بحث عن نظرة عامة في حقوق الإنسان للباحث علي الكوراني

1- الموضوعية في بحث حقوق الإنسان
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً). (النساء: 135). أول ما يجب على الباحث في حقوق الإنسان ، أن يكون منصفاً صادقاً ، فلا يظلم الإنسان بتضخيم عناصر الإيجاب في مراعاة حقوقه ، والتقليل من انتهاك الظالمين لها ، كما يفعل بعض الباحثين فيصورون أن حقوق الإنسان مصانة ، عند أهل الأديان والقوانين ، أو في سياسات الدول والحكام ، في التاريخ أو الحاضر ! لذلك ، يجب علينا الإعترافبأن مجتمعنا العالمي في الماضي والحاضر مليئ بالظلم ونقض حقوق الإنسان ، وأن (قانون الغلبة والقوة والقهر) هو المسيطر من أقدم العصور ، وأن مجتمعات الشعوب قامت على التمييز الحاد ، القومي والقبلي والطبقي ! فالظلم عند الإنسان هو الأصل ، والعدل استثناء ! وهذه الإستثناءات وإن كانت صغيرة في مساحة كل التاريخ، لكنها واحات ظليلة في هجير الظلم ، ومصابيح منيرة في ظلمات العدوان ! وحتى لا نقع في الخطأ ، لا بد أن نفصل بين النظرية والتطبيق ، سواء في الأديان والقوانين ، فننظر في حقوق الإنسان في مصادر الإسلام ثم في تطبيقات الحكام لها ، ومصادر اليهودية وتطبيقاتها، ومصادر المسحية وتطبيقاتها ، وكذلك القوانين وتطبيقاتها . ولا بد أن نضيف الى ذلك عاملين هما: حالة المجتمع وقدرته في الرقابة على الحكومة ، ومنعها من انتهاك حقوق الإنسان ، أو الإفراط فيها . والثاني ، المقومات الفكرية والأخلاقية للحاكم ومنفذي القوانين . لذلك نفرد عناوين هذه الموضوعات .

2- نظرية الإسلام في حقوق الإنسان

إذا نظرنا الى وضع حقوق الإنسان في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في العالم وفي جزيرة العرب، نجد أن المجتمع العالمي كان يقوم على امتيازات القوة والمال والقبيلة والنسب واللون ، فجاء القرآن بميزان جديد لتقييم الإنسان بالعلم والعمل، وأعلن أن كرامة الانسان بالتزام القانون الإلهي ، وكفِّ عدوانه عن الآخرين ، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). (الحجرات: 13) . وكان المجتمع يسترخص قتل الإنسان ويفتخر بسفك الدماء ، فشدد القرآن على ضمان حياة الانسان ، فقال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً ) . (الإسراء: 33). وقال: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ). (المائدة:32) . وقد بلغت قسوة مجتمع الجزيرة أنهم كانوا يتشاءمون من البنت: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ). (النحل: 58)وكان بعضهم يقتلون بناتهم خوفاً من سبيهن! فاستنكر الإسلام ذلك وحرَّمه ووبخهم عليه فقال: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ . بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ). (التكوير: 8-9). وفرض أداء الأمانة لجميع الناس وحرم الخيانة ، فقال: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً . (النساء: 58) . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ). (لأنفال: 27) . وأمر بالوفاء بالعهود والعقود وجعله من الإيمان فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ . (المائدة: 1) . وقال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ..وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ .(المؤمنون: 8) . وأمر أتباعه بكل حسن معروف ونهاهم عن كل منكر ، ودعا الى تكوين المدينة الفاضلة التي تقوم على القيم والفضائل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ . (آل عمران: 110) . وبذلك كان الإسلام بعقيدته وشريعته مداً حضارياً ، دعا الى احترام الإنسان وحقوقه ، ومساواة الجميع أمام الله والشرع ، وشدد على تحريم أنواع الإعتداء على النفس والملكية والكرامة . الأصول الحقوقية في الإسلام

قامت حقوق الإنسان في الإسلام على أصول حقوقية متعددة: منها: تكريم الله للإنسان وتسخير الطبيعة له ، كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) . (الاسراء: 70) . (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). (الجاثـية: 13) . (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ). (لقمان: 20) . ومنها: أن حق ملكية الأرض والحكم فيها ، يقوم على أصل أنها مخلوقة مملوكة لله تعالى وقد ملَّكها لآدم ( عليه السلام) وذريته بشرط فكري هو الإيمان ، فمن فقد هذا الشرط فلا حق له في ملكية الأرض وحتى في السكن فيها إلا بأجرة ، ومن هنا إذا بعث الله نبياً (عليه السلام) يسمى ما يسترجعه من الآخرين ولو بالقوة (فيئاً) لأنه حق فاء الى أهله ورجع ، فإن شارك فيه المسلمون بقتال فهم شركاء فيه مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإلا فهو خالص للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال الله تعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) . (الحشر: 6-7) . وعليه فإن الأصل الفقهي لحقوق الإنسان الطبيعية ، هو عمومات مادل على تكريمه وتسخير ما في الأرض له ، ثم ما دل على تمليك الأرض للأنبياء (عليهم السلم) والمؤمنين .

الإشكال على الإسلام بأنه شرع التمييز في حقوق الإنسان

أشكل بعضهم على الإسلام بأنه يميز بين أتباعه وغيرهم في كثير من الحقوق ، ومنها الحقوق السياسية ، حيث اشترط في الحاكم أن يكون مسلماً ، وأوجب على غير المسلم أن يعطي الجزية ، وجعل ديته أقل من دية المسلم ، كما ميز بين المرأة والرجل فجعل سهمها من الإرث وديتها أقل من الرجل..الخ.

والجواب: أولاً ، أن هذه الظاهرة لاتختص بالإسلام ، فاليهودية والمسيحية تتبنيان هذا التمييز ، تبعاً للأصل الحقوقي في عقيدتهما . والإسلام كغيره من الأديان ميز أتباعه المسلمين عن غيرهم في بعض الحقوق ، وشدد على حقوق المسلم ، وحرم دمه وماله وعرضه ، وجعل لها قوانين حقوقية وجنائية وجزائية . لكنه امتاز عن الأديان الأخرى بأنه جعل هذه الحقوق بدرجة كبيرة تشمل أهل الكتاب الذين يعيشون في الدولة الإسلامية ، بينما تلغي الديانة اليهودية حقوق غير أتباعها ، وتشبهها المسيحية .

وثانياً، الأصل الحقوقي لهذا التمييز ، أن خالق الأرض ومالكها هو الله تعالى ، وقد أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعو العالم الى الإسلام فمن أسلم فله ما للمسلمين وعليهم وما عليهم ، ومن لم يسلم فإن كان من الوثنيين والملحدين وجب قتاله حتى يسلم ، وإن كان من أهل الكتاب أي اليهود والنصارى والمجوس والصابئة ، فهو مخير بين الإسلام والجزية والحرب ، والجزية تعني اتفاقية تعايش تحت حكم الدولة الإسلامية ، أودفع ضريبة المواطنة ، أوضريبة الجندية ، أو أجرة السكن في الأرض ، كما فسرتها بعض الأحاديث . وفي هذه المواضيع بحوث مفصلة ، ونكتفي بالإشارة الى أن الأصل العقائدي وحده يكفي جواباً عليها، فما دام ثبت أن الله تعالى خالق الخلق ومالكهم ، الحكيم بالمطلق ، والعليم بالمطلق ، الذي لايحتاج الى ظلم أحد ، ولا يأمر بشئ إلا لمصلحة الإنسان ، وقد أمر بذلك فلا بد أن يكون لمصلحة الإنسان ، ولو لم نعرف وجهه . على أنا ندرك سبب بعض التمييزات كالإرث للمرأة حيث جعل الإسلام كل النفقة والمهر على الرجل ، ومع ذلك أعطى المرأة نصف سهم الرجل لمصارفها الإضافية .

3- التطبيق النبوي للنظرية الإسلامية

كانت سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العملية تطبيقاً أميناً لهذه النظرية ، داخل المجتمع الإسلامي الذي أنشأه ومع مخالفيه وأعدائه ، حيث عاملهم بإنسانية عاليه . فكانت سيرته العملية (صلى الله عليه وآله وسلم) تطبيقاً لكلام ربه وكلامه ، فلا تجد عنده فرقاً بين النظرية والتطبيق أبداً .

ويكفي أن تعرف أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استطاع في مدة قياسية أن ينشئ مداً حضارياً إنسانياً وسياسياً عالمياً ، وخاض من أجل ذلك حروباً متعددة ، وشملت دولته الجزيرة واليمن والخليج ، الى مشارف الشام والأردن ، فكان عدد القتلى من الطرفين في كل هذه الحروب589 شخصاً فقط كما حسبه بعضضهم ، وهذا لانظير له في التاريخ ! ونلاحظ أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان معنياً كل حياته بترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في فكر أمته ووجدانها ، وقد أكد عليها في خطبه في حجة الوداع ، وأحاديثه بعدها حتى لقي ربه عز وجل . وهذه نماذج منها: في تحف العقول لابن شعبة الحراني & /30: قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (أما بعد: أيها الناس، إسمعوا مني ما أبين لكم ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا . أيها الناس: إن دماءكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد . فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها . وإن ربا الجاهلية موضوع ، وإن أول رباً أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب . وإن دماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب .

وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية ، والعمد قَوَدٌ ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير ، فمن ازداد فهو من الجاهلية . أيها الناس: إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حقاً…أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، فاتقوا الله في النساء ، واستوصوا بهن خيراً . أيها الناس: إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ . وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى ، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم . قال: فليبلغ الشاهد الغائب) . وفي تفسير القمي: 1/171: ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، إلى يوم تلقون ربكم ، فيسألكم عن أعمالكم . ألا هل بلغت أيها الناس؟ قالوا: نعم . قال: اللهم اشهد ). وفي صحيح بخاري: 5/126: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ، وستلقون ربكم فسيسألكم عن أعمالكم . ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض ). وفي مجمع الزوائد: 3/265: (أيها الناس: إن النساء عندكم عَوان ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله…لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه ). انتهى.

وقد تضمنت هذه الخطب مبادئ المساواة ، والوحدة الإنسانية بين البشر ، وإلغاء التمايز القومي ، ومبدأ حسن معاملة النساء وعدم ظلمهن . كما تضمنت أساس وحدة الأمة الإسلامية في ست نقاط: أ- إلغاء آثار الجاهلية ومآثرها وتشريعاتها المخالفة للإسلام . ب- الأخوة والتكافؤ بين المسلمين . ج- احترام الملكية الشخصية ، وتحريم مال المسلم على غيره . د- احترام حياة المسلم ، وتحريم دم المسلم على غيره . هـ- احترام أعراض المسلمين وكرامتهم ، وتحريمها على بعضهم . ز- من قال لا إله إلا الله ، فقد عصم ماله ودمه . وقد طبق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه المبادئ والقوانين في حقوق الإنسان وحرياته ، وكانت أعماله تأسيساً وتعويداً للمجتمع على احترامها .

4- السلطة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحقوق الإنسان
تأخذك الدهشة عندما ترى أن منظومة حقوق الإنسان وقوانينها انتهت بمجرد أن أغمض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عينيه ! وأن السلطة الجديدة استعملت بعد ساعة من وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) قانون الغلبة والقهر في السقيفة ضد الأنصار ، وهموا بقتل سعد بن عبادة زعيم الأنصار ، فكان ذلك انتهاكاً قرشياً فظيعاً لحق الإنسان في نظام الحكم وتقرير المصير !

ثم استعملت قريش وجمهورها من الطلقاء ، نفس قانون الغلبة والقهر ضد بني هاشم ومن معهم من المهاجرين والأنصار الذين امتنعوا عن البيعة ، فهاجموهم في بيت علي وفاطمة (صلى الله عليه وآله وسلم) ، رغم أنهم كانوا في عزاء بوفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت جنازته مسجاة لم تدفن بعد ! وهددوهم بإحراق البيت عليهم إن لم يبايعوا ! ولما تأخروا عن الخروج جمعوا الحطب على باب الدار وأحرقوه بالفعل ! لقد تلقت حقوق الإنسان ضربة قاصمة وانقلبت مئة وثمانين درجة في مسألة الحكم ، وكان ذلك من كبار أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القرشيين ضد عترته أهل بيته (عليهم السلام) ! فكيف ننتظر أن تطبق منظومة حقوق الإنسان في المسائل الأصغر من الحكم ، ومع الناس الأقل مكانة؟! تتعجب وأنت تقرأ تاريخنا الإسلامي عندما تجد أن الخلافة الإسلامية قامت من أساسها على القهر وإجبار المسلمين على بيعة من ارتضاه طلقاء قريش وسموه خليفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ! وأنه بدأ عهده بتهديد سعد بن عبادة بالقتل ، ومهاجمة بيت النبوة لإجبارهم على بيعته بحد السيف أو إحراق بيتهم عليهم ! وقد روت ذلك مصادر الشيعة والسنة ، ومنهم ابن قتيبة السني في كتابه الإمامة والسياسة/30 ، قال: ( إن أبا بكر أُخبر بقوم تخلفوا عن بيعته عند علي فبعث إليهم عمر بن الخطاب فجاء فناداهم وهم في دار علي وأبوا أن يخرجوا ، فدعا عمر بالحطب فقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها عليكم على ما فيها ! فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة ! فقال: وإن !! فخرجوا وبايعوا إلا علياً، فزعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي عن عاتقي حتى أجمع القرآن، فوقفت فاطمة على بابها فقالت: لاعهد لي بقوم حضروا أسوأ محضراً منكم! تركتم جنازة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ، ولم تروا لنا حقاً ! فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر: ياقنفذ وهو مولى له ، إذهب فادع علياً ، قال: فذهب قنفذ إلى علي فقال: ما حاجتك؟ قال: يدعوك خليفة رسول الله . قال علي (عليه السلام): لسريع ما كذبتم على رسول الله !! فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة قال فبكى أبو بكر طويلاً ! فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة . فقال أبو بكر لقنفذ: عُدْ إليه فقل: أمير المؤمنين يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ فنادى ما أمر به، فرفع عليٌّ صوته فقال: سبحان الله لقد ادعى ما ليس له ! فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة قال: فبكى أبوبكر طويلاً ! ثم قام عمر فمشى ومعه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها باكية: يا رسول الله ماذا لقينا بعد أبي من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟! فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين ، فكادت قلوبهم تتصدع وأكبادهم تنفطر ، وبقي عمر معه قوم فأخرجوا علياً فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له: بايع ، فقال: إن لم أفعل فمَهْ ؟ قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك ! قال: إذا تقتلون عبدالله وأخا رسوله . قال عمر: أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا ! وأبو بكر ساكت لا يتكلم ! فقال عمر: ألا تأمر فيه بأمرك ! فقال: لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه . فلحق عليٌّ بقبر رسول الله (ص) يصيح ويبكي وينادي: ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي ) ! انتهى. نعم لابد للباحث أن يعترف بأن مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام قد ماتت بموت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ! وحكم بدلها منطق القبيلة ، بالقهر والجبر والمسارعة الى قتل صاحب الرأي الآخر ، بل صاحب التفكير الآخر ! اللهم إلا ما بقي منها بتطبيق أهل بيته (عليهم السلام)، وبفعل رقابة المجتمع ، عندما يستطيع الإطلاع على المشكلة ويفهمها ، ويكون له الجرأة على الفعل والتأثير فيها . 5- الفتوحات الإسلامية وحقوق الإنسان

طبَّلَ المستشرقون وغيرهم في انتقاد الإسلام بأنه فتح بلاد الناس بالقوة وأجبر أهلها على الإسلام ، وقد ضَعُفَ بعض المسلمين أمامهم فأجابوا بأن حروب الإسلام كانت دفاعية وليست هجومية .
والجواب الصحيح: التذكير أولاً بالأصل العقائدي في الإسلام ، فما دمنا نؤمن بأن الإسلام وحي الله تعالى العادل الحكيم ، على رسوله الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وما دام ثبت أنه عز وجل أمر بدعوة العالم الى الإسلام ، وأجاز للمسلمين فتح أمبراطورية الفرس والروم وإزالة نظام الحكم فيهما لفتح المجال لأهلها للدخول في الإسلام ليكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.. فأي مانع حقوقي أو منطقي من ذلك ، ومن الذي يعترض على تصرف الله في ملكه؟! وثانياً ، هناك عنصر لا بد من أخذه بعين الإعتبار في بحث فتوحات المسلمين للعراق وإيران وبلاد الشام ومصر وأفريقيا ، وهي معظم الفتوحات الإسلامية إن لم تكن كلها.. وهو أن موقف الشعوب المستعمرة في كثير من البلاد المفتوحة كان مشجعاً للمسلمين ، وقد وصل أحياناً الى دعوتهم لإسقاط الحكم الروماني وتسلم حكم البلاد بدلهم ، فلا ننس أن معظم أهل سوريا وفلسطين والأردن ، وقسماً من أهل العراق ومصر ، كانوا عرباً ، وكان الروم غرباء عنهم ظالمين لهم ، ولذلك انسحب الجيش الرومي بعد هزيمته في هذه البلاد ، الى بلاده بيزنظة وأوروبا . وعنصر آخر ، أن الفاتحين المسلمين كانت فيهم صفات إيجابية جعلتهم في نظر أهل البلاد (أرحم أمة فاتحة) واتصف بعض الجنود بمناقبية إنسانية ، من أمثلتها أنهم عندما فتحوا مصر رأوا حمامة بنت عشها على خيمة من خيام معسكرهم ، ولما رحلوا تركوا لها الخيمة حتى لا يخرب عشها ، وسموا الخيمة بالفسطاط ، ثم سموا المدينة التي بنوها هناك باسم الخيمة(فسطاط مصر). (معجم البلدان: 4/264). ومع ذلك، ومع غض النظر عن مقارنة الفتوح الإسلامية ب(فتوح) الأمم الأخرى، فلا بد أن نعترف بأن الفتوحات الإسلامية تضمنت كثيراً من التجاوزات والتعديات على حقوق الإنسان ، في الأملاك والأرواح ، الأمر الذي دعا أكثر فقهاء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) الى القول بأن الفتوحات لم تكن شرعية ، لأنها تحتاج الى إذن الإمام المعصوم (عليه السلام) ولم يثبت عندهم أن علياً (عليه السلام) أجازها في زمن أبي بكر وعمر وعثمان ، ولا أجاز الأئمة (عليهم السلام) ما وقع بعدها من فتوح . لكن بعض علماء الشيعة قالوا إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أجاز فتوح العراق وفارس والشام ومصر ، وأدارها ، لكنه لا يتحمل انتهاكات حقوق الإنسان فيها ، لأن إدارتها الكاملة لم تكن بيده (عليه السلام) .

6- انتهاك الحكام بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لحقوق الإنسان

في بلاد المسلمين والبلاد المفتوحة

قامت سياسة الحكام من غير أهل البيت النبوي (عليهم السلام) ، على مصادرة حقوق الإنسان المسلم والمعاهد ،وقد أوردنا في المجلد الثاني من كتاب ألف سؤال وإشكال/455 مسألة165،فصلاً بعنوان: (صور من قسوة الحكام التي أرادوا تبريرها بنسبتهم القسوة والمُثْلة الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) ! وذكرنا فيه أن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) كشف أن أنس بن مالك كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليبرِّرَ للحكام انتهاك حقوق الإنسان ، وتعذيب من خالفهم من المسلمين، فقال إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عذب شخصاً ودقَّ مساميرَ في يده بالحائط ! روى الصدوق (رحمه الله ) في علل الشرائع: 2/541 ، قول الإمام الباقر ( عليه السلام) : ( إن أول ما استحل الأمراء العذاب لكذبة كذبها أنس بن مالك على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سمَّر يد رجل إلى الحائط ، ومن ثم استحل الأمراء العذاب) ! انتهى.

وهذا يضع يدنا على السبب في حرص رواة السلطة في مصادرهم على نسبة قسوة القلب والضرب والتعذيب والمُثْلة الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فكل ذلك من مكذوباتهم لتبرير سلوك خلفائهم القرشيين ! وفيما يلي نماذج من انتهاكاتهم من عصور مختلفة: 2- أحرق أبو بكر شخصاً أو اثنين بالنار، وأفتى له أبو موسى الأشعري ومعاذ بن حبل بأن ذلك حلال ! قال ابن كثير في النهاية: 6/352: (بعث به إلى البقيع، فجمعت يداه إلى قفاه وألقي في النار ، فحرقه وهو مقموط)! وفي فتح الباري: 12/243: (وفي رواية الطبراني التي أشرت إليها: فأتى بحطب فألهب فيه النار ).وتاريخ الطبري: 2/492 ، وابن الأثير: 2/146 ،وقال اليعقوبي في تاريخه: 2/134: (وحرق أيضاً رجلاً من بني أسد يقال له شجاع بن ورقاء ).انتهى. وقد اشتهرت قسوة عمر بن الخطاب قبل الإسلام ، فقد كان يعذب ابن عمه لأنه أسلم (بخاري: 8/56) ، وكان يضرب جارية سوداء لبني مؤمل(حتى إذا ملَّ قال: إني أعتذر إليك ! إني لم أتركك إلا ملالة ! فتقول: كذلك فعل الله بك) ! (ابن هشام: 1/211). 4- واستمرت هذه الحالة بعد إسلامه: (فسمع نساء يبكين فزبرهن عمر ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عمر دعهن فإن العين دامعة ، والنفس مصابة، والعهد قريب). (المستدرك: 1/381 ). 5- وفي خلافته ضرب قريبات خالد بن الوليد ، وفيهن ميمونة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (فجعل يُخرجهن عليه وهو يضربهن بالدرة فسقط خمار امرأة منهن فقالوا: يا أمير المؤمنين خمارها ! فقال: دعوها فلا حرمة لها ) ! (كنز العمال:15/730) . 6- ورغم أن أبا بكر مات مسموماً فلم يفتح عمر ملف قتله ، وضرب أخته وقريباته وفيهن عائشة لأنهن أقمن مجلس نوْحٍ عليه: (لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح فأقبل عمر بن الخطاب حتى قام ببابها ، فنهاهن عن البكاء على أبي بكر فأبين أن ينتهين فقال عمر لهشام بن الوليد: أُدْخُل فأَخرج إليَّ ابنة أبي قحافة أخت أبي بكر! فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر: إني أحرِّج عليك بيتي فقال عمر لهشام: أدخل فقد أذنت لك ، فدخل هشام فأخرج أم فروة أخت أبي بكر إلى عمر فعلاها الدرة) .(تاريخ الطبري: 2/614 ، وكنز العمال: 15/730) . 7- وكان الصحابة يخافون منه الى حد الرعب ! (بينما عمر يمشي وخلفه عدة من أصحاب رسول الله وغيرهم ، بدا له فالتفت فما بقي منهم أحداً إلا سقط إلى الأرض على ركبتيه) !(تاريخ المدينة: 2/681). 8- وكان له شاربان كبيران ، فدعا الحجام ليأخذ منهما فتنحنح: (فأحدث الحجام ، فأعطاه أربعين درهماً ). (تاريخ المدينة: 2/683) 9- (مرَّ برجل يكلم امرأة على ظهر الطريق فعلاه بالدرة فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين إنها امرأتي! قال: فهلا حيث لايراك الناس) ! (كنز العمال: 5/462) . 10- ومزق ثياب رجل لأنها ناعمة ! ( دخل على عمر وعليه ثوب ملالاً، فأمر به عمر فمزق عليه فتطاير في أيدي الناس) ! (مصنف عبد الرزاق:11/80 ). 11- وكان رجل يصلي مقابل آخر فضربه وهو يصلي ! (رأى رجلاً يصلي إلى وجه رجل فعلاهما بالدرة ). (مبسوط السرخسي: 1/38) 12- ( أن أعرابياً شرب نبيذاً من إداوة عمر فسكر فأمر به فجلد ! فقال: إنما شربت هذا من إداوتك! فقال: إنما أجلدك على السكر ) ! ( لسان الميزان: 3/27) 13- وضرب طفله الصغير لأنه فرح بثيابه ! ( دخل ابنٌ لعمر بن الخطاب عليه وقد ترجل(مشَّط شعره) ولبس ثياباً ، فضربه عمر بالدرة حتى أبكاه ! فقالت له حفصة: لم ضربته؟ قال: رأيته قد أعجبته نفسه فأحببت أن أصغِّرها إليه) !! (مصنف عبد الرزاق: 10/ 416) 14- وبرَّر ضربه لزوجته بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إضربوا نساءكم ولا تسألون عن ذلك ! ( الأشعث بن قيس قال: ضِفْتُ عمر ليلةً ، فلما كان في جوف الليل قام إلى امرأته يضربها فحجزت بينهما . فلما أوى إلى فراشه قال لي: يا أشعث إحفظ عني شيئاً سمعته عن رسول الله: لايسأل الرجل فيمَ يضرب امرأته ) ! (ابن ماجة: 1/639). 15- وأمر عامله بتخريب مدينة ثم ضربه لأنه نفذ أمره ! (كتب لعمير بن سعد عهداً بأن يخرب عرب سوس إذا لم يستجيبوا لشروطه ، فلما خربها بعد سنة علم عمر بذلك فضربه بالدرة ، فدخل عليه عمير منفرداً وطلب منه عهده الذي كتبه اليه ! فقال عمر: رحمك الله فهلا قلت لي ذلك وأنا أضربك ؟ قال: كرهت أوبخك يا أمير المؤمنين ) ! (بغية الطلب:1/332) . 16- وضرب زعيم ربيعة لأن شخصاً قال: هذا سيد ربيعة ! (كان قاعداً وفي يده الدرة والناس عنده فأقبل الجارود ، فلما أتى عمر قال له رجل: هذا سيد ربيعة فسمعها عمر وسمعها الجارود وسمعها القوم ، فلما دنا الجارود من عمر خفقه بالدرة على رأسه ! فقال الجارود: بسم الله ، مه يا أمير المؤمنين؟ قال: ذلك ! قال: أما والله لقد سمعتَها وسمعتَ ماقال الرجل، قال: فمه؟ قال: خشيت أن يخالط قلبك منها شئ فأحببت أن أطأطئ منك) ! (تاريخ المدينة: 2/690) . 17- وضرب كبير الأنصار وشيبتهم لأن بعض الناس مشوا خلفه ! ( أتينا أبيَّ بن كعب لنحدث إليه فلما قام قمنا ونحن نمشي خلفه ، فرهقنا عمر فتبعه فضربه عمر بالدرة ! قال فاتقاه بذراعيه فقال يا أمير المؤمنين ما تصنع؟ قال: أو ما ترى ، فتنة للمتبوع مذلة للتابع) ! (سنن الدارمي: 1/132) . 18- وأرسل في إحضار امرأة فخافت وأسقطت جنينها !(بعث إلى امرأة مغيبة (زوجها غائب) كان يُدخل عليها(أي يدخل الى بيتها بعض الرجال) فقالت: يا ويلها مالها ولعمر ! فبينا هي في الطريق إذا فزعت فضربها الطلق فألقت ولداً ، فصاح الصبي صيحتين فمات ! فاستشار عمر أصحاب النبي(ص) فأشار بعضهم أن ليس عليك شئ إنما أنت وال ومؤدب ، وصَمَتَ عليٌّ فأقبل عليه عمر فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم ، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك ، إن ديته عليك لأنك أفزعتها فألقته) ! (المغني:9/579). 19- وكان يجبر الجواري على التهتك ويضربهن إذا تستَّرن ! (كان إذا رأي جارية متقنعة علاها بالدرة وقال: ألقي عنك الخمار يادفار، أتتشبهن بالحرائر). (المبسوط:1/212، والدفار: مُنْتنة الفرج بالدود)! (كنَّ إماء عمر يخدمننا كاشفات عن شعورهن تضرب ثديهن)! (سنن البيهقي:2/227 وابن أبي شيبة:2/82 ، والخطيب:10/303 ، وصححه الألباني في إرواء الغليل:6/203).
20- وأفرط في تعذيب صبيغ التميمي لأنه سأل عن تفسير آية ! ففي سنن الدارمي: 1/54: ( فجعل يسأل عن متشابه القرآن… فأرسل عمر الى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره دَبِرَة ثم تركه حتى برأ ثم عاد له ! ثم تركه حتى برأ فدعا به ليعود له ! فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً… وفي رواية: ثم أمر به فضرب مائة وجعل في بيت، فلما برأ دعاه فضربه مائة أخرى! وحمله على قتب وكتب الى أبي موسى الأشعري: إمنع الناس من مجالسته…كتب عمر بن الخطاب الى أبي موسى الأشعري أن لا يجالس صبيغاً وأن يحرمه عطاءه ورزقه… رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب… قال الشافعي في تحريم الكلام والبحث العلمي: حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ ! أن يضربوا بالجريد ويحملوا على الإبل ويطاف بهم في العشائر والقبائل وينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكتَّاب)! (راجع تفصيله في تدوين القرآن/243) . 21- أجبر معاوية المسلمين على بيعة ابنه يزيد: ( فكتب إلى أهل الأمصار أن يقدموا عليه فقدم عليه قوم من أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل مكة والمدينة وأهل مصر والجزيرة ومن جميع البلاد).. وأحضر خطيباً إسمه يزيد بن المقنع الكندي فجرد سيفه وقال:
( أيها الناس إن أمير المؤمنين هذا وأشار بيده إلى معاوية ! فإذا مات فوارث الملك هذا وأشار بيده إلى يزيد ! فمن أبي فهذا ! وأشار بيده إلى السيف ! فقال له: أجلس فأنت سيد الخطباء ) ! (الكامل:3/352 ، والمستطرف:1/138 ، والعقد الفريد: /1082 ، والبيان والتبيين/ 140 ، ونهاية الإرب/4466 ، وفتوح ابن الأعثم:4/333 راجع: جواهر التاريخ:3/346). 22- أوصى ابنه يزيد أن يقطِّع ابن الزبير إرباً إرباً ! (لما مرض مرضته التي هلك فيها دعا ابنه يزيد فقال: يا بني إني قد كفيتك الرحلة والرجال، ووطأت لك الأشياء وذللت لك الأعزاء وأخضعت لك أعناق العرب ، وإني لا أتخوف أن ينازعك هذا الأمر الذي أسسته إلا أربعة نفر ، الحسين بن علي ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر… وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك روغان الثعلب وإذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير، فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطعه إرباً إرباً)!(النهاية: 8/123). 23- وفرض الأمويون التجنيد ، وإلا فالتنُّور ! ( بشر بن مروان بن الحكم كان إذا ضرب البعث على أحد من جنده ثم وجده قد أخل بمركزه أقامه على كرسي ثم سمَّر يديه في الحائط ثم انتزع الكرسي من تحت رجليه فلا يزال يتشحط حتى يموت) !(تاريخ دمشق:10/256) 24- ويفتخر المتعصبون لخلافة الطلقاء بعصر الخليفة هارون الرشيد ويعتبرونه قمة ازدهار الحضارة الإسلامية والدولة الإسلامية التي شملت أكثر العالم المعروف يومها ! لكن عليهم أن يعرفوا الوجه الآخر له وهو (هارون الرشيد القصاب) ! روى الطبري في تاريخه:6/525 ،عن أبي جامع المروزي قال: (كنت فيمن جاء إلى الرشيد بأخ رافع (رافع حاكم منطقة خرج على الرشيد) قال: فدخل عليه وهو على سرير مرتفع عن الأرض بقدر عظم الذراع ، وعليه فرشٌ بقدر ذلك أو قال أكثر ، وفي يده مرآة ينظر إلى وجهه ، قال: فسمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون . ونظر إلى أخ رافع فقال: أما والله يا ابن اللخناء (مُدَوِّدة الفرج) إني لأرجو أن لايفوتني خامل يريد رافعاً كما لم تفتني ! فقال له: يا أمير المؤمنين قد كنت لك حرباً وقد أظفرك الله بي ، فافعل ما يحب الله أكن لك سلماً ، ولعل الله أن يلين لك قلب رافع إذا علم أنك قد مننت عليَّ ، فغضب وقال: والله لو لم يبق من أجلي إلا أن أحرك شفتي بكلمة لقلت: أقتلوه ! ثم دعا بقصاب فقال: لا تشحذ مداك(لاتسن سكاكينك) أتركها على حالها، وفصِّل هذا الفاسق وعجِّل لايحضرن أجلي وعضوان من أعضائه في جسمه ! ففصله حتى جعله أشلاء ! فقال: عُدَّ أعضاءه ! فعددت له أعضاءه فإذا هي أربعة عشر عضواً ، فرفع يديه إلى السماء فقال: اللهم كما مكنتني من ثأرك وعدوك فبلغت فيه رضاك ، فمكني من أخيه ! ثم أغميَ عليه وتفرق من حضره، وفيها مات هارون الرشيد).(والنهاية:10/231) 25- وروى في شرح النهج: 18/270 ، كيف قتل قريب الخليفة المنصور عبدالله بن المقفع ، قال: ( اعتزم قتله فاستأذن عليه جماعة من أهل البصرة منهم ابن المقفع فأدخل ابن المقفع قبلهم ، وعدل به إلى حجرة في دهليزه ، وجلس غلامه بدابته ينتظره على باب سفيان ، فصادف ابن المقفع في تلك الحجرة سفيان بن معاويه وعنده غلمانه وتنور نار يسجر! فقال له سفيان: أتذكر يوم قلت لي كذا؟! أمي مغتلمة إن لم أقتلك قتلةً لم يُقتل بها أحد ! ثم قطع أعضاءه عضواً عضواً وألقاها في النار وهو ينظر إليها ! حتى أتى على جميع جسده ، ثم أطبق التنور عليه وخرج إلى الناس فكلمهم ! فلما خرجوا من عنده تخلف غلام ابن المقفع ينتظره فلم يخرج ، فمضى وأخبر عيسى بن علي وأخاه سليمان بحاله ، فخاصما سفيان بن معاوية في أمره فجحد دخوله إليه فأشخصاه إلى المنصور ، وقامت البينة العادله أن ابن المقفع دخل دار سفيان حياً سليماً ولم يخرج منها ! فقال المنصور: أنا أنظر في هذا الأمر إن شاء الله غداً ، فجاء سفيان ليلاً إلى المنصور فقال: يا أمير المؤمنين، إتق الله في صنيعتك ومتبع أمرك ، قال: لاتُرَعْ ! وأحضرهم في غد وقامت الشهادة وطلب سليمان وعيسى القصاص، فقال المنصور: أرأيتم إن قتلت سفيان بابن المقفع ، ثم خرج ابن المقفع عليكم من هذا الباب وأومأ إلى باب خلفه ، من ينصب لي نفسه حتى أقتله بسفيان ؟ فسكتوا واندفع الأمر ! وأضرب عيسى وسليمان عن ذكر ابن المقفع بعدها ، وذهب دمه هدراً ) ! 26-ووصف الصفدي في الوافي: 4/26،تَنُّور وزير الخليفة المتوكل لتعذيب الأغنياء وجامعي الضرائب: (وكان ابن الزيات قد اتخذ تنوراً من حديد وفيه مسامير أطرافها المحددة إلى داخل التنور وهي قائمة مثل رؤس المسالّ ، يعذب فيه المصادرين وأرباب الدواوين المطلوبين بالأموال ، فكيفما انقلب أحدهم أو تحرك من حرارة الضرب دخلت تلك المسالُّ في جسمه فيجد لذلك ألماً عظيماً ! وكان إذا قال أحدهم أيها الوزير إرحمني فيقول: الرحمة خور في الطبيعة ) ! ووفيات الأعيان: 5/100 .

7- حاضر العالم الإسلامي نسخة عن الماضي !
ما زال العالم الإسلامي الى يومنا يُحكم بتسلط الحاكم الواحد والرأي الواحد ، وقمع الرأي المخالف واضطهاد أهله ! فقد صار ذلك ثقافة للناس لأنه موروث من نظام ديني يتصورونه (مقدساً) ! بل ترى مثقفنا يفتخر بشجاعة الحاكم الواحد في قمع معارضيه ! فيمدح الشاعر حافظ ابراهيم عمر بن الخطاب لأنه هدد علياً والزهراء ‘ ومن معهم بأنه يحرق بيتهم عليهم ، إذا لم يبايعوه ! قال: وقولهٌ لعليٍّ قالها عمرٌ أكرم بسامعها أكرم بملقيها
ما كان غير أبي حفص بقائلها أمام فارس عدنان وحاميها
حرَّقتُ دارك لاأبقي على أحد إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها !

فإذا كان الإنسان نفسه يقدس السيطرة الآحادية القمعية ، فكيف تبقى له أو لمجتمعه حقوقٌ أو قيمة ؟!

8- تطبيق أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لحقوق الإنسان
تمسَّك عليٌّ وأهل البيت (عليهم السلام) بإعادة العهد النبوي وتطبيق منظومة حقوق الإنسان بكل قيَمها وتشريعاتها ، فكان علي (عليه السلام) الحاكم الوحيد بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي احترم حرية الإنسان المسلم ، فلم يجبر أحداً على بيعته ، ومنع المسلمين من إجبار أي ممتنع ! كما لم يجبر أحداً على الحرب معه ، فكان كل من قاتل معه متطوعاً بقناعته وإرادته . ولا استعمل قانون الأحكام العرفية ، ولا أي قانون استثنائي ، حتى في حروبه التي استوعبت مدة خلافته كلها ! كما أعطى الحرية لمعارضيه والخوارج عليه، أن يتكلموا ويتحزبوا ويحملوا السلاح ، ولم يقطع رواتبهم وحقوقهم من بيت المال ، ولم يواجههم ، ما لم يشهروا السلاح على المجتمع ، أو الدولة ! كما ساوى بين المسلمين في الحقوق المالية ، وألغى الإمتيازات وقوانين التمييز التي وضعها الحكام قبله ! وبذلك أعاد العهد النبوي في احترام الإنسان والمساواة ! (راجع المجلد الثالث من جواهر التاريخ). ولا يتسع المجال لتفصيل ذلك ، لكن يكفيك أن تنظر في أي مقطع من سيرته الغنية (عليه السلام) ، أو تقرأ عهده الى مالك الأشتر (رحمه الله) عندما بعثه والياً على مصر، وشرح فيه أهداف الحكومة ، ووضع فيه برنامج عمل شامل للحاكم في سياسته للناس وحياته الشخصية . أو تقرأ رسالة الحقوق لحفيده الإمام زين العابدين (عليه السلام) وهي رسالة من عشرين صفحة تقريباً ، في حقوق الإنسان وواجباته ، وهي برنامجٌ للمسلم في تعامله مع ربه ، ومع نفسه ، ومع الناس . وقد اهتم بعض العلماء بهذين النصَّيْن العظيمين، لكنهما ما زالا مظلومين لم يأخذا حقهما من البحث في المجامع الدولية ، ومعاهد الحقوق العالمية . وقد شرحهما علماؤنا رضي الله عنهم شروحاً علمية ، أو وعظية ، وبقيت الحاجة الى الشرح القانوني ، والدراسة المقارنة بالتشريعات المعاصرة . وتشمل رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام) خمسين حقاً على الإنسان ابتداءً من حقوق الله تعالى ، الى حق نفسه ومحيطه ومجتمعه ، ودولته وأمته ، وحقوق أهل الأديان الأخرى . وتبدأ بإجمال كالفهرس ، ثم تفصل الحقوق واحداً واحداً . وسيأتي نصها ونص عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله) .

9- أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم لهم فخرها وليس عليهم وزرها !
لا بد للمنصف أن يُقرّ بأن تاريخ الحكام المسلمين مليئٌ بالظلم وانتهاك حقوق الإنسان ! سواء في سياستهم مع شعوبهم أو مع شعوب البلاد المفتوحة ، بل إن ظلمهم لشعوبهم كان أشد وأقسى ! وهذا لايعني أنا لا نرى قيمة لما حققته الفتوحات من توسيع رقعة الإسلام ودخول أمم وشعوب في هذا الدين الحنيف ، استفادت من علومه وأغنت تجربته ، وأقامت حضارة بإسم الحضارة الإسلامية . لكن هذه الإيجابيات لا تبرر انتهاكات الحكام الصارخة لأبسط حقوق الإنسان ، ولا تغطي جرائمهم التي امتلأت بها حياتهم وضجَّ بها تاريخهم ! لذلك لا بد من تقييم نظام الخلافة الإسلامي بإيجابياته وسلبياته معاً، وقد كان أعظم سلبياته أنه تأسس من أصله على الجبرية والقهر ، وفتح الصراع على السلطة في هذه الأمة ، فسفكت فيه الدماء وأزهقت من أجله أرواح الملايين . ويلي ذلك في الدرجة ظلم الحكام وجرائمهم المتنوعة الكثيرة والكبيرة . وقد كان هذا العاملان (الجبرية والظلم) السبب النهائي في انهيار الخلافة والأمة ودفنها في استانبول ، وتسلط الأمم الغربية عليها ! ولا يجوز تحميل أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم مسؤولية انتهاك الخلفاء لحقوق الإنسان ، لأنهم أنفسهم كانوا ضحيتها ، وتحملوا من حكام الظلم والجور أكثر مما تحملته شعوب البلاد المفتوحة كلها . ففي الوقت الذي كان علماء السلطة وأئمة مذاهبها يُنَظِّرون للحاكم ويبررون جرائمه، كان أئمتنا (عليهم السلام) يعارضون وينتقدون ويبرؤون الى تعالى من الظلم والجور ومرتكبيه ، ويقفون الى جانب المظلوم حتى لو كان غير مسلم . فكانوا أول ضحايا انتهاك حقوق الإنسان وقدموا أنفسهم الشريفة ثمناً لمواقفهم وعقيدتهم، وكذلك شيعتهم الأتقياء المرضيون . ولا يتسع المجال لسرد مفردات من ذلك عبر التاريخ . لهذا قلنا إن إنجازات الأمة الإسلامية وإيجابياتها في فتوحها وحضارتها وعلومها يعود فخرها لأهل البيت (عليهم السلام) ، لأنهم وجهوها وشاركوا في خيرها ، بينما يتحمل غيرهم ما فيها من أوزار سببت السمعة السيئة للإسلام والمسلمين ، وأدت الى انهيار الأمة !

10- نظرية الدين اليهودي في حقوق الإنسان

الأصل الحقوقي لليهود في الديانة اليهودية أن الله تعالى اختار إبراهيم (عليه السلام) وذريته من أبناء يعقوب (عليه السلام) وفضلهم على العالمين: (فالناس عند اليهود قسمان: يهود وجوييم أو أمميون أي كفرة وثنيون ، واليهود شعب الله المختار وهم أبناء الله وأحباؤه لا يتقبل العبادة إلا منهم ، ونفوسهم مخلوقة من نفس الله وعنصرهم من عنصره ، فهم وحدهم أبناؤه الأطهار وقد منحهم الله الصورة البشرية تكريماً لهم . أما الجوييم فخلقوا من طينة شيطانية ، والهدف من خلقهم خدمة اليهود، ولم يمنحوا الصورة البشرية إلا بالتبعية لليهود ليسهل التعامل بين الطائفتين إكراماً لليهود . فاليهود أصلاء في الإنسانية ، والجوييم أتباع فيها). (مقارنة الأديان للدكتور أحمد شلبي/275). وقال في صفحة/186: (ويقول أرنولد توينبي: إن أشهر الذين يزعمون أنهم شعب مختار هم اليهود ، فالحركات الصهيونية والنازية سواء في ادعاء هذه الصفة العنصرية ). وقال الشيخ البلاغي (رحمه الله) في الهدى إلى دين المصطفى:1/125: (يهوه: إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب . وهم شعب الله: أنظر إلى ثالث الخروج ، وأبناء الله ، أي أولياؤه: خروج4: 23 ). انتهى. وقد ذكر الله تعالى مقولاتهم في القرآن وردَّها فقال: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) . (المائدة: 18) . (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) . (البقرة: 80). (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ). (آل عمران: 24) . (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) . (آل عمران: 183) . (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). (آل عمران: 75). وعلى هذا، فإن حقوق الإنسان تختص في الدين اليهودي بأتباعه الذين هم محصورون في ذرية يعقوب (عليه السلام)، وغيرهم ليس له من الحقوق إلا ما منحوه إياه ، تفضلاً منهم ! وبهذا لانحتاج الى بحث تطبيقات الحكام اليهود الى نظريتهم في حقوق الإنسان ، لأنها قائمة على التمييز وإهدار حقوق الشعوب ، بل إن المجتمع اليهودي نفسه حافل بانتهاك حقوق بعضهم البعض وشدة عداوتهم لبعضهم رغم أنهم أقلية ، قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) .(المائدة: 64) .

11- نظرية حقوق الإنسان في الدين المسيحي
من ميزات الدين المسيحي أنه دين عالمي مفتوح ، وليس مقفلاً محصوراً بشعب دون غيره كاليهودية ، كما أنه يقوم على توجيهات أخلاقية مدونة في الأناجيل الأربعة ، منسوبة الى نبي الله المسيح (عليه السلام) تدعو الناس الى التعايش والتسامح والشعوب على اختلاف قومياتهم ومشاربهم ، فهي تصلح لأن تكون أرضية لقوانين حقوق الإنسان والمساواة بين الناس . (وأهم ما يروى عنه عظة الجبل ، وهاك مقتطفات منها: طوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السماوات ، طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض ، طوبى للحزان فإنهم يعزون ، طوبى للجياع والعطاش إلى البر فإنهم يشبعون ، طوبى لأتقياء القلوب فإنهم يعاينون الله . ويرى المسيحيون أن عظة الجبل وما ماثلها نقلت التشريع في المسيحية إلى طور جديد). (مقارنة الأديان/197). (الأناجيل تكاد تكون فكرة مكررة عن التسامح والحب وعدم الميل للشر ، حتى في دفع الشر ، وعن الصلة المباشرة بين الله والناس… الإنجيل كله حث على هذه الأخلاق ، فليفتح القارئ أي صفحة منه فإنه سيجد هذا الاتجاه لا محالة ، وعن الصلة المباشرة بين الله والناس ). (مقارنة الأديان/223). (ويقول الكاتب المسيحي(583 . p 3. Encyclopaedia of Religions and Ethics Vol) : وتعاليم المسيح تجمعها الأسس التالية: 1- قيام مملكة الله حيث المساواة والعدالة 2- الله هو أبو البشر وهو الأمل الذي تهفو نحوه أرواح البشر جميعاً 3- الكمال التام والحب الشامل . تلك هي الديانة المسيحية لا أكثر ولا أقل ، أما ما سوى تلك من أسس دينية فقد اعتمدت الديانة المسيحية فيها على التوراة ). (مقارنة الأديان/224). ومع الإشكالات الكثيرة على المسيحية ومصادرها ، لكن مضامينها الأخلاقية تصلح كما ذكرنا أن تكون أصولاً لقانون حقوق الإنسان .

12- الحكام المسيحيون ونظرية حقوق الإنسان
لا يختلف تطبيق الحكام المسيحيين لحقوق الإنسان المسيحية ، عن تطبيقات الحكام المسلمين ! فتاريخهم مليئ بالظلم وانتهاك حقوق الإنسان ، مع شعوبهم ، وشعوب البلاد الخاضعة لحكمهم ، لافرق في ذلك بين العلمانيين والأصوليين منهم ! كما أن إيجابياتهم لا تبرر انتهاكاتهم الصارخة لأبسط حقوق الإنسان ! ذلك أن الأصل الذي قام عليه نظام الحكم عندهم نفسه عند الحكام المسلمين: الجبرية والقهر ، والحكم الفردي ، وقمع المعارضة ، والصراع على السلطة وسفك الدماء وإزهاق الأرواح من أجلها ! بل قد يكون تاريخ أوروبا والبلاد المسيحية أكثر دموية من تاريخ البلاد الإسلامية ! لذلك فإن الحكام باسم الإسلام والمسيحية نوعان متشابهان في الظلم ، والحكم فيهما: أهرقهما وتيمم !

13- العالم الغربي يحقق خطوات لمصلحة حقوق الإنسان !
لا شك في أن الفرق كبير بين حقوق الإنسان في فرنسا وبريطانيا وأمريكا اليوم ، وبينها قبل ثلاثة قرون أو أربعة ! فقد حدث تطور إيجابي في حقوق الإنسان في الغرب ، نتيجة معاناة طويلة وحروب مريرة مرت بها حكوماتهم ومجتمعاتهم ، وتوصلت بسببها الى أنه لا حل إلا بقوانين تحفظ حقوق الإنسان وحرياته الشخصية الممكنة ، في إطار حقوق المجتمع العامة . وكان نتيجة ذلك إعلان الجمعية الوطنية الفرنسية قانون حقوق الإنسان الفرنسي في26 أغسطس1778 ثم توقيع ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في مؤتمر سان فرنسيسكو حزيران سنة 1945، ثم في سنة1948. وقد أثمرت هذه المقررات ثماراً حسنة في المجتمعات الغربية ، فصار الغربي ينشأ في بلده وهو يشعر بـأنه إنسان له حقوقه في الحياة والحرية ، وصارت الدولة تعني عنده الهيأة المنتخبة الموظفة لخدمة الناس ، وصار العمل السياسي عندهم لعبة معادلات وشطارة وشيطنة في إطار قوانين الديمقراطية . بينما ينشأ الإنسان في بلاد الإسلام وبلاد العالم الثالث وهو يشعر بأنه (شئ) في خدمة الحاكم المفرد وتصرفه،والدولة مالك لكل شئ مسيطر متجبر ! والعمل السياسي جريمة تسبب الدواهي وتقود الى المشنقة ، إلا في خدمة الحاكم المقدس ! ثم لا ضوابط ولا قوانين إلا هوى حاكم الجَوْر ، وعليك أن تسمي هواه دستوراً وقوانين !
نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
(اعتُمد ونشر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة
(217 ألف د-3) في10 ديسمبر1948)
الديباجة: لما كان الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم . ولما كان تجاهل حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال أثارت بربريتها الضمير الإنساني، وكان البشر قد نادوا ببزوغ عالم يتمتعون فيه بحرية القول والعقيدة وبالتحرر من الخوف والفاقة ، كأسمى ما ترنو إليه نفوسهم . ولما كان من الأساسي أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني ، إذا أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر إلى اللياذ بالتمرد على الطغيان والإضطهاد . ولما كان من الجوهري العمل على تنمية علاقات ودية بين الأمم . ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أعادت في الميثاق تأكيد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية ، وبكرامة الإنسان وقدره ، وبتساوي الرجال والنساء في الحقوق ، وحزمت أمرها على النهوض بالتقدم الإجتماعي وبتحسين مستويات الحياة في جو من الحرية أفسح . ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالعمل، بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان تعزيز الإحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ولما كان التقاء الجميع على فهم مشترك لهذه الحقوق والحريات أمرا بالغ الضرورة لتمام الوفاء بهذا التعهد، فإن الجمعية العامةتنشر على الملأ هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوصفه المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم ، كيما يسعى جميع أفراد المجتمع وهيئاته ، واضعين هذا الإعلان نصب أعينهم على الدوام ، ومن خلال التعليم والتربية ، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات ، وكيما يكفلوا بالتدابير المطردة الوطنية والدولية ، الاعتراف العالمي بها ومراعاتها الفعلية ، فيما بين شعوب الدول الأعضاء ذاتها ، وفيما بين شعوب الأقاليم الموضوعة تحت ولايتها على السواء . المادة 1: يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق . وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء . المادة2: لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع ، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي، سياسياً وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الإجتماعي، أو الثروة ، أو المولد ، أو أي وضع آخر . وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييز علي أساس الوضع السياسي ، أو القانوني ، أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص ، سواء أكان مستقلاً ، أو موضوعاً تحت الوصاية ، أو غير متمتع بالحكم الذاتي ، أم خاضعاً لأي قيد آخر على سيادته . المادة3: لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه. المادة4: لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده ، ويحظر الرق والإتجار بالرقيق بجميع صورهما . المادة5: لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ، ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية ، أو اللا إنسانية ، أو الحاطَّة بالكرامة . المادة6: لكل إنسان في كل مكان، الحق بأن يعترف له بالشخصية القانونية. المادة7: الناس جميعاً سواء أمام القانون ، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، ، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز. المادة8: لكل شخص حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة ، لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية ، التي يمنحها إياه الدستور ، أو القانون . المادة9: لا يجوز اعتقال أي إنسان ، أو حجزه ، أو نفيه ، تعسفاً . المادة10: لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظراً منصفاً وعلنياً ، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجه إليه. المادة11: 1. كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن يثبت ارتكابه لها قانوناً ، في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه. 2. لايُدان أي شخص بجريمة بسبب أي عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكل جرماً بمقتضى القانون الوطني أو الدولي ، كما لا توقع عليه أية عقوبة أشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الجرمي . المادة12: لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة ، أو في شؤون أسرته ، أو مسكنه ، أو مراسلاته ، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته . ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل ، أو تلك الحملات . المادة13:1. لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة.2. لكل فرد حق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده ، وفي العودة إلى بلده. المادة14: 1. لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصاً من الإضطهاد.2. لا يمكن التذرع بهذا الحق إذا كانت هناك ملاحقة ناشئة بالفعل عن جريمة غير سياسية ، أو عن أعمال تناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها . المادة 15: 1. لكل فرد حق التمتع بجنسية ما.2. لا يجوز، تعسفاً، حرمان أي شخص من جنسيته ، ولا من حقه في تغيير جنسيته. المادة16: 1. للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ حق التزوج وتأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين . وهما متساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله. 2. لا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملاً لا إكراه فيه . 3. الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع ، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة . المادة 17: 1. لكل فرد حق في التملك، بمفرده أو بالاشتراك مع غيره.2. لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً . المادة 18: لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين ، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده ، وحريته في إظهار دينه أو معتقده ، بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم ، بمفرده ، أو مع جماعة ، وأمام الملأ أو على حدة . المادة 19: لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة ، وفي التماس الأنباء والأفكار ، وتلقيها ، ونقلها إلى الآخرين ، بأية وسيلة ، ودونما اعتبار للحدود . المادة20: 1. لكل شخص حق في حرية الإشتراك في الإجتماعات والجمعيات السلمية.2. لا يجوز إرغام أحد على الإنتماء إلى جمعية ما. المادة 21: 1. لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده ، إما مباشرة ، وإما بواسطة ممثلين يُختارون في حرية . 2. لكل شخص، بالتساوي مع الآخرين ، حق تقلد الوظائف العامة في بلده . 3. إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دورياً بالإقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين ، وبالتصويت السري ، أو بإجراء مكافئ ، من حيث ضمان حرية التصويت . المادة 22: لكل شخص ، بوصفه عضواً في المجتمع ، حق في الضمان الإجتماعي ، ومن حقه أن توفر له ، من خلال المجهود القومي والتعاون الدولي وبما يتفق مع هيكل كل دولة ومواردها ، الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها لكرامته ، ولتنامي شخصيته في حرية. المادة 23: 1. لكل شخص حق العمل، وفي حرية اختيار عمله ، وفي شروط عمل عادلة ومرضية ، وفي الحماية من البطالة. 2. لجميع الأفراد ، دون أي تمييز ، الحق في أجر متساو على العمل المتساوي.3. لكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية ، تكفل له ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية ، وتستكمل ، عند الإقتضاء ، بوسائل أخرى للحماية الإجتماعية.4. لكل شخص حق إنشاء النقابات مع آخرين والإنضمام إليها ، من أجل حماية مصالحه . المادة24: لكل شخص حق في الراحة وأوقات الفراغ ، وخصوصاً في تحديد معقول لساعات العمل ، وفي إجازات دورية مأجورة. المادة 25: 1. لكل شخص حق في مستوى معيشة ، يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته ، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية ، وصعيد الخدمات الإجتماعية الضرورية ، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة ، أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته ، والتي تفقده أسباب عيشه.2. للأمومة والطفولة حق في رعاية ومساعدة خاصتين . ولجميع الأطفال حق التمتع بذات الحماية الإجتماعية ، سواء ولدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار. المادة26: 1. لكل شخص حق في التعليم . ويجب أن يوفر التعليم مجاناً على الأقل في مرحلتيه الإبتدائية والأساسية ، ويكون التعليم الإبتدائي إلزامياً ، ويكون التعليم الفني والمهني متاحاً للعموم ، ويكون التعليم العالي متاحاً للجميع تبعاً لكفاءتهم. 2. يجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية . كما يجب أن يعزز التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية، وأن يؤيد الأنشطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة لحفظ السلام. 3. للآباء على سبيل الأولوية حق اختيار نوع التعليم الذي يعطى لأولادهم . المادة 27: 1. لكل شخص حق المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية ، وفي الإستمتاع بالفنون ، والإسهام في التقدم العلمي وفي الفوائد التي تنجم عنه. 2. لكل شخص حق في حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على أي إنتاج علمي أو أدبي أو فني من صنعه . المادة 28: لكل فرد حق التمتع بنظام اجتماعي ودولي ، يمكن أن تتحقق في ظله الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان ، تحققا تاماً . المادة29: 1. على كل فرد واجبات إزاء الجماعة ، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل . 2. لايخضع أي فرد في ممارسة حقوقه وحرياته إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفاً منها حصراً ، ضمان الإعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها ، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي . 3. لا يجوز في أي حال أن تمارس هذه الحقوق على نحو يناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها . المادة 30: ليس في هذا الإعلان أي نص يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أية دولة أو جماعة أو أي فرد أي حق في القيام بأي نشاط أو بأي فعل يهدف إلى هدم أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه). انتهى. أقول: يتكون المنشور من هذه المواد الثلاثين ، وهو خطوة هامة في إنصاف الإنسان المظلوم وتثبيت حقوقه ولو نظرياً ، بقطع النظر عن التحفظات الشرعية على بعض بنوده .
الإشكالات على حقوق الإنسان عند الغربيين
نعم ، لقد تقدمت الحكومات الغربية خطوات مهمة في تطبيق حقوق الإنسان على مجتمعاتها ، وصار الأصل فيها احترام الإنسان ورعاية حقوقه وحرياته ، لكنهم ما زالوا يعانون من مشكلات داخلية وخارجية كبيرة ، تعوقهم عن الوصول الى التطبيق العادل والشامل لحقوق الإنسان ، ومن أهم مشكلاتهم الداخلية: التمييز في مجتمعاتهم بين الفقراء والأغنياء ، وبين البيض والسود ، ومواطني الدرجة الأولى والثانية ، وبين أهل منطقة ومنطقة ! ومنها ، أن الحكم والسلطة في مجتمعاتهم بيد أصحاب رؤوس الأموال أي (القوارين) ، فهم الذين يملكون توجيه وسائل الإعلام ورسم السياسات ، ويتفننون في خداع شعوبهم ، والحكام والسياسيون في الغالب موظفون عند هؤلاء القوارين ! ومن هنا ظهر اللوبي الصهيوني لأثرياء اليهود وأتباعهم ، حتى صاروا دولة داخل مجتمعاتهم ، وبنوا علواً يهودياً يخضع له حتى رؤساء الدول الغربية كما نرى في (سيناريوهات فضائح الرؤساء في أمريكا) ! ومن أهم مشكلاتهم الخارجية: أنهم يفقدون المصداقية ويقعون في التناقض بين احترام إنسان بلادهم وظلم إنسان العالم الثالث ، الذي يرزح تحت نفوذهم ونفوذ الحكام المنصوبين منهم ! فحكام الجوْر الذين تشكو منهم بلاد العالم الثالث ، إنما هم مفروضون على شعوبه من أولئك الغربيين أصحاب النفوذ ! ولو تخلَّوا عن مساندة الحاكم لأسابيع قليلة فقط لسقط بغضب الناس ! والنتيجة: أنه في الوقت الذي حقق الغربيون إنجازات هامة في تطبيق حقوق الإنسان في مجتمعاتهم ، فهم ما زالوا ينقضونها في بعض الشرائح عندهم ، كما يعانون في تعاملهم مع الشعوب الأخرى من أزمة كذبهم وزيف شعاراتهم عن الديمقراطية وحقوق الإنسان !
14- تأصيل أهل البيت (عليهم السلام) لحقوق الإنسان
كما امتلأت حياة الحكام الآخرين بانتهاك حقوق الإنسان ، فقد امتلأت حياة أهل البيت (عليهم السلام) بالإلتزام بها والتأكيد عليها وتأصيلها في قولهم وعملهم . وهذه سيرتهم العطرة تحفل بمآثر سلوكهم الإنساني النبيل وآياته ، ولو أردنا أن نستعرض نماذج من مواقفهم وأقوالهم (عليهم السلام) ، لطال الكلام .
وهذه ثروتهم العلمية الفريدة في تأصيل حقوق الإنسان ، لو استفاد منها المسلمون ، وأساتذة الحقوق في العالم . وتتسع هذا الخلاصة لإيراد نصين عظيمين منها ، هما: عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى مالك الأشتر (رحمه الله) واليه على مصر ، وهو بيانٌ يشرح أهداف الحكومة ، وبرنامجٌ عملي للحاكم في سياسته مع فئات شعبه وجهاز حكمه ، وحياته الشخصية . ورسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) ، وهي رسالة من عشرين صفحة ، في حقوق الإنسان وواجباته ، وبرنامجٌ عملي للإنسان في تعامله مع ربه ومع نفسه ومع الناس ، تقع في خمسين بنداً . وقد اهتم بعض العلماء بهذين النصَّيْن الفريدين ، لكنهما ما زالا مظلومين لم يأخذا حقهما من البحث في المجامع الحقوقية العالمية . 

إعادة نشر بواسطة محاماة نت