دور المحامي أثناء ممارسة الطعون

طرق الطعن هي الوسائل القضائية الاختيارية التي ينظمها القانون لمصلحة الأطراف للاعتراض على الحكم الصادر ضده، بقصد إلغائه أو تعديله، وتمثل هذه الوسائل ضمانات هامة ممنوحة للمتقاضين تسمح لهم استدراك ما قد يكون القاضي وقع فيه من خطأ في القانون أو في الواقع بغية إصلاحه ورفعه عن المتضرر.

والقواعد المنظمة للطعن في الأحكام وإن كانت جوازية فهي مقررة في القانون بنصوص آمرة لا يجوز الاتفاق على تعديلها وذلك وعيا لمجموعة من الاعتبارات التي قصد المشرع إلى تحقيقها بإعطاء الطرفين فرصة طرح النزاع من جديد على قضاء من درجة أعلى[1].

وتنقسم طرق الطعن إلى طرق الطعن عادية (المطلب الأول) وطرق الطعن غير عادية (المطلب الثاني).

المطلب الأول : ممارسة الطعون العادية

طرق الطعن العادية في القانون المغربي هي التعرض (الفقرة الأولى) والاستئناف (الفقرة الثانية) ووصف هذه الطعون بالعادية راجع إلى إمكانية بناء الطعن فيها على أي سبب سواء تعلق بالواقع أو القانون.

كما يرجع هذا الوصف أيضا إلى أن القاضي الذي ينظر في هذا الطعن تكون له كل السلطات العادية التي كانت للقاضي الذي أصدر الحكم المطعون فيه.

الفقرة الأولى : التعرض

التعرض وهو طريق من طرق الطعن العادية يباشره المحكوم عليه خلال العشرة أيام الموالية للتبليغ … وباستقرائنا للمادة (393 ) ق.م.ج يتضح بأن المشرع المغربي اشترط بعض الشروط لممارسة هذا النوع من الطعون: أن يكون الحكم قد صدر في غيبة المتهم، وأن يتوصل المحكوم عليه بهذا الحكم الذي صدر فيه غيبته، أو أن يتنازل عن حقه في التبليغ (الفقرة 2 المادة 393).

وخصائص هذا النوع من طرق الطعن العادية تم التنصيص فيه صراحة على أن التعرض يكون فقط بتصريح يقدمه المحكوم عليه أو دفاعه لدى كتابة الضبط، وذكر المحامي صراحة في هذا الشرط لم يأت بشكل اعتباطي وإنما جاء لكون المحامي شخص عليم بالقانون ومساواته مع المحكوم عليه في تقديم طلب التعرض يجعله خاضعا لنفس الشروط التي خضع لها هذا الأخير، وفي مقدمتها التبليغ بالحكم موضوع طلب الطعن، هذا التبليغ الذي لا يمكن أن يتم إلا إذا كان محل التخابر هو مكتب المحامي أو في حالة وجود توكيل خاص إذا كان الأمر يتعلق بشخص معنوي، والمادة (484) ق.م.ج هي الأخرى تبنت نفس المقتضيات إذا كان أحد أطراف الخصومة حدثا …

وهكذا أصبح الحق في التعرض مرتبطا لا بالعلم بالحكم فقط وإنما بتبليغه إلى المعني بالأمر حسب الكيفيات المنصوص عليها في الفصول 37 و 38 و 39 من ق.م.م التي تسمح بتسليم طي التبليغ إلى الشخص نفسه أو دفاعه في موطنه أو إلى أقربائه أو خدمه.

وهذا يعني أن التبليغ المعتبر لبدأ سريان أجل التعرض هو التبليغ الشخصي حسب الفقرة الرابعة من المادة (393) ق.م.ج أما التبليغ في الموطن إلى الأقارب أو الخدم أو إلى أي شخص، يسكن مع المتهم فهو لا يرتب هذا الأثر إذا تعلق الأمر بالدعوى العمومية.

ومن المؤكد أن التبليغ في المادة الجنائية يثير الكثير من الإشكالات التي تتعارض مع مقتضيات الفصول 37 – 38- 39 من قا.م..م والمتعلقة خاصة بضبط هوية المسلم إليهم لإثبات صفتهم في تسلم طي التبليغ وخاصة المتعلقة بتسليم الطي إلى القاصر، وإن كان المجلس الأعلى حسم في الأمر ولم يشترط الرشد[2] كما لا يشترط التمييز [3] لكون التبليغ واقعة مادية.

كما أن المحامي يقوم بدور لا يقل أهمية سابقيه وهو ما تضمنته المادة 401 ق.م.م ج في فقرتها 2 والتي سمحت في حالة وجود نزاع بشأن نوع الحكم ورفض كاتب الضبط للطلب “لطلب التعرض” بأن يتم التماس بواسطة مذكرة في ظرف 24 ساعة من رئيس المحكمة، وهنا يظهر من جديد الدور الذي يلعبه المحامي في هذه المسألة خاصة ما يتعلق بتحديد نوع الحكم، الشيء الذي يستعصي على الشخص العادي إدراكه والوصول إليه.

وبعد هذه اللمحة الموجزة سنتطرق للاستئناف والذي يعد بدوره طريق من طرق الطعن العادية إذ يؤدي إلى إعادة طرح القضية على المحكمة من جديد لمناقشتها من الناحية الموضوعية والقانونية

الفقرة الثانية : الاستئناف

يعد الاستئناف بمثابة تظلم من أخطاء القاضي المصدر للحكم المستأنف إلى قاضي أعلى درجة، ويقوم الطعن بالاستئناف على مبدأ التقاضي على درجتين الذي يعتبر من المبادئ الأساسية التي تأخذ بها مختلف النظم القانونية وبالتالي فإن الاسئتناف يتم البث فيه من طرف محكمة أعلى درجة من الأولى، كما أنه لا يمكن أن يكون (القاضي الجديد) من بين الهيئة التي اصدرت الحكم المطعون فيه وقد حددت المادة (400) ق.م.ج أجل الاستئناف في عشر أيام تبتدئ من تاريخ النطق بالحكم إذا كانت المناقشة حضورية، وصدر الحكم بحضور الطرف أو من يمثله، أو تم إشعار أحدهم بيوم النطق بالحكم، وفي غير الحالات السابقة، فإن الأجل يبتدئ من يوم تبليغ الشخص نفسه أو في موطنه، وهذه الحالات هي:

-إذا لم يكن الطرف حاضرا أو ممثلا بالجلسة التي صدر فيها الحكم بعد المناقشات الحضورية ولم يسبق إشعاره شخصيا هو أو من يمثله بيوم النطق بالحكم.

-إذا كان الحكم بمثابة حضوري حسب ما نصت عليها المادة 314 ق.م.ج. الفقرة 2-4-5-7.

-إذا صدر الحكم غيابيا حسب الفقرة 1 من المادة (314) ق.م.ج

+وقد ختمت المادة (400) ق.م.ج بالتنصيص على أجل إضافي مدته خمسة أيام ليقدم الأطراف استئنافهم، إذا استأنف أحدهم داخل الأجل باستثناء الوكيل العام للملك الذي لا يستفيد من الأجل الإضافي، وحددت المادة (402) ق.ج.ج الأجل الممنوحة له وهو ستين يوما يبتدئ من يوم النطق بالحكم، ويبلغ استئنافه للمتهم وعند الاقتضاء للمسؤول عن الحقوق المدنية.

ويبقى دور المحامي وازنا بخصوص الاستئناف إذ أنه الوحيد القادر على تحديد أسباب الاستئناف والتي يرتكز في محاولة لقلب الأمور وتغييرها لصالح موكله. وستناول طرق الطعن غير العادية في مطلب ثاني.

المطلب الثاني : ممارسة الطعون غير العادية

تمتاز طرق الطعن غير العادية بكونها لا تنشر الدعوى من جديد أمام المجلس الأعلى. ويتعلق الأمر بثلاثة أنواع وهي النقض (الفقرة الأولى) إعادة النظر (الفقرة الثانية) المراجعة (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى : النقض

تناول قانون المسطرة الجنائية الأحكام العامة للطعن بالنقض في المادتين (518 – 519) ق.م.ج والمقصود بالنقض مراقبة المجلس الأعلى لقضاة الموضوع في تطبيقه للقانون، فهو مراقبة لسلامة التكييف القانوني للوقائع. والتطبيق السليم لنصوص القانون وإجراءات المحاكمة دون إعادة البحث في الوقائع[4].

ولقد حدد المشرع المغربي أسباب النقض في المواد من 534 إلى 537 ق.م.ج. بحيث يجب أن يرتكز على إحدى الأسباب الآتية:

– خرق الإجراءات الجوهرية في المسطرة

-الشطط في استعمال السلطة

-عدم الاختصاص

-الخرق الجوهري للقانون

-انعدام الأساس القانوني أو انعدام التعليل

فالواضح أن الأمر يتعلق بأسباب قانونية محضة لا يمكن أن يدركها إلا الشخص المتضلع في القانون، الشيء الذي جعل المشرع المغربي يشترط ضرورة توقيع المقال من طرف محام مقبول للترافع أمام المجلس الأعلى.

وتجدر الإشارة إلى أن المادة (527) ق.م.ج نصت على أن أجل الطعن بالنقض هو عشرة أيام من يوم صدور المقرر المطعون فيه، على أن هذا الآجال لا يبتدئ إلا من يوم تبليغ المقرر إلى الشخص نفسه أو في موطنه وفق الحالات المحددة في البنود من 1 إلى 3 من نفس المادة.

الفقرة الثانية : إعادة النظر

لقد جاء قانون المسطرة الجنائية بمادتين تتعلقان بالطعن بإعادة النظر وهما المادتين 563و 564 ق.م.ج، وبمقتضاهما يمكن الطعن في القرارات الصادرة عن المجلس حفاظا على حقوق الأطراف وفي حالات محددة على سبيل الحصر.

فطبقا للمادة 563 ق.م.ج يحق للأطراف الطعن بإعادة النظر ضد القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى، استنادا إلى وثائق صرح أو اعترف بزوريتها، ويتم الطعن أيضا بإعادة النظر من أجل تصحيح القرارات التي طالها خطأ مادي واضح يمكن تصحيحه من خلال عناصر مأخوذة من القرارات نفسها وكذلك الشأن إذا تم إغفال البث في أحد الطلبات المعروضة بمقتضى وسائل استدل بها أو في حالة عدم تعليل القرارات.

أما المادة (564 ق م.ج) فقد نصت على المسطرة الواجبة بخصوص الطعن بإعادة النظر بسبب الزور في وثيقة قدمت إلى المجلس الأعلى، واستوجبت تحت طائلة البطلان أن يتم الطعن بواسطة مذكرة ممضاة من طرف مدعي أو من ينوب عنه بتوكيل خاص وتقدم للرئيس الأول للمجلس الأعلى.

الفقرة الثالثة : المراجعة

تعرض المشرع المغربي للمراجعة كطريقة من طرق الطعن غير العادية في المواد من 565 إلى 575 ق.م.ج ولا تقبل المراجعة إلا عند انعدام أي طريق آخر من طرق الطعن يمكن استعماله، وذلك في أربع حالات مذكورة على سبيل الحصر كالآتي:

-إذا صدرت عقوبة في دعوى القتل وأدلي بعد ذلك بمستندات أو حجج ثبت منها قيام قرائن أو علامات كافية تدل على وجود المجني عليه المزعوم قتله.

-إذا صدرت عقوبة على متهم، وصدر بعد ذلك مقرر يعاقب متهم آخر من أجل نفس الفعل ولم يكن التوفيق بين المقررين لما بينهما من تناقض يستخلص منه الدليل على براءة أحد المحكوم عليهما.

-إذا جرت بعد صدور الحكم بالإدانة متابعة شاهد سبق الاستماع إليه وحكم عليه من أجل شهادة الزور ضد المتهم.

-إذا طرأت واقعة بعد صدور الحكم بالإدانة أو تم الكشف عنها، أو إذا تم تقديم مستندات كانت مجهولة أثناء المناقشات ومن شأنها أن تثبت براءة المحكوم عليه.

ويلعب المحامي دور كبير في فتح باب المراجعة وتدارك الخطأ الذي قد يقع فيه الوقائع وبالتالي إعادة الأمور إلى نصابها وإنقاذ الموكل من ظلم ألحق به.

[1] – عبد الحميد أخريف : محاضرات في القانون القضائي الخاص، طبعة 2001-2002، ص 300-301.

[2] – قرار المجلس الأعلى (غير منشور) عدد 216 بتاريخ 31 03 – 79.

[3] – قرار المجلس الأعلى (غير منشور) عدد 79 بتاريخ 20 / 02 / 79.

[4] – شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الثاني، إجراءات المحاكمة وطرق الطعن. منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل العدد 7 – 4 – 3 أكتوبر 2005. ص 296.