تعلم كيفية تحليل نص قانوني‎

بقلم الاستاذ يوسف حنان
باحث بسلك الدكتوراه
محام متمرن بهيئة الدار البيضاء

مقدمة:

إن إجراء أي بحث أو دراسة ميدانية كانت أم نظرية وفي شتى حقول المعرفة عامة، وفي فروع الدراسات القانونية على وجه الخصوص تتطلب معرفة العديد من التقنيات والمهارات والإلمام بخطوات وقواعد منهجية، التي تعتبر المرحلة الأهم في إنجاز البحث العلمي، هذه القواعد والتي من بينها تحليل النص القانوني كآلية يلتجأ إليها الباحث من أجل الإحاطة ما أمكن بفحوى النص واستيعابه وبيان أًصله ومصدره وتحليل لغة كتابته ،وتقنية التحليل هذه ظهرت مند القديم خصوصاً عند فقهاء الشريعة الإسلامية،في تحليلهم للنصوص الدينية، لكن ليس بالمفهوم الحديث الذي يعرفه النص القانوني حاليا.
ولا جدال في أن تقنية تحليل النص القانوني لها أهمية سواء في اكتساب الباحث لتقنيات ومهارات دقيقة تساعده في بحثه وفي استيعابه للنص القانوني حتى يفهمه فهما سليما، ويضعه في الموضع الصحيح ضمن بحثه ،بل وحتى المهني هو بحاجة لهذه التقنية من أجل العمل على تطبيق النص بالشكل السليم.
لذلك هل يمكن القول بأن الإلمام بالخطوات المنهجية لتحليل النص القانوني كفيلة بأن يتم تحليله بالشكل السليم؟
ومن أجل دراسة هذا الموضوع والاجابة على التساؤل أعلاه فإنه ارتأينا إتباع منهج تحليلي وتطبيقي، تحليلي لأهم الخطوات المنهجية المتبعة في تحليل النص كما هي متعارف عليها بين جميع الباحثين في هذا المجال، وتطبيقي من أجل إخضاع نص من النصوص القانونية لهذه الخطوات المنهجية.
وبذلك سنتناول الموضوع وفقا لخطة البحث التالية:

المطلب الأول: الجانب النظري في منهجية تحليل النص القانوني.
المطلب الثاني: الجانب التطبيقي في منهجية تحليل النص القانوني (الفصل 149 من ق.م.م. نموذجا).

التصميم:
المطلب الأول: الجانب النظري في منهجية تحليل النص القانوني
الفقرة الأولى: مفهوم تحليل النص القانوني
الفقرة الثانية: مراحل تحليل النص القانوني
المطلب الثاني: الجانب التطبيقي في منهجية تحليل النص القانوني. (الفصل 149 من ق.م.م. نموذجا)
الفقرة الأولى: الإطار العام للفصل 149 من ق م م
الفقرة الثانية: تحليل الفصل 149 من ق م م

المطلب الأول:
الجانب النظري في منهجية تحليل النص القانوني

تستند آلية تحليل النص القانوني ، على أسس علمية تقنية، يجب التقيد بها،وهو ما يستدعي تحديد مفهوم هذه الآلية (الفقرة الأولى) قبل المرور إلى تحديد الخطوات المنهجية التي يجب إتباعها في ذلك (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم تحليل النص القانوني

يقصد بتقنية تحليل النص القانوني كآلية منهجية، تفكيك النص وتجزيئه إلى مجموعة العناصر التي يتألف منها، وتحديد أجزائه ومكوناته،رغم أن هناك من يطلق على هذه الآلية معالجة النص القانوني وهناك من يستعمل مصطلح التحليل، لكن رغم ذلك تبقى كلها مصطلحات تصب في نفس المنحى أي شرح وتقييم للنص محل التحليل[1] و بمعنى أكثر دقة يمكن القول بأنه عملية التحليل تقوم على دراسة مفصلة حتى يتمكن المتفحص لذلك النص من استيعابه وتحديد المعنى الذي قصده من كان وراء وضع ذلك النص.
هذا ولا ينبغي الخلط بينتحليل النصوالتعليق على النص وتفسير النص.
فعندما نتحدث عن التعليق على النص فإننا نكون بصدد عملية تفسير وتوضيح للموضوع محل ذلك التعليق ويكون ذلك بقدر من الحرية، وبأسلوب شخصي، والذي يخلص فيه المعلق إلى إعطاء فكرة عن الموضوع أو عن ذلك النص، وبالتالي فإن التعليق هو بمثابة فحص انتقادي لمضمون وشكل النص (غالبا ما نجد بعض الاجتهاذات القضائية التي تكون قد أسست لمبدأ معين أو تراجعت عنه هي التي تكون محل تعليق ) .
أما فيما يتعلق بتفسير النص فإنه يعنى به تحديد مضمونه ومعناه من عدة زوايا، ويمكن لأي نص أن يكون محل تفسير سواء كان نصا واضحا وسليما أو كان غامضاً ومعيبا ،وفي هذا الإطار ظهرت العديد من المدارس كمدرسة الشرح على المثون والمدرسة التاريخية أو الاجتماعية…الخ.
لذلك فالذي يظهر أن تحليل النص لا ينحصر فقط في القيام بعملية تحليل اللغة التي كتب بها النص أو أسلوب النص، وتحليل مضمونه بل الأكثر من ذلك ،يجب أن يعمل المحلل على إظهار أصل النص ومصدره[2] وبنيته وشكله، والقيام بمقابلته ومقارنته بنصوص أخرى عامة أو خاصة وطنية أو أجنبية، ويمكن أن يكون كذلك من بين النصوص القانونية الموضوعية أو الإجرائية الشكلية.
علما أن هناك[3] من يتجه إلى القول أن النص الذي يمكن أن يكون محل تحليل لا يكون فقط النص الصادر عن السلطة التشريعية بل يمكن أن يكون مقولة لأحد الفقهاء أو يكون عبارة عن وثيقة علمية أو محاضر لنقاش برلماني، ما دام الهدف حسب هذا الرأي ليس نوعية النص بحد ذاته بل الهدف هو المعرفة القانونية والقدرة على تحليل النص واكتساب المهارة في عرض المعارف في إطار ربطها دائما بالنص موضوع التحليل.
وما دمنا نتحدث عن اكتساب المهارة والمعرفة فهذا يعني أن ذلك الشخص الذي سيقوم بتحليل النص يجب أن يقوم بإضافة كمية معينة من المعلومات لمحتوى النص محل التحليل، ولا يجب الاكتفاء به وحده هذا مع إمكانية ترك النص جانبا، والتحدث أثناء التحليل عن الموضوع العام الذي يناقشه ذلك النص نظراً لارتباطه بالإطار العام الذي جاء فيه .
فعلى سبيل المثال لو كان النص موضوع التحليل هو نص تشريعي وجب تحديد طبيعته والظروف التي كانت وراء وضع ذلك النص والحقبة التي وضع فيها وتاريخ النص وهذا لن يتأتى إلى بالقراءة المتكررة للنص والعمل على احترام الخطوات المنهجية للتحليل.

الفقرة الثانية: الخطوات المنهجية لتحليل النص القانوني

من أجل العمل على تحليل النص القانوني يجب اتباع الخطوات المنهجية المتفق عليها من قبل الدارسين لهذا العلم، فهي أدوات تساعد الباحث في استجلاء ما يحتويه النص القانوني ويعالجه، فلابد من فهم النص، وتحديد مجالات موضوعه (أولا) لتسهيل وضع تصميم متين وتيسير عملية التحليل (ثانيا).

أولا: مرحلة فهم النص القانوني:

تقتضي هذه المرحلة، جمع العديد من المعلومات المتعلقة بالنص القانوني والتي تكون مدخلا له، حيث بدونها لن يستطيع الباحث أن يفهم مضمون النص وتحليله، ويتعلق الأمر ب:

الدراسة الوصفية: فبعد القراءة المتعددة والمتمعنة لنص يتعين على الباحث أن يحدد العناصر التالية:
طبيعة النص: هل هو نص مدني أم تجاري، أم جنائي أم موضوعي مسطري ،عام أو خاص وهل هو مجرد مشروع ،مرسوم ،اتفاقية دولية…
مصدر النص: ويقصد بها الجهة المصدرة للنص فقد يكون البرلمان أو الحكومة الوزير….
تاريخ صدور النص: وذلك لمعرفة ما إذا كان النص جديداً، معدلاً تغييرا لموقف معين ، حتى يشير إليه المحلل عند تحليله.
تحديد النص أو الكتاب الذي أخذ منه المصدر الأصلي للنص.
استخراج موضوعه المحدد.
الدراسة البنيوية: هنا يتم تقسيم النص والتسطير على الكلمات والمصطلحات أو العبارات المتضمنة فيه ،وتتمثل هذه الدراسة في معرفة:
البنية الطباعية أو الطبوغرافية للنص: ويقصد بها بيان عدد الفقرات أو المقاطع التي يتكون منها النص، وهذا يساعد المحلل ويسهل عليه عملية وضع خطة للتحليل.[4]
البنية الاصطلاحية: على الباحث أو المحلل أن يقوم بتحديد المصطلحات المعتمدة في النص، وتحديد نوعها، فقد تكون مصطلحات قانونية أو تقنية أو اقتصادية، حتى يعلم من خلالها اللغة المستعملة هل هي لغة سليمة، مترجمة…. ثم استخراج الكلمات المفاتيح، والتي من شأنها أن تسهل على المحلل تحديد مضمون النص بشكل دقيق.
البنية الخارجية للنص: فالمعلوم أن النص ليس عنصراً منعزلا، بل هو جزء من كل، ولا يمكن أن نحلله إلا على ضوء محيطه الخارجي، أي بربطه بما قبله أو بما يوازيه أو بما بعده من نصوص أخرى كما يجب البحث في العمل القضائي المنصب حول ذلك النص وبالتالي الاستعانة بتفسيراته الاجتهادية، بالإضافة إلى الآراء الفقهية التي تطرقت لهذا النص، سواء التي استحسنته، أو التي انتقدته.

ثانيا: مرحلة التحليل

يتوقف تحليل النص القانوني على ضرورة احترام التقسيم المتعارف عليه، والذي يبدأ بمقدمة ثم عرض فخاتمة.[5]،

المقدمة:
إذا كانت المقدمة هي الممهدة للعرض والمدخل له، فإنه لا يجب أن تطغى عليه وأن تكون مقتضية ومركزة.
ومن أهم العناصر التي يجب أن تتضمنها المقدمة في تحليل أي نص قانوني نذكر:

تقديم الإطار العام الذي يندرج فيه النص: فكل نص قانوني إلا ويتضمن قواعد قانونية، وتحديد هذه الأخيرة يقتضي بيان أحكامه بشكل تدريجي من العام إلى الخاص.
ذكر طبيعة النص ومصدره وتاريخه ومكانه.
تحديد هل النص آمر أم مكمل، مع التبرير.
الإشارة إلى نوع النص هل هو نص عام وهنا لابد من سرد الأحكام العامة التي ينص عليها، أم هو نص خاص، وهنا يتم استعراض أوجه الشبه والاختلاف بينه وبين القواعد العامة.[6]
تحديد موضوع النص.
ذكر النصوص المماثلة والمشابهة، التي لها نفس الهدف سواء من حيث المسطرة أو من حيث النتيجة المرجوة من النص.
إثارة الإشكالية أو الإشكاليات التي يتمحور حولها النص موضوع التحليل.
الإعلان عن التصميم: وعادة يؤخذ من بنية النص، وهذا هو المحبذ، ويمكن أن يكون في جزئين أو ثلاثة إذا كان النص مقسما إلى ثلاثة أجزاء مختلفة[7] وإذا كان أكثر من ذلك فإنه يجب على الباحث المحلل أن يبذل قصارى جهده ويجمع أجزاء النص حتى لا يخرج عن ما هو مطلوب.

العرض:
فيه يتم مناقشة كل الأفكار المتضمنة بالنص والمتعلقة به ويعتمد فيه على ما يلي:

الاستنتاج عن طريق القياس، أي قياس قاعدة مشابهة خصها المشرع بنص صريح آخر، أو عن طريق إعمال مفهوم المخالفة، أي استعمال المعنى العكسي لفحوى النص أو استعمال مفهوم الموافقة.
المقابلة والمقارنة مع كل واقعة منظمة قانوناً، سواء من حيث الشبه أو من حيث الاختلاف[8] أو ذكر قانون مفسر أو رأي فقهي أو اجتهاد قضائي، تماشيا مع كل الأفكار التي تلقاها الباحث أو المحلل و اجتهد في الحصول عليها.
ذكر تقييم للموضوع، يتم فيه الحديث حول مدى ملائمة القواعد التي ينص عليها النص موضوع التحليل مع الظروف الواقعية (اجتماعية، اقتصادية، سياسية…) المصاحبة للنص وانعكاساتها على المجتمع.

الخاتمـــة:
هي عبارة عن استنتاجات وخلاصة لما تم التوصل إليه من خلال موضوع التحليل ويمكن أن تكون:

قناعات شخصية
مقترحات مقدمة لتعديل أو مراجعة أو إلغاء، أو ترميم النص سواء من حيث الصياغة أو من حيث الأحكام، مع إمكانية طرح صيغة جديدة بديلة.

المطلب الثاني
الجانب التطبيقي في منهجية تحليل النص القانوني
(الفصل 149 من ق.م.م. نموذجا)

إن آلية تحليل النص وعلى الرغم من أهميتها تبقى بدون قيمة إذا لم تنصب على نصوص قانونية تكون بمثابة قالب مناسب لهذه التقنية، لهذا تم اختيار الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية ليكون نموذجا تطبيقياً (الفقرة الثانية)، لكن ذلك لا يمنع من أن نعطي فكرة عامة حول هذا الفصل من أجل تسهيل عملية التحليل (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: الإطار العام للفصل 149 من ق.م.م

إن الحديث عن الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية يستدعي الحديث عن قضاء الأمور المستعجلة[9] ، كفرع من القضاء العادي، حيث عرفه جانب من الفقه[10] بأنه: “فرع متميز ومستقل عن العمل القضائي العادي وعن التنفيذ القضائي وهو ذو مسطرة مختصرة واستثنائية وسريعة، ومصاريف قليلة، يسمح لمدع برفع دعوى استعجالية أمام قاض يعرف بقاضي الأمور المستعجلة، يختص بالبت بصورة مؤقتة ودون المساس بالموضوع في كل نزاع يكتسي صبغة الاستعجال”..
فمن خلال هذا التعريف والنصوص القانونية المنظمة لهذه المؤسسة القانونية يظهر أن القضاء الإستعجالي يستند على شروط لابد من توافرها، وهي شروط موضوعية وأخرى شكلية.
ففيما يخص الشروط الموضوعية لابد من توفر عنصر الاستعجال[11]، وعدم المساس بالجوهر[12].
وعموما يقوم الاستعجال على عدة مقومات :

أن يكون هناك خطر حقيقي يهدد حقا جديرا بالحماية
أن يكون الخطر مما لا يمكن تداركه أو مما يخشى تفاقم أمره إن لم تتم مواجهته على وجه السرعة
أن يكون الخطر عاجلا يقتضي تلافيه سلوك مسطرة استعجالية خاصة غير المسطرة القضائية العادية
وتنبغي الإشارة أن عنصر الاستعجال مرن يتغير بتغير الزمان والمكان والظروف، وهو الشرط أساسي لانعقاد الاختصاص للقضاء الاستعجالي.[13]،
أما فيا يخص الشروط الشكلية فمن خلال الفصلين 150 و151 من ق.م.م فإنه لكي يعهد للقضاء الإستعجالي للبت فيما يعرض عليه، لابد من احترام الشكليات والإجراءات المنصوص عليها بحيث يجب على الطالب أن يتقدم بالطلب الإستعجالي ،الى كتابة الضبط وعليه أن يبين اسمه العائلي أو الشخصي ومهنته وموطنه وصفته، وموطن المدعى عليه، كما يجب عليه الإشارة إلى الوقائع المادية ،أو والتصرفات القانونية التي أدت إلى نشوب النزاع.
بعد ذلك يقوم قاضي الأمور المستعجلة باستدعاء الأطراف طبقا للفصول 37، 38، 39، من ق.م.م، أما إذا كانت حالة الاستعجال القصوى فلا يقوم بذلك حسب ما نص عليه الفصل 151 من ق.م.م، وعليه أن يقوم بتعيين اليوم والساعة التي ينظر فيها الطلب الموجه إليه، ويمكن أن يقدم الطلب و يستدعى الأطراف في أيام العطل والآحاد(الفصل 150 ق.م.م).
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه حسب الفصل 149 من ق.م .م فالقاعدة، هي أن رئيس المحكمة الابتدائية هو المختص، وإذا عاقه مانع أسند الاختصاص لأقدم القضاة العاملين بنفس المحكمة،ومنح المشرع لرئيس المحكمة هذه المهمة راجع لما قد يمتاز به من تكوين قضائي وثقافة قانونية شاملة، وإذا كان النزاع معروضاً أمام محكمة الاستئناف فالاختصاص يعود لرئيسها الأول.
هذا وينبغي أن نشير إلى أن الأوامر الإستعجالية تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، ويمكن للقاضي مع ذلك أن يقيد هذا النفاذ بتقديم كفالة بحسب ما نص عليه الفصل 153 من ق.م.م، كما أنها قابلة للطعن بالاستئناف كيفما كانت قيمتها إذا كانت صادرة عن المحكمة الابتدائية هذا مع العلم أن الجهة التي تنظر في نزاع القضاء الإستعجالي هي محكمة الموضوع وليس رئيس المحكمة[14] وأجل الاستئناف هو 15 يوم من تاريخ التبليغ.

الفقرة الثانية: تحليل الفصل 149 من ق.م.م

من خلال هذه الفقرة سنحاول تطبيق ما رأينا سالفا من تقنيات منهجية التي يجب إتباعها في تحليل النص القانوني وذلك بتناول الفصل 149 ق.م.م، من خلال:

مقدمة.
عرض.
خاتمة.

مقدمة:

يندرج الفصل 149 في الباب الثاني من القسم الرابع المعنون بالمساطر الخاصة بالاستعجال ومسطرة الأمر بالأداء من قانون المسطرة المدنية الصادر في 28 شتنبر 1974 كما وقع تعديله وتغييره.[15]
وهو نص آمر لا يمكن للأطراف الاتفاق على مخالفته[16] نظراً لتعلقه بالنظام العام، الاجرائي المغربي.
كما تجب الإشارة إلى أنه يعتبر نص خاص بالمقارنة مع النصوص الأخرى والواردة في نفس القانون، ويختلف عنها في العديد من الجوانب نذكر منها أن الطلبات التي تقدم إلى رئيس المحكمة حسب هذا الفصل يمكن أن تقدم في غير أيام وساعات العمل بل وحتى في مقر سكنى رئيس المحكمة، هذا عكس القواعد العامة المنصوص عليها في الفصول من 31 إلى 54 من ق.م.م المتعلقة بتقديم المقال الافتتاحي للدعوى كذلك يمكن أن يبت الرئيس بالصفة المخولة له بمقتضى الفصل 149 حتى قبل تقييد الطلب، وقبل تأدية الرسوم، القضائية.
ويتمحور موضوع الفصل 149[17] حول القضاء الاستعجالي واختصاص رئيس المحكمة بصفته قاضي الأمور المستعجلة كلما توفرت شروط القضاء الاستعجالي، بالبت في كل صعوبة متعلقة بالتنفيذ أو سند قابل للتنفيذ، وسواء كان النزاع معروضاً على المحكمة أم لا.
هذا وإذا قمنا بمقارنة هذا الفصل بنص أخر قريب منه كما تقتضي ذلك الخطوات المنهجية التي مررنا بها أعلاه فإننا نجد الفصل 148[18] من نفس القانون رغم الاختلاف الشاسع بينهما، إلا أنه بتفحص الفصل 149 نجده يحيل على مقتضيات الفصل 148 الشيء الذي يثير العديد من الإشكالات بشأن هذه الإحالة، وبالتالي فهل يمكن القول بأن الفصل 148 يتعلق بالقضاء الإستعجالي بمعنى هل يمكن لرئيس المحكمة البت في الحالات المنصوص عليها في الفصل 148 بصفته قاضيا للأمور المستعجلة؟
العرض:
تناول المشرع المغربي مؤسسة القضاء الإستعجالي من خلال الفصل 149 وما يليه بحيث جاء فيه أن رئيس المحكمة الابتدائية يختص وحده بالبت في الأمور، المستعجلة كلما توفر عنصر الاستعجال ثم بعد ذلك انتقل للحديث عن شرط عدم المساس بالجوهر في الفصل 152 …
هذا وتنبغي الاشارة أن السرعة المتحدث عنها في القضاء الاستعجالي تختلف عن السرعة المطلوبة باقي القضايا (الفصل 46 من ق م م).

وإذا كانت الأوامر التي سيصدرها الرئيس ستمس بجوهر الحق أو الموضوع فعليه أن يصدر أمراً بعدم الاختصاص، وعنصر الإستعجال يرجع فيه الأمر إلى السلطة التقديرية للقاضي أما عنصر المساس بالجوهر فهو يخضع لرقابة محكمة النقض.
لكن رغم هذا فإن الفصل موضوع التحليل يثير العديد من الإشكالات خصوصا فيما يخص إلا حالة على مقتضيات الفصل 148 ؟ وهل اختصاص كل من الرئيس وأقدم القضاة في الحالات المشار إليها في الفصل 148 تكون بالبت وفقا للفصل 148 أو في إطار الفصل 149 الخاص بالقضاء الإستعجالي؟
فبمقتضى هذه الإحالة قد يبدو أنه لا فرق بين الفصلين ما دام الفصل 149 يحيل على مقتضيات الفصل 148 لكن بالتعمق أكثر في مقتضيات الفصلين يظهر بوضوح الفرق بينهما:

الرئيس في إطار الفصل 148 يبث بصفته رئيس المحكمة، أما في إطار الفصل 149 الرئيس يبت بصفته قاضي للأمور المستعجلة.
في إطار الفصل 148 الاختصاص واسع للرئيس فقط بشرط عدم المساس بمصالح الأطراف وعدم وجود نص خاص أما في إطار الفصل 149 فالاختصاص مقيد بضرورة توافر عنصري الاستعجال وعدم المساس بالجوهر.
في إطار الفصل 148 يتم صدور الأمر بدون احترام الإجراءات العادية، أما في إطار الفصل 149 فلابد من العلنية والتواجهية.
في إطار الفصل 148 فقط يكتفي رئيس المحكمة بالتأشير في جميع الحالات أما في إطار الفصل 149 فلابد من احترام الشكليات المتعلقة بصدور الأحكام من تعليل ووقائع ومنطوق.
في إطار الفصل 148 التنفيذ يكون بدون تبليغ (عنصر المفاجأة والمباغتة) أما في إطار الفصل 149 ضرورة احترام الفصول 37-38-39 من ق.م.م.

الاستئناف في إطار الفصل 148 يكون فقط في حالة الرفض ويحتسب أجل الاستئناف من تاريخ الرفض أي تاريخ صدور الأمر أما في إطار الفصل 149 في جميع الحالات ويحتسب الأجل من تاريخ التبليغ.
هذا فيما يخص علاقة الفصل 149 بالفصل 148 أما فيما يتعلق بمؤسسة القضاء الاستعجالي في بعض النصوص الخاصة نجد كل من المادة 19 من القانون 41.90[19] المتعلق بإحداث المحاكم الادارية والمادة 21 من قانون رقم 53.95[20] المتعلق بإحداث المحاكم التجارية.
بحيث أن المادة 19 من قانون احداث المحاكم الادارية خولت لرئيس المحكمة الادارية البت في بصفته قاضيا للأمور المستعجلة على النحو التالي ” يختص رئيس المحكمة الادارية أو من ينيبه عنه بصفته قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية”

وعلاقة هذا النص بالفصل 149 هي أن هذا الأخير هو نص عام والأخر خاص رغم الاختلاف الظاهر بينهما عل مستوى الصياغة وحتى على مستوى العمومية والاجمال التي جاءت بها المادة 19 من قانون احداث المحاكم الادارية ، ذلك أنه و إن كانت هذه الأخيرة تتعلق حصرا بالمنازعات النوعية التي تبت فيها المحاكم الادارية إلا أنه يظهر أنها لا تنحصر فقط بمعالجة الاختصاصات الموكولة لرئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة بل تشمل حتى الأوامر التي يبت فيها بصفته تلك ،ذلك أن المادة أعلاه نصت على أن رئيس المحكمة الادارية يختص بالبتبصفته قاضيا للمستعجلات من جهةوالأوامر القضائية من جهة أخرى، بمعنى أكثر دقة أن المادة 19 جمعت الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة الابتدائية في إطار الفصلين 148 و149 رغم أن قانون احداث المحاكم الادارية يحيل على قانون المسطرة المدنية هذا الأخير الذي يعتبر الشريعة العامة للقوانين الاجرائية في التشريع المغربي.

أما فيما يخص المادة 21 من قانون احداث المحاكم التجارية فقد أوكلت لرئيس المحكمة التجارية البت بصفته قاضيا للمستعجلات بحيث جاء في الفقرة الأولى أنه ” يمكن لرئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا لللأمور المستعجلة وفي حدود اختصاص المحكمة أن يأمر بكل التدابير التحفظية التي لا تمس أية منازعة جدية .
اذا كان النزاع معروضا على محكمة الاستئناف التجارية مارس هذه المهام رئيسها الأول .
يمكن لرئيس المحكمة التجارية ضمن نفس النطاق –رغم وجود منازعة جدية – أن يأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالة الى ما كانت عليه لدرء ضرر حال أو لوضع حد لاضطراب ثبت جليا أنه غير مشروع”
فالملاحظ من خلال هذا النص بالمقارنة الأولية مع الفصل 149 أنه يتحدث عن التدابير التحفظية التي لا تمس أية منازعة جدية عكس الفصل 149 الذي عدد بعض الأمثلة : كالصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند ابل للتنفيذ أو الأمر بالحراسة القضائية ثم أي اجراء أخر تحفظي.

زد على ذلك أن المادة 21 استعملت عبارة عدم وجود المنازعة الجدية والفصل 149 يستعمل عبارة عدم المساس بالجوهر كشرط من أجل انعقاد الاختصاص لرئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة.
إلا أن ما يميز المادة 21 أعلاه عن الفصل موضوع التحليل أنها سمحت لرئيس المحكمة استتناءا ورغم وجود منازعة جدية أن يبت بصفته قاضيا للأمور المستعجلة أن أن يأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لدرء ضرر حال أو لوضع حد لاضطراب ثبت جليا أنه غير مشروع وهو ما يشكل خروجا عن الشروط العامة للقضاء الاستعجالي إلا أنه موقف نراه يلائم القضاء التجاري باعتباره يشكل عنصر فعال في معادلة وتوازن المقاولات المغربية كركائز للاقتصاد الوطني.[21]

هذا ولا يفوتني أن أشير الى أن المشرع المغربي قد أزاح غطاء النسيان عن قانون المسطرة المدنية وهو حاليا بصدد مناقشة مشروع قانون من أجل نسخ أحكام ظهير 1974 لذلك ينبغي أن نرى كيف تناول هذا المشروع مؤسسة القضاء الاستعجالي ؟
بالعودة الى نص المشروع يظهر أنه تناول القضاء الاستعجالي في المادة [22]183 ومن خلال القراءة الأولية لهذا النص يتضح أنه جاء مختلفا عن النص الحالي أي الفصل 149 بمايلي :

أنه ثم حذف الإحالة على مقتضيات الفصل 148 والتي كنا نراها تخلق العديد من الإشكالات.
أن المشروع قد حدا حذو قانون إحداث المحاكم التجارية بأن فتح المجال لرئيس المحكم الابتدائية ورغم وجود منازعة جدية أن يبث بصفته قاضيا للأمور المستعجلة من خلال الأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لدرء ضرر حال أو لوضع حد لاضطراب ثبت جليا أنه غير مشروع.
ثم حذف عبارة “الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ”
الإحالة على قضاء الموضوع في الحالة التي تستوجب ذلك من قبل الرئيس داخل أجل يحدده تحت طائلة اعتبار الأمر كأن لم يكن.
الاستئناف يبت فيه الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو من ينوب عنه بصفته قاضيا للأمور المستعجلة.[23]

خاتمة التحليل:

ومن خلال كل ما سبق يظهر أن الفصل 148 لا علاقة له بالقضاء الإستعجالي ، إلا فيما يخص الإحالة التي كانت تخلق اشكالا وأن المشروع الحالي أحسن صنعا بحدفها لأن ذلك سيضع حداً للتحايل الناشئ عن الخلط الواقع بسبب الاحالة رغم هذا فيخطئ من يظن أني بتحليلي هذا أصفق للمشروع الحالي ككل.

خاتمة:

وختاما فصفوة القول أن الباحث كلما استند على هذه الخطوات المنهجية في تحليله للنص القانوني، كلما تمكن من استيعابه وإظهار محتوياته وما يثيره من إشكالات وبالتالي الوصول إلى اجتهاد قد يظهر عيوب النص التشريعي التي تؤدي في كثير من الحالات الى ضياع حقوق المتقاضين.

لائحة المراجع:

المراجع العامة:
الكتب:

عبد الكريم الطالب، “الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية” المطبعة والوراقة الوطنية – مراكش – الطبعة الخامسة 2009.
عبد اللطيف هداية الله، القضاء الإستعجالي في القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 1998.

المراجع الخاصة:
الكتب:

محمد العروصي، “المختصر في المنهجية القانونية” شركة الخطاب للطباعة مكناس، الطبعة الأولى 2009.
ذ حسن الرميلي، “مؤسسة الرئيسي” المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى 1999.
المجــــلات:

مجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 35-36، 1986.
المواقع الإلكترونية:

الشريف الغيوبي- ادريس جردان: “منهجية تحليل النصوص القانونية والتعليق على القرارات والأحكام القضائية- الطبعة الأولى 2006. منشورات المجلة الإلكترونية للدراسات والأبحاث القانونية.www.droitplus.net

[1] – محمد العروصي، “المختصر في المنهجية القانونية” شركة الخطاب للطباعة مكناس، الطبعة الأولى 2009 ص63.
[2] – محمد العروصي، م س، ص64.
[3] – الشريف الغيوبي، ادريس جردان، “منهجية تحليل النصوص القانونية التعليق على القرارات والأحكام القضائية منشور بالمجلة الإلكترونية للدراسات والأبحاث القانونيةwww.droitpkus.net الطبعة الأولى 2006 ص13-14.
[4] – محمد العروصي، م. س، ص65.
[5] – هنا التقسيم يختلف عن المنهجية المتعارف عليها في مجال الدراسات القانونية أي التقسيم الثنائي حسب المدرسة الكلاسيكية.
[6] – ذ حسن الرميلي، مؤسسة الرئيسي المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى 199، ص100.
[7] – الشريف الغيوبي، ادريس جردان، م. س، ص18.
[8] – محمد العروصي، م. س، ص68.
[9] – هناك جانب من الفقه يذهب الى القول أن القضاء الاستعجالي اكتشاف حديث نسبيا، بحيث يرجعه الفقهاء الأوروبيون من جهة إلى اجتهادات باريز في أواخر القرن السابع عشر و الفقه الفرنسي من جهة ثانية يربطه بالأمر المؤرخ في 22 يناير 1965 غير أن الامام الماوردي ( 991- 1031) تطرق للفكرة قبل ستة قرون ونصف في كتابه أدب الماضي.
[10] – عبد اللطيف هداية الله، القضاء الإستعجالي في القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 1998، ص12.
[11] – يقصد بعنصر الاستعجال “الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه، والذي يلزم درؤه بسرعة لا تكون عادة في التقاضي العادي ولو قصرت مواعيده”. عبد الكريم الطالب، الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الخامسة، أبريل 2009، ص102.
[12] – يقصد بعدم المساس بالجوهر: “ألا ينظر قاضي الأمور المستعجلة في موضوع الدعوى ولا في أصل الحق، على أن هذا لا يمنع من أن يتفحص موضوع الدعوى بشكل عرضي وبالقدر الذي يكفي لتكوين قناعته عبد الكريم الطالب، م. س، ص107.
[13] -القضاء الاستعجالي شبيه ببعض الأعمال التي تقوم بها بعض الجهات التي تقوم على السرعة كقوات التدخل السريع أو أقسام الاسعافات الأولية في المراكز الصحية .
[14] – هذا ما أكده قرار محكمة النقض، عدد 1749، بتاريخ 3 أكتوبر 1984) منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 35-36، 1986، ص80.
[15] – ظهير شريف بمتابة قانون رقم 1.74.447 الصادر بتاريخ 11 رمضان 1394 هجرية موافق ل 28 شتنبر 1974 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر بتاريخ 13 رمضان الموافق ل 30شتنبر 1974 الصفحة 2741.
[16] – …………………………………………………………………………..
[17]- ينص الفصل 149 على أنه “يختص رئيس المحكمة الابتدائية وحده بالبث بصفته قاضيا للمستعجلات كلما توفر عنصر الإستعجال في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو الأمر بالحراسة القضائية، أو أي إجراء أخر تحفظي، سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة أم لا، بالإضافة إلى الحالات المشار إليها في الفصل السابق والتي يمكن لرئيس المحكمة الابتدائية أن يبت فيها بصفته قاضيا للمستعجلات.
– إذا عاق الرئيس مانع قانوني، أسندت مهام قاضي المستعجلات إلى أقدم القضاة.
– إذا كان النزاع معروضا على محكمة الاسيناف مارس هذه المهام رئيسها الأول.
– تعين أيام وساعات جلسات القضاء المستعجل من طرف الرئيس.
[18] -ينص الفصل 148 على أنه ” يختص رؤساء المحاكم الابتدائية وحدهم بالبت في كل مقال يستهدف الحصول على أمر بإثبات حال أو توجيه إنذار أو أي إجراء مستعجل في أية مادة لم يرد بشأنها نص خاص ولا يضر بحقوق الأطراف. ويصدرون الأمر في غيبة الأطراف دون حضور كاتب الضبط بشرط الرجوع إليهم في حالة وجود أي صعوبة.
يكون الأمر في حالة الرفض قابلا للاستئناف داخل خمسة عشر يوما من يوم النطق به عدا إذا تعلق الأمر بإثبات حال أو توجيه إنذار. ويرفع هذا الاستئناف أمام المحكمة الاستئناف.
إذا عاق الرئيس مانع ناب عنه أقدم القضاة.
يقوم عون كتابة الضبط المكلف بإنذار أو بإثبات حالة بتحرير محضر يثبت فبه اختصار أقوال وملاحظات المدعي عليه الاحتمالي أو ممثلة ويمكن تبليغ هذا المحضر بناء على طلب الطرف الملتمس للإجراء إلى كل من يعنيه الأمر، ولهذا الأخير أن يطلب في جميع الأحوال نسخة من المحضر.
إذ لم يكن القيام بالمعاينة المطلوبة مفيدا إلا بواسطة رجل فني أمكن للقاضي تعيين خبير للقيام بذلك.

[19] – القانون 41.90 المحثة بموجبه المحاكم الادارية كما وقع تعديله وتتميمه المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414 الموافق ل 3 نوفمبر 1993 الصفحة 2168.
[20] – القانون رقم 53.95 كما ثم تعديله وتتميمه المحدثة بموجبه المحاكم التجارية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.97.65 في شوال 1471 هجرية موافق ل 12 فبراير 1997 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 4482 بتاريخ 8 محرم 1418 الموافق ل 15 ماي 1997 الصفحة 1141.

[21] – علما أن المادة 20 من نفس القانون خولت لرئيس المحكمة التجارية الاختصاصات الممنوحة لرئيس المحكمة الابتدائية بموجب قانون المسطرة المدنية ثم الاختصاصات المسندة اليه في المادة التجارية وهو ماقد يوحي بأن صلاحيات رئيس المحكمة التجارية هي أوسع وأشمل من رئيس المحكمة الابتدائية على الرغم من كون أن المادة المدنية هي الأصل والمبدأ عكس المادة التجارية وأن علاقة هذه الأخيرة بالمادة المدنية هي علاقة ارتكاز إلا أنه بتصفحنا لواقع التشريع ليس فقط بالمغرب بل حتى على مستوى القانون المقارن يظهر وبشكل جلي أن قواعد القانون التجاري -أو قانون الأعمال على اعتبار أن المفهوم الأخير هو أوسع وأرحب من مفهوم القانون التجاري- تتوسع يوما بعد يوم على حساب قواعد القانون المدني التي طالها الجمود بل وأصبحت بعض قواعد القانون المدني تصطبغ بصبغة قواعد القانون التجاري : قانون الشركات .حرية الأسعار والمنافسة .حماية المستهلك .قانون البورصة ،القانون البنكي، الملكية الصناعية والقائمة تطول: بل هناك من يتجه الى القول أنه مستقبلا ستصبح قواعد القانون التجاري هي المبدأ وقواعد القانون المدني هي الاستتناء أو هي النص الخاص وهذا في رأينا يظهر وبشكل جلي نواقص وقصور الرأي القائل حاليا بحدف المحاكم التجارية لأن ذلك سيشكل تراجعا على مستوى تأهيل قضاء الأعمال وتراجعا عما كدسه هذا الصنف من القضاء على الساحة المغربية من تجربة واجتهاد ولنا في ذلك مثل وهو التجربة الفرنسية التي ظلت تتردد ردحا من الزمن بين حدف القضاء التجاري والابقاء عليه…
[22] – جاء في المادة 183 من المشروع “يختص رئيس محكمة الدرجة الأولى أو من ينوب عنه بصفته قاضيا للأمور المستعجة بالبت في الحراسة القضائية أو في أي اجراء وقتي أو تحفظي شريطة أن يتوفر عنصر الاستعجال وأن لا يمس بما يمكن أن يقضى به في الموضوع سواء كان النزاع قد أحيل الى المحكمة أم لا.
يمكن لرئيس المحكمة ضمن نفس النطاق –رغم وجود منازعة جدية _أن يأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالة الى ما كانت عليه لدرء ضرر حال أو لوضع حد لاضطراب ثبت جليا أنه غبر مشروع .
غير أنه اذا كان الأمر يستوجب رفع دعوى في الموضوع حدد قاضي الأمور المستعجلة أجلا لطالب الاجراء للقيام بذلك تحث طائلة اعتبار الأمر الصادر كأن لم يكن .
[23] – وفي هذا الصدد نشير على أن العمل القضائي المغربي في جانب كبير منه دأب على أن يفصل في استئناف الأوامر الصادرة في إطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية والقاضية برفض الطلب بتركيبة جماعية وفي إطار مسطرة تواجهية وحضورية وهو أمر نراه حسب وجهة نظرنا بأنه لايتلائم وروح مسطرة الأوامر المبنية على طلب والقائمة على عنصلا المباغتة والمفاجأة إذ لو كان طالب الاجراء يريد التقاضي في إطار التواجهية لرفع الطلب في إطار الفصل 149 وهو الشيئ الذي تفطن اليه المشروع الحالي بأن نص على أن الامر الصادر في اطار الاوامر المبنية على طلب في حالة الرفض يكون قابلا للاستءناف ويبت فيه الرئيس الأول أو من ينوب عنه في غيبة الأطراف داخل أجل 15 يوما ويكون القرار غير قابل لأي طعن.(المادة 181 من المشروع)