بواسطة باحث قانوني
تحليل فقهي للفرق بين البطلان و الإنعدام
حاول الفقه والقضاء أن يفرقا بين الإجراء المنعدم والإجراء الباطل وتعددت الآراء في هذه المسألة ونستطيع أن نقول بأن الإجراءين يجتمعان في أنه لا يترتب على أيهما أي أثر من الناحية النظامية بل أن البعض يعتبر الإنعدام صورة من الصور الجسيمة للبطلان .
وتختلفان في :
أولاً : أن الإجراء الباطل له وجود نظامي ولكنه لا أثر له لأنه معيب بعيب جوهري أهدر صحته أما الجزء المنعدم فلا وجود له نظاماً لأنه يفقد مقوماته كإجراء وبالتالي لا يمكن تصحيحه .
ومن أمثلة الإجراء الباطل حصول القبض والتفتيش من رجل الضبط الجنائي في حالة لا تعد من حالات التلبس ومن أمثلة الإجراء المنعدم صدور الحكم بعد زوال ولاية القضاء عن القاضي، أو جنونه، أو صدوره دون توقيع القاضي الذي أصدره، أولم يذكر فيه اسم المحكوم عليه، أو ينقصه المنطوق وجزء من أسبابه .
ثانياً : أن البطلان له سند من القانون أما الانعدام فليس له سند من القانون ويرى البعض أن هذا لا يعيب الانعدام لأنها فكره منطقية تفرضها طبيعة الأشياء لأن البطلان يقتضي وجود العمل الإجرائي لوصفه بالصحة أو البطلان أما في الانعدام فإن الإجراء غير موجود وبالتالي لا يوصف بالصحة أو البطلان إنما يوصف بالعدم. ويرى البعض أن فكره الانعدام لا يهدمها أنها بلا سند نظامي لأنها حاله بديهية تفرضها طبيعة الأشياء فضلاً عن أنها مفيدة أذ تحول دون حجية الأمر المقضي به وتحرر الحكم من قاعدة عدم جواز المساس به وبالتالي يمكن رفع دعوى مبتدأه [راجع تأصيل الاجراءات الجنائية للدكتور عبدالفتاح الصيفي 2002 ص 44 وما بعدها بند 24 وما بعده ومؤلفنا القانون الجنائي إجراءاته ص 750 رقم 732 ] ومن أمثلة الحكم المنعدم القرار الذي لا تتوافر له مقوماته باعتباره حكماً كما لو خلا من منطوقه أو خلا من مجموعة البيانات الآتية : الهيئة التي أصدرته وتاريخ الجلسه التي صدر فيها وأسماء المتهمين في الدعوى، أو كان غير ممهور بتوقيع الهيئة التي أصدرته، أو القاضي الذي أصدره إذ لا يكون له وجود نظاماً باعتباره حكما وبذلك يكون منعدما لا يترتب عليه أي أثر، أما إذا صدر من هيئة قضائية وتوافرت له شروطه الشكلية بصفة عامه ولكن شابه عيب جوهري أو بنى على إجراءات باطلة فإنما يكون باطلا ًكما لو كان صادرا في دعوى سبق انقضاؤها بحكم نهائي إذ تنص المادة 187 إجراءات على أنه ” متى صدر حكم في موضوع الدعوى الجزائية بالإدانة أو عدم الإدانة بالنسبة إلى متهم معين فإنه لا يجوز بعد ذلك أن ترفع دعوى جزائية أخرى ضد المتهم عن الأفعال والوقائع نفسها التي صدر بشأنها الحكم .
وإذا رفعت دعوى جزائية أخرى فيتمسك بالحكم السابق في أي حالة كانت عليها الدعوى الأخيرة ولو أمام محكمة التمييز . ويجب على المحكمة أن تراعى ذلك ولو لم يتمسك به الخصوم . ويثبت الحكم السابق بتقديم صورة رسميه منه أو شهادة من المحكمة بصدده ” .
وهذا تطبيق لقاعدة عدم جواز تعريض الشخص لخطر العقاب عن الواقعة الواحدة أكثر من مرة Non bis in idem وهى قاعدة متعلقة بالنظام العام .
وهذا له أصله في الشريعة الإسلامية فإذا حوكم إنسان عن جريمة وأدين فيها أو برئ منها فلا يجوز تعريضه للعقاب، عنها ثانيه لقوله صلى الله عليه وسلم ” من أذنب في الدنيا ذنباً فعوقب به فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده [ رواه الامام أحمد في مسنده الفتح الرباني لترتيب مسند الامام أحمد ج 16 ص 95 ] وهى قاعدة عامه في الدنيا والآخرة .
ويترتب على التفرقة بين الحكم الباطل والحكم المنعدم أن الحكم المنعدم لا يحوز حجية ما كما قدمنا أما الحكم الباطل فلأنه موجود ومعيب يمكن تصحيح بطلانه عن طريق الاعتراض عليه إذ تنص المادة 214 إجراءات على أن إذا صدر حكم في موضوع الدعوى الجزائية فلا يجوز إعادة نظرها إلا بالاعتراض على هذا الحكم وفقاً لما هو مقرر في هذا النظام وكذلك يصحح البطلان إذا اكتسب الحكم صفه القطعية وذلك بقناعة المحكوم عليه أو التصديق عليه من محكمة التمييز أومن مجلس القضاء الأعلى بحسب الاختصاص ( م213 إجراءات )

د. خميس بن سعد الغامدي