التهجير في القانون الدولي

مقال حول: التهجير في القانون الدولي

التهجير في القانون الدولي

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

تحدثت بعض المنظمات الدولية في تقاريرها التي نُشرت مؤخراً حول الحرب في سورية عن قيام بعض فصائل المعارضة السورية المسلحة بعمليات تهجير قسري لبعض السكان المدنيين في شمال سورية من مناطقهم وطردهم خارج قراهم بغية فرض نوع من التغيير الديمغرافي والأثني في تلك المناطق.

وبما أن الإبعاد يُعد ـ في إطار النزاعات المسلحةـ من أقذر الأساليب والتصرفات التي يمارسها المعتدي لضمان ثمار العدوان وأشدها إلحاقاً للأذى بالسكان المدنيين.. فقد دفع ذلك المجتمع الدولي إلى التصدي له وإدانته بالعديد من الوثائق القانونية التي كان آخرها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي كان الوثيقة القانونية الدولية الرسمية الأولى التي تذكر صراحة ـ إلى جانب جريمة الإبعادـ جريمة النقل القسري التي تغطي جميع التحركات القسرية للسكان المدنيين التي تتم ضمن حدود الدولة الواحدة.

وسبق أن ذكرت لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة جريمة الإبعاد في سياق تعريفها للجرائم ضد الإنسانية في مسودة الجرائم المخلة بسلم البشرية وأمنها لعام 1954؛ “يعني إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان أو الأشخاص المعنيين قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر دون مبررات قانونية يسمح بها القانون الدولي”. وأكدت المادة السابعة الفقرة 2/ د من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية هذا التوجه فنصّت على:

“1ـ أن يُرحّـل مرتكب الجريمة، أو أن ينقل قسراً شخص أو أكثر إلى دولة أخرى، أو مكان آخر بالطرد، أو بأي فعل قسري آخر لأسباب لا يقرها القانون الدولي؛

2ـ أن يكون الشخص أو الأشخاص المعنيين موجودين بصفة مشروعة في المنطقة التي أبعدوا منها على هذا النحو.

3ـ أن يكون مرتكب الجريمة ملماً بالظروف الواقعية التي تقررت على أساسها مشروعية هذا الوجود.

4ـ أن يرتكب هذا السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين وأن يكون الجاني ينوي هذا السلوك وهذا الهجوم الواسع النطاق”.

في ضوء ذلك، يُعدّ إبعاد السكان المدنيين من المواطنين أو نقلهم في حالة النزاع المسلح الداخلي لأسباب تتصل بهذا النزاع، مخالفة صريحة لنص المادة 17 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف، إلا إذا تم لتأمين سلامة السكان، أو للضرورة العسكرية الملحة. وهذا يعني أن فعل الفصائل المسلحة في سورية التي ترتكب هذا الفعل، هو جريمة ضد الإنسانية.. وتتم حالة الإبعاد القسري بالقوة المادية المباشرة أو يكون القسر معنوياً..

حيث ينجم الانتقال القسري عن طريق التهديد بالقوة دون استخدامها؛ كالتهديد بالحبس أو الاضطهاد أو عبر خلق ظروف تستعصي معها الحياة، أو ظروف تشكل خطراً محدقاً على الحياة، وسبباً هاماً يدفع على الرحيل، كما في حالة تسميم الآبار أو تلويث البيئة، أو حالة إقامة أهداف عسكرية في مناطق سكنية آهلة.

ولا يخفى ما لمثل هذه الأفعال غير المباشرة من أهمية، ورغم أن أركان الجرائم لم تشمتل صراحة مثل هذا النوع من الأفعال، إلا أنه من المؤكد أن المحكمة الجنائية الدولية لن تتوانى عن أخذها بالحسبان فيما لو توافرت فيها من الجسامة ونجم عنها من الضحايا، ما يوجب ذلك، وإن كان إثبات هذه الجريمة لا يعد أمراً سهلاً من الناحية العملية.. حيث تلعب أمور عديدة كالإعلام والتربية والتوجيه والثقافات الموروثة دوراً هاماً في توليد القناعة بالوجود الشرعي أو غير الشرعي لأي مجموعة من السكان المدنيين. وينطوي إثبات هذا العلم في حالات النقل القسري للسكان داخل الدولة الواحدة صعوبة أكبر.

لقد أظهرت الوقائع في كوسوفو، على سبيل المثال، وجود قناعة تامة لدى مرتكبي جرائم الإبعاد والنقل القسري من القوات الصربية، بعدم شرعية وجود الأقلية الألبانية على هذا الإقليم، وبشرعية الإبعاد والنقل القسري على قسوتها، فضلاً عن الصعوبة التي ينطوي عليها إثبات الوجود الشرعي على صعيد القانون الدولي في مثل هذه الحالات، من التداخل الإقليمي والتاريخي، إضافة للاختلاف الفقهي الكبير حول إلزامية نصوص حقوق الإنسان والقانون الدولي الجنائي.. وإن كانت مواثيق المحاكم الجنائية الدولية قد درجت منذ ميثاق نورمبورغ على عدِّ الإبعاد أو النقل القسري جريمة حرب.

وكذلك المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيث عدتها جريمة حرب عندما ترتكب في حالة النزاع المسلح. ويعد هذا النص أحد أهم نصوص النظام الأساسي التي تنطوي على تداخل بين جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، خاصة مع إقرار النظام الأساسي بإمكانية ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية زمني السلم والنزاع المسلح.

وختاماً، يمكن القول إن فعل تلك الفصائل المسلحة يُعدّ جريمة ضد الإنسانية وإنه لا يمكن أن تفلت من العقاب.. والاعتقاد إن الواقع الحالي والاستقواء بالتحالف الأمريكي سوف يحول دون ذلك، وإنه سوف يحقق ما يطمحون إليه من هذا الفعل، هو اعتقاد خاطئ.

وفي هذا السياق، لابد من تذكيرهم بما قاله أحد الدبلوماسيين الإيرانيين لممثل إسرائيل في طهران الذي كان يتعاون معهم في حربهم ضد النظام العراقي أواخر السبعينيات من القرن الماضي وعقب توقيع الاتفاق بين الشاه وصدام حسين خلال قمة أوبك في الجزائر في معرض تبريره خيانة الأكراد والتخلي عنهم وتركهم لملاقاة مصيرهم المؤلم على أيدي القوات العراقية، بالقول: “إن ضعف إسرائيل يكمن في أنها تسمح للمشاعر بالتدخل في السياسة، فلا يجب اعتبار مساعدة الأقليات هدفاً بحد ذاته، وإنما وسيلة للحصول من خلالها على تنازلات من الغالبية، وفي هذه الحالة من العراقيين. كما يجب أن يعرف رجال السياسة الحقيقيون متى يضعون حداً لمساعدتهم للأقليات بغية الحصول على التنازلات الرئيسية من الغالبية”.. وما أشبه اليوم بالأمس..؟!

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.