الدور القانوني لوزارة التنمية الاجتماعية تجاه دور رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة

هل يجب على وزير التنمية الاجتماعية أن يستقيل

د. ليث كمال نصراوين

لقد كان من أهم مخرجات لجنة التحقيق الخاصة بدور رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة إدانة وزارة التنمية الاجتماعية بتقصيرها في أداء دورها وتحملها لمسؤولياتها الحكومية الملقاة على عاتقها, وهو ما دفع وزير التنمية الاجتماعية المهندس وجيه عزايزة إلى تقديم اعتذاره للشعب الأردني, حيث جاء رده على المطالب الشعبية باستقالته بالقول “كنت أفكر بالاستقالة لكنني أدركت أن الحكومة انتقالية وقررت التحدي بالإصلاح وعدم الهروب”.

ان ما قاله الوزير عزايزة مردود عليه, ذلك أنه لا يوجد هناك أي رابط منطقي بين كون حكومة فايز الطراونة هي حكومة انتقالية وبين عدم تقديمه لاستقالته. فالأصل أن ما يحكم بقاء الوزير في السلطة التنفيذية من عدمه هو الدستور وتحديدا القواعد الخاصة بالمسؤولية الوزارية الفردية, حيث تنص المادة (47) من الدستور على أن كل وزير مسؤول عن إدارة جميع الشؤون المتعلقة بوزارته وعليه أن يعرض على رئيس الوزراء أية مسألة خارجة عن اختصاصه, كما تنص المادة (51) من الدستور على أن كل وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته.

إلا أن التساؤل يثور حول ما قصده الدستور الأردني بمفهومي إدارة جميع الشؤون المتعلقة بالوزارة وأعمال الوزارة التي يسأل عنها الوزير أمام مجلس النواب, فهل يكون الوزير في الأردن مسؤولا عن جميع القرارات والتصرفات ذات الصلة بأعمال وزارته, وإن كانت إدارية أو تنفيذية في طبيعتها وتتمثل في إدارة شؤون الوزارة اليومية, أم أن هناك معيارا للخطأ الذي إذا ما نسب إلى وزير معين يجب عليه أن يتقدم باستقالته الخطية من الحكومة?.

لقد شهدت المسؤولية الوزارية الفردية تغييرا دستوريا من حيث نطاقها وتبعاتها, فلم يعد ثبوت نسبة خطأ أو إهمال إلى احدى الوزارات سببا تلقائيا لاستقالة الوزير المختص ورحيله, بل أصبح هنالك منحنى آخر يقوم على تحديد طبيعة الخطأ الحاصل, وذلك من خلال التفرقة بين الخطأ الذي يتعلق بقرار أو سياسة عامة من سياسات الوزارة التي يجب أن تنسجم مع السياسة العامة للحكومة في بيانها الوزاري الذي بموجبه حصلت على ثقة مجلس النواب, بين مجرد خطأ في أحد الأقسام والدوائر التابعة للوزارة والتي تقع تحت إشراف ومسؤولية مدراء أقسام ودوائر تابعين إداريا للوزير المختص.

مثل هذه التفرقة تنبع من اتساع وتشعب المهام والأعمال الإدارية داخل محيط الوزارة والتي يستعصي على أي وزير متابعتها ومراقبتها مما كان السبب وراء تبني اللامركزية في عمل الأقسام والدوائر الحكومية المنتشرة في مناطق متعددة. فمن الظلم اعتبار الوزير مسؤولا سياسيا عن مجرد أخطاء إدارية يقوم بها موظف بسيط في الوزارة كخطأ في إرسال كتاب أو الرد عليه, أو تقصير إداري من جانب سكرتيرة في أحد الأقسام بإدخال بيانات خاصة بالوزارة, إذ لا يفترض بالوزير أن يشرف ويتابع بنفسه سير مجريات الحياة اليومية من أعمال حكومية روتينية في وزارته خصوصا إذا ما كانت من الوزارات السيادية التي تضم عددا كبيرا من الموظفين. فالأصل أن يكون لكل قسم مديرا ومسؤولا مباشرا يتحمل أخطاء موظفيه الإدارية, وأن لا تتم نسبتها إلى الوزير فورا والطلب منه الاستقالة.

كما أصبحت استقالة الوزير السياسية تحكمها مجموعة من العوامل التي استقر عليها الفقه الدستوري والتي تتمثل في: موقف رئيس الوزراء من الوزير المتهم بالتقصير والإهمال, وموقف الحزب الذي ينتمي له الوزير, وموقف الإعلام من خطأ وتقصير الوزير وأخيرا موقف الوزير نفسه في التعاطي مع الاتهامات والضغوطات المنادية للاستقالة.

ان موقف رئيس الوزراء من أية اتهامات تلاحق مصير أحد وزرائه في الحكومة ينبع من الأساس الدستوري أن ثقة رئيس الوزراء في أداء ومهام وزرائه هي الأساس في ضمان استمرارية توليهم مناصبهم الوزارية, وأن الوزير يبقي على منصبه الوزاري ما دام يحافظ على ثقة رئيس الوزراء الذي عينه أو الذي نسب بتعيينه كما هو الحال في الدستور الأردني. فعلى رئيس الوزراء قبل تبنيه موقفا معينا من الوزير المعني أن يضع نصب عينه مصلحة حكومته بالكامل من خلال تفضيله التضحية بأحد الوزراء وإقالته على طرح الثقة بكامل وزارته ودفعه إلى الاستقالة.

أما موقف الحزب الذي ينتمي له الوزير المعني, فانه يقوم على حجم الدعم الذي سوف يتلقاه الوزير المعني من أعضاء حزبه في حالة التصويت على حجب الثقة عنه في البرلمان. إن مثل هذا العامل لا يوجد له أي تطبيق عملي في الأردن لغياب الأحزاب عن الحياة السياسية وعن البرلمان الأردني.

أما عن موقف الإعلام من رحيل أي وزير متهم بالخطأ والتقصير فإنه يلعب دورا حيويا وحاسما من خلال نقل مواقف المختصين والمهتمين ومشاعر أفراد المجتمع والتي ستتراوح ما بين دعم الوزير المعني ومساندته في محنته أو تشديد الخناق عليه ودفعه للاستقالة.

ويبقى أهم العوامل في رحيل أي وزير ملاحق بالتقصير والإهمال يتمثل في موقف الوزير نفسه وطريقة تعاطيه مع الأزمة. فالوزير الذي توجه له أصابع الاتهام بالخطأ والتقصير يفترض به أن يدافع عن نفسه وأن يتبنى إما موقفا تنكريا لما حدث ويدافع عن براءة شخصه ووزارته, أو أن يقر بخطئه ويقدم اعتذاره الشخصي والذي قد يقبله مجلس النواب ويتم إغلاق الملف, أو أن يستمر في الرقابة السياسية وحجب الثقة عنه.

لذا فالأيام المقبلة ستكون حاسمة في مصير الوزير وجيه عزايزة في الحكومة, فتطور مجريات الأحداث بعد التقرير الصحافي ومدى تقبل الأردنيين للاعتذار الذي قدمه الوزير والدعم الذي سيتلقاه من رئيس حكومته ومن الإعلام ستكون عناصر حاسمة لتحديد ما إذا كان الوزير العزايزة سيكون أول المغادرين للحكومة من الباب الخلفي, أم أنه سيصل بر الأمان ويغلق ملف القضية على الأقل سياسيا.