الظروف القانونية لإعادة قضية الكازينو من جديد إلى مجلس النواب

المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين

جدوى إعادة قضية الكازينو من جديد إلى مجلس النواب

2012-03-07

شهدت قضية كازينو البحر الميت قبل أيام تطورا لافتا بعدما أثبتت تحقيقات اللجنة القضائية المشكلة تورط رئيس الوزراء السابق معروف البخيت وعدد من الوزراء السابقين في القضية بعد ظهور بينات وأدلة جديدة لم تكن اللجنة النيابية المكلفة بالتحقيق قد حققت بها, حيث طلب المدعي العام على أثر ذلك من النائب العام مخاطبة مجلس النواب للسير في الإجراءات الدستورية الخاصة برفع الحصانة عن المتورطين والموافقة على إحالتهم إلى النيابة العامة للبدء بإجراءات محاكمتهم وفق أحكام القانون.

إن التساؤل يثور حول جدوى إعادة ملف قضية الكازينو إلى مجلس النواب وإضاعة المزيد من الوقت بإجراء تحقيقات برلمانية للتثبت من صحة ما توصلت إليه اللجنة القضائية من نتائج. فطالما أن المدعي العام بما له من سلطات وصلاحيات قانونية في التحقيق تتمثل في دعوة الشهود للمثول أمامه وإلزام الغير بتقديم أية مستندات خطية تحت يدهم قد توصل إلى تورط وزراء جدد في القضية, فمن غير المعقول أن توقف إجراءات محاكمة هؤلاء الأشخاص على تحقيقات صورية إضافية يجريها مجلس النواب الذي لا يملك أبسط السلطات في التحقيق. فقد ضاعت هيبة مجلس النواب كجهة تحقيق بعد أن قرر “فرط” لجان التحقيق الذي سبق له وأن شكلها, وفقد صدقيته بعد أن رفضت شخصيات معينة المثول أمام لجان التحقيق التي ما زال يحقق بها كما حدث مع رئيس مجلس إدارة شركة الفوسفات وليد الكردي الذي رفض المثول أمام لجنة التحقيق البرلمانية للاستماع لشهادته.

ولا يرد ما يدفع به البعض من أن إعادة ملف قضية الكازينو إلى مجلس النواب يأتي تطبيقا لأحكام المادة (56) من الدستور التي تعطي الحق لمجلس النواب بإحالة الوزراء إلى النيابة العامة مع إبداء الأسباب الموجبة لذلك وبأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. فمجلس النواب قد سبق له وأن شكل لجنة تحقيق برلمانية في القضية والتي قامت بجمع كافة الوثائق والمستندات المتعلقة بالموضوع واستمعت إلى شهادة عدد كبير من الشهود قبل أن تعد قائمة اتهام بحق مجموعة من الأشخاص بالجرائم المسندة لهم والتي شملت معظم الأسماء الجديدة التي كشف عنها المدعي العام, إلا أن مجلس النواب لم يصوت لصالح اتهام أي من هؤلاء الأشخاص في القضية وقرر براءتهم جميعا باستثناء الوزير الأسبق أسامة الدباس الذي قرر اتهامه في القضية.

لذا فقد كان الأجدر بالمدعي العام أن يطلب من النائب العام إعداد لائحة اتهام بحق الوزراء المتورطين ومباشرة إجراءات محاكمتهم من دون الحاجة لإحالة القضية من جديد إلى مجلس النواب, الذي لم يعد وفقا للتعديل الدستوري الأخير جهة اتهام للوزراء كالنيابة العامة بل أصبح جهة إحالة لا تملك أي من صلاحيات التحقيق مقارنة مع تلك التي يملكها المدعي العام. فمجلس النواب عندما سيستلم ملف القضية من النائب العام لن يقرر خلاف ما توصل إليه المدعي العام وسيقرر إحالة الوزراء المتورطين مرة أخرى إلى النيابة العامة لإصدار قرار اتهام بحقهم, مما يجعل إعطاء أي دور لمجلس النواب في القضية في هذه المرحلة مجرد إضاعة وقت يخشى معه أن يؤثر على مجريات القضية.

ولا يرد ما أورده المدعي العام بضرورة رفع الحصانة عن الوزراء الذين وردت أسماؤهم كمتورطين جدد في القضية بمن فيهم أحد الوزراء العاملين حاليا, ذلك أن الوزراء في الأردن لا يتمتعون بأية حصانة سياسية حتى يطلب من مجلس النواب رفعها عنهم. فما قررته المادة (56) من الدستور من حق مجلس النواب في إحالة الوزراء إلى النيابة العامة يجب أن لا يفسر على أن الوزراء يتمتعون بحصانة سياسية تمنع ملاحقتهم جزائيا من قبل النيابة العامة. فالأصل أن النيابة العامة هي صاحبة الولاية العامة في تحريك دعوى الحق العام, وأن إعطاء مجلس النواب دور في محاكمة الوزراء هو استثناء على الأصل وبالتالي يجب عدم التوسع فيه أو القياس عليه. فالدستور الأردني عندما منح مجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى النيابة العامة لم يكن يقصد اعتبارها الجهة الوحيدة المخولة دستوريا بإحالة الوزراء, وإلا فما هو مصير الوزراء الذين يثبت ارتكابهم لجرائم تتعلق بوظيفتهم أثناء فترة حل مجلس النواب أو فترة عدم انعقاده?

إن النيابة العامة لم تكن في يوم من الأيام ملزمة بـ أية قرارات يصدرها مجلس النواب تتعلق بمحاكمة الوزراء كونها صاحبة الولاية العامة في تحريك دعوى الحق العام. وأكبر مثال على ذلك قضية الكازينو الحالية حيث سبق وأن قرر مجلس النواب اتهام وزير السياحة الأسبق أسامة الدباس وتبرئة رئيس الوزراء السابق معروف البخيت وباقي المشتبه فيهم. إلا أن النيابة العامة قد أهملت قرارات وتحقيقات مجلس النواب السابقة وأجرت تحقيقاتها الخاصة بها والتي توصلت فيها إلى نتائج مغايرة تماما لتلك التي توصل إليها مجلس النواب. بهذا يكون مجلس النواب قد تلقى صفعة قوية ويكون إعطاؤه أي دور في قضية الكازينو في هذه المرحلة مضيعة للوقت الذي يجب على للمجلس استغلاله للتعامل مع الاستحقاقات التشريعية القادمة المتمثلة في إقرار قوانين الإصلاح السياسي خصوصا مع اقتراب موعد فض الدورة البرلمانية العادية ورغبة جلالة الملك في إجراء انتخابات تشريعية مع نهاية العام الحالي.