تعامل القضاء المغربي مع قضايا ذات صلة بفيرس كورونا

مما لاشك فيه أن وباء كرونا االمستجد على الساحة الوطنية والدولية أرخى بضلاله على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين ولدول أجمعين، حيث عطل مجموعة من الاستحقاقات العلمية والخدمات الإدارية والمعاملات الاقتصادية الدولية والداخلية ، كما اثر بشكل مباشر على حرية التنقل والتجوال وطنيا ودوليا بسبب إجراءات االحجر الصحي التي سلكتها مختلف دول العام التي انتشر بها الوباء من أجل تطويق المرض والحد من سرعة انتشاره بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن وباء كورونا بات وباء عالمي ، داعية بذلك مختلف الدول اتخاذ التدابير الاحترازية والوقائية للحد من تفاقمه.

ولا ريب فيه أن القضاء المغربي والمقارن في ظل هذه المستجدات سيكون حاليا و في المستقبل القريب أمام محك حقيقي مع قضايا ومنازعات قانونية ذات الصلة بفيروس كوونا ، سواء كانت ذات طبيعة مدنية ,اجتماعية واقتصادية و إدارية ، منصبة على القواعد الموضوعية أو المسطرية لحماية الحقوق الأشخاص من جهة ، ومن جهة أخرى حماية الصحة العامة التي تعتبر من مقومات النظام العام، الأمر الذي يبرز أهمية الدور الذي سوف يلعبه الاجتهاد القضائي في التوفيق بين حماية الصحة العامة للجماعة و حماية حقوق الأفراد .

وفي خضم ذالك برزت بعض المنازعات القانونية ذات الارتباط بفيروس كورونا محلها إما:

– طلب الإذن بالسفر بالمحضون نحو الخارج ؛

– مهلة إسترحامية في تأجيل تنفيذ الإفراغ ؛

– تأجيل انتخابات نقابة المحامين بمصر؛

– خرق وعدم الالتزام بالحجر الصحي بتونس؛

– دعوى إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية بسبب تفشي فيروس كورونا بالجزائر؛

فكيف كان تعامل القضاء المغربي والمقارن مع هذه المنازعات ؟

جوابا على التساؤل سيكون منطلقه قراءة وصفية، وذلك بالتركيز على قضايا طرحت مؤخرا على القضاء المغربي والقضاء الإداري الجزائري (الفقرة الأولى) وعينات أخرى طرحت على كل من القضاء الإداري المصري والقضاء الزجري بتونس(الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: تعامل القضاء المغربي و الجزائري مع قضايا ذات الصلة بفيروس كورونا

استجد في ظل أزمة وباء كورونا أمام القضاء الاستعجالي المغربي قضيتين حول السفر بالمحضون إلى الخارج وقضية طلب تأجيل حكم بالإفراغ (أولا)،كما عرضت على القضاء الإداري قضية الإغلاق الحدود (ثانيا).

أولا: القضاء الاستعجالي المغربي

أ-قضية السفر بالمحضون إلى الخارج

ففي أمر استعجالي صادر بتاريخ 11 مارس 2020 في ملف رقم 233/1101/2020 عدد 275 عن قاضي المستعجلات بالمحكمة الابتدائية بالرباط ، رفض هذا الأخير الإذن للسفر بالمحضون نحو الخارج حماية لمصلحته الفضلى التي تدور معه وجود وعدما حسب الظروف الحال و الزمان والمكان ، وتحت سند عدم إهدار مصلحة المحضون بسبب الخطر المحدق عليه في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد.

وحيث جاء في حيثيات الأمر الصادر عن قاضي المستعجلات << ولئن كان يحق للحاضنة عملا بمقتضيات المادة 179 من مدونة اللجوء إلى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات من أجل الإذن لها بالسفر العرضي بالمحضون خارج التراب الوطني عند امتناع نائبه الشرعي ، إلا أن مناط كل ذلك هو مراعاة المصلحة الفض للمحضون التي أوكل للقضاء مسؤولية حمايتها والحرص على ضمانها>>.

<< وحيث بإسباغ ما ذكر على الوضع الحالي للعالم الذي يشهد تفشي فيروس كورونا كوفيد 19 بالعديد من الدول ، وباعتبار الحق في الحياة وفي الصحة من الحقوق الأساسية للطفل ، وخشية ما قد ينجم عن الإذن بالسماح المحضون السفر في الظروف الحالية من المغرب قد يهدد صحة وحياته ، وينعكس سلبا على صحته وعلى حقه الأصيل في التمتع بكافة حقوقه بشكل عادي وسليم، وحفاظا على الحياة الهادئة والقارة للمحضون التي لم يتبين لنا من تصفح ظاهر الوثائق الملف قيام حالة الاستعجال القصوى التي تقتضي سفره للخارج على السرعة لعلاج مثلا أو غيره من حالات الضرورة التي ينجم عن عدم السفر به للخارج إلحاق الضرر الفادح بحياته و صحته أو دراسته >>

وقد أسس قراره القاضي برفض الطلب على مجموعة من المقتضيات القانونية الواردة في العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966، واتفاقية حقوق الطفل لسنة1980.

وبناء عليه نستشف أن قاضي المستعجلات اعتبر مصلحة المحضون هي الأولى بالحماية حيث يبقى تقديرها مرتبط ظروف الحال والزمان والمكان والسماح بالسفر المحضون إلى الخارج في ظل انتشار فيروس كورونا فيه إهدار لمصلحته.

ب- قضية تنفيذ حكم إفراغ منزل والمطالبة بمهلة استرحامية

قضى رئيس المحكمة الابتدائية بالخميسات بتاريخ 16 مارس 2020 في ملف عدد 318/1109/20 بمنح أجل شهر كمهلة استرحامية على أن تستأنف عملية التنفيذ مباشرة مع انتهاء الأجل، حيث استند في ذلك الوضعية الاستثنائية التي تمر بها المملكة المغربية والمتمثلة في انتشار وباء كورونا المستجد ، وما يمكن أن ينتج عنه من مساس الوضعية الصحية للمواطنين ، خاصة أمام قرار الدولة المتمثل في التزام المواطنين بمساكنهم وعدم الاختلاط ، فإن إفراغ المنفذ عليها من مسكنها هي وأبناءها الصغار في الوقت الراهن من شأنه الإضرار والمساس بالصحة العامة، مما يكون معه الطلب وجيها ومبررا ويتعين الاستجابة إليه وذلك بمنحها أجل مناسبا لكلا الطرفين عملا بمقتضيات الفضل 148 قانون المسطرة المدنية وتطبيقا للفصل 440 من نفس القانون

ثانيا:قراءة في دعوى إغلاق الحدود حماية للصحة العامة بالجزائر

تحت غطاء فكرة اللجوء إلى القضاء للدفاع عن الحقوق الاجتماعية ومن بينها الحق في الصحة، أقدم محاميان لجزائريان يوم الأحد 15 مارس 2020 على رفع دعوى أمام مجلس الدولة ضد وزارة الداخلية، لإلزامها بإصدار أمر بإغلاق الحدود وكافة دور الترفيه والتجمعات والملاعب، تحسبا لانتشار فيروس الكورونا.

وجاء في مضمون “الدعوى” أنه: “من الثابت أن منظمة الصحة العالمية قد أعلنت أن فيروس كورونا أضحى وباءً عالميا”، وأنه ثبت علميا أن هذا الفيروس ينتقل بسسب العدوى من شخص لأخر بسرعة مهولة وهو ما تترجمه الأرقام المعلن عنها في مختلف دول العالم “، وأن الجزائر بدورها وجود 27 حالة إصابة من بينها وفيتين حسب ما أعلنت عنه وزارة الصحة بتاريخ 13مارس 2020″، حيث أنه ولأجل التمكن من الحد انتشار الفيروس فانه يستلزم اتخاذ إجراءات مستعجلة من صميم اختصاص المطلوب ضدها، وإصدار أمر بإغلاق الحدود البرية والجوية والبحرية باستثناء شحن البضائع.

ولقد استند الطالبان في الدعوى إلى المواثيق الدولية التي صادقت عليها الجزائر وعلى رأسها مقتضيات المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تنص على” حق كل إنسان بالتمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه”، والمادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على “حق كل شخص في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، خاصة على مستوى العناية الطبية”.

كما استند أيضا على مقتضيات الدستور الجزائري الذي ينص في المادة 66 منه صراحة على أن “الرعاية الصحية حق للمواطنين”، كما تتكفل الدولة “بالوقاية من الأمراض الوبائية والمعدية وبمكافحتها”.

وعلاوة على ذلك فإن فيروس كورونا يعتبر من الأمراض الوبائية المعدية، فإنه يستلزم على الدولة التكفل بالوقاية منه أولا ثم مكافحته”، كما أن سرعة انتشار الوباء تجعل من أي تدابير يمكن أن يؤمر بها تدخل في خانة الاستعجال الأقصى الذي نصت عليه المادة 921 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي ذهبت إلى أن القاضي الإداري في حالة الاستعجال القصوى يمكنه أن يأمر بكل التدابير الضرورية..”.

وعليه خلصت عريضة الدعوى إلى أن “حماية المواطنين والصحة العمومية تستلزم غلق الحدود الجوية والبحرية والبحرية، وغلق الحدائق العمومية والمنتزهات وحظائر التسلية والسينما والمسارح والملاعب”.

الفقرة الثانية: القضاء الإداري المصري والقضاء الزجري التونسي

في خضم تزامن انتخابات نقابة المحامين بمصر مع أزمة وباء كورونا، طرح على القضاء المصري طلب تأجيل الانتخابات حماية لصحة العامة (أولا) كما بسط أمام القضاء التونسي قضية عدم الالتزام بالحجر الصحي من طرف الأشخاص المطبق عليهم (ثانيا).

أولا: القضاء الإداري المصري وقضية تأجيل انتخابات نقابة المحامين

قضت محكمة القضاء الإداري الدائرة الثانية بالقاهرة بجلسة يوم 14 مارس 2020 في دعوى رقم 33833 لسنة القضائية 74 بعدم قبول دعوى تأجيل انتخابات نقابة المحامين بسبب تفشي فيروس كورونا ،والتي كان مقرر إجراؤها بتاريخ الأحد 15 مارس 2020 ، حيث أسست المحكمة حكمها على عدة مبررات من قبيل أن تسيير المرفق العام يدخل في صميم اختصاصات الجهة الإدارية بوصفها القوامة عليه ، ومن ثم إذا ارتأت اللجنة المشرفة على انتخابات النقابة في ضوء ما توفر لديها من معلومات عن حالة الطقس أو الأوضاع الأمنية والصحية بالبلاد الاستمرار في إجراء العملية الانتخابية وفقا للمواعيد المعلن عنها ، فإن ذلك يدخل في نطاق سلطاتها التقديرية في ضوء الصلاحيات المخولة لها ولا رقابة عليها في ذلك من قبل المحكمة ، مادام قد خلا تصرفها من إساءة استعمال السلطة وهو من العيوب القصدية التي يتعين إقامة الدليل عليها ، وإذا خلت أوراق الدعوى مما يدل عليه ، ومن ثم فلا إلزام على اللجنة تأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها يوم الأحد الموافق 15 مارس 2020، ولا يشكل امتناعها عن تأجيل الانتخابات قرار سلبي يصلح لأن يكون محلا لدعوى الإلغاء الأمر الذي لا مناص معه منم القضاء بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري.

ثانيا: القضاء الزجري التونسي

في قضية خرق الحجر الصحي المطبق على بعض الأشخاص العائدين من الخارج إلى تونس أو المشتبه إصابتهم بفيروس كورونا، أقرت النيابة العمومية الابتدائية بولاية زغوان يومه الجمعة 13 مارس 2020 أمر يقضي بإلزام مواطن عائد من ايطاليا بعدم مغاردته محل سكناه في إطار الإجراءات التي قامت بها الإدارة العمومية للصحة بمدينة زغوان بتنسيق مع النيابة العامة التي تنص على أن الشخص الذي يشتبه في إصابته بفيروس كورونا يجب أن يمضي على التزام والبقاء في منزله و عدم خروجه طيلة فترة حضانة الفيروس التي تبلغ 14 يوما، كما يتم خلال تلك الفترة التنسيق مع السلطات المحلية وذلك لتوفير كل المستلزمات للشخص الذي يتم وضعه في الحجر الصحي من مواد غذائية وكل ما يحتاجه.

وحيث أن المعني الأمر رفض الخضوع للحجر الصحي أمرت النيابة العمومية بفتح تحقيق ضده في مخالفة القرارات الصادرة من له النظر، وأنه إذا كان مصابا وتسبب في العدوى لأشخاص أخرين سيتم تكييف التهمة وفق التطورات التي يمكن أن تحدث مشيرا إلى أن هذا الإجراء الأول في تونس ، وإلى أن البعض قد يرون أن منع الشخص من مغادرة منزله مخالف للدستور، ولكن مقتضيات النظام العام فرضت ذلك[1].

حيث يعاقب القانون التونسي على جريمة مخالفة الحجر الصحي في المادة 312 من المجلة الجزائية “اذ يعاقب بالسجن مدة 6 أشهر وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا كل من خالف التحجيرات والتدابير الوقائية والمراقبة المأمور بها حال وجود مرض وبائي“.

خاتمة:

صفوة القول إن القضاء المغربي والمقارن رجح كفة حماية الصحة العامة باعتبارها من مقومات حماية النظام العام الاجتماعي، حيث باختلالها يختل التوازن في مختلف القطاعات ولو كان ذلك على حساب حقوق بعض الأشخاص ، وهذا لا يعني إهدارها بشكل مطلق، وإنما هو تأجيل تطبيق قاعدة دور القضاء في حماية حقوق الأفراد وإعمال قاعدة التوفيق بين حماية حقوق الجماعة والأفراد أسوة بشكل مؤقت إلى حين زوال العارض، وهو توجه قضائي سليم في نظرنا.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت