التعويض عن إنهاء عقد الشغل بشكل تعسفي

حدد المشرع العماني في المادة (106) من قانون العمل ، الجزاء المترتب على الإنهاء أو الفصل التعسفي أو المخالف للقانون ، وذلك بنصه على أنه ” … وإذا تبين للمحكمة أن فصل العامل من عمله أو إنهاء خدمته كان تعسفيا أو مخالفا للقانون ، فإنه يجوز لها الحكم إما بإعادة العامل إلى عمله ، أو بإلزام صاحب العمل بأن يدفع له تعويضا عادلا ، وذلك بالإضافة إلى :-
1 – مكافأة نهاية الخدمة المستحقة قانونا وجميع المزايا الأخرى التي يقررها القانون أو عقد العمل أيهما أكبر.
2 – الأجر الأساسي مع العلاوات الأخرى – إن وجدت – عن مدة الإخطار التي ينص عليها القانون أو عقد العمل أيهما أكبر … ”
ومفاد هذا النص ، أن المشرع ترك الأمر لتقدير المحكمة في الحكم بإعادة العامل إلى عمله ، أو القضاء له بالتعويض العادل بمراعاة العناصر المتقدمة .

وفيما يتعلق بإعادة العامل المفصول أو المنهي خدمته تعسفيا إلى عمله ، فإنها أفضل طريقة لجبر الضرر الذي لحق بالعامل ، فضلا عن اتفاقه مع المبادئ العامة في اعتباره تنفيذا عينيا لالتزام صاحب العمل .
أما الحكم بالتعويض العادل للعامل ، فإنه يمثل مذهب معظم تشريعات العمل ، وما يجري عليه القضاء ويسانده الفقه . ويستند هذا الاتجاه إلى أن التنفيذ العيني بإجبار صاحب العمل بإعادة المفصول إلى عمله ، أو إجبار العامل على الاستمرار في خدمة صاحب العمل ، أمر غير سائغ لما في ذلك من اعتداء على الحرية الشخصية أو حرية العمل من ناحية ، ومن إرغام ينتفي معه حسن التعاون الواجب بين صاحب العمل والعامل مما يخل بمصلحة العمل من ناحية ثانية ، ومن إخلال بهيبة صاحب العمل وسلطته على عماله مما يتهدد حسن سير المنشأة أخيرا .
والتعويض عن الإنهاء التعسفي يستوجب أولا بيان ماهيته وتمييزه عن التعويضات الأخرى ، وتحديد طبيعة المسؤولية المترتبة عليه تقدير المحكمة له والعناصر التي يعتد بها في تقديره ، وهذا ما سنتناوله من خلال الورقات المبسطة التالية ، نستهلها بمشيئة الله بالورقة الأولى .

أولا – ماهية التعويض عن الإنهاء التعسفي وتمييزه عن التعويضات الأخرى

ينصرف مفهوم التعويض في حالة الفصل أو الإنهاء التعسفي أو المخالف للقانون إلى التعويض النقدي ، وهو يشمل وفقا للقواعد العامة ما لحق العامل من خسارة وما فاته من كسب ، ولا يقصر فقط على الضرر المادي ، بل يتسع للضرر الأدبي أيضا ، ويتعين في جميع الأحوال ، كما يقول المشرع ، أن يكون عادلا .
فقد يستحق العامل تعويضا عن التعسف فقط إذا كان صاحب العمل قد أخطره في المهلة المحددة . وقد يستحق العامل تعويضا عن عدم مراعاة مهلة الإخطار فقط متى ثبت أن الإنهاء تم بمبرر مشروع – وقد يجمع العامل بين التعويض عن التعسف في الإنهاء والتعويض عن مهلة الإخطار ، إذ لا مانع من الجمع بينهما إذا توافر أساس كل منهما . فليس للتعويض طبيعة الأجر ولا مقابل عمل ، وإنما تعويض عن ضرر لحق العامل .

ومن جهة أخرى ، فإن حق العامل في التعويض عن التعسف في استعمال حق الإنهاء يختلف عن حق العامل في المكافأة في أساس كل منهما وطبيعته . فمكافأة نهاية الخدمة ، التزام مصدره المباشر القانون ، وسببه ما أداه العامل من خدمات لصاحب العمل نتيجة للعقد ، أما التعويض فهو مقابل الضرر ومناطه سوء استعمال الحق وترتب الضرر يدور معها وجودا وعدما . كما أن المكافأة تعتبر بمثابة تأمين للعامل وتجد سببها في تحقيق الخطر بانتهاء العقد في الحالات التي يحددها القانون ويترتب على ذلك أنه لا يستحق أي منها إلا بتحقق سببه بغض النظر عن توافر أو تخلف الأسباب الأخرى .
ونظرا لاختلاف الأساس القانوني وطبيعة كل من التعويض عن التعسف في الإنهاء والتعويض عن مهلة الإخطار ومكافأة نهاية الخدمة ، فإنه لا يوجد ما يمنع من قضاء المحكمة برفض دعوى التعويض عن الإنهاء التعسفي لثبوت مشروعية الإنهاء بقيام مبرراته ، والقضاء بأحقية العامل في التعويض عن مهلة الإخطار لعدم مراعاتها ومكافأة نهاية الخدمة .
وقد كشف المشرع في قانون العمل العماني عن هذا الاستقلال بين التعويضات الثلاثة بنصه على التعويض عن عدم مراعاة مهلة الإخطار في المادة (37) ، وعن التعويض عن التعسف في المادة (106) ، مضافا إليه مهلة الإخطار ومكافأة نهاية الخدمة والمستحقات الأخرى . وعن مكافأة نهاية الخدمة – وهي تعويض إضافي – في المادة (39) .
وفي ضوء ما تقدم فإن التعويض عن الإنهاء التعسفي يختلف مضمونا وسندا عن التعويض عن مهلة الإخطار وعن مكافأة نهاية الخدمة .

ثانيا – طبيعة المسؤولية المترتبة على إنهاء العقد تعسفا

إن الفقه قد نازعته الفرقة بصدد تطبيقه لنظرية التعسف في استعمال الحق في مجال قانون العمل ، حيث ذهب بعض الفقه في تطبيق النظرية بإطارها ومعاييرها في مجال قانون العمل ، في حين جاوز فريق آخر إطار هذه النظرية ومعاييرها ملتمسا تطبيقات للتعسف خارج نطاقها ، بينما أقام فريق ثالث تطبيق النظرية في مجال قانون العمل على فكرة الخطأ البسيط .
وفي بيان أساس المسئولية عن التعسف في إنهاء عقد العمل فقد ذهب جانب من الفقه والقضاء إلى أنها مسئولية عقدية ، استنادا إلى القاعدة العامة في العقود ، وهي وجوب تنفيذها بحسن نية ، وأن مسؤولية الإخلال بمراعاة حسن النية في تنفيذ العقد هي مسئولية عقدية ، وإنهاء العقد تعسفا يعتبر إخلالا بما يجب على المتعاقد من الالتزام بحسن نية في تنفيذ العقد .ويترتب على ذلك أن الإنهاء التعسفي للعقد يرتب المسئولية العقدية للطرف المنهي .

أما الفريق الآخر فيرى أن المسئولية الناشئة عن التعسف هي مسئولية تقصيرية حتى ولو كان تعسفا متصلا بالتعاقد ، والمسئولية الناشئة عن التعسف وهي مسئولية تقصيرية وفقا للقواعد العامة ، لان المسئولية العقدية لا تتحقق إلا إذا ظل العقد قائما ، أما بعد انقضاء العقد بإنهائه من قبل أحد العاقدين ، فلا يوجد عقد تبنى عليه المسئولية العقدية . فالتعويض عن إبطال العقد أو بطلانه يتأسس دائما على المسئولية التقصيرية . هذا فضلا عن أنه بالنسبة لعقد العمل غير محدد المدة ، فإنه يكون لكل من طرفيه الحق في إنهائه ويترتب على ذلك انقضاء العقد ، باستعمال حق الإنهاء ، وفوات مهلة الإخطار .

أما الخطأ التعسفي المقترن بهذا الإنهاء ، فإنه لا يمنع من انقضاء عقد العمل . كما أن إنهاء العقد لا يمثل إخلالا بالتزام عقدي ، بل على العكس من ذلك حيث يثبت للعاقد الحق في إنهائه . وعلى ذلك فالتعسف في إنهاء العقد يعتبر خطأ ، ولكنه لا يتعلق بالتزام عقدي ، وينشأ عنه بالتالي المسئولية التقصيرية .
ويتجه فريق ثالث إلى أن المسئولية الناشئة عن التعسف في استعمال حق الإنهاء بالنص على إلزام العاقد بها في نصوص عقد العمل ، وهي مسئولية عقدية ، لأنها وليدة إخلال العاقد بالتزام ناشئ عن العقد . ولا يجوز التقيد ، من ناحية أخرى ، في تحديد معيار التعسف بالصور الثلاث التي ينص عليها التشريع المدني المقارن ، مهما كان الرأي في سعة نطاقها ، لأن التعسف في الإنهاء لا يتقيد في تحديده بتلك الصور ، ويكون بالتالي ، أوسع نطاقا منها ، وتتخذ فكرة الخطأ البسيط معيارا له ، كما يرى الفقه الحديث ، دون الحاجة إلى كون ” المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة ” .

على أن تبني أحد الاتجاهات الثلاثة المذكورة لا يقف عند حد التأييد أو المعارضة في الرأي وإنما يتجاوزه إلى آثاره العملية ، فالتعويض في المسئولية التقصيرية يكون عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع ، بينما مسئولية العاقد تنحصر في الضرر المتوقع وقت التعاقد . هذا فضلا عن خضوع الدعاوي الناشئة عن عقد العمل للتقادم الحولي الذي يبدأ من تاريخ انتهاء العقد ، في حين أن المسئولية عن العمل غير المشروع تخضع لتقادم مختلف.

يضاف إلى ما تقدم أن التعسف وفقا للمعنى والإطار الذي حددناه له فيما سلف بيانه يتجاوز حالات الاستعمال غير المشروع للحق وأن معياره ينبغي البحث عنه داخل حدود الحق ذاته وهو عمل مشروع في الأصل ، وأن مناطه الحقيقي هو الانحراف عن غايته .
وحيث أن وجود التعسف أو انتفائه رهين بوجود مبرر الانتهاء أو تخلفه ، وأن وجود هذا المبرر أمر سابق على الإنهاء وداخل في إطار استعمال الحق المشروع في الإنهاء المقرر بالمادة (37) من قانون العمل ، ومن ثم فإن وقوع الإنحراف ، أي قيام التعسف يكون في إطار عقد عمل قائم .
وعلى ذلك فأن البحث في آثار هذا الإنهاء يكون في إطار عقد العمل ، ويكون بحث الجزاء المترتب عليه التعسف ، ومن ثم المسئولية عنه ، في نطاق هذا العقد أيضا .