القرارات التحكيمية في قانون التحكيم الفرنسي

أ/ يارا النجادات

تنفيذ القرارات التحكيمية الدوليّة والداخلية
في قانون التحكيم الفرنسي

. صالح بكر الطيار دكتور في القانون من جامعة رين الفرنسية
أمين عام غرفة التجارة الفرنسية العربية
محامٍ ومستشار قانوني في المملكة العربية السعودية

مقدّمة

1. نجد قانون التحكيم الجديد في الاجراءات الواردة في المواد 2059 الى 2061 من القانون المدني. أما النص القانوني الشامل موضوع المرسوم 12 مايو 1981 نجده في قانون الاجراء المدني الجديد.
2. مُنِـع إدراج اي بند تحكيمي خلال ما يزيد عن قرن تقريباً، أي من 1820 الى 1925 . وتمّ السماح بإدراج البند التحكيمي ابتداء من 1925 للتجار فقط ؛ أما اليوم فيتم إدراجها في أي عقد لأغراض مهنية.
3. اللجوء الى التحكيم واجه معوقات عديدة مثل :
– عدم استجابة المحاكم الوطنية
– النصوص الإجرائية المربكة وغير الملائمة والتي تفتح المجال أمام مراجعات طعن في القرارات الصادرة.
4. الاصلاح الذي تمّ في 1981 لم يجرؤ على إلغاء التمييز بين قانون التحكيم الداخلي وقانون التحكيم الدولي. ولكن النظامين متشابهين الى حدّ كبير. كما أن النظام العائد للقرارات التحكيمية الدولية أكثر ليبرالية من النظام العائد للإعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية الدولية المنبثقة عن اتفاقية نيويورك الموقعة في 17 حزيران / يونيو 1958، التي وقعت عليه فرنسا كما وقّعت عليها أيضاً المملكة العربية السعودية في عام 1994 بالاضافة الى عدد من الدول الأخرى.

5. المفارقة تكمن في أننا قد نبحث دون جدوى في النصوص الفرنسية عن أي تعريف للقرار التحكيمي.
6. وجاء تعريف القرار التحكيمي بناء على الممارسة على أنه:
“إجراءات المحكمين الذين يحسمون بشكل نهائي جزئياً أو كلياً الخلاف المقدّم أمامهم، إن كان على صعيد الشكل أو الصلاحية أو أسلوب الاجراء الذي يقودهم الى وضع حد للدعوى” [1].
7. أما التعريف الوارد في اتفاقية نيويورك [2] فهو أقل وضوحاً إذ يهدف فقط الى التمييز بين القرارات الخاصة وتلك التي تمّ النطق بها تحت سلطة مؤسسات تحكيم دائمة.
8. يختلف القرار التحكيمي إذاً عن:

– الأمر التحكيمي : وهو قرار اتخذته محكمة تحكيم وغالباً ما يكون موقّعاً من قاضٍ منفرد، وهو لا يبتّ في مشكلة أساس، بل يكتفي فقط بايجاد حل لمشكلة إجرائية، باستثناء المسائل المنصوص عليها في تعريف القرار التحكيمي في النقطة السادسة المذكورة سابقاً.
– اتفاقية الوساطة والتوفيق، التي على عكس الاجراءات التحكيمية، تتطلب موافقة الطرفين وتوقيعهم لتصبح سارية المفعول.
9. سنتناول على التوالي:

1- القواعد العامة المتعلقة بتنفيذ القرارات التحكيمية في القانون الفرنسي
2- طرق الطعن
I. القواعد العامة المتعلقة بتنفيذ القرارات التحكيمية في القانون الفرنسي

أ. أمر تنفيذ القرار التحكيمي

10. القرار التحكيمي، حال صدوره، يصبح له قوة القضية المقضية، وذلك بالنسبة للإحتجاجات التي يحسمها. [3]
11. لا شيء يمنع أن يتم تنفيذ القرار التحكيمي مباشرة وبطريقة طوعية من قبل الجهة التي صدر الحكم بحقها. وتصرّ قوانين التحكيم جميعها على أن يكون التنفيذ الطوعي هو المبدأ الأساسي. وفي هذه الحال، فإن التنفيذ التلقائي يضع حداً نهائياً لأي طعن أو مراجعة.
12. يحق للجهة غير الراضية عن القرار التحكيمي أن تتقدم بطلب استئناف أمام محكمة الاستئناف، وذلك في حال قرارات التحكيم الداخلي فقط، وإذا لم تكن الأطراف المتنازعة قد تنازلت عن هذا الحق سابقاً.
13. في حال تعذر التنفيذ الإرادي والتلقائي للقرارات التحكيمية الصادرة، يصبح إجراء أمر التنفيذ ضرورة مسبقة لا مفر منها لأية محاولة تنفيذ قسري[4]. ولهذا الهدف، يجب التقدّم بطلب الى رئيس المحكمة البدائية يتضمن النسخة الأصلية للقرار التحكيمي، وعند الضرورة، نص البند التحكيمي ووثيقة المهمة إذا توفر. إذا لم تكن هذه المستندات باللغة الفرنسية، فعلى الطرف أن يبرز ترجمة لها مصدّقة من قبل مترجم محلّف.
يكتفي القاضي بالمراقبة الدقيقة للقرار التحكيمي والنظر في مدى ملاءمته للنظام العام، دون إمكانية مراجعة في الوقائع وفي القانون.
ليس هناك أي مناقشات متناقضة في هذه المرحلة، وتكون المراقبة أكثر شدة حين يتمتع المحكم بصلاحيات الحكم المطلق، الأمر الذي يخوّله بالمبدأ الابتعاد عن قواعد القانون، حتى الملزمة منها، ولكن لا يمكنه تجاهل إجراءات النظام العام. وفي شتى الأحوال، من الضروري أن يصار الى تبرير القرار المتّخذ[5].

14. إذا منح القاضي أمر التنفيذ، فهو يكتفي بأن يضع على النص الأصلي للقرار التحكيمي الصيغة التنفيذية التي تسمح بالاستعانة بالقوى الأمنية لتنفيذ القرار. وفي هذه الحالة، لايكون القرار الذي يمنح حق التنفيذ قابلاً لأي إجراء، إلا إذا تم ضمّ هذا الاجراء الى مراجعة إبطال موازية[6].

15. في حال رفض القاضي منح أمر التنفيذ. ففي هذه الحالة يصدر قرارا” بالرفض يجب أن يكون مبرّراً. في هذه الحالة، يكون القرار قابلاً للإستئناف ولطلب نقض الحكم.
وهنا يمكننا أن نلاحظ أن النظام يعبّر عن الابحاث التي يقوم بها القانون الفرنسي في البحث عن توازن دقيق يهدف الى:
– تفادي ازدياد عدد مراجعات الإبطال، في حال يكون فيها جعل هذه المراجعات ممكناً ليس ضرورياً،
– بل على العكس ، حمايتها كلما كان الأمر ممكناً بشكل أن يؤدي ذلك الى حماية حقوق الدفاع وفتح باب النقاش بهذا الهدف.

16. القرار التحكيمي – حتى ولو أضيف إليه أمر تنفيذ القرار- لا يؤدي بالضرورة الى التنفيذ التلقائي. وعلى الجهة التي حصلت على أمر التنفيذ لصالحها أن تقوم بتبليغ القرار المزود بالصيغة التنفيذية الى الطرف الآخر. ويحق لهذا الطرف، إذا احتفظ بهذا الحق، أن يستأنف القرار حال النطق به كما بإمكانه القيام بطلب مراجعة إبطال أمام محكمة الاستئناف. وفي كلتا الحالتين، تخرج الدعوى من صلاحية قاضي التنفيذ في تاريخ بداية أي من المراجعات المذكورة[7].

وفي كلتا الحالتين، يتمتع الطرف الذي يتلقى التبليغ بمهلة شهر بدءاً من تاريخ التبليغ. عندما يكون الطرف الآخر مستقراً خارج فرنسا، تضاف الى المهلة المذكورة مهلة مسافة : شهر واحد في حال السكن في الأراضي الفرنسية وفي ما وراء البحار وشهرين في حال السكن في الخارج.[8].
كما يبقى من الممكن تقديم الاستئناف أو التقدّم بطلب مراجعة إبطال حال صدور القرار.

17. بالتالي، إن إتخاذ أحد هذين الاجرائين يؤدي أيضاً الى مراجعة إبطال للقرار المزود بأمر التنفيذ. ولهذين الاجرائين أثر معلق على التنفيذ المؤقت[9]. لكنه، يبقى من الممكن، حتى في هذه المرحلة، أن يتم رفع النزاع الى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف لكي ينظر في التنفيذ المؤقت بالرغم من مراجعات الابطال المذكورة سابقاً.

أما قاضي التنفيذ (الذي استحدثت مهامه في 1991) فله صلاحية منافسة للنظر في هاتين النقطتين[10].
بسبب تشعّب هذه القواعد، فهناك منحى للسماح بالتنفيذ المؤقت للقرارات وذلك بشكل مستقل أو حتى قبل أي اجراء التنفيذ.

ب- هل التنفيذ المؤقت للقرارات التحكيمية ممكن، قبل إجراء التنفيذ و بشكل مستقل عن إجراء التنفيذ ؟

18. قاضي الدولة له صلاحية، ليس فقط، أن “يقول القانون” لوضع حد لنزاع، بل له أيضاً صلاحية أن يعطي الأمر بتنفيذ قراره بالرجوع، لهذا الغرض، الى قوى الأمن. أولى هذه الصلاحيات يطلق عليها اسم السلطة القضائية Jurisdictio أما الثانية فهي السلطة الآمرة أي Imperium.

19. المحكم هو قاض خاص يتم تعيينه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من قبل أطراف النزاع. يملك السلطة القضائية إلا أنه لا يملك أبداً السلطة الآمرة.
نتيجة لذلك، لإضفاء الصيغة التنفيذية على القرار التحكيمي، فإنه من الضروري وضع حيز التنفيذ إجراء أمر التنفيذ كلما لم يتم التنفيذ التلقائي للقرار من قبل الجهة التي صدر القرار بحقها (أنظر النقاط 10 ولاحقاً).
20. لكن هناك منحى جديد بدأ العمل به، وهو أن يتم الاستشارة في نص القرار التحكيمي على أنه بقوة القانون قابل للتنفيذ حال النطق به.
إلا في بعض الحالات الاستثنائية، ومن الناحية النظرية، حين يكون أطراف النزاع قد اتفقوا على إجراءات خاصة بشأن تنفيذ القرار حال صدوره، الأمر الذي يبدو في شتى الأحوال غير كافٍ لمنعهم من اللجوء الى التقدّم بمراجعة إبطال، التي تعود إجراء من النظام العام.
هذا المنحى الذي يهدف الى تزويد القرار بصيغة التنفيذ المؤقت، فهو لا يرتكز على أسس متينة، وقد انقسم المشرعون بشأنه.
21. قرار منفرد نطق به قاضي تنفيذ في المحكمة الابتدائية أكّد فيه أن القرار التحكيمي الصادر يستفيد من بند التنفيذ المؤقت على الرغم من أية مراجعة إبطال قد يكون هو موضوعها، وذلك بالارتكاز الى المادة 28.6 من قانون غرفة التجارة الدولية[11].
ويكتفي هذا النص بالتذكير بمبدأ التنفيذ بنية حسنة للقرار لكنه يحفظ إمكانية إجراء المراجعات العائدة للنظام العام، ولاسيما مراجعة الإبطال.
22. أما القرار الذي أصدره الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في باريس في5 فبراير/شباط 2003 فقد أخذ الرأي المعاكس للقرار الذي كان اتخذه قاضي المحكمة الابتدائية وذكر بأن إلتزام التنفيذ بحسن نية المنصوص عليه في المادة 28 الفقرة 6 من قانون التحكيم لغرفة التجارة الدولية ” لا يحرم الأطراف، ليس فقط من إمكانية التقدّم بمراجعة إبطال للقرارالتي تخضع للنظام العام، ولكن أيضاً من إمكانية الاستناد الى نصوص القانون العام في القانون الجديد للاجراء المدني لطلب توقيف التنفيذ المؤقت عندما يكون قد تمّ طلبه”[12].
23. لكن يبقى بالامكان أن نذهب حتى أبعد من ذلك، فحتى ولو أضيفت صيغة التنفيذ المؤقت الى القرار التحكيمي من قبل القاضي، فإنه لا يمكن أن تؤدي الى تنفيذ قسري إلا إذا كانت مزوّدة بصيغة أمر التنفيذ، أو إذا كانت موضوع مذكرة من قبل قاضي التنفيذ بهذا المعنى.
24. ونعود هنا الى المبدأ الذي وضعته المادة 1477، وأيضاً الى الاشارة التي أعطتها المادة 1479 من القانون الجديد للإجراء المدني التي تسمح:
“في حال الاستئناف أو مراجعة الابطال، على الرئيس الأول إما أن يمنح أمر التنفيذ المؤقت للقرار التحكيمي إذا لم يكن القرار مزوداً بهذه الصيغة، كما يمكنه إعطاء أمر التنفيذ النهائي لقرار مزوّد بصيغة التنفيذ المؤقت”
الأمر الذي يدلّ أن مثل هذه الاشارة ليست قابلة بحد ذاتها الى إحداث أي أثر قانوني بشكل تلقائي.