المفهوم القانوني للبينة المقبولة و المردودة

مفهوم البينة المقبولة :

هي تلك البينات التي تتوفر فيها شروط البينة من حيث كونها متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وجائز أثباتها شرعاً . وأعتبر المشرع السوداني بموجب المادة الثامنة من قانون الإثبات لعام 1993 البينة المقبولة كل بينة تنتج في إثبات الوقائع المتعلقة بالدعوى أو نفيها أو ألا تكون مردودة لأي سبب من أسباب رد البينة .

مفهوم البينة المردودة :

البينة المردودة هي كل بينة لا تؤدي إلى إثبات الدعوى أو نفيها أو تلك البينات التي تخالف الشرع أو الحس أو العقل ، والبينة تكون مردودة إذا لم تتوفر فيها شروط البينة السالفة الذكر ، وتعتبر البينة مردودة في الحالات التالية.

1. البينة التي تنتهك مبادئ الشريعة الإسلامية ، أو التي تخالف الحس والعقل والقانون والعدالة والنظام العام . والبينة تكون فيها انتهاك لمبادئ الشريعة متى ما كانت مخالفة لقاعدة من قواعد الدين الحنيف ، أو تحرم حلالاً ، أو تحلل حراماً ، أو يكون فيه انتهاك لحرمة صانها الدين الحنيف أو القانون كالبينة التي يتم الحصول عليها بوسائل غير مشروعة لاسيما في الإثبات الجنائي مثل انتهاك حرمة المسكن للتفتيش أو حرمة الحياة الخاصة حيث أن في ذلك انتهاكاً لمبادئ الشريعة وانتهاكاً للقانون والعدالة ، وفيه انتهاك لحقوق الإنسان المصانة شرعا وقانوناً بموجب المواثيق الدولية . ولقد خالف القانون السوداني لعام 1983 الملغي في مادته الحادي عشرة هذا المبدأ رغم النص على أن البينة تعد مردودة متى ما كان فيها انتهاك لمبادئ الشريعة الإسلامية أو القانون أو العقل أو العدالة أوالنظام العام وذلك عندما قرر المشرع السوداني بالنص على أنه لا ترفض البينة المقبولة لمجرد أنه قد تم الحصول عليها بوسائل غير مشروعة متى ما أطمأنت المحكمة إلى سلامة البينة من الناحية الموضوعية ، ثم وفي مادته الثانية عشرة ناقض ما نص عليه في المادة سالفة الذكر عندما أعطى المحكمة السلطة الجوازية في رفض البينة المقبولة متى مارات أن قبول تلك البينة ينتهك مبادئ الشريعة الإسلامية أو العدالة أو النظام العام ، وهذه المادة أيضا فيه انتهاك صريح للمبدأ السالف الذكر حيث منح المشرع المحكمة السلطة الجوازية ، بمعنى أنه يجوز للمحكمة قبول أو رفض البينة حتى وإن كان فيها انتهاك لمبادئ الشريعة الإسلامية أو العدالة أو النظام العام . ويبدو أن المشرع السوداني قد حاول عند صياغة قانون الإثبات الحالي (1993م) بوضع طلاء ، على الانتهاك الظاهر لهذه المادة لمبادئ الشريعة وتعارضها للمبدأ المذكور ، بألفاظ يبدو للمطلع عليها بسلامة النص رغم أن المضمون ظل فيه الانتهاك قائماً عندما نص في المادة العاشرة على بندين في قانون الإثبات لعام 1993 تحت عنوان البينة المتحصل عليها بإجراء غير صحيح . ففي البند الأول نص على أنه مع مراعاة أحكام الإقرار والبينة المردودة لا ترد البينة لمجرد أنه تم الحصول عليها بإجراء غير صحيح متى ما اطمأنت المحكمة إلى كونها مستقلة ومقبولة . وفي البند الثاني نص على أنه يجوز للمحكمة متى ما رأت ذلك مناسباً لتحقيق العدالة إلا ترتب إدانة بموجب البينة المشار إليها في البند (1) ما لم تعضدها بينة أخرى ، والملاحظ أن الفرق بين النص الملغي في قانون عام 1983 وقانون عام 1993المطبق حالياً مجرد تباين في الألفاظ مع الإتحاد في المضمون حيث يظل فيه الانتهاك قائماً ، بل نجده مخالفاً للدستور السوداني .

2. البينة التي تبنى على علم القاضي الشخصي . وهذه البينة مردودة عند بعض الفقهاء ومقبولة في حالات معينة. ، وفي النظام السعودي لا يجوز الحكم بعلم القاضي الشخصي استناداً على أن ما لم يرد النص فيه يكون الأخذ بما هو راجح في الفقه الحنبلي . والرأي الذي يتبناه كل من الفقه الحنبلي والفقه المالكي هو عدم الحكم بعلم القاضي الشخصي وعلى ذلك أيضا القانون السوداني الذي نص على ذلك صراحةً .

3. البينة التي يقدمها أحد الخصوم ، لنفي ما صدر عنه من سلوك دال على الرضا أو القبول ، أو فعل ثابت بإقراره الصحيح أو بمستند أو بحكم قضائي . وهذا مأخوذ من المبدأ الفقهي القائل على أن من سعى في نقض ما تم على يديه فسعيه مردود عليه ، حيث أن كل سلوك صادر من الخصوم يستشف منه الرضا والقبول على أمر أو وضع ما فلا يجوز لهم فيما بعد تقديم بينة لنفي هذا الأمر أو الوضع الذي كان سلوكهم وتصرفهم دالاً على رضاهم وقبولهم به . وخير مثال لذلك المستأجر الذي يدفع الأجرة ، فلا يجوز له فيما بعد تقديم بينة لنفي حق المالك في العقار ، كما أن الإقرار بحقوق العباد لا يجوز الرجوع فيه متى ما صدر خاليا من العيوب مثل الإكراه وعدم الطوعية ونقص الأهلية وخلافها من العيوب التي تشوبها. أو نفي فعل ثابت بمستند أو بحكم قضائي . ومعلوم أن الحكم القضائي حجة لا يجوز نقضه متى ما نال حجيته بتمييزه (تأيده من المحاكم الأعلى درجة ) أو بمضي مدة الاستئناف.

4. بينة الرأي من غير أهل الخبرة . وهي البينة التي تقدم بشأن مسألة فنية أو يحتاج فيه إلى خبير لإبداء رأيه ومتى ما قدمت بينة يحتاج فيه إلى رأي خبير من غير أهلها أي ممن ليس له الخبرة التي تتيح له الإدلاء براية ترد.

5. بينة الأخلاق ، التي تقدم في مواجهة أحد الخصوم ، ما لم يكن بيان أخلاق ذلك الخصم متعلقاً بالدعوى . الأصل أنه لا يجوز تقديم بينة عن أخلاق الخصم ، لا سيما في بدايات الدعوى حيث أن القاعدة العامة في الجرائم الجنائية أنه لا يجوز للاتهام أن يفتتح المحاكمة بأن يقدم بينة تتعلق بأخلاق المتهم السيئة Bad character . ذلك أن السماح بتقديم مثل هذه البينة يعني أن تقديم البينة الغرض منها تأييد افتراض أن المتهم الماثل أمام المحكمة مذنب لأنه من ذلك النوع من الناس . ولا تختلف القاعدة في المسائل المدنية إذا انه لا يجوز للمدعي أن يقدم في الأساس بينة تتعلق بأخلاق المدعى عليه بهدف أن يوحي للمحكمة أن المدعى عليه من نوع الناس الذين يمكن أن يقوموا بمثل هذا الفعل المعين ولكن استثناء من القاعدة العامة أجاز المشرع السوداني تقديم هذه البينة متى ما كانت هذه البينة متعلقة بالدعوى . ويبدو هذا الاستثناء بوضوح في جرائم القذف حيث أن سمعة وأخلاق الخصم ينتفي معها العفة ، وفي الاغتصاب فإن بيان أخلاق الخصم متى ما ثبت ينتفي معه عدم الرضي ، وفي إشانة السمعة يكون من المنطقي تقديم بينة الأخلاق للتنازع حول مبلغ التعويض ، كما درجت المحاكم السودانية لسماع بينة عن أخلاق المتهم بعد الإدانة وقبل توقيع الحكم كأسباب لتخفيف العقوبة . بل كانت المحاكم السودانية قبل القانون الحالي تقدم بينة الأخلاق لنفي التهمة عن المتهم وكان بالمقابل يحق للاتهام تقديم بينة الأخلاق وسوء سلوك المتهم لإثبات التهمة عليه ، كما أن الاتهام يحق له تقديم صحيفة المتهم لتشديد العقوبة عليه واثبات أن الجريمة من جرائم العود بالنسبة للمتهم . وهناك عدة سوابق قضائية أخذت بهذا الاستثناء ويؤيد الاستثناء ما ورد في صلب المادة السابعة من قانون الإثبات السوداني لعام 1993 حيث أعتبر المشرع السوداني أن من الوقائع الظرفية التي يجوز إثباتها باعتبار أنها متعلقة بالدعوى الوقائع الظرفية التي تبين كون الفعل المعين نهج سوابق متشابهة كانت للفاعل صلة بها ، من أجل إثبات أن الفعل كان عرضاً أو مقصوداً ، أو أنه أتخذ بقصد أو علم خاص ، أو تبين أسلوب تعامل يتم به الفعل عادة من أجل إثبات أنه قد تم أو لم يتم .