المحكمة المختصة بقضايا تشغيل الأموال في السعودية

نشرت صحيفة ”الاقتصادية” خبراً في عددها الصادر يوم الثلاثاء 5/9/1433هـ الموافق 24/7/2012، مفاده أن محكمة الاستئناف في الرياض أصدرت حكماً قضائياً بعدم اختصاص المحكمة العامة في الرياض بالنظر في قضية مساهمة ”تمور المملكة”، ليتم بعدها إصدار أمر بالإفراج عن المستثمر المتعثر صلاح النفيسي بعد أن قضى ثمانية أعوام في سجنه في الرياض، على أثر صدور أحكام قضائية ضده بإلزامه بإعادة أموال المساهمين.

وأضافت الصحيفة أن جهات عليا أحالت القضية إلى المجلس الأعلى للقضاء لتحديد الجهة القضائية المختصة بالنظر في موضوع القضية. ويعد النفيسي من أوائل موظفي الأموال واستثمارها في السعودية، عبر أنشطة متنوعة عقارية وتجارية، وبرز من خلال شركة تمور المملكة، ويقدر عدد المساهمين مع النفيسي بقرابة سبعة آلاف مساهم برأسمال يتجاوز مليار ريال، ومنذ دخوله السجن تم تعيين حمود الربيعان المحاسب القانوني حارساً قضائياً لإدارة أمواله والمحافظة عليها لتعود القضية إلى مربعها الأول بعد صدور هذا الحكم.

ولم تتضح من الخبر المنشور الأسباب التي بنت عليها محكمة الاستئناف حكمها المذكور إلا أنه يمكن القول إنه أياً كانت هذه الأسباب فإن النتيجة التي انتهت إليها محكمة الاستئناف تعد في تقديري صحيحة وتتفق مع أحكام النظام، لأن الاختصاص القضائي في هذا النوع من القضايا لا يدخل في تقديري ضمن اختصاص القضاء العام وإنما يدخل في اختصاص القضاء التجاري، وسبق أن عالجت هذا الموضوع في مقال منشور في صحيفة ”الاقتصادية” بتاريخ 28/3/1429هـ الموافق 5/4/2008 بعنوان (الاختصاص القضائي في قضايا تشغيل الأموال والعلاج المطلوب)، حيث انتقدت بعض الأحكام التي أصدرتها دوائر تجارية في ديوان المظالم تتضمن عدم الاختصاص في نظر قضايا تتعلق بتشغيل أو استثمار أموال أعداد غفيرة من المواطنين، وأوضحت الأسباب التي تدعوني إلى القول إن الدوائر التجارية في ديوان المظالم مختصة بالنظر والفصل في هذه القضايا، وأعيد هنا ذكر أهمها على النحو التالي:

أولاً: إن تحديد الاختصاص بشأن هذه القضايا ينبغي أن ينطلق من تكييف العلاقة التعاقدية بين المدعين والمدعى عليهم. والبادي لنا من الوقائع المنشورة أن هذه العلاقة التعاقدية لا تعدو أن تكون شركة بين متلقي الأموال ودافعيها. أي المساهمين، لأن الغاية من دفع هذه الأموال للمتلقي تنحصر في تشغيلها واستثمارها في أنشطة محددة على أمل تحقيق الربح. وهذا التكييف يتفق مع حكم المادة الأولى من نظام الشركات السعودي التي عرفت الشركة بأنها (عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يسهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة).

ولما كانت هذه الشركة لم يتم إشهارها رسمياً ولم تقيد في السجل التجاري فإنها تعد شركة محاصة وطبقاً لأحكام نظام الشركات السعودي لا تتمتع شركة المحاصة بالشخصية المعنوية ولا تخضع لإجراءات الإشهار وهي تستتر عن الغير خلف شخص يتولى إدارتها وتسيير أعمالها ويتعامل مع الغير بصفته الشخصية وهذه الأوصاف تنطبق على العلاقة بين متلقي الأموال والمساهمين، فمتلقي الأموال هو الشخص الظاهر الذي يتولى تشغيل الأموال في الأنشطة المتفق عليها ويتعامل مع الغير بشأنها بصفته الشخصية. ولما كان التكييف القانوني لهذه العلاقة بأنها شركة محاصة فإن المنازعات المتولدة عن هذه العلاقة تدخل ضمن اختصاصات الدوائر التجارية في ديوان المظالم لأن النظام أسند إليها ولاية الفصل في جميع منازعات الشركاء في الشركات التي يعترف بها نظام الشركات. وشركة المحاصة هي إحدى هذه الشركات المعترف بها نظاماً.

ثانياً: إذا أردنا تكييف العلاقة التعاقدية بين المدعين والمدعى عليهم في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية السمحة نجد أنها لا تعدو أن تكون شركة مضاربة، وهي نوع من أنواع الشركات المعروفة في الفقه الإسلامي والتي قرر نظام الشركات السعودي عدم المساس بها بمعنى جواز إنشاء مشاركات في إطار أية شركة من هذه الشركات. وتعني شركة المضاربة أن يدفع شخص يسمى (رب المال) إلى آخر يسمى (المضارب أو العامل) مالاً ليتاجر به ويكون الربح مشتركاً بينهما حسب ما شرطا. أما الخسارة فهي على رب المال وحده ولا يتحمل المضارب شيئاً منها وإنما يخسر المضارب جهده وعمله، ويكون المضارب ضامناً إذا تعدى أو فرط أو خالف أي شرط من شروط عقد المضاربة. وفي ضوء ذلك يعد متلقي أموال الغير بقصد استثمارها هو المضارب والمساهمون هم أرباب الأموال، وتكييف هذه العلاقة بأنها من قبيل شركة المضاربة يجعل الدوائر التجارية بحكم النظام مختصة بالفصل في المنازعات الناشئة عنها.

ثم طالبت في نهاية ذلك المقال المشرع السعودي بأن يتدخل فيضع نظاماً يسمح بإنشاء شركات مساهمة بغرض توظيف واستثمار أموال الغير ويضع لها القواعد التي تنظم عملها والضمانات التي تكفل حماية أموال المستثمرين، لأن من شأن ذلك تنويع قنوات استثمار مدخرات المواطنين ذوي الدخول المتوسطة والمحدودة خاصة بعدما فقد الاستثمار في سوق الأسهم بريقه وجاذبيته بعد انهيار السوق عام 2006، وضياع معظم مدخرات صغار المستثمرين ومتوسطيهم. من ناحية أخرى، يتعين أن يجعل النظام المقترح توظيف وتشغيل أموال الغير بالمخالفة لأحكام النظام جريمة يعاقب على ارتكابها بجزاءات محددة كل من متلقي الأموال ومودعها لديه على أساس أن هذه الجريمة لا تقع إلا باتفاق إرادتين على ارتكابها هما إرادتا المتلقي والمودع معاً. وبذلك لن يقدم مواطن أمواله إلى آخر لتشغيلها إلا وفق أحكام النظام.

وأجدد في هذا المقال دعوة المشرع السعودي للتدخل، ولعل وزارة التجارة والصناعة تتبنى بحكم اختصاصاتها، هذا الموضوع وتعد مشروع النظام المقترح وترفعه إلى مجلس الوزراء لدراسته وإصداره.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت