الحقوق القانونية للانسان في المنفى

د.حموده فتح الرحمن / المنظمة السودانية لحقوق الإنسان

** مقدمة

شهد العقد الماضي زيادة مطردة في عدد المنظمات التي تعمل في المنفى ، ومع زيادة تلك المنظمات والمؤسسات ازدادت بالطبع أعداد النشطاء . وهذه الحقيقة تعكس وللأسف الشديد حالة التردي المريع التي وصلتها أوضاع حقوق الإنسان في الوطن العربي ، وفي نفس الوقت تفصح عن وجود انتهاكات قاسية بحق النشطاء . الأمر الذي دفعهم للهروب والاحتماء بالمنافي.
وبما أن هذا الموضوع جديد على التناول والمعالجة فإن هذه المساهمة المتواضعة قد تساعد في إثارة وإدارة حوار اعمق واشمل واكثر تفصيلاً لهذه الظاهرة . إذ لم تتوفر المعلومات الكافية ، ولم تقم أي منظمة في المنفى أو أي نشطاء برصد تجربتهم وتقييمها بشكل موضوعي وهذا يجعل من الملاحظات التي ترد هنا اجتهادات فردية وتقديرات ذاتية ولعل ظاهرة الانشغال الدائم واليومي للنشطاء بتسيير الأنشطة ، تستغرقهم تماماً ولا يجدون الوقت الذي يمكنهم من دراسة تجاربهم وتقييمها وهذا يعتبر من المثالب المعيبة في حركة حقوق الإنسان.

ومما يدعو للأسف الأكثر ، إن ظاهرة وجود المنظمات والمؤسسات والنشطاء في المنافي تتسع بشكل مزعج لأسباب عديدة وعوامل متشعبة تحاول هذه الورقة أن تشير إلى بعضها ومن المتوقع أن يثري النقاش هذا الجانب ليستكمل لاحقاً.

** المؤسسات في المنفى :-

المنظمات والمؤسسات الموجودة والعاملة في المنفى إما أنها نشأت أصلا داخل بلادها ، ثم اضطرت لاسباب القهر والملاحقة ولربما التصفية الجسدية التي تعرض لها نشطاها إلى نقل نشاطها للخارج ومثال ذلك المنظمة السودانية لحقوق الإنسان والتي تأسست بالداخل عام 1984 واضطرت لنقل نشاطها عقب انقلاب يونيو 1989 وتم إعلان إنشاؤها في الخارج في أكتوبر 1991 وبعد تسجيلها في لندن . أيضا مثال لهذه المنظمات المنظمة اليمنية للدفاع عن حقوق الإنسان و العديد من المنظمات العراقية التي ارتبطت ببعض الأحزاب اليسارية. النوع الثاني هي المنظمات التي نشأت أصلا في الخارج أما أن الدول لا تسمح بقيام أي منظمات لحقوق الإنسان مث المنظمات البحرينية أو لأنها في حالة تعارض شديد مع النظام ولا يستطيع ناشطوها أن يعملوا في الداخل مثل الرابطة الليبية لحقوق الإنسان التي أنشأت عام 1989 واللجنة الليبية للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان التي أنشأت عام 1973 وكلاهما يعملان من الأراضي السويسرية واللجنة الليبية لحقوق الإنسان 1988 وتعمل من الولايات المتحدة الأمريكية وأيضا النوع الثاني يشمل لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية التي يرأسها الدكتور محمد المستيري وتعمل من إنجلترا ، والنوع الثالث هو المنظمات التي نشأت في الخارج وحاولت بدء نشاطها من الداخل بالإعلان عن نفسها وأيضا لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا حيث حوكم الناطق الرسمي باسمها أكثم نعيسة عام 1992 وبعض قادتها بالسجن لفترات بلغت عشر سنوات.

وهنالك نوع رابع لم تتكون فيه منظمات بالشكل المتعارف عليه ولكن تجمع النشطاء داخل المنظمات أخرى مثل المنظمة العربية أو من خلال مجموعات العفو الدولية أو المنظمات الدولية وهذا النوع من النشطاء انخرط فيه العديد من العراقيين والسوريين والتوانسة . نوع خامس مستجد تمثل في نقل جزء من نشاط المنظمات للخارج . وهذا الاتجاه يقوى تدريجياً في أواسط التوانسة.

والنوع الأخير الذي يمكن أدراجه هو ظاهرة تكوين المجتمعات الإقليمية في مركز واحد مثل الجماعة الإقليمية العربية التي يتولى المنسق فيها د/محمد مندور وهي ظاهرة تحتاج لبعض الوقت حتى يمكن استنتاج جدواها من عدمه

** النشطاء في المنفى :-

طبيعي أن يكون الوجود في النفي خارج عن الإرادة فهو أما بقرار من السلطة أو بقرار من الفرد حينما يستحيل عليه مواصلة حياته الطبيعية في وطنه ويتعرض للخطر . هؤلاء النشطاء التعساء تطاردهم سلطات بلادهم وبعض هذه السلطات يطلب حياة هؤلاء النشطاء ويصفهم بأنهم عملاء ومرتزقة ومارقون وخونة …الخ هذه القائمة المكارثية ، وترصدهم أجهزة أمنية داخل سفارات بلادهم.

ابرز ظواهر ملاحقة النشطاء هي تصفية منصور الكيخيا ، الأمام موسى بن صدر ، والمهدي بن بركة واكثر الظواهر انتشاراً هي معاناة أسرة وذوي النشطاء داخل البلاد من عسف السلطات كنوع من الضغوط على النشطاء مثل ما تفعل السلطات السورية والسودانية.

بشكل عام يمكن القول أن النشطاء وفي المنفى لا يعملون في ظروف طبيعية بل يعانون من قسوة اللجوء وفقدان الوطن يطمحون في العودة بل أمل قريب ـ ومعظمهم يعاني الفاقة وهم الأسرة التي تصحبه في ترحاله بحثاً عن مستقر ولكنهم رغم عن ذلك يصرون على العطاء والدفاع عن حقهم وحقوق مواطنيهم.

** الدور الذى تلعبه المؤسسات فى المنفى:

على هذه الخلفية المعقدة لابد من تناول دور المنظمات والنشطاء فى المنفى،فعدم إمكانية ممارسة النشاط من الداخل يجعل من إنشاء منظمات فى الخارج أمر يفرضه الواقع،وهو بديل أفضل من عدم وجود أى نشاط ،الحقيقة الأولى هى أن معظم منظمات المنفى ربطت نشاطها وربما شرعية وجودها بالانضمام لمنظمات دولية وأهمها هنا هى الفيدرالية الدولية التى توفر عضويتها لتلك المنظمات ،أحقية المشاركة فى أعمال لجان ومجالس الامم المتحدة ومن بين المنظمات العربية ف المنفى التى تتمتع بعضوية الفيدرالية المنظمة السودانية لحقوق الإنسان – الرابطة الليبية لحقوق الإنسان – الجمعية البحرينية للدفاع عن حقوق الإنسان –لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان السورية ، وغنى عن القول أن معظم المنظمات العربية تتمتع بعضوية المنظمة العربية لحقوق الإنسان والتى لها أيضا حقوق الإنسان المراقب فى لجان ومجالس الامم المتحدة غير أن الملاحظ هنا هو أن النظام الأساسى للمنظمة العربية لا يسمح بقبول عضوية منظمة فى المنفى والاستثناء الوحيد هى المنظمة السودانية لحقوق الإنسان لأسباب خاصة بعضوية المنظمات الدولية والإقليمية يضمن للمنظمات فى المنفى المشاركة فى أعمال لجنة حقوق الإنسان بجنيف وهذا يوفر آلية هامة للدفاع عن حقوق الإنسان إذا نجحت المنظمة السودانية فى استصدار إدانات متتالية للنظام آخرها العام الماضى وهذا أثر إيجابيا فى حالة حقوق الإنسان، المؤسف أن الحضور العربى لهذه اللقاءات التى يجتمع فيها كل نشطاء العالم تقريبا ويتبادلون الخبرات والتجارب والأفكار ويوثقون علاقاتهم ببعضهم ويخلقون علاقات مفيدة لحقوق الإنسان.
يمكن القول أن النشاط الأساسى للمنظمات العاملة فى المنفى يتمثل فى رصد وتوثيق ونشر الاتهامات مع عمل الدراسات النظرية وكتابة التقارير وهذا يؤدى إلى عكس حالة حقوق الإنسان ويساعد فى تخفيف عسف الدول ويحسن أوضاع حقوق الإنسان ، ولكن هذا النشاط يشترط فورا قدرا من الارتباط بالداخل تنظيميا وعمليا ومعنويا فدور المنظمات فى المنفى لا يمكن أن يكون بديلا للنشاط فى الداخل.

بعض المنظمات سجلت نجاحا فى تكامل عمل الداخل والخارج مثل المنظمة اليمنية لحقوق الإنسان ، المنظمة السودانية لحقوق الإنسان .

** السلبى والإيجابى :

بما أن الوجود فى المنفى هو أمر قسرى ونشأ لضرورة موضوعية فهذا الوضع دائما ما يرتبط بجوانب سلبية وأخرى إيجابية.

** الجوانب السلبية :
لا يساعد الوجود فى الخارج على تطوير حركة حقوق الإنسان وتحويلها إلى جزء من الوجدان العربى.
عدم ارتباط بالداخل قد يؤدى إلى انسلاخ المنظمات والنشطاء من واقعهم.
حقيقة أن معظم النشطاء لاجئون تعمق من مشاكل الاحتراف والتطوع .
المنظمات فى المنفى أكثر تعرضا للصراعات السياسية ومعظمها مرتبط بتيارات سياسية معينة وهذا يؤثر على المصداقية وفى خطابها واستقرارها التنظيمى .
الارتباط بخطاب حقوق الإنسان العالمى الغير مرتبط بالخصوصية يجعل تأثيرها أقل على واقعها.
التمويل إذا لم يعامل بحساسية عالية ووضوح سيوءدى إلى شكل من أشكال الهيمنة والسيطرة المسكوت عنها أو غير المحسوسة وقد يجعل النشاط مرتبطا بشكل أكبر بالوظيفة .
التعارض والخصومة مع الأنظمة تزداد اتساعا وتترك المجال للأنظمة للسيطرة على البنية القومية .

** الجوانب الإيجابية :
الوجود فى المنفى يساعد فى التطور الفكرى للنشطاء ويكسبهم خبرات عالية فبعضهم تولى ويتولى مناصب رفيعة فى عدة منظمات وهيئات عالمية وإقليمية مثل الحقوقية الدولية والفيدرالية الدولية والعفو الدولية ، منظمة مراقبة حقوق الإنسان المساهمات النظرية للنشطاء ستوفر مستقبلا وأساسا جيدا لحركة حقوق الإنسان الوجود فى المنفى يسهل من عملية توصيل المعلومة والارتباط بالشبكات المختلفة وهذا يوفر قدرا أكبر من الحماية للنشطاء بالداخل خاصة ومعظم الدول تفرض رقابة صارمة على جميع وسائل الاتصال.

** خاتمة

المؤسسات والنشطاء فى المنفى ينتشرون فى كل بقاع العالم وينشطون باقدار متفاوتة وينظمون أنفسهم فى أشكال مختلفة ويرتبطون بواقع مثالى ويسعون لمد جذورهم داخل أوانهم ويعانون من مشاكلهم الخاصة وينقلون معهم امراض وصحة وعافية مجتمعاتهم ينجحون ،أحيانا،ويفشلون أحيانا أخرى، لكن تجاربهم تحتاج لدراسة واستخلاص النتائج لتصحيح مفيد لمستقبل حركة حقوق الإنسان التى تحتاج لارتباط أقوى بالقاعدة الاجتماعية وتحتاج لإعادة صياغة نفسها ودراسة لعلاقتها ببعضها ومجتمعها وبالسلطات التى تتولى مقاليد الحكم فى عالمنا العربى .”البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان”