السلطة والحرية بين الإسلام والغرب الجزء الثاني

أحمد السكسيوي

باحث في العلوم القانونية

ثانيا: المفهوم الغربي التأصيل والدلالات

تانيا: المفهوم الغربي:[1]

حاولنا في ما مقالة منشورة سابقا، أن نسلط الضوء على بعض من تجليات الحرية في الإسلام وعلاقتها بالسلطة الحاكمة، وتوصلنا من خلال ما تطرقنا له أنفا، بأن المفهوم الإسلامي للحرية والتنظيم السياسي انحرفت عنه الأجيال من المسلمين، للأسباب الثلاثة التالية:

السبب الأول: في كون الإبتعاد الصارخ عن المبادئ الإسلامية والمعتقدات الدينية الحقة والصحيحة، الأمر الذي جعلنا أشخاص تائهون بين ثقافات وتجارب سياسية غربية وغريبة عنا الأمر الذي جعلنا نبتعد عن الديمقراطية أكثر مما نقترب منها.

السبب الثاني: هو التقدم الغربي عنا الذي حاولوا تعميقه بالأخذ منا ما صلح وإرسال لنا، تفكيرا خاطئا ضالا وظلاميا، غير سليم.
السبب الثالث: لم نحاول تنزيل الأسس الإسلامية في الحكم، وتركنها مجرد أفكار على ورق، نزين بها مكتباتنا ونلقها على أطفالنا كمبادئ بعيدتا عن الواقع السياسي والإجتماعي والقانوني، فأضحت في نظر البعض طوباويات.

ولمحاولة وضع مقارنة جادة بين كلا الإتجاهين، سنحاول تناول المفهوم الغربي للحرية والسلطة، ثم نبين: هل للقانون والقضاء دورا في التوفيق بين الإطارين أو الحقلين.
فلاشك أن البحث في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان، يستلزم منا التنقيب على مختلف التوجهات والرؤى الفلسفية الغربية ومدى نجاعتها كمصدر فكري وسياسي للدول العربية- الإسلامية.

أ- التأصيل المفاهيمي:

عند البحث في الموضوع، تظهر على السطح مجموعة من المفاهيم التي حاول بها الغربيون توطيد وإرساء الدولة المدنية، التي كان همها الأول إرساء دعائم الحرية دات العلاقة الجيدة مع السلطة، من بين هاته المفاهيم نجد:

1- مفهوم الديمقراطية:

هذا المفهوم يحاول أن يضع قطيعة مع الاستبداد الذي عاشته أوربا إبان الملكية المطلقة، وقد استرجع هذا المفهوم بدلك السيادة للشعب- الأمة بعدما احتكرتها الملكية والكنيسة لعدة قرون، ومع مرور الوقت سار البحث في الديمقراطية أمر ضروري، لما يثيره من إشكالات على مستوى معايير التمييز بين الحكومة الديمقراطية والحكومة الديكتاتورية- الاستبدادية[2].

-2 نظرية الحكومات:

وفي هدا الصدد ميز منتسكيو بين ثلاثة أنواع من الحكومات، فهنالك الحكومة الاستبدادية التي تقوم على غرائز ونزوات الحاكم الواحد الذي ليس هناك غيره، أما النوع الثاني فهو الدولة أو الحكومة المونارشية، وفي تعريفها فهي التي تتواجد بها مجموعة من المؤسسات التي تنظم الحكم السياسي كإطار عام، أما إدا أمعنا النظر قليلا نجدها تتجمع في شخص واحد يحاول تنظيمها وفصل مهامها، واخيرا الحكومة الجمهورية، وهي أسمى الدول- الحكومات، التي تتشبع بالديمقراطية في إطار الإنتخابات النزيهة، وفصل السلط المرن.

3- فصل السلط:

إن فصل السلط يعتبر أحد الأمور البديهية التي يجب على الدولة أن تقوم على تفعيلها، ويعتبر الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو، أحد أهم من ناد بهذا المبدأ[3]، ويمكن تعريف فصل السلط بأنها الفصل بين السلطات، وتوزيع السلطات الأساسية في الدولة على هيئات مختلفة بحيث لا يجب أن تتركز هذه السلطات في هيئة واحدة[4].

-4نظام التمثيلية:

يعكس هذا المفهوم السيادة الحقيقية للشعب عن طريق إختيار مثلين لهم من أجل النيابة في حكم الدولة. لكن لم يبقى لهدا النوع من الديمقراطية أي فعالية، وقد حاول إجاد مفهوم أخر تمثل في الديمقراطية التشاركية.

ب- الدلالات الفلسفية للمفهوم الغربي:

إن إمعان النظر في مختلف الكتابات الغربية التي عالجت هدا الموضوع، نجدها تحمل كثيرا من الدلالات الفلسفية، والأبعاد المرجعية، ومن خلال قراءتنا لمجموعة من الكتب التي تناقش الحرية في إطارها القانوني- السياسي والفلسفي، وبعلاقتها مع السلطة المقيدة لها –أي الحرية-.

1- الحرية المسؤولة والحرية الشخصية:

الحرية في نظر جون ستيوارت ميل[5] بإن الحرية هي معطى أزلي، إصتدمت بالسلطة في صراع أبدي وقديم، وغاية وهدف هدا الصراع تقييد السلطة وإجبارها على احترام الحرية والاعتراف بها.

هناك تمييز بين نوعين من الحرية:
الحرية المسؤولة، وهي الحرية المقيدة والتي لا يمكن ممارستها كاملا يقول محمد عزيز الحبابي في هدا الصدد:
” ليست لنا حرية، بل حرية- الصحافة،… وحرية- المعتقدات…، ومن هنا يبدأ التناقض، الحرية، قبل كل شئ هي التقييد، بحيث لا يفهم مدلولها إلا إدا تنازلت عن الاستقلال الكلي والتزمت التحديد”[6]
وبدلك ليست مطلقة، فتنتهي الحرية عند بداية حرية الأخر.

الحرية الشخصية، وهي المرتبطة بالإنسان، فتمنحه كافة الصلاحيات في ممارسة الحرية بدون قيد ولا شرط، وما عدا الأطفال والمجانين الذي ليست لهم هاته الحرية الكاملة، وأسقط ميل هدا القيد كذلك على الدول المتخلفة، الذي يدعو للاستعمار كألية لأجل إصلاح كم المشاكل التي خلفت تخلفا على هاته الدول[7].

2- الاستبداد المختار وتوطيد السلطة على الحرية:

لقد حاول الكاتب والقاضي في عده أتين دي لابويسيه، أن يضع تشريحا عاما لإشكالية السلطة والحرية، ويرجع السبب في نظريه لأن الشعب هو الذي يصنع الحكم الاستبدادي، فالصمت يزيد من الطغيان، فبما أن المواطن هو مصدر حريته، فإنه مصدر الدكتاتورية، وبدلك وجب التحرر من هذا الطغيان المختار، يقول دي لابوسييه:
” يا لذل شعوب فقدت العقل ويا لبؤسها، يا للأمم أمعنت في آذاها وعميت عن منفعتها، تسُلبون أجمل مواردكم وأنتم على السلب عيان، تتركون حقولكم تنُهب ومنازلكم تسُرق و تجرُ دّ من متاعها القديم المورث عن آبائكم ! تحيون نوعا من الحياة لا تملكون فيه الفخر بملك، حتى لكأنهما نعمة كبرى في ناظركم لو بقى لكم ولو النصف من أملاككم وأسركم وأعماركم، وكل هذا الخراب، هذا البؤس وهذا الدمار يأتيكم لا على يد أعدائكم بل يأتيكم يقينا على يد العدو الذي صنعتم أنتم كبره “[8]

3- تحقيق الحرية رهين بالرفاهية الاقتصادية:

من بين الدلالات الفلسفية لتوفيق بين إشكالية السلطة والحرية، لزم التفكير أولا في تحقيق النقلة الاقتصادية، بمعنى أخر فإن الاكتفاء الذاتي، يحول تفكير الإنسان من الانشغال بالعيش إلى الحرية، وهدا ما حاول تناوله هارولد لاسكي[9]، بحديثه على أنه ليس الاكتفاء الاقتصادي وفراغ التفكير هو الحل، بل يجب أن يتحلى الناس بالشجاعة لمواجهة السلطة والاستبداد.
وعلى أرض الواقع، إدا ما أردنا أن نسقط هاته الفكرة على أرض الواقع، فإن الرئيس المصري المعزول محمد مرسي حاول أن يصلح المؤسسات السياسية، قبل أي إصلاح إقتصادي، وهدا مكمن الخطأ الذي جر عليه وابل من التناقضات التي أدت لتأييد الأنقلاب من طرف الشعب المصري المطحون والمقهور إقتصاديا.

4- الخوف من الحرية:

لقد عالج هذا الموضوع عالم النفس والفيلسوف الأمريكي إريك فروم[10]، في كتاب يحمل نفس العنوان، وبدأ في فصله الأول بتساؤل مفاده:

هل الحرية مشكلة سيكولوجية؟[11]

يجيب على هذا السؤال بداية، بقوله أن الحرية بدل الأوروبيون والأمريكيون الجهد من أجل تحقيقها وفتح الأصفاد السياسية والاقتصادية التي تغلها، ورغم ما وصلت إليه هذه المحاولات، فإنها تظل بحق مشكل سيكولوجيا وسياسيا، يصتدم بوسائل كثيرة ومتعددة للهروب من الحرية من بينها:
التسلط: سماه فروم بالرغبات المازوكية- السادية، الأنانية المطلقة التي هي وهم عميق غير محدود، وقد خلف لنا السعي نحو تحقيق المصالح الخاصة[12]، دون التفكير وهو مرض نفسي أكثر من ماهو فعل عادي، وقد أعطى مثالا عن هذا التسلط في النظام النازي، وتتواجد أمثلة متعددة في النظام البعتي السوري والنظام الليبي السابق الدين يتميزان بالتسلط، والسادية.
التدميرية: تحيلنا التزعة التسلطية إلى نزعة أخرى أشد خطورة، وهي التدميرية، والتي تعني الهروب من النقص الذي يعاني منه الشخص تجاه أشخاص، أخرين بتدميرهم، فالتسلط هو مقابل الهيمنة، أما التدميرية فهي السحق والتدمير، وتلتقي هاته النزعة، مع المشروعية الاستفزازية التي تعني إما الحاكم المطلق أو الفوضى والحرب.

الإنسان الألة[13]: الأنسحاب التام من العالم، الشخصية السيكوباتية[14]، والتي تؤدي إلى أن يصبح الأنسان أله، تجرى له عملية غسيل الدماغ الفكري حتى لا يرى عيوب السلطة الحاكمة أو التوجه الحاكم في العالم، الصهيونية مثلا وما حاولت تمريره في الموقع الإجتماعي فايسبوك، والدي كان بحق جهازا لغسل الدماغ، وأضحى المارد الأزرق في كل مكان، وهده الطريقة هي أرقى الطرق في صد الحرية.

سنتهي عند هذا، ونتسائل:

ماهي أساليب مواجه الإستبداد في الإسلام والغرب؟
ما مدى نجاعة الفكر الغربي للحرية في الرقعة الإسلامية؟
ماهو دور القانون والقضاء في التوفيق بين الحرية والسلطة؟

وهدا ما سنتناوله في قادم الأجزاء من هذا البحث، وأسئل من الله السداد والتوفيق.

الهوامش
[1] لقد سبق وأن قدمت في موقع العلوم القانونية جزء أولا لهاته المقالة تناولت فيه المفهوم الإسلام ودلك في الرابط التالي:
http://www.marocdroit.com
[2] تشارلز تللي، الديمقراطية، ترجمة محمد فاضل طباخ، المنظمة العربية لترجمة، بيروت، الطبعة الأولى، ص: 12 ومايلي
[3] مونتسكيو، روح الشرائح، مجلدين، دار المعارف بمصر، 1953، اللجنة الدولية لترجمة الإنسانية، بيروت.
[4] عبد الرزاق أيت مولاي، موقع النيابة العامة في استقلال السلطة القضائية، بحث مشروع نهاية الدراسة لنيل شهادة الإجازة، تخصص القانون الخاص، الكلية المتعددة التخصصات بأسفي، سنة الدراسية: 2012-2013، ص 13.
[5] جون ستيوارت مل هو فيلسوف واقتصادي بريطاني، ولد في لندن عام 1806 م، وكان البكر لأسرة كبيرة أنجبت تسعة أولاد، وكان والده جيمس ميل أحد كبار أهل العلم والمعرفة في القرن الثامن عشر.
[6] محمد عزيز الحبابي، من الحريات إلى التحرر، دار المعارف مصر، طبعة 1976، ص: 17.
[7] ابراهيم أولتيت، محاضرات في قانون الحريات العامة، القيت على طلبة القانون، الفصل الرابع، الكلية المتعددة التخصصات بأسفي، ص: 5.
[8] مقالة في العبودية المختارة، أتين دي لابوسييه، ترجمة مصطفى صفوا، ص: 18
[9] هارود لاسكي، الحريات في الدولة الحديثة، دار الإعلانات الشرقية، ص: 10 وما بعدها.
[10] إريك فروم (23 مارس, 1900 – 18 مارس، 1980) عالم نفس وفيلسوف إنساني ألماني أمريكي.
ولد في مدينة فرانكفورت وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 1934
من أعماله :الهروب من الحرية (1941) التحليل النفسى والدين (1950) اللغة المنسية : مدخل إلى فهم الأحلام والقصص الخيالية والأساطير (1951) المجتمع العاقل (1955) رسالة سيجموند فرويد : تحليل لشخصيته وتأثيره (1959) أزمة التحليل النفسى : مقالات عن فرويد وماركس وعلم النفس الاجتماعى (1970) تشريح نزوع الإنسان إلى التدمير (1973) كما حرر كتبا، بأقلام كتاب متعددين عن بوذية زن ومفهوم ماركس للإنسان وغيرها.

[11] إريك فروم، الخوف من الحرية، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1972، ص:11.
[12] ERICH FROMM. TO HAVE OR TO BE. LONDON. 1979. P. 50
[13] شخصية سيكوباثية هي باختصار أكثر الشخصيات تعقيداً وصعوبة في التعرف على صاحبها، حيث أن السيكواباتي يجيد تمثيل دور الإنسان العاقل وله قدرة على التاثير على الاخرين والتلاعب بأفكارهم، يتلذذ بالحاق الاذى بمن حولة وخاصة أذا كان زوج أو زوجة، وهو عذب الكلام، يعطى وعوداً كثيراً، ولا يفى بأى شيء منها عند مقابلته ربما تنبهر بلطفه وقدرته على استيعاب من أمامه وبمرونته في التعامل وشهامته الظاهرية المؤقته ووعوده البراقة، ولكن حين تتعامل معه لفترة كافية أو تسأل أحد المقربين منه عن تاريخه تجد حياته شديدة الاضطراب ومليئة بتجارب الفشل والتخبط والأفعال اللاأخلاقية. السايكوباثي مستغل للمرأة بكل صور الاستغلال جسديا وماديا..كذاب يعد ولا يفي وقد يصل سلوكه إلى ارتكاب الجريمة.
كثيرا ما يتعهد ويعد ويخلف, هي شخصية لا يهمها إلا نفسها وملذاتها فقط، بعضهم ينتهي إلى السجون وبعضهم يصل أحياناً إلى أدوار قيادية في المجتمع نظراً لأنانيتهم المفرطة وطموحهم المحطم لكل القيم والعقبات والتقاليد والصداقات في سبيل الوصول إلى ما يريد هذا الشخص هو الإنسان الذي تضعف لديه وظيفة الضمير وهذا يعني انه لا يحمل كثيرا في داخل مكونات نفسه من الدين أو الضمير أو الأخلاق أو العرف ،وبالتالي فإننا نتوقع أن مؤشر المحصلة سوف يكون دائما في حالة من الميل المستمر نحو الغرائز ونحو تحقيق ما تصبو إليه النفس وحتى دون الشعور بالذنب أو التأنيب الذي يشعر به أي إنسان إذا وقع في منطقة الخطأ ويرى الاطباء ان 25% من المجرمين والمخالفين هما نتاج الشخصية السيكوباتية، والاحصائات العلمية توضح أن من نصف بالمائة إلى واحد بالمائة من سكان العالم يحملون صفات وجينات وراثية تودي إلى السيكوباتية وتختلف درجة وشدة السيكوباتية في الاشخاص المصابين بناء على درجة ذكاء الشخص والبيئة والتعليم.
منقولة من موسوعة ويكيبديا.

[14] أنظر:
ه.أس. سوليفيان، بحث في الشيزوفرينيا، صحيفة الطب العقلي الأمريكية، المجلد التاسع، العدد 3.
فريدا فروم ريتشمان، مشكلات التحول في الشيزوفرينيا، دورية التحليل النفسي لربع سنوية، المجلد التامن، العدد 4.