حرية الصحافة بين الدستور و أحكام القضاء

تعد الصحافة بكافة أنواعها المكتوبة و المرئية و المسموعة و الالكترونية و غيرها أحد أهم أدوات الإعلام في أي مجتمع، فهي روح و قلب المجتمع و هي التي تعكس أخباره و أحلامه و آماله و طموحاته، فهي صوت الشعب، صوت المواطن الذي يريد أن يعبر عن رأيه و يوصل ما يتمناه و يتغياه من الدولة تجاهه.

من هذا المنطلق، يجب حماية ذلك الكيان –الصحافة – باعتبارها أحد أضلاع المجتمع، فهي السلطة الرابعة في الدولة و ضلعها الذي يعكس توجهاتها و آمال شعبها، فبدونها تفتقد الدولة للروح التي تعكس حركات جسدها و قلبها النابض…

لذلك اهتم المشرع المصري الدستوري دائما و أبدا بمعالجة و إحاطة تلك السلطة بالحماية الدستورية و الشرعية من خلال معظم دساتير جمهورية مصر العربية، و منها بالطبع دستور 2014 و الذي نص على حرية الصحافة في صلب المادتين 70 و 71 و قد جاء نصهما على الوجه الآتي:

المادة 70: “حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي.
وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذي ينظمه القانون. وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف الإلكترونية.”

المادة 71: “يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة.
ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون.”

و جاء من قبله دستور 1971 و الذي نص في مادته رقم 48 على أنه: “حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة، والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور، ويجوز استثناء في حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي، وذلك كله وفقاً للقانون.””

يتضح لنا أن دستور 2014 قد جاء بتفصيلات و نقاط توضيحية تتعلق بحرية الصحافة أكثر من دستور 1971 الذي جاء النص فيه مجملا لهذه الحرية.

و بالتالي فإن مفاد نصي المادتين 70 و 71 من دستور 2014 سنوجزه كالآتي:

الدولة تلتزم بكفالة حرية الصحافة و الطباعة و النشر الورقي و المرئي و المسموع و الالكتروني.
لكل المصريين سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو اعتباريين الحق في (1)الملكية و إصدار الصحف. (2)إنشاء وسائل الإعلام المرئية و المسموعة. (3)إنشاء وسائط الإعلام الرقمي.
يكون إصدار الصحف ((بمجرد الإخطار)) و ذلك يكون وفق القانون المنظم لذلك.
ينظم القانون إجراءات إنشاء و تملك محطات البث الإذاعي و المرئي و الصحف الإلكترونية.

يحظر – بأي طريقة و بأي وجه – فرض رقابة على الصحف و وسائل الإعلام (المصرية) أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها.
يجوز – على سبيل الاستثناء – فرض رقابة (محددة) على الصحف و وسائل الاعلام المصرية أو ….. و ذلك في زمن الحرب أو التعبئة العامة.
لا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية.
أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون.

و هناك العديد من الأحكام التي تؤكد على حرية الصحافة و منها:

– ” النص في المادة الخامسة من القانون 148 لسنة 1980 في شأن سلطة الصحافة يدل على أن للصحفي الحق في نشر ما يحصل عليه من أنباء أو معلومات أو إحصائيات من مصدرها مادام ملتزما في ذلك حدود القانون باعتبار أن الصحافة تحقق مصلحة المجتمع في أن يعلم أفراده ما يجرى فيه حتى يتاح لهم الإطلاع على قدر مشترك من القيم الاجتماعية فتكون رباطا يجمع بينهم وهي سبيله إلى التطور باعتبار أن نشر الخبر الصحيح وتوجيه النقد البناء هما الأساس والمنطق للكشف عن العيوب القائمة والتمهيد لظهور جديد بفضل القديم والتنبيه إلى الأضرار التي تترتب على التصرفات التي تصدر من بعض الأشخاص والدعوة إلى تلافيها.”

جمهورية مصر العربية | النقض المدني | الطعن رقم : 1512 لسنة : 59 قضائية بتاريخ : 8-2-1995

– “الاصل الذي كفله الدستور هو ان حرية الراي مكفولة ولكل انسان التعبير عن رايه ونشره بالقول او الكتابة او التصوير او غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون من حرية الصحافة والطباعة والنشر في وسائل الاعلام مكفولة ايضا – اذا كان هذا الاصل فان الدستور قيد هذا الحق كغيره من الحقوق العامة بان تكون ممارسته في حدود القانون – قانون العاملين المدنيين بالدولة نظم ممارسة الموظف العام لحق ابداء الراي والتعبير والنقد من خلال وسائل الاعلام وحظر علي العامل ان يفضي باي تصريح او بيان عن اعمال وظيفته عن طريق الصحف او غيرها من طرق النشر الا اذا كان مصرحا له بذلك كتابة من الرئيس المختص – المشرع حظر علي العامل ايضا ان يفشي الامور التي يطلع عليها بحكم وظيفته اذا كانت سرية بطبيعتها او بموجب تعليمات تقضي بذلك – تطبيق .”

جمهورية مصر العربية | المحكمة الإدارية العليا | الطعن رقم : 3018 لسنة : 41 قضائية بتاريخ : 25-7-1998

نخلص من كل ذلك أن الدستور و أحكام القضاء قد حمت و وضعت الاطار الشرعي و القانوني لحرية الصحافة بما لها من أهمية و انعكاسا مباشرا على أفراد المجتمع، لذلك على الدولة أن تلتزم بتحقيق كل هذا، و اذا من انتهكت تلك الحرية فإنه لمن انتهكت حريته أن يطالب قضاءا باستيفاء ذلك الحق و تلك الحرية.

من ناحية ثانية، على من يتمتع بتلك الحرية أن يلتزم بما قرره الدستور و القانون و الأحكام القضائية من استثناءات تقيد تلك الحرية لدواعي أكبر و أهم، و اذا ارتكب الصحفي كتابة مقال ينال من الأشخاص في ذواتهم و أسرهم و أعراضهم، فكل هذا سيقابل بالعقاب الذي نص عليه في القوانين.