الرقابة السياسية على المال العام

القاضي عامر حسن شنته
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

المال العام في ابسط تعريفاته هو “كل مال مملوك للدولة أو احد أشخاصها المعنوية العامة….”. وإذا كانت ملكية المال العام تعود للدولة، فان إدارته واستثماره على الوجه الأمثل تعود إلى عدد من الجهات والمسؤولين عنها. وقد ينحرف هؤلاء الأشخاص عند ممارستهم لوظائفهم بالشكل الذي يؤدي إلى تعطيل مصالح البلاد والعباد. لذلك يبرز دور الرقابة كضابط مهم لسلوك القائمين على إدارة المال العام. إذ أن الرقابة كما يرى البعض هي التي تجعل “الفكر عادلاً ومتوازناً، وكل سلطة من غير رقابة تؤدي إلى حماقة”. وتتعدد أنواع الرقابة بتعدد الأجهزة التي تمارسها، غير أن الرقابة التي تمارسها السلطة التشريعية تبقى من أهم أنواع الرقابة، من حيث قدرتها على محاسبة كبار المسؤولين عند مخالفتهم لواجباتهم، وسوء إدارتهم.

ولعل تلك القدرة تأتي من الوسائل الكثيرة والمهمة التي تملكها السلطة التشريعية للقيام بدورها الرقابي. إذ نصت المادة(61/ ثانياً) من الدستور، على اختصاص مجلس النواب العراقي في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية.

من خلال الوسائل المنصوص عليها في الفقرات (سابعاً وثامناً)من المادة المذكورة وهي (السؤال والاستيضاح والاستجواب وسحب الثقة) ودوره المنصوص عليه في المادة(62)من الدستور بالمصادقة على (الموازنة العامة والحسابات الختامية) وبموجب الآليات التي نص عليها النظام الداخلي لمجلس النواب, والمتضمنة إعطاءه حق الحصول على المستندات،والتحقيق وطلب حضور الأشخاص،والقيام بالزيارات للمؤسسات كافة.ومن خلال لجانه البرلمانية المختلفة. وبذلك نجد إن الإطار القانوني للدور الرقابي لمجلس النواب العراقي،إطار واسع جداً يمكنه من القيام بمراقبة حسن إدارة المال العام، والتأكد من أوجه إنفاقه من خلال قدرته على إجراء المناقلات ومناقشة الموازنة العامة للدولة،ومراقبة الإنفاق العام للدولة ومدى تطابقه مع السياسة المالية للدولة، من خلال مصادقته على الحسابات الختامية.وقدرته على الوصول بتلك الرقابة إلى أعلى مستوياتها وهو سحب الثقة.

بيد إن توفر الإطار القانوني لايكفي لقيام مجلس النواب بدوره في الرقابة ما لم تتوفر (ثقافة سياسية) ترتكز على أحزاب فاعلة،وإعلام حر نزيه،وقوى شعبية نشيطة.تدفع المؤسسة التشريعية باتجاه القيام بذلك. ولعل ماحدث في كوريا الجنوبية خير دليل على الدور التكاملي الذي يمكن أن تؤديه القوى المختلفة في مكافحة الفساد.

فبعد شبهة الفساد التي طالت رئيسة البلاد خرج الملايين من أبناء الشعب للمطالبة بالتحقيق في تلك الشبهات وتعزز ذلك بدور فاعل ونشيط للإعلام، الأمر الذي دفع مجلس النواب إلى التحقيق ومن ثم إقالة رئيسة البلاد وإحالة الملف إلى القضاء الذي اصدر حكمه العادل.

إن قيام أعضاء مجلس النواب بدورهم في المراقبة والمساءلة والتحقيق،ومن خلال اللجان المختلفة التي تغطي القطاعات الحكومية كافة، قد يؤدي إلى نتائج مبهرة من شأنها أن تجعل المتورطين في قضايا الفساد في حالة قلق دائم، شريطة أن يتم النأي بتلك الملفات عن التوظيف السياسي غير المشروع.وان تبتعد عن عقلية (دونكيشوت) ذلك أن مبارزة طواحين الهواء لا تغني عن محاربة الفساد على ارض الواقع شيئاً.