الإجراءات الزجرية الخاصة لمعالجة التهرب الضريبي

إن الإجراءات الوقائية التي اعتمدها المشرع المغربي أثبتت عدم قدرتها على سد الباب أما المتملصين من الضرائب، وهكذا عمل المشرع على وضع حواجز أخرى تتمثل في اتخاذ إجراءات قانونية عبر عدة قوانين مالية كان أهمها القانون المالي لسنة 1996-1997 والذي صدر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 77-96-1 بتاريخ 29 يونيو 1996، حيث تبنى المشرع المغربي أول مرة مبدأ تحريم ممارسة التهرب الضريبي.
ومن جهة أخرى فالإصلاح الضريبي الذي اعتمده المغرب لا يمكن أن يكتمل إلا إذا كان مقترنا بإصلاح إداري أي إصلاح الإدارة التي سوف تطبقه وتسهر على تنفيذه بشكل سليم، وفي هذا الإطار قال الفقيه “أرادان غابريال” “إن النظام الجبائي الأحسن صياغة لا يستقيم إلا بالإدارة التي تطبقه”.

ومن أجل تفعيل قانون تجريم الغش والتهرب الضريبي، الذي كان على المشرع المغربي أن يطبقه منذ الاستقلال، لأن الخزينة العامة، قد خسرت أموال جد ضخمة قبل تجريم التهرب الضريبي، لكن في المقابل فقد خسرت عدة عوامل حالت دون إخراج هذا القانون إلى حيز الوجود وكانت عقبة أمام المشرع حتى لا يتم سن هذا القانون.

وبعد مرور الوقت اقتنع المشرع المغربي بضرورة تجريم الغش الضريبي، نتيجة الأزمات التي يخلفها هذا المشكل الكبير، ومن بينها العجز على مستوى تمويل الميزانية، حيث بلغ العجز في الميزانية العامة للدولة سنة 1995 حوالي 10،5 مليار درهم، وفي سنة 1996/ 1997 بلغ العجز 6،5 مليار درهم، إلى جانب ذلك فقد تضررت الميزانية من عدة عوامل أخرى كانخفاض مستوى الموارد المالية في القطاع العام والخاص، وانتشار ظاهرة التهرب وتهريب السلع والمواد المهربة المحظورة حيث سب ذلك عجزا كبيرا في تمويل الخزينة العامة.
وعلى صعيد آخر نجد بأن النظام الضريبي المغربي يعتمد على الضرائب غير المباشرة، الأمر الذي يمكن أن ينعكس على استقرار المداخيل الضريبية، بحكم أن الضرائب غير المباشرة تخضع لتقلبات الأسعار والأثمان وانعكاس التجارة الخارجية عليها، مما يجعل النظام الجبائي المغربي نظام تسوده الضرائب غير المباشرة أو ما عبر عنه الفقه أنه نظام ملي سكوني أكثر مما هو تحركي، وأن ماليته مالية صاحب صندوق، أكثر مما هي مالية اقتصادي.
وعلى أية حال فالمشرع المغربي حاول تدارك بعض نقاط الضعف في النظام الجبائي حيث عمل على سن القانون المتعلق بتجريم الغش الضريبي لزجر المتلاعبين والمتهربين من الضرائب، ولتوضيح ذلك ستعمل على تحديد مضمون قانون تجريم الغش الضريبي أولا ثم تحديد العناصر المكونة لجريمة التهرب الضريبي.

أولا: مضمون قانون تجريم الغش الضريبي لسنة 1996-1997
كما قلنا سابقا فالمغرب عمل على تطوير المنظومة الجبائية من خلال الإصلاح الجبائي لسنة 1984، ولكن هذه المنظومة حاولت تدارك بعض الثغرات التي كانت تعتري النصوص الجبائية ومن بينها إخراج قانون لزجر وردع المرتكبين للتهرب الضريبي.
وهكذا فقد حدد قانون تجريم الغش الضريبي مجموعة من الإجراءات تتمثل في:
-المادة 12: تتعلق بالغش المخل بالقانون رقم 26-24 المتعلق بالضريبة على الشركات.
– المادة 13: تتعلق بالغش في مجال القانون رقم 89-17 المتعلق بالضريبة العامة على الدخل.
-المادة 14: تتعلق بالغش في مجال القانون رقم 85-30 المنظم لضريبة على القيمة المضافة.
وما يلاحظ على مستوى هذا القانون أنه حصر نطاق التهرب الضريبي في الضرائب الثلاث التي تم ذكرها، دون تناوله لباقي الضرائب الأخرى مما يعني ذلك أن المشرع استثنى الضرائب الأخرى من نطاق الغش الضريبي، كما أن هذه الإحالات التي ينص عليها قانون 1996-1997 المتعلق بتجريم الغش الضريبي قد كانت في ظل القوانين المالية السابقة وهذا يعني أن المشرع من خلال هذا القانون، فإنه قصد جميع حالات الغش التي تنص عليها القوانين المالية السنوية، وبخصوص القانون المالي لسنة 2007، فقد عدل اسم تلك القوانين لتصبح المدونة العامة للضرائب، التي ترتب بدورها جزاءات مالية وجنائية على المتهربين من الضرائب حيث تتمثل في:
– المادة 187 من المدونة العامة للضرائب برسم قانون المالية لسنة 2007، تنص على انه: ” تطبق غرامة تساوي 100% من مبلغ الضريبة المتملص منها على كل شخص ثبت أنه ساهم في أعمال تهدف إلى التملص من دفع الضريبة، أو ساعد الخاضع للضريبة أو أشار عليه بخصوص تنفيذ الأعمال المذكورة، بصرف النظر عن العقوبة التأديبية إذا كان يمارس وظيفة عمومية”.
وفي هذه المادة نرى أن المشرع حصر العقوبات المتعلقة بالتهرب الضريبي في الغرامة فقط، دون الأخذ بعقوبات سالبة للحرية، كما أنه اقتصر على العقوبات التأديبية بالنسبة للشخص المتهرب الذي يمارس وظيفة عمومية، وعليه فإننا نرى بضرورة لعقوبة في هذه المادة وإقحام العقوبات السالبة للحرية عوض الاكتفاء بالغرامة فقط،وذلك حتى يتم زجر وردع المتهربين من الضرائب كيفما كانوا.

أما بخصوص المادة 182 من المدونة العامة للضرائب برسم القانون المالي لسنة 2007، فتنص على أنه:” بصرف النظر عن الجزاءات الضريبية المنصوص عليها في هذه المدونة يتعرض لغرامة من خمسة آلاف درهم إلى خمسين ألف درهم كل شخص ثبت في حقه الإفلات من إخضاعه للضريبة او التملص من دفعها أو الحصول على خصم منها أو استرجاع مبالغ بغير حق، استعمال إحدى الوسائل التالية:
– تسليم أو تقديم فاتورات صورية.
– تقديم تقييدات محاسبية أو صورية
– بيع فاتورات بصفة متكررة.
– إخفاء أو إتلاف وثائق المحاسبة المطلوبة قانونيا
– اختلاس مجموع أو بعض أصول الشركة أو الزيادة بصورة تدليسية في خصومها قصد افتعال إعسارها.
في حالة العود إلى المخالفة قبل مضي خمس سنوات على الحكم في الغرامة المذكورة الذي اكتسى قوة الشيء المقضي به، يعاقب مرتكب المخالفة، زيادة على الغرامة المقررة أعلاه، بالحبس من شهر واحد إلى 3 أشهر.
تطبق الأحكام أعلاه وفق الإجراءات والشروط المنصوص عليها في المادة 231 أدناه”.
إذن هكذا نجد أن مقدار الغرامة يتراوح بين 5 آلاف درهم و50 ألف درهم ، أما العقوبة الحبسية المحددة فهي الحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر، ويجب الانتباه على أن هذه العقوبة الحبسية لا تطبق إلا في حالة العود، أي بعد تكرار الفعل الإجرامي مرة ثانية حتى يتم قيام العقوبة الحبسية لكن شريطة أن يكون هذا الفعل الذي تم تكراره داخل خمس سنوات، يبتدئ من تاريخ ارتكاب الفعل الأول.
كما أن المادة نصت على المساهمة والمشاركة في جريمة التهرب الضريبي حيث أن العقاب يطال كل شخص ثبت عليه أن ساهم في ارتكاب الأفعال المشار إليها أعلاه أو ساعد أو ارشد الأطراف في ارتكابها.
وبخصوص الإثبات فقد أشرنا إليه في المادة 231، حيث تثبت المخالفات بمحضر يحرره مأموران بإدارة الضرائب من درجة مفتش على الأقل ينتدبان خصيصا لهذا الغرض ومحلفين وفق التشريع الجاري به العمل.
أما بالنسبة لمبدأ تشخيص الجريمة، تتمثل في تطبيق العقوبة السالبة للحرية على الشخص الطبيعي فقط مما يعني أن الشخص المعنوي لا تطبق في حقه عقوبات سالبة للحرية نظرا لطبيعته الخاصة.
وعلى أية حال فالمشرع عمل حسنا حينما نص على عقوبات سالبة للحرية لأول مرة في قانون تجريم الغش الضريبي لسنة 1996/1997 حيث تبين له أن الغرامات المالية لا تكفي لردع المتهربين من الضريبة، وبالتالي فإن تطبيق العقوبات الحبسية سيجعل الملزمين بالضريبة الذين لهم نية التهرب الضريبي نسبية نظرا لوجود حاجز قانوني أمامهم.
ثانيا: العناصر المكونة لجريمة التهرب الضريبي
لقد وضع المشرع المغربي مجموعة من النصوص القانونية التي تجرم التهرب الضريبي، والتي أتى بها القانون المالي لسنة 1996/1997، وهذه المواد تتمثل في المادة 12 من قانون رقم 26-24 المتعلق بالضريبة على الشركات، ثم المادة 13 من قانون 89-17 المتعلق بالضريبة على الدخل، ثم المادة 14 من قانون 85-30 المنظم للضريبة على القيمة المضافة، أما المدونة العامة للضرائب لسنة 2007 فقد حددت جريمة التهرب الضريبي في المادة 192 المتعلقة بالجزاءات الجنائية ثم المادة 187 من نفس المدونة المتعلقة بالجزاء المترتب على التملص من أداء الضريبة أو المساعدة على ذلك.
وهذه النصوص تمثل مبدأ الشرعية في التجريم الذي يعتبر من المبادئ الأساسية للقانون الجنائي والذي أخذت به جل التشريعات الحديثة، ويعني هذا المبدأ أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص سابق، أي أن المشرع هو الذي يستطيع أن يتولى تحديد الجرائم وتقرير العقوبات لها. وفي هذا الصدد ينص الفصل الثالث من القانون الجنائي المغربي على أنه “لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا بعقوبات لم يقررها القانون”.

أما بخصوص العناصر الأخرى لجريمة التهرب الضريبي فتتمثل في الركن المادي والركن المعنوي.

أولا: الركن المادي لجريمة التهرب الضريبي
يتمثل الركن المادي لجريمة التهرب الضريبي في الأفعال الآتية:
أولا: استعمال مناورات تدليسية عن طريق تقديم بيانات غير صحيحة تتعلق بالمداخيل أو بالعمليات الخاضعة للضريبة.
ثانيا: تقديم تقييدات محاسبية مزورة أو مزيفة أو صورية، كإخفاء بعض الدخول عن طريق البيع بدون فاتورات، أو تقديم فاتورات مزيفة .
ثالثا: تضخيم بعض المبالغ المتعلقة بالمصروفات العامة بواسطة دمج المصروفات الخاصة في أبواب المصروفات العامة.
رابعا: الإغفال العمدي في تسجيل المشتريات ضمن السجلات التجارية.
خامسا: الامتناع عن تقديم البيانات اللازمة للمراقبين الضريبيين أو الخضوع لمراقبتهم عند الضرورة.
سادسا: إخفاء وثائق تتعلق ببيوعات الشركة أو مشترياتها.
سابعا: إغفال تضمين إقرارات الممول بها ببيانات تتعلق بالوعاء الضريبي أو بتصفيته.
ثامنا: اختلاس مجموع أو بعض أصول الشركة أو الزيادة بصورة تدليسية في خصومها قصد افتعال إعسارها.
وهذه الأركان التي تم ذكرها تتعلق بالتهرب الضريبي البسيط والتهرب الضريبي المركب اللذان يشكلان جريمة التهرب الضريبي بشكل عام.

ثانيا: الركن المعنوي:
إن جريمة التهرب الضريبي تتطلب وجود ركن معنوي، يتمثل في نية التضليل لتحقيق هدف غير مشروع، هذا الهدف يتمثل في اتجاه نية المتهرب إلى التخلص الكلي أو الجزئي من الضريبة المفروضة عليه قانونا، وهكذا نجد المشرع في إطار المدونة العامة للضرائب قد استوجب حالة العود في ممارسة الترب الضريبي حتى يتم تطبيق العقوبة السالبة للحرية والتي تتمثل إضافة إلى الغرامة من خمسة آلاف درهم إلى خمسين آلاف درهم، عقوبة الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر.

ففي هذه الحالة يتم تطبيق العقوبة ولو ارتكبها المتهرب عن حسن نية، نظرا لكون المشرع جاء صريحا في إطار المادة 192 من المدونة العامة للضرائب حينما اشترط حالة العود كطرف موجب لإنزال العقوبات الحبسية، أما إذا لم تكن هناك حالة العود وتم ممارسة التهرب الضريبي لأول مرة، هنا اكتفى المشرع بالغرامة فقط دون العقوبات الحبسية.

ولكن نجد في بعض الأحيان أن سوء النية تكون غير موجودة لدى الفاعل حينما يتم تكرار بعض الأفعال كالغلط في المحاسبة، أو البيع بدون فاتورات بصفة متكررة، بحيث نجد أن المكلف بالضريبة في بعض الأحيان يهمل هذه الإجراءات نتيجة عدة ع كالسرعة في إبرام الصفقات، فضلا عن وجود أعراف بين التجار تقوم على أساس الثقة في المعاملات الأمر الذي لا ينتبه إليه هؤلاء في بعض الأحيان، فرغم تعاملهم بدون فاتورات عن حسن نية إلا أن القانون اعتبر ذلك تهربا ضريبيا استنادا إلى المادة 192 بحيث جعل البيع بدون فاتورات بصفة متكررة من بين الأفعال التي تكون جريمة التهرب الضريبي، وأخيرا يجب التمييز بين التهرب الضريبي المشروع والتهرب الضريبي غير المشروع، فالأول يقوم على أساس استغلال ثغرات قانونية وبالتالي لا يهدف إلى خرق النصوص الجبائية الشيء الذي لا ينتج عنه عقوبات نظرا لمبدأ الشرعية التي تحدثنا عنها، أما الثاني فهو يقوم على أساس القيام بعمليات تدليسية ينتج عنها خرق القوانين الضريبية المعمول بها، وبالتالي فإن هذا النوع من التهرب الضريبي هو الذي يشكل في آخر المطاف جريمة الغش الضريبي المعاقب عليها جنائيا.