رأيى الشخصى
تتنوع درجات التقاضى حسب قانون أصول المحاكمات المدنية
الأصل أن يقوم القضاء على مبدأ التقاضى على درجتين أما التقاضى على درجة واحدة فهو الإستثناء ويستفاد ذلك من المادة 226 من قانون أصول المحاكمات التى جاء فيها أنه “يجوز للخصوم فى غير الأحوال المستثناه بنص فى القانون أن يستأنفو أحكام المحاكم الإبتدائية “

مبدأ التقاضي على درجتين من المبادئ الاساسية في المحاكمة المدنية ، ومعناه ان الدعوى ترفع أولا إلى محكمة الدرجة الاولى ، ثم يكون للمحكوم عليه حق الطعن من حكمها بإستئنافه إلى محكمة الدرجة الثانية أو المحكمة الاستئنافية.
يقصد بمبدأ التقاضي على درجتين، أن الدعوى ترفع أولا أمام المحكمة، فتتولى الحكم فيها ابتداء، وتسمى المحكمة التي أصدرت هذا الحكم لأول مرة بمحكمة الدرجة الأولى، ثم يكون للمحكوم ضده الحق في التظلم من حكمها، عن طريق الطعن فيه بالاستئناف، إلى جهة قضائية عليا، تسمى المجلس القضائي في التشريع الجزائري، أو محكمة الاستئناف أو محكمة الدرجة الثانية في تشريعات أخرى، فيتم عرض النزاع أمام هذه الجهة القضائية من جديد، لتنظر القضية من حيث الوقائع والقانون معا، وتفصل فيها بحكم نهائي.
أهمية مبدأ التقاضي على درجتين:
تبرز أهمية مبدأ ازدواج درجة التقاضي، في كونه يشكل ضمانا أساسيا لمصالح المتقاضي، وللمصلحة العليا للعدالة، لذلك قيل بأن الإقرار بالاستئناف بوصفه طريقا للطعن، يلجأ إليه المتقاضي، الذي يعتقد أن الضرر قد حاق به، من جراء الحكم الصادر ضده على مستوى محكمة أول درجة، وهو يعتبره أهم ضمان لحقوقه، لذلك اعتبر هذا المبدأ من أهم المبادئ العامة في القانون الإجرائي، لأنه يشكل ضمانا من ضمانات حسن سير العدالة.
السند القانوني لهذا المبدأ:
أ) في القانون الدولي:
تم النص على هذا المبدا في الفقرة الخامسة من المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث نصت على ان ( لكل شخص ادين بجريمة، حق اللجوء وفقا للقانون،الى محكمة اعلى كيما تعيد النظر في قرار ادانته وفي العقاب الذي حكم به عليه)

ب) في التشريع:
يجد مبدأ التقاضي على درجتين، سنده التشريعي بنص المادة 06 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي نصت على أن المبدأ هو أن التقاضي يقوم على درجتين، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وبحسبه فالمبدأ العام في التشريع الجزائري، هو الأخذ بازدواج درجة التقاضي، لذلك فمحاكم الدرجة الأولى، تقضي في المنازعات المقدمة أمامها بأحكام ابتدائية قابلة للاستئناف أمام المجالس القضائية، وفقا للفقرة الأخيرة من المادة 33 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

كما أن المحاكم الإدارية بدورها، تفصل في أول درجة بحكم قابل للاستئناف أمام مجلس الدولة، في جميع القضايا التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو اجدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها، طبقا لنص المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
ومن النتائج المترتبة عن الأخذ بهذا المبدأ، أن للمجلس القضائي أن يتصدى للفصل في المسائل غير المفصول فيها، بعد تصريحه بإلغاء حكم فاصل في دفوع شكلية قضى بإنهاء الخصومة، متى تبين له ولحسن سير العدالة، إعطاء حل نهائي للنزاع، وذلك بعد قيامه بإجراء تحقيق عند الاقتضاء، تطبيقا لنص المادة 346 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية،كما أن القاضي الذي نظر القضية على مستوى محكمة الدرجة الأولى، لا يجوز له أن يشارك في تشكيلة المجلس القضائي التي تتولى الفصل في نفس الدعوى.
مزايا مبدأ التقاضي على درجتين :
أ- يحث قضاة محاكم الدرجة الأولى على الاهتمام بموضوع النزاع والعناية بأحكامهم والتأني في اصدارها خشية الغائها او تعديلها من محاكم الدرجة الثانية .
ب- يسمح للخصوم بتصحيح ما قد يقع فيه قضاة اول درجة من اخطاء
ج- يمكن للخصم الذي لم يستطع الدفاع عن نفسه او لم يستكمل أوجه دفاعه امام محكمة الدرجة الاولى – من اعادة عرض النزاع امام محكمة اخرى اخرى اعلى درجة تتشكل من قضاة اكثر عدداً واكثر خبرة فتطمئن نفسه الى عدالة الحكم الذي سيصدر .
مبدأ التقاضي على درجتين في الفقه الاسلامي :
– قام الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده بإقرار هذا المبدأ وتطبيقه في أكثر من موقع .
فالشريعة الإسلامية لاتقف في وجه أي وسيلة أو تحقيق أو دفاع من شأنه إظهار الحق , فهي مرنة بهذا المجال .

– بما أن نظام القضاء في الاسلام هو أقرب النظم لحماية العدل وإقرار الإنصاف وإلتزام المساواة المطلقة بين الناس وتعميم العدالة الاجتماعية فقد عرف هذا المبدأ في أكثر من حالة , وقد تم بيان هذه الحالات في عدد من الآيات والأحاديث الشريفة وأقوال الصحابة ومن ذلك:
1- نص الآية 78 من سورة الأنبياء حيث يقول الله تعالى: (وداود وسليمان اذ يحكمان في الحرث اذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين # ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكما وعلماً وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين)
فنتبين من الآية أن غنماً أتلفت حرثاً فقضى داود عليه السلام بالغنم لصاحب الكرم فقال سليمان : غير هذا يا نبي الله , قال : وما ذاك , قال: تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا كان الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه ودفعت الغنم إلى صاحبها.(السنن الكبرى للبيهقي جـ 10 ص 118 , جامع البيان جـ 17 ص 51)

2- ما روي عن علي بن أبى طالب رضي الله عنه لما ولي أمر اليمن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم , فقد حدث أن حفر الناس حفرة لأسد ليقع فيها , فلما وقع الأسد بالحفرة تزاحم الناس حولها لينظروه , فوقع واحد منهم في الحفرة , فأمسك بثاني فوقع الثاني والثاني بثالث والثالث برابع حتى وقع الأربعة بالحفرة وقتلهم الأسد . فاحتكم أهل القتلى إلى علي رضي الله عنه , فقضى للأول بربع الدية والثاني بالثلث والثالث بالنصف وللرابع بدية كاملة , وأوجب هذه الديات على عواقل المزدحمين حول الحفرة . فلم يرتح أهل القتلى لهذا الحكم , وأتوا الرسول صلى الله عيه وسلم في موسم الحج , وعرضوا عليه الأمر , فأمر صلى الله عليه وسلم بقضاء علي وقال: هو ما قضى بينكم . (الشيخ احمد هريدي ص146 وسلام مذكور ص 333).

3- حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( كانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بإبن أحدهما فقالت لصاحبتها إنما ذهب بإبنك وقالت الأخرى إنما ذهب بإبنك فتحاكمتا إلى داود عليه السلام فقضى به للكبرى , فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما . فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله هو ابنها , فقضى به للصغرى.(صحيح البخاري جـ8 ص 194 , صحيح مسلم جـ3 ص 1344)