قراءة في مشروع قانون القضاء الشرعي الجعفري / القاضي اياد محسن ضمد

أرسلت وزارة العدل مشروعي قانون لمجلس الوزراء بعد ان تم تدقيقهما من قبل مجلس شورى الدولة هما :

1- قانون القضاء الجعفري

2- قانون الأحوال الشخصية الجعفري

سأتناول في هذا المقال ملاحظاتي على قانون القضاء الجعفري، وهو قانون ينظم المحاكم التي يراد لها تطبيق أحكام قانون الأحوال الشخصية الجعفري ولا يتضمن الأحكام الموضوعية لهذه الأحوال قدر ما يتناول تنظيم محاكمها وكيفية تشكيلها على امل ان اقدم ملاحظاتي على قانون الأحوال الشخصية الجعفري في مقال لاحق

قانون القضاء الجعفري

ورد في المادة (1) من مشروع قانون القضاء الجعفري انه يهدف الى تأسيس قضاء شرعي جعفري يفصل في الخصومة بين المتخاصمين وفقا للفقه الجعفري. وورد في المادة (2) ان المشروع يهدف الى تأسيس مجلس يسمى (مجلس للقضاء الشرعي الجعفري) يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري وفي بقية فقرات المادة (2) تناول مشروع القانون ارتباط مجلس القضاء الشرعي وتشكيلاته واختصاصه ومقره الرئيس وبينت بقية مواد القانون وسائل الإثبات والاجراءات التي يقوم بها القاضي الشرعي للفصل في المنازعات وطرق الطعن في الأحكام ومن خلال الاطلاع على مواد هذا المشروع يتضح مخالفته للعديد من النصوص الدستورية الواردة في دستور جمهورية العراق النافذ للعام 2005 حيث ان مواد هذا القانون تخالف نص المادة (14) من الدستور والتي تنص على ((العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي) ) ومفاد النص الدستوري هو وحدة النص القانوني المطبق على العراقيين ممن يحملون الهوية الوطنية في حين نجد المحاكم المشكلة بموجب هذا المشروع تنظر المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمنتمين للمذهب الجعفري دونا عن العراقيين الذين ينتمون لبقية المذاهب الا اذا اختاروا الاحتكام اليه وفي حال صدور هذا القانون وصدور قوانين اخرى تطبق على أبناء بقية المذاهب الإسلامية فان المساواة بين المواطنين التي نصت عليها المادة (14) اعلاه تفقد قيمتها وجدواها اذا ستختلف المواد القانونية التي تحكم الأحوال الشخصية للجعفرية عن تلك التي تحكم الأحوال الشخصية للحنفية وهكذا تتمايز الأحكام الصادرة في قضايا مواطنين يحملون الهوية العراقية وبالتالي ستختلف الأحكام الصادرة في مواضيع زواجاتهم وطلاقاتهم ومواريثهم ما يعرض مبدأ المساواة أمام القانون لخطر كبير .

كذلك تخالف أحكام هذا القانون المادة (87) من الدستور والتي تنص على ان

((السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفقا للقانون )).ومعلوم ان المقصود بالمحاكم هي التي تناولها قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 وبين تشكيلاتها وارتباطها وكيفية تشكيلها وليست أية محاكم اخرى .

كذلك تتعارض مواد مشروع القانون هذا مع المادة (89) والتي تنص على ان :

((تتكون السلطة القضائية الاتحادية من مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الإشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الاخرى التي تنظم وفقا للقانون)) ولم تشر هذه المادة الدستورية الى ان من ضمن تشكيلات السلطة القضائية محاكم شرعية او مجلس قضاء شرعي سواء أكان جعفرياً او حنفياً او حنبلياً .

ويخالف مشروع القانون المادة (90) والتي نصت على ان:

((يتولى مجلس القضاء الأعلى إدارة شؤون الهيئات القضائية، و ينظم القانون طريقة تكوينه واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه )) وحيث ان مشروع القانون أشار الى ان إدارة شؤون المحاكم التابعة للقضاء الشرعي الجعفري تخضع لرئاسة مجلس القضاء الشرعي الجعفري وهو مجلس لم ينص الدستور على تشكيله ولا يجد له سندا من الدستور الذي لم ينص على تعدد المجالس العليا للقضاء او لاختلاف مرجعيات المحاكم.

المادة (95) من الدستور نصت على انه ((يحظر إنشاء محاكم خاصة أو استثنائية))، وباعتقادي ان الحظر يسري مفهمومه على المحاكم الشرعية كونها خاصة بتطبيق الأحوال الشخصية لمذهب معين هو المذهب الجعفري ومن يروم اللجوء الى أحكامه ولا تنظر منازعات جميع العراقيين ، وان المحاكم الوحيدة التي أجاز الدستور تشكيلها بمعزل عن سلطة مجلس القضاء الاعلى هي المحاكم العسكرية (القضاء العسكري) في المادة (99) للنظر في الجرائم المرتكبة من منتسبي القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي وأوجب تنظيمها بقانون ولم يشر القانون الى تنظيم محاكم الأحوال الشخصية للمذاهب بقانون ولو ان نية المشرع كانت قد انصرفت الى تشكيل محاكم شرعية لنص عليها صراحة كما نص على تشكيل محاكم القضاء العسكري والمحاكم الاتحادية.

ولا يجد مشروع قانون القضاء الجعفري سندا سوى المادة (41) التي تعطي للعراقيين الحرية في الالتزام بأحوالهم الشخصية، غير ان تطبيق هذا النص يجب ان يكون بالتلازم والارتباط مع النصوص الدستورية الاخرى التي تم استعراضها انفا وهي تفصح عن تأكيد المشرع على موضوعة المساواة بين العراقيين امام القانون ووحدة السلطة القضائية التي تنظم عمل المحاكم وتشكيلاتها وارتباطها بمجلس القضاء الاعلى ، ورغم ان التحدي الأكبر الذي يواجهه العراق حاليا هو تحدي الطائفية وكيفية لم الشمل الوطني واعادة بناء اللحمة الوطنية الا ان هذين المشروعين ياتيان في الوقت غير المناسب ليدقان ناقوس خطر على مستقبل وحدة هذا البلد ومد جسور التواصل بين أبنائه المنتمين لمختلف الطوائف وكان بالإمكان تقديم مجموعة تعديلات على قانون الأحوال الشخصية النافذ لتتم دراسته في ضوء الحاجة والمصلحة وما يفرزه الواقع القضائي من تحديات عملية ، وحيث ان كل قانون ياتي لسد وإشباع حاجة اجتماعية ، لا نجد في الحالة الاجتماعية العراقية الراهنة أي ضرورة لتشريع مثل هذا القانون كونه يدفع لتفتيت اللحمة الوطنية وربما يدفع وكردة فعل لتشريع قوانين لمجالس قضاء وأحوال شخصية لأبناء المذاهب الاخرى ما يؤدي بالنتيجة الى فوضى تشريعية وإرباك في ادارة المحاكم وسير اجرائاتها واختلاف أحكامها ومن ثم التأثير سلبا على استقرار معاملات المواطنين والإضرار بمصالحهم .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت