطباء والصيادلة والمهندسين والمحامين والخطأ فى تطبيق هذه القواعد يعتبر خطأ فني او مهني .

2 – اما النوع الثاني من هذه القواعد فيحكم الواجبات العامة للحيطة والحذر المفروضة على الكافة والخطأ فى تطبيق هذا النوع من القواعد يعتبر خطأً ماديا وقد انتقلت هذه التفرقة الى ميدان المسؤلية الطبية وقرر القضاء مساءلة الطبيب عن الخطأ المادى دون الخطأ المهني (( الفني )) إلا إذا كان هذا الخطأ جسيما .
و من أمثلة الخطأ الفني أو المهني : الخطأ في التشخيص أما الخطأ المادى أن يجرى الطبيب عملية جراحية وهو سكران، وقد ساق أصحاب هذه التفرقة عده حجج تبريرا لها منها أن الطبيب لا يستطيع أن يقوم بواجبه إلا في جو من الحرية التامة وان تهديده بالمسؤلية قد يدفعه إلى إتباع سياسة علاجية عقيمة قد تودى إلى عرقلته في القيام بواجبه خوفا من أن يتعرض لمسؤلية مدنية أو جنائية

غير أن هذه التفرقة بين الخطأ المادى والمهني لم يكتب لها البقاء
بسبب الانتقادات التى تعرضت لها وفيما يلي أهمها : –
• انه يصعب في كثير من الأحيان التفرقة بين الخطأ المادى والمهني(( الفني )) فإذا كان يسهل في بعض الأحيان أن نقول إن الطبيب ارتكب خطأ مادياً كما لو قام بإجراء عملية جراحية وهو سكران، فان الأمر يدق في أحيان أخرى كما لوا غفل الطبيب الأمر بنقل المريض إلى المستشفى في الوقت المناسب، محكمة عليا21/مايو/1974مجلة المحكمة العلياس11ع1ص134..
• إن هذه التفرقة لا تستند إلى القانون لا في نصه ولا في معناه فقد جرى القضاء من أمد بعيد على أن الخطأ الذي يستوجب المسؤلية الجنائية بمقتضى المادة 63/3 عقوبات لا يختلف في اى عنصر من عناصره عن الخطأ الذي يستوجب المسؤلية المدنية بمقتضى م 166 مدني، وقد جاء هذا النص عاماً غير مفرق بين أنواع الخطأ ولا بين الفنيين وغيرهم وعلى اثر ذلك قرر القضاء ان مسؤلية الطبيب الجنائية تخضع للقواعد العامة متى ثبت وجود خطأ مهما كان نوعه سواء كان خطأ فنياً أو غير فني – جسيماً أو يسيراً .

الخطأ الجنائي وفقاً للقواعد العامة في قانون العقوبات الليبي :

لقد اخذ المشرع الليبي بالخطأ المهني كأساس للمسؤلية الطبية في م23من قانون المسؤلية الطبية، أما القضاء الليبي فقد قرر فيما يتعلق بمسؤلية الطبيب المهنية بان هذه المسؤلية تخضع للقواعد العامة سواء كان خطأ الطبيب فني أو غير فني،
{محكمة بنغازي الابتدائية،دائرة الجنح والمخالفات المستأنفة17/11/1986م،مجلة المحامى ع17ص116للخطأ الجنائي في القواعد العامة المقررة في قانون العقوبات، ولقد سبق أن قلنا أن السلوك الآثم يفترض ارتكاب خطأ بالمعنى الواسع سواء العمدى أو غيرعمدى ،،،

والسلوك الآثم هو الذي يشكل الركن المعنوي للجريمة غير العمدية وهو الذى يحدد فى نفس الوقت نوع العلاقة بين ارادة الجانى وجريمته ،،المحكمة عليا 4/6/1974 مجلة المحكمة العلياس11ع1ص192حيث قالت((( من المقرر أن إباحة عمل الطبيب مشروط بأن يكون ما يجريه مطابقا للأصول العلمية المقررة ،فإذا فرط فى إتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسؤلية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه فى أداء عمله ولا يهم بعد ذلك أن يكون الخطأ المعنى جسيما أو غير جسيم))) ويطلق وصف الخطأ الجنائي على الخطأ غير العمدى الذى يكون الركن المعنوي فى الجرائم غير العمدية .ويتمثل هذا الخطأ فى إحداث نتيجة ضارة لم تتجه إليها ارادة الفاعل ولقد أطلق المشرع الليبي على الخطأ غير العمدى عدة تعبيرات هي الإهمال والطيش وعدم الدراية وعدم مراعاة القوانين والأنظمة واللوائح والأوامر,مادة63/3 عقوبات .

ولقد اعتبر المشرع كل صوره من صور الخطأ المشار إليها فى هذه المادة قائمة بذاتها يترتب عليها مسئولية الفاعل ولو لم يقع منه خطأ آخر،وتحديد صور الخطأ على الوجه السابق ورد على سبيل المثال لا الحصر وفقاً لحكم المحكمة العليا الصادر فى 7/11/1964 م – مجلة المحكمة العليا السنة 1 – العدد 4 – صفحة 37 وهناك بعض الفقهاء يذهبون خلافاً لذلك اى أن الخطأ المشار إليه فى المادة 63 /3 ورد على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال ونتحدث فيما يلي عن صور الخطأ التي أشارت إليها المادة 63/3 على أساس أن خطأ الطبيب لا يخرج منها .

ثانـيا : صـــــــــــور الخطـــــــــــــــأ :

1 / الإهمال :-
مرادف لعدم الانتباه وهو ترك اوعدم اتخاذ الاحتياط الذى تقتضيه الحيطة والحذر ولو قام به الفاعل لتجنب وقوع الحادث كصاحب المصنع الذى لا يقوم بتغطية الأجزاء الخطرة من الآلات بأجهزة الوقاية من الخطروالصيدلى الذى يصرف خطأ دواء سام وكذلك القابلة التي تهمل فى تقديم العناية اللازمة للوليد فيموت نتيجة ذلك(محكمه عليا 4/6/1974)السابق الاشاره إليه، وكذلك محكمة بنغازي الابتدائية دائرة الجنح والمخالفات بجلسة17/ 11/86 م مجلة المحامىع17ص116والطبيب الذى يستعمل آلة الجفت فى الولادة دون حيطة وحذر مما نتج عنه إصابة الطفل المولود.

2/ الطيش :-
هو الخطأ الذى لا يقع من شخص متبصر ومدرك للعواقب كالقيادة بحالة تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر أو القيادة بسرعة تزيد عن الحد المقرر قانونا وأجراء عملية جراحية بداخل مقلة العين دون إجراء الفحوص اللازمة للتأكد من عدم وجود عدوى ميكروبية تسبح على سطح العين مما قد يترتب عليه التهاب داخل العين وربما فقد أبصارها أو أن يقوم الطبيب بعلاج المريض وهو يعلم أن حالته لا تساعد على التركيز الشديد والقيام بعمله على أكمل وجه وهكذا نرى أن الطيش هو خطأ فى تقدير الخطر الذى يقدم عليه الفاعل .

3 / عدم الدراية ( الرعونة ) :-
هو اضطلاع شخص بعمل تنقصه المعرفة التامة أو القدرة اللازمة للقيام به فهي تنطوي على جهل الفاعل اوالجانى أو قصوره فى العمل الذى قام به سواء كان ذلك العمل الذى قام به ماديا اوادبيا،ويدخل فى هذه الطائفة الأخطاء المهنية التي يرتكبها الأطباء والصيادلة وأصحاب المهن الأخرى , متى كانت ناتجة عن إخلال بقواعد المهنة وتكشف على جهل الفاعل أو قصوره بأصول المهنة, وتطبيقا لذلك حكم بأن الشخص الذى يتدخل فى عملية توليد دون أن يكون مرخصا له بمزاولة مهنة الطب ويتسبب فى قتل المجني عليها يرتكب الجريمتين المنصوص عليهما فى المواد 251 ,377 من قانون العقوبات ,محكمة زليتن الجزئية 6/6/1959 م قضاء المحكمة العليا,القضاء الجنائي جزء2ص407

4 / عدم مراعاة القوانين أو اللوائح أو الأوامر أو الأنظمة :-

أ- عدم مراعاة القوانين :-
يعتبر القانون مصدرا للتجريم والعقاب وبناء على ذلك لا يجوز تجريم فعل أو امتناع أو تقرير عقوبة لهما إلا بناء على نص صادرمن السلطة التشريعية م1 ع وعلى ذلك فان انتهاك القوانين المتعلقة بالتجريم والعقاب تشكل خطأ ويترتب بالتالي المسؤلية الجنائية وبناء على ذلك فان مخالفة قانون المسؤلية الطبية رقم 17 لسنة 86 م أو انتهاك القانون الصحي رقم 106 لسنة 73 م يشكل خطأ يستوجب المساءلة الجنائية.

ب/ عدم مراعاة اللوائح :-
يجب أن تفهم اللوائح بالمعنى الواسع فهي تشمل اللوائح التي تصدرها السلطة الإدارية غير انه يشترط أن تكون اللائحة مشروعة بمعنى أن تكون قد استوفت الشروط الموضوعية والشكلية لإصدارها واهم هذه الشروط أن تكون اللائحة صدرت عن الجهة المختصة باصداراها قانونا وألا تعرضت للدفع بعدم الشرعية عند تطبيقها, غير أن قبول هذا الدفع لا يترتب عليه بالضرورة الحكم ببراءة المتهم ذلك أن عدم مراعاة لائحة غير مشروعة قد يشكل خطأ من نوع اخرهوعدم الانتباه اوعدم الاحتياط انظرالى اللائحة التنفيذية للقانون الصحي الصادر بموجب قرار 654 لسنة 1975 م ويعتبر الشخص بمجرد مخالفة لائحة من اللوائح فى حكم المخطئ إذا وقعت منه حادثه وهو مرتكب لهذه المخالفة ،، ومخالفة الطبيب للوائح تشكل خطأ وأمثلة ذلك عدم تبليغه عن واقعة الوفاة أو الولادة التي اشرف عليها م 18 فقرة2 -م34 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 36 لسنة 65 م فى شأن الأحوال المدنية وتجدر الاشاره إلى أن مخالفة اللوائح معاقب عليها بنص المادة 507 عقوبات .

ج/ عدم مراعاة الأوامر والأنظمة :-
تشكل مخالفة الأوامر والأنظمة صورة من صورا لخطأ المنصوص عليها بالماده63 /3ع ويستوي أن تكون تلك الأوامر كتابية أو شفوية ولكنه يشترط أن تكون الأوامر مشروعة ولا تكتسب هذه الصفة إلا إذا كانت صادرة ممن يملك إصدارها قانونا ,واخيرا فان عدم مراعاة الأنظمة التي تضعها السلطة الإدارية فى حفظ النظام والأمن يرتب المسئولية الجنائية إذا نتجت عنه نتائج ضاره ..

والخلاصة :
إن عدم إتباع ما تقضى به القوانين واللوائح والأوامر والأنظمة يتوفر به عنصرا لخطأ اللازم لتكوين الركن المعنوي فى الجرائم غيرالعمدية سواء ارتكب من طبيب أو غيره.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت