المسؤولية الفردية
المحامي زامل شبيب الركاض
تشكل حالة ضعف الأمة الإسلامية على مر التاريخ استثناء سرعان ما تتراجع عنه وتستعيد عافيتها ومتى حققت هذه النتيجة تسود العالم وتقود البشرية بهذا الدين الخاتم وهي تحقق ذلك بتزكيتها للفرد المسلم اللبنة الأولى في المجتمع، ونلاحظ أن القوة التاريخية المعادية لهذه الأمة بدأت تتخذ من بعض السلوكيات غير المسؤولة لبعض أبناء أمتنا ذريعة للتدخل في شؤوننا الداخلية، والمسألة لها بعدها الفكري التاريخي، قال الحق تعالى {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}، والغرب عموما في صورته المتجبرة يعتقد مثقفوه أنهم حملة حضارة متقدمة يجب أن تسود العالم، وأن المسلمين بدعوتهم لسيادة الإسلام كل تفاصيل الحياة همجيون ومتأخرون عن المدنية ويعرقلون استفرادهم بالمنطقة، وهم في ذلك لن يعدموا مدخلاً وخصوصاً أنه يوجد في أمتنا الكثير من حلقات الضعف التي يمكن من خلالها ضرب ثوابتنا ومؤسساتنا الدينية، وأن المتسببين في ذلك هم المتطرفون وما أتوا به من فعل وسلوك يمثل قمة عدم المسؤولية تجاه هذا الدين والأمة.

وحيث إن المنطقة قد شهدت انحراف بعض من الحركات الإسلامية عن مسارها الصحيح لتفرخ غلوا في الدين ممارسة وسلوكاً ونتائج، حيث قام أساطين فكر التطرف بتجنيد الشباب المسلم المتحمس لتحقيق أجندتهم التي تخدم انحرافاتهم الفكرية، ولو أدرك كل مسلم مسؤوليته في كافة تفاصيل هذه الحياة لما كانت هنالك مساحة لهذا الفكر في مجتمعاتنا فنحن اليوم أحوج ما نكون لانتشار الوعي بدور الفرد المسلم ومسؤوليته تجاه نفسه ومجتمعه وعلينا أن نزيل الغشاوة الماثلة أمام أبصارنا وأن نصحو من غفوتنا ولابد من تفويت الفرصة على الخارجين والمخالفين لقواعد الشريعة، فالمسؤولية تبدأ بالفرد ثم تصبح جماعية وبالاعتصام بحبل الله المتين تكمن القوة لهذا الدين القويم.

فالله سبحانه وتعالى شرّف الإنسان بحمل الأمانة وميزه بنعمة العقل، ورتب له مجموعة من القواعد ليهتدي بها ويؤدي دوره في الحياة، فاستشعار الفرد المسلم لمسؤوليته نابع من هذا الدور، فكل أدوات السلطة من أجهزة دعوية وأدوات إعلامية وتعليمية مطالبة بالقيام بهذا الأمر، وهو البداية الصحيحة لمعالجة ومواجهة الأفكار الهدامة، وتحقيق الخيرية في الأمة بإعلاء شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} فيتحقق الوعي والحفاظ على ثوابتنا وتعزيز الإحساس بالمسؤولية تجاه أنفسنا ومجتمعنا لتمتد وتشمل مسؤولية الفرد تجاه الدين والوطن ولا يتصور ممن يستشعر هذه المسؤولية أن يقوم بالتدمير والقتل، فالتزام الفرد المسلم بكل تلك الموجهات لاشك سيؤدي إلى إشاعة السكينة في هذا المجتمع ليصبح كل من فيه آمناً على نفسه وماله وعرضه (فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرض).

والحرية تكون بقدر المسؤولية، وحتى يستقيم الفهم الصحيح للحرية وكيفية استخدامها كحق مكتسب يستلزم القول إن هذه المساحة تعطى لمن يقدر مسؤوليتها وليس لمن يعتقد أن مساحة الحرية ما هي إلا ارتخاء في مفاصل الدولة الأمنية ليحقق أحلامه في القتل والتدمير أو التطاول على شريعة رب العالمين.

والمسؤولية الفردية هي حالة الوعي بالدور الرسالي للفرد المسلم في هذه الحياة، ولا يذهب ذهن القارئ لتقييد ما أطلقناه بأننا نقصد الحرية السياسية في الفكر الغربي الليبرالي فقط، ولكن نعني بها الحرية على إطلاقها بمحددات شريعتنا الغراء. والمسؤولية الفردية كمدخل لتعافي الأمة وصلاح حالها مبدأ أخلاقي لا علاقة له بالأجهزة الأمنية، وجبروت السلطان وقوته الإلزامية، ويجد هذا المبدأ شرعيته في الدور الرسالي للفرد المسلم في الحياة حين يفهم أن الله سبحانه لم يخلقه في هذه الحياة عبثا {أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} فالفرد مسؤول عن نفسه وعن أمته في أداء الأمانة التي حملها، بكل تجرد مهتديا ومتبعا قواعد الشريعة وأن لا يخالفها قولا أو فعلا أو يقر منكرا أو يسكت عنه.

ونخلص إلى أنه إذا كان الآباء كافحوا من أجل بناء هذا الوطن على عقيدة التوحيد ولا يزال بحمد الله يدافع عن هذه العقيدة ويحمي حماها وصدق الله إذ يقول {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} فعلى جميع أبنائه المخلصين مسؤولية مواصلة البناء والتقدم والمحافظة على الوطن نقيا بعيدا عن الغلو والتطرف وما يقابله في الطرف الآخر من انتشار المعاصي والفوضى الأخلاقية بدعوى التحرر والتمرد على الدين، الذي يمثل قمة التنكر لكل تلك المسؤوليات وسبباً لجلب المصائب والنكبات!!

[email protected]

إعادة نشر بواسطة محاماة نت