بواسطة باحث قانوني
حرية الاعتقاد في الد ستور المصري

جرائم التعدي على الأديان وبخاصة جريمة ازدراء الأديان ترتبط بممارسة الحق في الاعتقاد باعتباره حق من الحقوق التى نصت عليها الدساتير المصرية منذ دستور 1923 حتى دستور 2012 و سنستعرض في نظرة سريعة الحق فى حرية الاعتقاد في الدساتير المصرية وموقف المحكمة الدستورية العليا من هذا الحق وكذلك موقف قضاء مجلس الدولة مرورا بالمواثيق والمعاهدات الدولية
حرية الاعتقاد في الدساتير المصرية
صدر دستور 1923 بالأمر الملكي رقم 42 لسنة 1923
وظهرت أول نصوص دستورية تتعلق بالمساواة وعدم التمييز بين المصريين بسبب الاصل او اللغة او الدين والنص على حرية الاعتقاد وحرية إقامة الشعائر الدينية
فقد جاءت المادة 3 من دستور 23 لتنص على أن:
( المصريون لدي القانون سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل او اللغة او الدين. ………………).
اما ما يتعلق بحرية الاعتقاد فهى حرية مطلقة الى ابعد حدود وفق ما جاء به نص المادة 12:
(حرية الاعتقاد مطلقة:

اما عن دور الدولة فى حماية اقامة الشعائرفقد قيدته الدولة بما لا يخل بالنظام العام والاداب فجاء نص المادة 13 من دستور 23 والتى نصت على انه:
(تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية في الديار المصرية علي إلا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينفي الآداب.)
بينما يقر الدستور ان الاسلام دين الدولة
فذكرت المادة 149ان :
( الإسلام دين الدولة. واللغة العربية لغتها الرسمية.)
حرية الاعتقاد في دستور 1930[1]
ثم جاء دستور 1930وابقى على مبدأ المساواة بين المصريين لا فرق بينهم ولا تمييز بسبب الاصل او اللغة او الدين فذكر في المادة 3منه على أن:
(المصريون لدي القانون سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل او اللغة او الدين……….)
ونصت المادة 12على أن:
( حرية الاعتقاد مطلقة.)
بينما المادة 13نصت على انه:
( تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية في الديار المصرية علي إلا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينفي الآداب.)
فيما جاءت المادة 138لتنص على أن: :
( الإسلام دين الدولة. واللغة العربية لغتها الرسمية.[2])
حرية الاعتقاد بعد ثورة يوليو 1952افى الإعلان الدستوري 1953
نصت المادة 4 من الإعلان الدستوري الصادر في 1953 على أن:
( حرية العقيدة مطلقة وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية علي إلا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينفي الآداب.)
حرية الاعتقاد د في دستور 1956
ابقى دستور 56 على حرية الاعتقاد وقيد حرية اقامة الشعائر الدينية بالا تخل بالنظام العام والاداب
نصت المادة 3على أن : الإسلام دين الدولة. واللغة العربية لغتها
فيما نصت المادة 43على أن : حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية في مصر. علي إلا يخل ذلك بالنظام العام او ينفي الآداب.
خلو دستور 1958 من النص على حرية الاعتقاد
لم يأت في دستور 1958 اى ذكر لحرية الاعتقاد.
حرية الاعتقاد في دستور 1964
كرر دستور 1964 ما جاء بدستور 1923
فنصت المادة 5من الدستور على أن:
( الإسلام دين الدولة. واللغة العربية لغتها الرسمية.)
بينما نصت المادة 24على أن :
(المصريون لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الجنس او الأصل او اللغة او الدين او العقيدة.)
فيما جاءت المادة 34 لتنص على أن :
( حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية علي إلا يخل ذلك بالنظام العام او ينفي الآداب.)
دستور 1971
وهو ما سمى بالدستور الدائم واضاف النص على ان مبادىء الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وكفالة حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية من قبل الدولة
فجاءت المادة 2لتنص على أن :
( الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع .)
فيما نصت المادة 40على أن :
( المواطنون لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الأصل او اللغة او الدين او العقيدة.)
بينما جاء في المادة 46انه :
( تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية.)
وعندما قامت ثورة 25 يناير جاء الاعلان الدستورى الذى صدر فى 30 مارس 2011
والذى نص في المادة 1 منه على أن :
(جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة.والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة.)
بينما ابقى نص المادة 2 كما هي والتي نصت على أن :
(الإسلام دين الدولة ، واللغة العربية لغتها الرسمية ، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.)
فيما جاءت المادة 12على النص بأن :
( تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية .)
وقد ذكر في جميع الدساتير المصرية ـ على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام( ).[3]
دستور ٢٠١٢ و حرية الاعتقاد .
في ٢٥ ديسمبر ٢٠١٢ صدر دستور 2012 والذي نشر في الجريدة الرسمية العدد ٥١ مكرر”ب”
ونص في المادة الثانية منه على أن :
(الإسلام د ين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصر الرئيسي للتشريع)
بينما نص في المادة الثالثة علي أن:-
“مبادئ شرائع المصريين من المسحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية.”
ونصت المادة 43 من الدستور علي أن
” حرية الاعتقاد مصونة.وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للأديان السماوية.وذلك على النحو الذي ينظمه القانون ”
ومن الواضح هنا أن المشرع قد قصر حرية ممارسه الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للأديان الثلاث السماوية اليهودية والمسيحية والإسلامية فقط وهو ما يمثل تراجعا ليس عن الإعلان الدستوري الصادر في ٣٠ مارس ٢٠١١ او حني المادة ٤٦ من دستور ١٩٧١ ولكن حتي عن جميع الدساتير المصرية التى توالى صدورها من عام ١٩٢٣
واضافة الى ذلك فقد جاء الدستور الجديد بقيد دستوري جديدا في نص المادة 44
والتي نصت على أن
( تحظر الإساءة او التعريض بالرسل والأنبياء كافة ).
.بالإضافة إلى نص المادة 219 والتي نصت علي أن
” مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة”.
والملاحظ انه قد نصت كل الدساتير المصرية علي حرية الاعتقاد ، ولكن تراوح النص بين الحرية المطلقة للاعتقاد حتى الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 والذي قرر أن تكفل الدولة حرية العقيدة بينما جاء في دستور 2012 أن حرية الاعتقاد مصونة .
و فرقت الدساتير كلها بين حرية الاعتقاد وحرية القيام بشعائر الأديان على أن يطابق العادات المرعية وإلا يخل ذلك بالنظام العام او ينفي الآداب الأمر الذي يضيق من ممارسة الشعائر للأديان السماوية وغيرها المعترف بها وغير المعترف بها
موقف المحكمة الدستورية العليا من حرية الاعتقاد .
حرية العقيدة في أحكام المحكمة الدستورية لا تنفصل عن حرية ممارسة شعائرها باعتبارهما قسيمين لا ينفصلان، وأن ثانيتهما تمثل مظاهر أولاهما باعتبارها انتقالا بالعقيدة من مجرد الإيمان بها إلى التعبير عن محتواها عملاً ليكون تطبيقا حيا لها “، ولكن حرية ممارسة الشعائر الدينية –( فى رأى المحكمة الدستورية ) يجوز تقييدها من خلال تنظيمها توكيداً لبعض المصالح العليا التي ترتبط بها، وبوجه خاص ما يتصل منها بصون النظام العام والقيم الأدبية، وحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
فكانت المادة 46 من الدستور( دستور 1971 ) في نظر المحكمة الدستورية لا تحمي سوى أبناء الديانات الثلاث المسيحية واليهودية والإسلام والذين لهم وحدهم حرية إقامة شعائرهم الدينية، وإن حرية العقيدة مطلقة وحرية إقامة الشعائر الدينية مقيده بعدم الإخلال بالنظام وعدم منافاة الآداب، وأن الأديان التي يحمي الدستور حرية القيام بشعائرها هي الأديان السماوية الثلاثة
بينما كان رأيها في البهائية أن العقيدة البهائية هي على ما أجمع أئمة المسلمين عليه ليست من الأديان المعترف بها، ومن يدين بها من المسلمين يعتبر مرتداً، وعلى ذلك فالدستور لا يكفل حرية إقامة شعائرها ،
وتأكيدا على ذلك اتجهت أحكام المحكمة الدستورية العليا إلى أن : –

“الحماية التي يكفلها الدستور لحرية إقامة الشعائر الدينية مقصورة على الأديان السماوية الثلاث المعترف بها، كما تفصح عن ذلك الأعمال التحضيرية للمادتين 12 و13 من دستور 1923، وهما الأصل التشريعي الذي ترجع إليه النصوص الخاصة بحرية العقيدة وحرية إقامة الشعائر الدينية في الدساتير المصرية التي تلت هذا الدستور”.

وفى حكم لها قالت : “أما حرية إقامة الشعائر الدينية فهي مقيدة بقيد أفصحت عنه الدساتير السابقة وأغفله الدستور الحالي[4]( دستور 1971 ) وهو قيد عدم الإخلال بالنظام العام، وعدم منافاته للآداب، ولا ريب أن إغفاله لا يعني إسقاطه عمداً، وإباحة إقامة الشعائر الدينية حتى لو كانت مخلة بالنظام ومخالفة للآداب، ذلك أن المشرع رأى هذا القيد غني عن الإثبات والنص عليه صراحة باعتباره أمراً بديهياً وأصلاً دستورياً يتعين إعماله ولو أغفل النص عليه
وبالنسبة إلى الدستور المصري ، فإن النص على الديانة الرسمية للدولة في المادة (2)[5] منه يكمله نص المادة 46 التى نصت على حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية .

وقد أكدت المحكمة العليا أن المشرع قد التزم في جميع الدساتير المصرية مبدأ حرية العقيدة ، وحرية إقامة الشعائر الدينية باعتبارهما من الأصول الدستورية الثابتة المستقرة في كل بلد متحضر ، فلكل إنسان أن يؤمن بما يشاء من الأديان والعقائد التى يطمئن إليها ضميره ، وتسكن إليها نفسه ،
وأكدت المحكمة الدستورية العليا انعدام الأثر القانوني للنص على ديانة رسمية للدولة فيما قالته من أنه لا يجوز في مفهوم الحق لحرية العقيدة ، أن تيسر الدولة – سرا أو علانية – الانضمام إلى عقيدة ترعاها ، إرهاقا لآخرين من الدخول في سواها ، ولا أن يكون تدخلها بالجزاء عقابا لمن يلوذون بعقيدة لا تصطفيها ، وليس لها بوجه خاص إذكاء صراع بين الأديان تمييزا لبعضها على البعض [6]
وقالت أيضا: -انه وإذا كانت الشريعة الإسلامية لها طابع ديني لاشك فيه، باعتبارها جوهر الدين الإسلامي، إلا أنها تستقل عن الطابع العقائدي الديني الأصيل في أنها نظام تشريعي. ولهذا كان من المتصور أن تطبق الشريعة الإسلامية في مجتمع غير إسلامي، أو في المجتمع الإسلامي على غير المسلمين من أفراده، وعلى الأجانب الذين يوجدون على أرضه ، بالنظر إلى طابعها الحضاري وسندها المنطقي وقيمها الاجتماعية دون إخلال بمبدأ حرية العقيدة الدينية.
وتأكيدا للطابع التشريعي للشريعة الإسلامية عنيت المحكمة الدستورية العليا بتحديد المقصود بمبادئ الشريعة الإسلامية ، بأنها الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها ، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعا ، ومن غير المتصور أن يتغير مفهومها بتغير الزمان والمكان[7]. أما الاجتهاد فتنحصر دائرته في الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو يهما معاً [8]
إذن فالمشرع قد التزم في جميع الدساتير المصرية مبدأ حرية العقيدة ، وحرية إقامة الشعائر الدينية باعتبارهما من الأصول الدستورية الثابتة المستقرة في كل بلد متحضر ، فلكل إنسان أن يؤمن بما يشاء من الأديان والعقائد التى يطمئن إليها ضميره ، وتسكن إليها نفسه
أما حرية إقامة الشعائر الدينية فهي مقيدة بقيد عدم الإخلال بالنظام العام، وعدم منافاته للآداب، ولا ريب أن إغفاله لا يعني إسقاطه عمداً، وإباحة إقامة الشعائر الدينية حتى لو كانت مخلة بالنظام ومخالفة للآداب
نخلص من ذلك أن موقف المحكمة الدستورية أنها تؤكد في أحكامها على الحق في حرية العقيدة أما حرية إقامة الشعائر الدينية فهي مقيدة بقيد عدم الإخلال بالنظام العام، وعدم منافاته للآداب .

[1]صدر بموجب الأمر الملكي رقم 70 لسنة 1930 فى 22 أكتوبر 1930 ونشر بالوقائع المصرية العدد 98 غير اعتيادي بتاريخ 23 أكتوبر سنة 1930
[2]وتم إلغاء دستور 1930 بموجب الأمر الملكي الصادر برقم 67 فى 30 نوفمبر 1934 ثم أعيد العمل بدستور 1923 بموجب الأمر الملكي رقم 118 الصادر فى 12 ديسمبر سنة 1935 منشور بالوقائع المصرية فى 13 ديسمبر سنة 1935 العدد 112
[3]فيما عا ستور 1958
[4] ستور 1971
[5] ستور 1971
[6] (دستورية عليا فى 18/5/1996 ، القضية رقم 8 لسنة 17 قضائية “دستورية” ، ج 7 “دستورية” ص 656).
[7] (دستورية عليا فى 19/12/2004 القضية رقم 119 لسنة 21 قضائية “دستورية” ، ج 11/1 “دستورية” ص 1143)
[8] (دستورية عليا فى 3 مايو سنة 1995 القضية رقم 18 لسنة 14 قضائية “دستورية” ، ج 8 “دستورية” ص 611).