الحق في الخصوصية

المؤلف : كوثر عبد الهادي محمود الجاف
الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري لعلاقة الدولة بالفرد
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

مضمون الحق في الخصوصية
الخصوصية لغة يقصد بها حالة الخصوص. والخصوص نقيض العموم ، ويقال خصه الشيء يخصه خصاً وخصوصية ، والفتح أفصح وخاصة الشيء ما يختص به دون غيره أي ينمو به ، ويقال اختص فلان بالأمر وتخصص له اذا انفرد وخص غيره ببره ، ويقال فلان يخص بفلان أي خاص به وله به خصيصة ، والخاصة ما تخصه لنفسك(1). واذا كان نطاق الحق في الخصوصية يتمتع بالحماية القانونية بحيث ينبغي ان يظل بعيدا عن تطفل الاخرين محاطا بالسرية ، الا ان وضع تعريف جامع مانع لمدلول الحق في الخصوصية يبدو أمرا غير يسير(2). ذلك ان فكرة الحق في الخصوصية فكرة مرنة تختلف وتتطور من مجتمع إلى آخر بحسب الأخلاقيات السائدة في الجماعة ، بل وبحسب الظروف الخاصة بكل شخص من حيث كونه من الناس الذين يكتمون خصوصياتهم او من هؤلاء الذين يجعلونها كتابا مفتوحا وحسب رأي البعض تختلف حسب ما اذا كان الشخص عاديا ام مشهوراً (3).

وبالرجوع الى المحاولات الفقهية المبذولة في هذا المضمار ، نجد ان بعضها قام بوضع تعريف وصفي عام للحق في الخصوصية ، والبعض الاخر اعتمد على بيان العناصر الداخلة في نطاق هذا الحق(4).

ويتضح مما تقدم ان صعوبة التوصل الى معيار قانوني حاسم بهذا الشأن لا يمنع محاولة للمس بعض الاسس التي يمكن الاسترشاد بها في تحديد المقصود بالحق الخصوصية . ومن خلال استقراء اهم المحاولات الفقهية بهذا الصدد يتبين لنا وجود ، اتجاهين رئيسيين سنتناولهما تباعا :
أ. المعنى الواسع للحق في الخصوصية .
ب. المعنى الضيق للحق في الخصوصية .
1. المعنى الواسع للحق في الخصوصية:
هنالك محاولات عديدة على صعيد الفقه من اجل وضع تعريف لفكرة الحق في الخصوصية ، وربما من اشهر تعريفات هذا الحق ، التعريف الذي وضعه معهد القانون الامريكي ، وقد اصبح يتمتع بقيمة هامة في الولايات المتحدة الامريكية وهو يشير الى الخصوصية من زاوية المساس بها قائلا : (كل شخص ينتهك بصورة جدية وبدون وجه حق ، حق شخص اخر في ان تصل اموره واحواله الى علم الغير ، و تكون صورته عرضة لأنظار الجمهور يعتبر مسؤولا أمام المعتدى عليه) (5).

وقد ورد في التعليق على هذا التعريف ان التمييز بين ما يجب اعلانه للناس وبين ما يجب ان يظل خفياً عنهم مازال من الامور الدقيقة التي يصعب وجود معيار حاسم وواضح لها(6).

وفي اطار هذا المنهج العلمي ذهب مؤتمر رجال القانون المنعقد في استكهولم في مايو سنة 1976 الى ان الحق في الحياة الخاصة يعني حق الفرد في ان يعيش حياته بمنأى عن الأفعال الآتية :
1- التدخل في حياة أسرته أو منزله.
2- التدخل في كيانه البدني أو العقلي أو حريته الأخلاقية أو العقلية.
3- الاعتداء على شرفه أو سمعته.
4- وضعه تحت الأضواء الكاذبة.
5- إذاعة وقائع تتصل بحياته الخاصة.
6-استعمال اسمه أو صورته.
7- للتجسس والتلصص.
8-التدخل في المراسلات.
9- سوء استعمال الاتصالات الخاصة المكتوبة او الشفوية.
10- إفشاء المعلومات التي تصل إليه بحكم الثقة في المهنة.

ولعل أول ما يمكن ملاحظته ان هذا التعريف انه يصادر على المطلوب ، فهو يحدد أحوال الاعتداء على هذا الحق قبل تحديد مضمون هذا الحق ، كما انه لا يتضمن ماهية هذا الحق بصوره جامعة (7).

ولقد كان من شأن تفسير الحياة الخاصة على هذا النحو المتسع ان أصبح الحق في الحياة الخاصة لا يختلف عن مفهوم الحرية. ومن الذين ذهبوا إلى هذا المفهوم ، القاضي (Douglas) عضو المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية فالحق في الحياة الخاصة عنده هو حق الفرد في ان يختار سلوكه الشخصية وتصرفاته في الحياة عندما يشارك في شؤونه الخاصة في الحياة الاجتماعية مع الآخرين ، كما يرى بان حق المرء في ان يترك وشانه هو بداية كل الحريات(8) .

والواقع انه اذا كان الحق في الحياة الخاصة قد يبدو مختلطا بفكرة الحرية فذلك مرجعه ان هدف هذا الحق يكمن في توفير قدر من الحرية للفرد ، وهذا ما يبرر تأكيدات الفقيه الأمريكي (Wistin) الذي يقرر ان الحق في احترام الحياة الخاصة هو قلب الحرية في الدول الحديثة (9).

كما ان جانبا من الفقه المصري (10)، قد ذهب الى حد القول بان الحق الأصولي في الخصوصية هو جوهر الحرية بل يمكن ان يكون مرادفا في معناه للحرية باعتبار ان الحرية مكنة المطالبة بالامتناع عن التدخل ، ويفترض الحق في الخصوصية هذه المكنة أيضا ولهذا يتلاقى مفهوما الحرية والخصوصية إلى حد بعيد باعتبار انه يمنع على الآخرين بمقتضى الحق في الحياة الخاصة ملاحقة الفرد في حياته الخاصة ، فان هذا الحق يتفق ومفهوم الحرية.

إذن فالحق في الخصوصية يعبر عن حرية فردية او عامة مادام تحول مكنّه اقتضاء امتناع الدولة وغيرها أيضا عن التدخل في مجال خاص محتجز ومتروك لمحض سلطانه ، ولهذا نصت غالبية الدساتير في باب الحريات العامة على ان لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون(11) .

والجدير بالذكر ان التعاريف السابقة فسرت الحق في الخصوصية بتوسع شديد حتى باتت تميل الى ان يصبح بحيث لا يختلف عن مفهوم الحرية ، إلا انه وان كان الحق في الخصوصية يلتقي مع الحق في الحرية ويلتحم معها أحيانا ، غير ان هذا لا يعني أنهما شي واحد، بل ان المجال الذي يشمله الحق في الحرية اوسع من ذلك الذي يشمله الحق في الحياة الخاصة (12).
2. المفهوم الضيق للحق في الخصوصية :
يذهب جانب من الفقه الى تحديد المقصود بالحق في الحياة الخاصة في إطار أكثر ضيقا وأكثر تقييدا ، وان المحاولات الفقهية في هذا الصدد تتمثل في محورين رئيسين:
أ. الحق في الخلوة .
ب. الحق في السرية .
أ. الحق في الخلوة:
تعد الخلوة مسألة ضرورية لنمو فكر الانسان ولمراجعة النفس البشرية ولصقل الوجدان كما انها ايضا من وسائل البهجة واسعاد الروح (13).
وحق الخلوة من حقوق الانسان الطبيعية ، والاعتداء عليه يعد في جميع الاحوال تلصصا غير مشروع ، شانه شان استراق النظر من ثقب الباب ، ففي كليهما تلصص على الحياة الخاصة بالفرد . وانتهاك هذه الخصوصية عمل غير مشروع ، لانه حق مطلق لا يملك القانون ان يقيده، مثله مثل حق الدفاع . اما تسجيل المحادثات التليفونية فلايعد اعتداء على حق الخلوة بهذا المعنى ، لان من يتحدث حديثا تليفونياً يمكن ان يتصور وجود مسترق للسمع ، وعليه ان يحذر في حديثه ، بينما لا يكلف الشخص الذي يتحدث في خلوة في مكان خاص بان يفترض هذا الغرض ، اذ ان هذه الخلوة هي اقصى ما يمكن ان يتهيأ للفرد من اسباب الأمان لأسراره واحاديث ، لابد من كفالة هذا الحق كفالة مطلقة وينتهي هذا الرأي الى التفرقة بين التسجيل في مكان خاص ، والتسجيل في مكان عام ، فالاول باطل ولو كان الدخول الى مكان قانونا ، بينما الثاني مشروع لا إعتداء فيه على حق الخلوه (14).
كما ان بعض الفقهاء يستخدم تعبير الحق في الخلوة مرادفا للحق في الحياة الخاصة بل ان غالبية الفقهاء الذين ركزوا على اظهار مفهوم محدد للحياة الخاصة قد حصروا هذه الفكرة في اطار الخلوة ، ومن بينهم القاضي “Cooly” الذي يرى ان مفهوم الحياة الخاصة مرادف لمفهوم الخلوة فالحق في الحياة الخاصة عنده هو حق الفرد في ان يترك وحده لا يعكر عليه احد صفو خلوته (15).
وذهب جانب من الفقه الفرنسي الى تعريف حق الخصوصية تعريفا ذا صلة بفكرة الخلوة ، اذ يوضح البعض ان لكل انسان نطاقا من الحياة يجب ان يكون شخصيا له ومقصورا عليه بحيث لا يجوز للغير ان يدخل عليه بدون اذن ، والخلوة قد تكون بان يبتعد الفرد عن المجتمع ويعيش وحده فترة من الوقت او قد تكون بان يختلي الانسان ببعض الناس الذين يألفهم(16).

ب. الحق في السرية:
يتمثل في حق الفرد في إضفاء طابع السرية على المعلومات التي تتولد عن ممارسة حياته الخاصة(17). وترتبط فكرية السرية ارتباطا وثيقا بفكرة الحياة الخاصة ، بل ان الفقه والقضاء المقارن قد اعترفا بالحق في سريتها قبل الكلام عن الحق في احترامها(18). ولم يغب هذا الارتباط عن بعض الفقهاء المصريين ، فالحياة الخاصة تعد كما يقول الدكتور احمد فتحي سرور – ((قطعة غالية من كيان الانسان لا يمكن انتزاعها منه ، وإلا تحول إلى أداة صماء خالية من القدرة على الإبداع الإنساني . فالانسان بحكم طبيعته له أسراره الشخصية ، ومشاعره الذاتية، وصلاته الخاصة ، وخصائصه المتميزة ، ولا يمكنه ان يتمتع بهذه الملامح الا في اطار مغلق ، يحفظها ويهيئ لها سبيل البقاء . وتقتضي حرمة هذه الحياة ان يكون للانسان حق في اضفاء السرية على مظاهرها وآثارها . ومن هنا كان الحق في السرية وجها لازما للحق في الحياة الخاصة لا ينفصل عنه (19). مجردا من وجهيه فاذا كانت حرية الانسان في مباشرة الحق عنصرا هاما لقيامه ، فان السرية التي تترتب على هذه الحرية هي عنصر لازم لقيام هذه الحرية))(20). فسرية الحياة الخاصة تعني حق الفرد في اضفاء طابع السرية على الأخبار والمعلومات التي تتولد عن حريته في اختيار حياته الخاصة، فالانسان محتاج للحياة الخاصة، وقد قال احد الفلاسفة : “ان الحياة الخاصة ضرورية لتنفس الانسان(21).

كما لم يغب الارتباط عن بال بعض الفقهاء الفرنسيين ،و وفقاً لرأي الفقيه Carbonier ان الحق في الحياة الخاصة هو (القطاع السري الذي يمتلك فيه الفرد القدرة على الابتعاد عن الغير ، والحق في الحياة الهادئة وتلك الفكرة التي انطلق منها القضاة تحديدهم لفكرة الحياة الخاصة)(22).

ويجتهد القضاء المدني الفرنسي في حماية سرية الحياة الخاصة يدفعه الى ذلك التقدم العلمي والتكنولوجي الذي هيأ للمولعين بالتقاط اسرار الناس وافشائها ومنهم اليوم من يحترفون هذا العمل و بحوزتهم آلات مخفيه تتيح لها العلم بأسرار الناس وإفشاء هذه الأسرار(23).
______________
1- العلامة ابن منظور، ولسان العرب ، المجلد الخامس، الطبعة الاولى، دار صادر للطباعة، والنشر ، بيروت ، 2000 ، ص80 .
– والعلامة الشيخ عبد الله العلايلي ، الصحاح في اللغة والعلوم ، المجلد الاول ، الطبعة الاولى، دار الحضارة العربية ، بيروت ، 1974 م.
– د. رافع خضر صالح شبر ، الحق في الحياة الخاصة في مواجهة استخدامات الكومبيوتر، رسالة ماجستير، كلية القانون جامعة بغداد،1993 ، ص12 .
2- د. ممدوح خليل البحر ، حماية الحياة الخاصة في القانون الجنائي ، دراسة مقارنة ، دار الثقافة والنشر ، عمان ، 1996ص33 .
3- د. رافع خضر صالح شبر، واجبات الدولة المتولدة عن الحقوق المتصلة بشخص الإنسان، بحث غير منشور، 2006، ص13 .
4- احمد محمد حسان ، حماية الحياة الخاصة في العلاقة بين الدولة والافراد ، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق ، جامعة عين شمس، 2001 ، ص27 .
5- د. حسام الدين كامل الاهواني ،الحق في احترام الحياة الخاصة، الحق في الخصوصية ، دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ،1978 ، ص33 .
6- د.رافع خضر صالح شبر، المصدر السابق ، ص14 .
7- د. احمد فتحي سرور ، الحق في الحياة الخاصة ، جامعة القاهرة، مجلة القانون والاقتصاد ، السنة الرابعة والخمسون ،1984 ، ص24 وما بعدها.
8- The privacy opinions of justice Douglas، Published at Yale Law Qurnal، vol. 78-NO. 8-july- 1978. p 1579-1582.
د. ممدوح خليل البحر، المصدر السابق، ص187.
9- ينظر الحماية القانونية للحريات الشخصية ، دراسة مقارنة من الهيئة الدولية لرجال القانون في عشر دول ، ترجمة أ. د. احمد محمد راشد ، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية ، العدد 11 ، لسنة3 ، ابريل –يونيه 1973 ،ص11 .
– قادر محمد نوري ،الحماية الجنائية لحرمة الحق في الحياة الخاصة، رسالة ماجستير ،كلية القانون ، جامعة السليمانية،2004 ، ص27 .
10- د.نعيم عطية ، حق الافراد في حياتهم الخاصة ، مجلة ادارة قضايا الحكومة، العدد 4 لسنه 81 ، أكتوبر – ديسمبر 1977 ، ص80 .
11- د.نعيم عطية ، المصدر نفسه ، ص81 وما بعدها .
12- د. ممدوح خليل البحر ، المصدر السابق ، ص191 .
13- عبد المنعم الصاوي ، الخصوصية هي ضرورة الانسان وحمايتها ضرورة لنموه ، مقال افتتاحي ، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية ، ص3 .
– د. رافع خضر صالح شبر ، الحق في الحياة الخاصة في مواجهة استخدامات الكمبيوتر، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، 1993 ، ص17 .
14- د.سامي الحسني ، مراقبة المحادثات التيلفونية والاحاديث الشخصية وضمان حقوق الانسان ، حقوق الانسان ، المجلد الثالث ، دراسات تطبيقية عن العالم العربي ، اعداد د. محمود شريف بسيوني وآخرين ، دار العلم للملاين ،1989 ،ص344 .
15- ينظرCooly :”Torts” zeme ed 1888 . p.29
– د. ممدوح خليل البحر،المصدر السابق ،ص195 .
16- Roger Nerson ، La protection de la vie privee en droit positif Francais ، Revuc international de droit compasre ،N.4. octoober-december ،1971 P.739
-د. رافع خضر صالح شبر ،الحق في الحياة الخاصة، المصدر السابق، ص18 .
17- د. احمد فتحي سرور، الحق في الحياة الخاصة، جامعة القاهرة، مجلة القانون والاقتصاد، السنة الرابعة والخمسون، 1984، ص56 .
18- د.ممدوح خليل البحر ، المصدر السابق ،ص192 .
19- د.احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الاجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، ج1، 1979، ص255.
20- د.احمد فتحي سرور، الحق في الحياة الخاصة ، المصدر السابق ، ص57 .
21- Andre –Roux ، La protection de La vie privee dans les rapports entre L etat et Les particuliers 1983 . p.11.
– قادر محمد نوري ، الحماية الجنائية لحرمة الحق في الحياة الخاصة ، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة السليمانية ،2004 ، ص32 .
22- جان مورانج ، الحريات العامة ، ترجمة وجيه البعيني ، منشورات عويدات ، بيروت ، 1989 ،ص78 وما بعدها .
– د. رافع خضر صالح شبر ، الحق في الحياة الخاصة في مواجهة استخدامات الكمبيوتر، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، 1993 ، ص20.
23- ويحمي القضاء الفرنسي سرية الحياة الخاصة بوسيلتين: الوسيلة الاولى هي المسؤولية التقصيرية، ويجب لإمكان اعمال هذه الوسيلة ان يكون ثمة فعل يعد خطا ، وان يترتب على هذا الخطأ ضرر مادي او أدبي لمن حصل عدوان على سرية حياته الخاصة.
اما الوسيلة الثابتة، وهي أكثر فعالية من الوسيلة الأولى ، فهي ان القضاء الذي يجعل من مصلحة الشخص في الحفاظ على أسرار حياته الخاصة حقا Subjectiv Droitيترتب على المساس به ان ينشا للشخص المعتدى على سره حق في ان يرفع دعوى يطلب فيها الكف عن العدوان على اسرار حياته الخاصة دون ان يجب عليه ان يثبت ان ضرراً ماديا او معنويا قد اصابه ولا ان يثبت وقوع الخطأ وهاتان الوسيلتان لا نستبعد احداهما الاخرى فالعدوان على الحق في السر الذي يتيح للمعتدى على سره ان يرفع دعوى المسؤولية التقصيرية يطالب فيها بالتعويض عن الضرر الذي أصابه ، كما يجوز له ان يرفع دعوى تأسيسا على حق في سرية الحياة الخاصة يطالب فيها بالكف عن هذا العدوان:
Pierre kayser ، Le secret de la vie privee et La jurisprudence civile،.p.408.
– د.عبد الحي حجازي ، المدخل لدراسة العلوم القانونية ، الجزء الثاني ، الحق، مطبوعات جامعة الكويت ، 1971 ، ص206 .

تنظيم الحق في الخصوصية
أولاً. النظم الدستورية:
إتجهت التشريعات الدستورية نحو الإقرار بالحق في احترام الحياة الخاصة . ونجد هذا الإتجاه متحققاً في دستور العراق لعام 2005، حيث نص في المادة ( 15 ) منه على أن: لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية، بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين والآداب العامة.

وأقر الدستور المصري لعام 1971 ، وبشكل صريح ، الحق في الخصوصية ، إذ نص في المادة (45) منه على أن : “لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون”.

واحتوى الدستور الإيطالي لعام 1947 نصاً يضمن الحرية الشخصية . حيث قرر في المادة (13) منه، على أن: “للحرية الشخصية حرمة لا تنتهك”. ولعل الحق في الخصوصية يعد أبرز مظاهر الحرية الشخصية. وخصص الدستور السويسري لعام 1999 ، المادة (13 ) منه لحماية المجال الخاص، ونصت الفقرة الأولى من ذات المادة على أنه : “لكل شخص الحق في احترام حياته الشخصية والأسرية”.
ثانياً: الدستور الدولي المشترك .
تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 نصاً يقرر ضماناً الحق في الخصوصية. حيث نصت المادة (12) منه على أنه:” لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته، ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات.

وجاء العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 وتناول الحق في الحياة ونص في المادة (17) منه على أن:”لا يجوز التعرض للإنسان في حياته الخاصة أو أسرته… أو المساس غير القانوني بشرفه وسمعته”. وكذلك تناول في عدة مواد جميع عناصر الحرية الشخصية وأكد على حمايها وضمانها، حيث تضمن الحق في الكرامة والسلامة البدنية والذهنية في المادة(7) منه والحق في الأمن الفردي في المادة (9) منه والحق في حرية التنقل في المادة (12) منه(1).

ويزداد الأمر وضوحاً في الأتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية لعام 1950، حيث تضمنت النص في المادة (8) منها على أن:“لكل فرد الحق في احترام خصوصياته…،وفي عدم تدخل السلطات العامة، إلا وفقاً لأحكام القانون، ومقتضيات المجتمع الديمقراطي، ولمصلحة الأمن القومي أو الأمن العام، أو المصالح الاقتصادية للبلاد، او لمنع الفوضى والجريمة، أو لحماية الصحة أو الأخلاق، أو حماية حقوق وحريات الآخرين”.

ولضمان الطبيعة الدولية لحقوق الإنسان – ومنها الحق في الخصوصية – فقد نصت الأتفاقية الأوربية على حق كل شخص اعتدى على أحد حقوقه المنصوص عليها في هذه الإتفاقية الى الالتجاء الى الأجهزة المختصة المنصوص عليها فيها لتقرير الجزاء المترتب على هذا الإعتداء. وتتمثل هذه الأجهزة في اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان(2).

وضمنت الأتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 الحق في الحياة الخاصة إذ نصت في المادة(11/ف2) منها على أن:” لا يجوز أن يتعرض أحد لتدخل اعتباطي أو تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته….”. ونصت في ذات المادة الفقرة الثالثة على أن :” لكل إنسان الحق في ان يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الاعتداءات.
_________________
1- د. الشافعي محمد بشير، قانون حقوق الانسان ذاتيته ومصادره، حقوق الإنسان، المجلد الثاني، اعداد محمود شريف بسيوني، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، 2004.، ص34.
2- د. احمد فتحي سرور. الحماية الجنائية للحق في الحياة الخاصة، القاهرة ،دارالنهضة العربية، 1987،ص68،69