الحالة القانونية والمؤسسية في المجتمع

د.علي بن شويل القرني

لا توجد مشكلة إلاّ ولها حل.. وخاصة عندما يكون هناك حكماء وعلماء ومفكِّرون، في ذلك المجتمع الذي يحتضن مشاكل وقضايا كبرى تؤرِّق مواطنيه أو تزعج مؤسساته أو تقلق مجتمعه..

أي مشكلة ينبغي أن نبحث لها عن حلول، وقبل كل…..

….. شيء نبحث عن جذور المشكلة وأعماقها وأطرافها وأبعادها الماضية والحاضرة والمستقبلية، ونقرأ تبعات وتداعيات تفاقم المشكلة على كافة المستويات.. والمجتمع المتقدم هو الذي يعي خطورة مشاكله وتداعياتها على مستقبله وتماسك أفراده ويعمل جاهداً على وضع الحلول لها، ولا يستصعب قرارات الحلول مهما كانت أليمة، ومهما كانت موجعة على المستوى القريب، ولكنها ستكون ناجعة على المستوى البعيد..

لا يوجد مجتمع بلا مشاكل، وبالتالي لا يوجد مجتمع كامل، أو مجتمع مثالي.. وعلى مر التاريخ وفي مختلف الأماكن، لم يخل أي مجتمع من مشاكل وقضايا وهموم ومنغصات وصعوبات وتحديات، ولكن المجتمع الذي يستطيع أن يدير مشاكله وأزماته هو المجتمع الناجح، وهو المجتمع الذي يستطيع ان يضع التوازنات المناسبة التي تساعده على إدارة وتوجيه دفة التحولات بما يتوافق مع مستقبل آمن واستقرار مؤسساته والحياة الكريمة لمواطنيه.

وإذا نظرنا إلى الأزمات والمشاكل التي تواجه المجتمعات سنجد أنها متعدّدة ومتنوّعة ومتباينة، وقد تكون هناك قواسم مشتركة في المشاكل والقضايا والأزمات التي تواجه المجتمعات، ولكن في نفس الوقت توجد خصوصية لكل مجتمع في طريقة التعاطي مع حلول تلك المشاكل وإدارتها بالشكل المطلوب.. ولا شك أن أصعب وضعية قد تواجه أي مجتمع هو إنكار تلك المشكلة أو ذلك الهم العام أو الهم الخاص لشرائح أو فئات مجتمعية معينة، وعندما يتم الإنكار يفقد المجتمع تهيئة فرص بناء الحلول وتقديم رؤية عملية لتنفيس المشكلة أو تبديد تفاقماتها الخطيرة على أوضاع المجتمع بشكل عام أو على أوضاع جهة أو مؤسسة في المجتمع.. وبكل تأكيد كلما صنع المجتمع مبادراته للحلول التي تظهر إخلاص نوايا وحسن تصرف أمام تحديات تلك المشكلة، يكون المجتمع قد تجاوز مرحلة مهمة وخطوة أساسية من منظومة الخطوات المتتالية التي ستفرز حلولاً منطقية لتعقيدات تلك المشكلة أو الأزمة.

ويجب أن يلعب الإعلام دوراً مهماً وحيوياً في الحلول لتلك المشكلة، ولا ينبغي أن يكون جزءاً من المشكلة ذاتها، أو طرفاً خارجياً يساهم في تأجيج المشكلة، وتشتيت مواقف الأطراف ذات العلاقة، وعدم المساعدة في بناء الحلول المناسبة لتلك الأزمة أو المشكلة.. كما من المهم إدراك أن توظف الجهات ذات العلاقة وسائل الإعلام بكافة مستوياتها ومجالاتها في سبيل دعم تأسيس مفاهيم لحلول تلك الأزمات.. وعندما تتكرر المشكلة دون ان تظهر علامات حلول لها بسبب ظروف غير مدركة من قِبل الرأي العام، فينبغي توضيح ذلك، ودعم مسارات هذا التوضيح.

إنّ المجتمعات مليئة بالمشاكل والقضايا العالقة في مختلف مجالات الحياة، ولكن تحميل المؤسسة السياسية جميع هذا المشاكل هو أمر غير منطقي وغير مبررّ.. ومثل هذا التحميل يعكس مفهوم مركزية القرار الوطني.. ولهذا فإنّ المركزية في اتخاذ القرار تصبح هي أداة تحميل مسئولية على صاحب القرار المركزي.. ولو كانت سياسة المركزية هي المتبعة، فسيكون هناك تحميل جهات ومؤسسات وربما أفراد مسئولية تلك المشاكل، ولا تتعدّى المسئولية إلى المؤسسة السياسية..

كما من المهم أن يبني المجتمع آليات داخل مؤسساته لحل المشاكل والأزمات عبر قنوات قانونية واضحة، أو آليات عمل متّبعة ومعروفة.. وعندما تتوافر مثل هذه الآليات والقنوات تصبح مرجعية الحل لأي مشكلة عملية واضحة للجميع وعبر قنوات شرعية معروفة.. ومثل هذا البناء لمأسسة الأزمات والمشاكل هو أفضل طريقة لإدارة وتوجيه الحلول لأيّ أزمة تعصف بالمجتمع، لأنّ الجميع يعرف أين يذهب؟ وعبر أيّ قنوات يسلك؟ ولمن يتحدث؟ ويعرف أفق وسقف الحل المتوقع.. وهذا من شأنه أن ينزع فتيل الأزمات التي تواجه المجتمعات..

الدول المتقدمة فطنت إلى مثل هذه الظروف والملابسات، ولهذا وضعت في أنظمتها وقوانينها وفي مؤسساتها ومنظماتها آليات لفصل الخطاب، وحل المشكلات، وتنفيس الأزمات.. ولهذا بقيت المؤسسات المجتمعية قوية ومتماسكة دائماً أمام أي مشكلة تواجه المجتمع.. أما الدول النامية فإنها لم تصل بعد إلى مثل هذا الحالة القانونية والمؤسسية التي تستطيع أن تواجه أيّ مشكلة تظهر في المجتمع، وهذا ما يجعل المجتمعات النامية معرّضة دائماً للأزمات والمشاكل التي تعصف أحياناً بمؤسسات وأحياناً بأنظمة سياسية أو مجتمعية.