النظام القضائي الإسرائيلي المطبق على الأسرى الفلسطينيين

يتكون النظام القضائي الإسرائيلي من نوعين من المحاكم، مدنية يحاكم فيها المواطنون الإسرائيليون، وعسكرية يحاكم فيها المعتقلون الفلسطينيون.

وتطبق إسرائيل محاكمتها للفلسطينيين أحكام قانون الطوارئ البريطاني للعام 1945، بالإضافة لجملة من الأوامر العسكرية التي تستحدثها لخدمة سياستها الاحتلاليه، وتبرير الانتهاكات الصارخة لكافة معايير الحقوق الإنسانية للأسرى الفلسطينيين، ولتبرير الخروج على أحكام القانون الدولي العام والاتفاقات الدولية.

وتنتهك المحاكم الإسرائيلية كافة شروط المحاكمة العادلة، حيث أن معظم الأحكام الصادرة تصدر بناءاً على ما تقدمه النيابة العسكرية من أدلة غير كافية بالأساس لإدانة المتهم. وتتم المحاكمة في ظل وجود محامي إسرائيلي للدفاع عن الأسير في أحيان أخرى والذي تكون إدارة المحكمة العسكرية قد عينته للدفاع عن المعتقل، كما أن الأحكام الصادرة عن تلك المحاكم مبالغ فيها ولا تتناسب قانونيا مع الفعل المتهم به المعتقل، حتى أنك تجد للفعل الواحد المرتكب في نفس الظروف أحكاماً مختلفة ومتفاوتة لدرجة كبيرة. ناهيك عن الخروقات الحاصلة بخصوص فترات التوقيف الطويلة جداً التي تسبق المحاكمة، والتي يتم تمديدها من قبل قاض فرد، وفي ظل غياب الأسير المتهم غالباً ودون الاستناد لأي سند قانوني.

أما عن حق الدفاع المقر للأسير دولياً فهو غير مكفول إسرائيلياً في واقع الأمر، إذ أن معظم المعتقلين الفلسطينيين يتم احتجازهم داخل سجون ومراكز توقيف و تحقيق داخل إسرائيل (أي خارج مناطق سكناهم) الأمر الذي يحول دون تمكن الأسير من توكيل محام من منطقته والحصار المفروض على المناطق السلطة الفلسطينية وخصوصا قطاع غزة.

وفي هذا مخالفة لنص المادة (72) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تؤكد على أن: ” أي متهم له الحق بتقديم الأدلة اللازمة لدفاعه، وعلى الأخص استدعاء الشهود، وله حق الاستعانة بمحام مؤهل يختاره و يستطيع زيارته بحرية وتوفر له التسهيلات اللازمة لإعداد دفاعه”.كما أن عملية نقل المعتقلين من مناطق السلطة الفلسطينية لمناطق داخل إسرائيل يشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني خصوصاً المواد ( 147، 76، 49 ) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين زمن الحرب لعام 1949م.

هذا وتمارس إسرائيل العديد من الخروقات الدولية من إجراءات تصفية بحق الأسرى الفلسطينيين المحتجزين لديها- إضافة لحرمان الأسرى من حق الدفاع ومن إجراءات المحاكمة العادلة للمذكورين أعلاه- ومن تلك الخروقات ما يلي:

التعذيب:

تعمد أجهزة الأمن الإسرائيلية لاستخدام أسلوب ممنهج لتعذيب المعتقلين الفلسطينيين داخل أقبية التحقيق الإسرائيلية، حيث يتم استخدام أسلوب الشبْح و الحرمان من النوم و إسماع الموسيقى الصاخبة والضرب والهز والتهديد بالاستغلال الجسدي، والتقييد العنيف للأيدي و الأقدام، وتعريض المتهم للإضاءة القوية والضغط على الرقاب، وتعريض الأسير للحرارة العالية تارة و البرودة تارة أخرى. كل تلك الأساليب وغيرها المستخدمة داخل أقبية السجون ومراكز التحقيق الإسرائيلية منافية للقوانين والأعراف الدولية على الرغم من قيام محكمة العدل العليا الإسرائيلية بإصدار قرار يقضي بتحديد مدى صلاحية أجهزة الأمن الإسرائيلية باستخدام وسائل التعذيب المذكورة وفقا للقوانين الإسرائيلية (علماً بأن القرار لم يحدد مدى شرعية وقانونية تلك الأساليب).

وقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة الثانية منه على أنه: ” لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديداً بالحرب أو عدم استقرار سياسي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب”.

و تعمد الأجهزة الإسرائيلية المذكورة لاستخدام أساليب التعذيب المختلفة بهدف التأثير على الأسرى و نزع الاعترافات منهم بالقوة الأمر الذي يشكل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي العام والمواثيق الدولية.

عدم توافر العناية الطبية الملائمة

لقد تدهورت الظروف الصحية للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بشكل ملحوظ، خصوصاً خلال انتفاضة الأقصى حيث تفتقر السجون الإسرائيلية للطاقم الطبي الكافي لعلاج الأمراض التي تصيب المعتقلين، كما أن غياب اللوازم الطبية داخل السجون الإسرائيلية يزيد من حدة تدهور الأوضاع الصحية للأسرى.

وتنتهك إسرائيل المادة (91) من اتفاقية جنيف التي تؤكد على ما يلي:

“توفر في كل معتقل عيادة مناسبة، يشرف عليها طبيب مؤهل ويحصل فيها المعتقلون كل ما يحتاجونه من رعاية طبية وكذلك على نظام غذائي مناسب”.

هذا وقد سجلت الإحصائيات الفلسطينية عدداً من شهداء الحركة الأسيرة الذين فقدوا حقهم في الحياة نتيجة للإهمال الطبي داخل المعتقلات ” افتقارهم لحقهم في العلاج والرعاية الطبية” وكان أخرهم الشهيد وليد عمرو من دورا الخليل الذي استشهد في سجن نفحة الصحراوي إثر نوبة قلبية وعدم تلقيه العلاج اللازم.

نقص الاحتياجات المعيشية داخل السجون

مع ازدياد عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلية ازدادت الحاجة لمتطلبات معيشية بكميات أكبر من تلك المقررة بموجب قرار وزارة الدفاع الإسرائيلية القاضي بتخصيص مبلغ يعادل (500$) سنوياً لتغطية كافة المتطلبات المعيشية للأسير الواحد من مأكل و مشرب و ملبس و احتياجات أخرى، و أصبح الاعتماد الرئيسي للأسرى الفلسطينيين في تلبية احتياجاتهم المعيشية داخل السجون على المعونات الخارجية المقدمة من المؤسسات الحقوقية الراعية لشؤون الأسرى وعلى ما يمكن تقديمه من قبل الأهالي عبر الزيارات لمن يسمح لهم بالزيارة.

العزل

تتبع إسرائيل سياسة العزل الانفرادي للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية كوسيلة للضغط على الأسير لانتزاع الاعترافات من قبله، أو كعقوبة لأي فعل يصدر عن الأسير يشكل من وجهة النظر الإسرائيلية خرقاً للنظام المتبع داخل المعتقل. وغالباً ما يتم العزل دونما مبرر قانوني أو شرعي، اللهم أن ذلك الأسير متهم بقضايا أمنية يحظر معها اختلاطه بالغير و يحظر عليه التمتع بأية امتيازات أخرى قد يتمتع بها غيره من الأسرى الغير معزولين، فيكون الأسير المعزول بذلك خاضعاً لعقوبة السجن من جهة والعزل من جهة أخرى، وهذا الأمر بالطبع يؤثر سلباً على وضع الأسير النفسي والجسدي.

الحرمان من زيارة الأهل

إن عملية حجز المعتقلين الفلسطينيين داخل مناطق إسرائيل يعني حرمان المعتقلين من زيارة عائلاتهم لهم. حيث يخضع برنامج لجنة الصليب الأحمر الدولي الخاص بزيارة العائلات لذويهم من المعتقلين لقيود مشددة سيما مع بداية انتفاضة الأقصى في نهاية أيلول من العام 2000م، حيث أعلنت قوات الاحتلال عن إلغائها لبرنامج الزيارات المذكور لأجل غير مسمى. ثم عادت استأنفته في العام 2001م ولكن على فترات منقطعة ووفقاً لقيود وتدابير قاسية، بحيث يتم حرمان من ليسوا من الدرجة الأولى من زيارة أقاربهم من الأسرى، كما يحرم أبناء الأسرى ممن تزيد أعمارهم عن أل 15 عام من زيارة آبائهم، وفي ذلك مخالفة لأحكام المادة (116) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تؤكد على أنه:

“يسمح لكل شخص معتقل باستقبال زائريه وعلى الأخص أقاربه على فترات و بقدر ما يمكن من التواتر”.

وحرمان المعتقلين من تلك الزيارات يؤثر سلباً على أوضاعهم المعيشية والنفسية، فهم لا يستطيعون الحصول على الاحتياجات والأمتعة الضرورية لممارسة حياتهم كالملابس والطعام الذي يتم إدخاله عبر زيارات الأهالي.

هدم بيوت المعتقلين كجزء من العقوبة

تعمد سلطة الاحتلال الإسرائيلية في الفترة الأخيرة لاستخدام سياسة هدم البيوت كأسلوب من أساليب العقاب الجماعي للأسير و عائلته تحت مبررات غير شرعية وغير قانونية، وتساهم محكمة العدل العليا الإسرائيلية بتبرير و تشييع تلك العقوبة حتى في حالة كون الأسير موقوفاً و ليس محكوماً (متهم غير مدان بحكم قضائي) تحت ذريعة ارتكاب الأسير لأفعال تمس بالأمن الإسرائيلي. ويصدر قرار هدم منزل الأسير بمجرد اعتقاله حتى قبل انتهاء التحقيق معه وغالباً ما يتم تنفيذ قرار الهدم قبل الإدانة. وبذلك تخالف إسرائيل قواعد ومبادئ قانون الحرب بشأن معاملة المدنيين أثناء الصراعات المسلحة، فقد نصت المادة (53) من اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 على أنه: “محظور على دولة الاحتلال أن تدمر أي متعلقات ثابتة أو منقولة خاصة بالأفراد أو الجماعات أو الحكومة أو غيرها من السلطات العامة أو لمنظمات اجتماعية أو تعاونية إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتما ضرورة هذا التخريب”.

الإبعاد كعقوبة قضائية

تعمد حكومة الاحتلال كذلك لترحيل ونقل عدد من الأسرى الفلسطينيين إلى خارج البلاد كشكل من أشكال العقوبات التي تمارسها في مواجهة المعتقلين الفلسطينيين. وسياسة الترحيل المذكورة تنافي وتناقض ما ورد في المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949م والتي اعتبرت:

“النقل الإجباري الفردي أو الجماعي وكذا ترحيل الأشخاص المحميين (أهل المناطق المحتلة) من أراضي محتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو أراضي أية دولة أخرى محتلة أو غير محتلة محظور وبغض النظر عن دواعيه”

الاعتقال الإداري

تصدر أوامر الاعتقال الإداري عن قائد قوات الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية، وعن وزير الدفاع الإسرائيلي في القدس والمناطق الإسرائيلية, وتسمح إجراءات الاعتقال الإداري لقوات الاحتلال باعتقال الفلسطينيين لفترات تتراوح بين 3-6 أشهر تتجدد لعدد من المرات وفقا لما تراه قوات الاحتلال مناسباً، وذلك دون تقديم الأسير لإجراءات محاكمة، ودون تقديم أية اتهامات في مواجهته.

ويحرم الأسير من حقه في المحاكمة العادلة أو من حقه في معرفة التهم الموجهة ضده، وبالتالي يحرم من حقه في الدفاع عن نفسه.

وتستند إسرائيل في أحكامها تلك على ما يعرف “بالمادة السرية” المتعلقة بالمساس بالأمن الإسرائيلي. ويبلغ عدد الأسرى الإداريين القابعين في معسكرات الاحتلال “عوفر والنقب” حوالي 650 أسير حتى اللحظة.

هذا وقد اعتبرت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب أن الاعتقال الإداري منافٍ للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وذلك من خلال تقريرها الصادر عام 2001م