مقال قانوني يوضح التعديلات الدستورية الخاصة بمحكمة أمن الدولة الأردنية

د. ليث كمال نصراوين

أقرّ مجلس الوزراء قبل أيام مشروع قانون معدل لقانون محكمة أمن الدولة انسجاما مع التعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2011 التي حظرت في المادة (101) منها محاكمة أي شخص مدني في قضية جزائية لا يكون جميع قضاتها مدنيين، على أن يستثنى من ذلك جرائم الخيانة والتجسس والإرهاب و المخدرات وتزييف العملة. وقد تضمن مشروع القانون المعدل الذي أقرته الحكومة تأليف هيئات مدنية في محكمة أمن الدولة تتولى النظر في جميع الجرائم المنصوص عليها في المادة الثالثة من قانون محكمة أمن الدولة رقم (17) لسنة 1959 باستثناء الجرائم الخمسة التي حددها الدستور الأردني و بقي الاختصاص بنظرها لمحكمة أمن الدولة بقضاتها العسكريين.

إن التعديلات الدستورية على خلاف المطالب الشعبية الواسعة لم تقم بإلغاء محكمة أمن الدولة أو حتى التقليص من صلاحياتها القضائية، فمخطئ من يعتقد أن اختصاص محكمة أمن الدولة قد حصرته التعديلات الدستورية الأخيرة بجرائم خمسة على سبيل الحصر هي الخيانة والتجسس والإرهاب وجرائم المخدرات وتزييف العملة، ذلك أن التعديل الدستوري الأخير على المادة (101/2) من الدستور لم ينزع اختصاص محكمة أمن الدولة عن الجرائم الواردة في قانون إنشائها، وإنما فرض قيدا إجرائيا يتمثل في منع محاكمة أي شخص مدني أمام محكمة أمن الدولة في قضية جزائية لا يكون فيها جميع قضاتها مدنيين باستثناء الجرائم الخمسة المحددة على سبيل الحصر في الدستور التي يجوز بمفهوم المخالفة أن يحاكم أي شخص مدني عنها من قبل قضاة عسكريين أمام محكمة أمن الدولة.

وقد أيدت محكمة التمييز الأردنية كأعلى جهة قضائية في الأردن التفسير السابق في أحدث قراراتها المتعلقة بقضايا البورصات، حيث قضت المحكمة أن هذه القضايا تقع ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة على اعتبار أن التعديلات الدستورية لعام 2011 لم تنزع اختصاص محكمة أمن الدولة عن الجرائم الوردة في قانونها، إنما منعت فقط محاكمة أي شخص مدني في قضية جزائية لا يكون جميع قضاتها مدنيين، مما يبنى عليه أن محكمة أمن الدولة مختصة بالنظر في قضايا البورصات. وبناء على ذلك، فقد وجدت محكمة التمييز أنه يجب على محكمة أمن الدولة أن تنظر في هذه الدعوى من هيئة مؤلفة من قضاة مدنيين فقط، وحيث لم تقم محكمة أمن الدولة بإجراءات المحاكمة طبقا لذلك، فإن إجراءاتها القضائية تعتبر باطلة لمخالفتها أحكام الدستور.

إن مشروع قانون محكمة أمن الدولة الجديد سيسمح بإنشاء هيئات مدنية للنظر في القضايا الواقعة ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة، وهو الحكم الذي يتضمنه القانون الحالي في المادة (2) منه التي تعطي الحق لرئيس الوزراء في أحوال خاصة تقتضيها المصلحة العامة أن يشكل محكمة خاصة واحدة أو أكثر تدعى محكمة أمن الدولة تؤلف كل منها من ثلاثة من القضاة المدنيين و/أو القضاة العسكريين يعينهم رئيس الوزراء بناء على تنسيب وزير العدل بالنسبة للمدنيين، ورئيس هيئة الأركان المشتركة بالنسبة للعسكريين.

إن مثل هذا الحكم في قانون محكمة أمن الدولة الحالي يشكل تعارضا صارخا مع مبدأ استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية، ذلك أنه يعطي الحق المطلق لرئيس الوزراء بتعيين القضاة المدنيين في محكمة أمن الدولة، وهو ما يثير شكوكا حول تبعيتهم للسلطة التنفيذية التي عينتهم. فالقضاة المدنيون في محكمة أمن الدولة يجب اعتبارهم في حكم القضاة النظاميين الذين يخضعون لأحكام المادة (98) المعدلة من الدستور والتي تنص على إنشاء مجلس قضائي بقانون يتولى جميع الشؤون المتعلقة بالقضاة النظاميين، على أن يكون للمجلس القضائي وحده حق تعيين القضاة النظاميين وفق أحكام القانون.

وقد كان الأجدر بالمشرع الدستوري أن يحد من صلاحيات محكمة أمن الدولة من خلال نقل الاختصاص بالنظر في القضايا التي يوجب الدستور نظرها من قضاة مدنيين في محكمة أمن الدولة إلى المحاكم النظامية صاحبة الولاية العامة في القضاء على جميع الأشخاص في جميع المواد المدنية والجزائية وذلك تطبيقا لأحكام المادة (102) من الدستور الأردني. فموقف المشرع الدستوري من التعديلات الدستورية الأخيرة قد جاء متناقضا بعض الشيء، فتارة نجده يقوم بتفعيل المادة الدستورية السابقة والتأكيد على الولاية العامة للقضاء النظامي في الأردن وذلك في مناسبتين اثنتين هما محاكمة الوزراء والتي نقل اختصاصها القضائي من المجلس العالي لتفسير الدستور إلى المحاكم النظامية، والفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس النواب والذي نقل اختصاصها القضائي أيضا من مجلس النواب إلى محكمة الاستنئاف التابعة لها الدائرة الانتخابية للنائب المطعون بصحة نيابته من دائرته الانتخابية.

أما بخصوص محكمة أمن الدولة، فلم يتبع المشرع الأردني النهج ذاته واستمر في التنكر للولاية العامة للمحاكم النظامية في تقريره للاختصاص القضائي لهذه المحكمة الخاصة، بل أنه قد عزز من مكانة محكمة أمن الدولة عندما اشترط محاكمة الأشخاص المدنيين أمامها من قبل قضاة مدنيين فقط باستثناء الجرائم المحددة على سبيل الحصر في النص الدستوري.

فقد كان بإمكان المشرع الدستوري أن يوفق بين الآراء المؤيدة لبقاء المحكمة وتلك المعارضة لها من خلال الإبقاء على قضايا محددة مثل الخيانة والتجسس والإرهاب وجرائم المخدرات وتزييف العملة ضمن اختصاص محكمة أمن الدولة، وتحويل كافة القضايا الأخرى إلى المحاكم النظامية كإجراء أولي تمهيدي قبل إلغاء المحكمة بشكل كامل.

إن تعديل أحكام قانون محكمة أمن الدولة وإن كان ينسجم مع التعديل الدستوري الأخير نصا، إلا أنه يخالف روح الإصلاح وما التزمت به الحكومات الأردنية المتعاقبة من تكريس مبدأ الديمقراطية وسيادة الأمة كمنهج حكم والذي لا يتوافق مع الإبقاء على فكرة محكمة أمن الدولة كمحكمة خاصة يعين قضاتها المدنيون من قبل السلطة التنفيذية والتي حتما ستستغل هذه الصلاحية القانونية للتغول على حقوق الأردنيين وحرياتهم الأساسية.